الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن الثالث بأن يكون التقدير شبه كسير، وإن كانت ما بمعنى الذي، فسد لما يؤدي إليه
من
اختلال المعنى، وذلك أن كسيرًا يكون خبرًا ليزال، فيكون المعنى: فما يزال كسيرًا على الحقيقة، أو شبه كسير، ثم قوله: كأنه من التي يقمن على الثلاث، تشبيه للشيء بشيء آخر هو على حاله؛ لأنه على هذا إنما شبه بالخيل التي تقوم على الثلاث، فصار قائلًا: كأن هذا القائم على الثلاث من الخيل القائمة على ثلاث، لخروج كسيرًا عن خبر كأن، ودخوله في خبر ما يزال، هذا إن جعلت كسيرًا وكأنه خبرًا بعد خبر، فإما أن لم تجعله كذلك، فسد لذلك، ولكون كأن مع ما في حيزها عن الربط بما هو معها، وذلك فاسد، هذا آخر كلام ابن الحاجب، وسبب هذا كله حمل كسير على خلاف الصحة، وعدم حمل "مما يقوم" على المبالغة، ولله در ابن الشجري في غوصه على المعاني الدقيقة، وهذا البيت لم أقف على قائله.
(مِنْ)
أنشد فيه، وهو الإنشاد الخامس والعشرون بعد الخمسمائة:
(525)
تخُيِّرْنَ مِنْ أَزْمَانِ يَوْمِ حَلِيمَةٍ
…
إلى الْيَوْمِ قَدْ جُرِّبْنَ كُلَّ التَّجَارِبِ
على أن "مِنْ" ابتدائية في الزمن، قال أبو حيان في "شرح التسهيل" بعد إيراد الشواهد الكثيرة: وكونها لابتداء الغاية للزمان مختلف فيه، مَنَعَ من ذلك البصريون، وأثبته الكوفيون، وهو الصحيح، وقد كثر ذلك في لسان العرب نَثْرِها ونظمها كثرة تسوغ القياس وتأويل البصريين لذلك مع كثرته ليس بشيء، وذهب ابن الطراوة إلى أنك إذا أردت الانتهاء في الزمان والابتداء فيه أتيت بإلى ومِنْ، كما أن ذلك يكون في المكان كذلك، فلابد من "من" إذا أردتهما، قيل له: إذا أردت ذلك
في الزمان، استعملت مذ، فتقول: ما رأيته مذ يوم الجمعة إلى يوم الأحد، فزعم أن هذا لا يجوز؛ لأن قولك: ما رأيته مذ يوم الجمعة يفهم منه أن انقطاع الرؤية اتصل إلى آخر الإخبار، فلا يحتاج هنا إلى حرف الانتهاء، وإنما يحتاج إلى حرف لا يستغرق الوقت نحو "من" فلابد من دخول من على الزمان في هذا الموضع، انتهى.
والبيت من قصيدة النابغة الذبياني مدح بها عمرو بن الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر: ملوك الشام الغسانيين، وقبله:
وَلا عَيْبَ فِيِهمْ غَيْر أَنَّ سيوفَهُمْ
…
بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الكتَائِبِ
وقد شرحنا أبياتًا من أول القصيدة التي في الإنشاد الثامن والستين بعد المائة.
وبعده
تَقُدُّ السَّلُوقيّ المُضَاعَفَ نَسْجُهُ
…
ويُوقِدْنَ بالصُّفَّاحِ نَارَ الحبُاحِبِ
بِضَرْبٍ يُزِيلُ الهامَ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ
…
وطَعْنٍ كإيزَاغِ المَخَاضِ الضَّوَارِبِ
فَهُمْ يَتَسَاقَونَ المَنِيَّةَ بَيْنَهُمْ
…
بأيْدِيِهمُ بِيضٌ رِقَاقُ المَضَارِبِ
يَطِيرُ فُضاضًا بَيْنَهُمْ كُلُّ قَوْنَسٍ
…
ويَتْبَعُها مِنْهُمْ فَرَاشُ الحَوَاجِبِ
رِقَاقُ النِّعَالِ طَيْبٌ حُجُزَاتُهُمْ
…
يُحَيَّونَ بِالرَّيحَانِ يَوْمَ السَّبَاسِبِ
تُحيَيِّهِمُ بِيضُ الوَلائِدِ بَيْنَهُمْ
…
وَأَكْسِيَةُ الإضْرِيجِ فَوْق المشاجِبِ
يَصونُونَ أَجْسَادًا طَوِيلًا نَعِيمُها
…
بخالِصَةِ الأردانِ خُضْرِ المَنَاكِبِ
وَلا يَحْسَبُونَ الخَيْرَ لا شَرَّ بعْدَهُ
…
وَلا يحْسَبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لا زِبِ
حَبَوْتُ بها غَسَّانَ إذْ كُنْتُ لاحقًا .. بِقَوْمٍ وَإذْ أَعْيَتْ عَلَيَّ مَذاهِبي
وهذا آخر القصيدة، وقوله: تخيرن بضمتين: فعل ماض مجهول، والنون ضمير السيوف من تخيرت الشيء: إذا انتخبته، وروي:"تورثن"، وكذلك جُرين بالبناء للمفعول من التجربة، والتجارب بكسر الراء جمع تجربة.
