الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأرض من الكلأ، والخليع: الذي خلعه أهله لجناياته، وتبرؤوا منه. وعليك: اسم فعل بمعنى الزم، والحوض: مفعوله، والصفو، بفتح الصاد المعجمة وكسرها وسكون الغين المعجمة: الجانب المائل، والسجل: الدلو العظيمة، وطرّب في صوته بالتشديد: رجّعه ومدده.
والنجاشي: اسمه قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث بن كعب، قال ابن قتيبة في كتاب "الشعراء": كان النجاشي فاسقًا، رقيق الإسلام، ومر في شهر رمضان بأبي سماك العدوي بالكوفة فأخذه إلى منزله، فأكلا وشربا، فلما أخذ فيهما الشراب، تفاخرا وعلت أصواتهما، فسمع جار لهما فأتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فأخبره، فأرسل في طلبهما فأما أبو سماك فإنه شق الخص فهرب، وأخذ النجاشي، فأتي به عليّ بن أبي طالب، فقال: ويحك ولداننا صيام وأنت مفطر؟ ! فضربه ثمانين سوطًا، وزاده عشرين سوطًا، فقال: ما هذه العلاوة يا أبا الحسن؟ قال: هذه لجراءتك على الله في شهر رمضان، ثم رفعه للناس في تبان- كرمان- وهو شبه السراويل يستر العورة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والثمانون بعد الأربعمائة:
(481)
فلو كنت ضبيًا عرفت قرابَنْي
…
ولكن زنجي عظيم المشافرِ
على أن اسم "لكن" محذوف تقديره: ولكنك، قد قدمنا في شرح قوله:"فليت دفعت الهم عني ساعة" أن صاحب "اللباب" وغيره منعوا حذف اسم إن إذا كان غير ضمير الشأن، وجوزه الرضي في الشعر بقلة، وضعفوه، وأنشد هذا البيت، فغن قلت كيف يصنع صاحب "اللباب" بهذا البيت؟ قلت: إما يذهب إلى ما ذهب إليه الرضي، وإمّا أن اسم لكن ضمير الشأن، وزنجي خبر مبتدأ محذوف،
والتقدير: ولكنه أنت زنجيٌ، وفيه أن خبر ضمير الشأن لا بدّ من التصريح بذكر جزئي الجملة، قال سيبويه في باب الحروف الخمسة: وروى الخليل أن ناسًا يقولون: إن ربك زيد مأخوذ، فقال: هذا على قوله: إنه ربك زيدٌ مأخوذٌ، وشبَّههُ بما يجوز في الشعر نحو قوله:
ويومًا توافينا بوجهٍ مقسمٍ
…
كأن ظبيبة تعطو إلى وارقِ السلَمش
أي: كأنها، وقال الآخر:
ووجهٍ مشرقِ اللونِ
…
كأن ثدياهُ حقَّانِ
لأنه لا يحسن ههنا إلا الإضمار، وزعم الخليل أن هذا يشبه قول الفرزدق: فلو كنت ضبيًّا
…
البيت.
والنصب أكثر في كلام العرب، كأنه قال: ولكن زنجيًا عظيم المشافر لا يعرف قرابي، ولكنه أضمر هذا كما يضمر ما بني على الابتداء، نحو قوله تعالى:(طاعة وقولٌ معروفٌ)[محمد/21] أي: طاعة وقول معروف أمثل، وقال الشاعر:
فما كنت ضفاطًا ولكن طالبًا
…
أناخ قليلًا فوق ظهرِ سبيلٍ
أي: ولكن طالبًا منيخًا أنا، فالنصب أجود، لأنه لو أراد إضمارًا لخفف، ولجع المضمر مبتدأ، كقولك: ما أنت صالحًا، ولكن طالح، ورفعه على قوله: ولكن زنجيّ. انتهى كلام سيبويه. قال السيرافي: من نصب حذف الخبر، وهو لا يعرف قربني، وإنما صار النصب أكثر وأولى، لأنّ إظهار ما هو الأصل المبني عليه أولى إذا حُذف المفهوم، ومن رفع، حذف الاسم، ويكون تقديره: ولكنك
زنجي، وجاز الوجهات كما يجوز في باب الابتداء حذف الاسم مرة، وحذف الخبر مرة، ومثله في الحذف: وما كنت ضفاطًا
…
فالنصب أجود، لأنه لو أراد إضمارًا لخفف، ولجعل المضمر مبتدأ، ورفعه على قوله: ولكن زنجي والضفاط: الذي يحمل طعامه إلى مكان فيبيعه. وأخبرنا ابن دريد أن الضفاف لِعابُ الدفِّ. انتهى.