وحليمة: هي بنت الحارث بن أبي شمر الغساني ملك عرب الشام، وفيها سر المثل، فقيل:"ما يوم حليمة بسر"، أي: خفي، وهذا اليوم هو اليوم الذي قُتل فيه المنذر بن المنذر ملك عراق العرب، فسار بعربها إلى الحارث الغساني، وكان في عرب الشام، وهو أشهر أيام العرب، وإنما نسب اليوم إلى حليمة؛ لأنها حضرت المعركة مخضضة لعسكر أبيها، فتزعم العرب أن الغبار ارتفع في يوم حليمة حتى سد عين الشمس، وظهرت الكواكب المتباعدة من مطلع الشمس، فسار بها المثل اليوم، فقال: لأرينك الكواكب ظهرًا، كذا في "كامل المبرد"، وفي "أمثال حمزة الأصفهاني".
وقال شارح ديوان النابغة: كانت حليمة من أجمل النساء، فأعطاها أبوها طيبًا، وأمرها أن تطيب من مر بها من جنده فجعلوا يمرون بها، وتطيبهم، فمر بها شاب، فلما طيبته تناولها، فقبلها، فصاحت، وشكت ذلك إلى أبيها، فقال: اسكتي، فما في القوم أجلد منه حين فعل هذا بك، واجترأ عليك، فإنه إما أن يبلي غدًا بلاءً حسنًا، فأنت امرأته، وإما أن يقتل فذاك أشد عليه مما تريدين به من العقوبة، فأبلى الفتى، ثم رجع، فزوجه إياها.
وقوله: تقد السلوقي، القد: قطع الشيء طولًا، والقط: قطعه عرضًا، وروي: تجذ، بالجيم والذال المعجمة، بمعنى تقطع، والضمير المؤنث للسيوف، وكذا النون في يوقدن، قال الأصمعي وأبو عبيدة: سلوق: مدينة بالرقة، وقال أبو عمرو: مكان باليمن تنسب إليه الدروع السلوقية، والكلاب السوقية، وإنما قال المضاعف نسجه؛ لأنه أشد على السيوف، والصفاح بالضم والتشديد: حجارة عراض، يقول: تقطع هذه السيوف الدروع والرجل وكل شيء حتى تصل إلى الحجارة، فتوري فيها، أي: تقدح، ونار الحبُاحب: النار الضعيفة، ونار
حوافر الخيل، وهذا مبالغة، وقال أبو عبيدة: لا يريد ها هنا الصخر، ولكن صفاح البيض، و [ما على] الساعدين من الحديد.
وقوله: يضرب يزيل الهام، هو الرأس، وسكناته: حيث يسكن ويستقر، وقوله: كإيزاغ المخاض: هي الإبل الحوامل، وإيزاغها: نفحها للبول، شبه خروج الدم من الجراح بنفح المخاض، يقال: إن الناقة إذا حملت، فكلما دنوت منها أوزغت ببولها، وضربت برجلها، والإيزاغ بمعجمتين في "القاموس":
وزغت الناقة ببولها كوعد: رمته دفعة دفعة، كأوزغت به.
وقوله: فهم يتساقون المنية، يقول: إنهم يتشاركون في شرب كأس المنية في الحروب وبأيديهم السيوف، يريد: أنهم لا يقتلون وهم فارون، ورقاق جمع رقيق، أي: حديد قاطع، ومضرب السيف بكسر الراء: موضع قطعة، وهو أسفل من رأسه بشبر.
وقوله: يطير فضاضًا: الفضاض، بضم الفاء: المتفوق، وروي: رضُاضًا بالضم، أي: قطعًا، والقونس: أعلى البيضة، والفراش: بالفتح: العظام الرقيقة، وروي:"يطير فضاضًا تحتها"، أي تحت السيوف.
وقوله: رقاق النعال، يريد أنهم ليسوا بأصحاب مشي ولا تعب؛ لأنهم ملوك ولا يلبسون إلا نعالًا من جلود مدبوغة بخلاف السوقة فإن نعالهم غليظة غير مدبوغة، وإن ظفر بها الكلب أكلها، وقوله: حجزاتهم بضمتين، جمع حجزة، وهو موضع التكة من السراويل، ويقول: هم أعفاء الفروج لا يحلون أزررهم لريبة، والسباسب: عيد كان لهم في الجاهلية، وقال أبو عبيدة: كل عيد العرب يسمونه سباسب، وقال صاحب "القاموس": السباسب: السعانين، بالسين المهملة، وهو عيد للنصارى قبل الفصح بأسبوع يخرجون فيه بصلبانهم.