وقال أبو علي في تعليقته على "الكتاب": قوله: وزعم الخليل أن هذا يشبه قول الفرزدق، قال أبو علي: فيشبهه في أن الإضمار مراد في لكنّ، كما أنه مراد في "كأن ثدياه" إلا أن النصب بعد لكنّ أحسن، والرفع في "كأن ظبية" و"كأن ثدياه" أحسن، لأنهم جعلوا حذف أن وتخفيفها علامة لحذف الإظهار، وحذف الضمير من إن وكأن حسن عنده، لأن تحفيفهما يدل على الإضمار، فيهما إذا لم يخففا إلا على هذه الشريطة، فكأنَّ المحذوف مثبت لوجود ما يدل عليه، وليس هذا في لكنّ وإنّ. انتهى.
والبيت من قصيدة للفرزدق في هجو رجل من ضبة نفاه عن ضبة، ونسبه إلى الزنج، وأما القرابة التي بينه وبينه فهي أن الفرزدق من تميم بن مُرّ بن أُدّ بن طانجة وضبة هو ابن أدّ بن طانجة، والمشافر: جمع مشفر، بكسر الميم، وهي شفة البعير، واستعيرت هما لذلك الرجل لما قصده من بشاعة خلقته، وقافية البيت هكذا اشتهرت عند النحويين، وصوابه:
ولكنّ زنجيٌ غليظٌ مشافرُهْ
وهو من قصيدة هجا بها أيوب بن عيسى الضبي، وبعده:
متت له بالرحم بيني وبينهُ
…
فألفيته مني بعيدًا أواصرهُ
وقلتُ امرؤ من آل ضبة فاعتزِي
…
لغيرهم لون استه ومحاجرُهْ
فسوف يرى النوبي ما اكتدحت له
…
يداهُ إذا ما الشعرُ عنت نواقرُهْ
ستلقى عليك الخنفساء إذا فستْ
…
عليك من الشعر الذي أنت حاذرهْ
وتأتي ابن زبِ الخنفساء قصيدةٌ
…
تكون له مني عذابًا يباشرُهْ
والسبب في هذا ما حكاه صاحب "الأغاني" أن الفرزدق هجا خالد بن عبد الله القسري، وذكر المبارك النهر الذي حفره بواسط، فبلغه ذلك، فكتب خالد إلى مالك ابن المنذر أن احبس الفرزدق، فإنه هجا نهر أمير المؤمنين بقوله:
أهلكتْ مال الله في غير حقهِ
…
على النهرِ المشؤومِ غير المباركِ
فأرسل مالك إلى أيوب بن عيسى الضبي فقال: ائتني بالفرزدق، فلم يزل يعمل فيه حتى أخذه، فلما قيل لمالك، هذا الفرزدق، انتفخ وريده غضبًا، فلما أُدخِلَ عليه قال:
أقول لنفسي حين غصت بريقِها
…
ألا ليت شعري ما لها عندَ مالكِ
لها عنده أن يرجع الله روحهُ
…
إليها ونتجو من عَظِيمِ المهالكِ
فسكت مالك وأمر به إلى السِّجن، فهجا أيوب بن عيسى بتلك القصيدة، ثمَّ مدح خالد القسري ومالك بن المنذر، فلما لم ينفعه مدحهما مدح هشامًا، واعتذر إليه:
ألكني إلى راعي البرية والذي
…
له العدلُ في الأرضِ العريضةِ نورًا
إذا قال غاوٍ من معدّ قصيدةً
…
بها جربٌ كانت وبالًا مدمرًا
أينظمها غيري وأرمى بجرمِهَا
…
وكيف ألومُ الدهر أن يتغيرَا
لئن صبرتْ نفسي لقد أُمرتْ بهِ
…
وخيرُ عباد الله من كان أصْبرَأ
وكنت ابن أحذار ولو كنت خائفًا
…
لكنت من العصماءِ في الطّودِ أحذرا
ولكن أتوني آمنًا لا أخافُهُمْ
…
نهارًا وكان اللهُ ما شاء قدَّرا
ثمّ إنه مدحه بقصيدة، وأشخص بها ابنه إلى هشام، فأعانته القيسية،