الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من قرى العراق، يريد أني لم أكن من العرب، بل من المولودين إن صح ما لحنتي فيه.
والبيت من قصيدة له مدح بها هشام بن عبد الملك وهجا جريرًا، وأولها:
ألستمْ عائجينَ بنا لَعَنَّا
…
نرى العرصات أو أثرَ الخيامِ
فقالوا إنْ عرضتَ فأغنِ عنَّا
…
دُمُوعًا غير راقئةِ السجامِ
فكيف إذا مررت بدارِ قومٍ
…
البيت.
والهمزة للاستفهام التقريري، وعائج: اسم فاعل من عجت البعير أعوجه عوجًا: إذا عطفت رأسه بالزمام، ولعنا: لغة في لعلّنا، وعرصة الدار: ساحتها، وعرضت: أتيت العروض وهي مكة والمدينة وما حولهما، وروى ابن سلام الجمحي في "الطبقات" بدله:"إذا وقفت، وكيف إذا رأيت ديار قوم، وأغن عنا" أمر من أغنيت عنه، أي: أجزأت عنه، أراد أن أصحابه لم يوافقوه على عطف الزمام، ودموعًا، أي: بدموع، وراقئة بالهمزة من رقأ الدمع رقُوءًا: إذا سكن، والسّجام مصدر سجم الدمع، أي: سال، وقوله: فكيف إذا مررت
…
إلى آخره، كيف: استفهام فيها معنى التعجب، وهي ظرف عاملها محذوف، والتقدير: كيف يكون حالي، وترجمة الفرزدق تقدّمت في الإنشاد الثاني من أول الكتاب.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السبعون بعد الأربعمائة:
(470)
…
لعلَّمَا
…
أضاءتْ لكَ النَّارُ الحمارَ المُقيَّدَا
على أنَّ لعل إذا اتصلت بها ما الكافة كفتها عن العمل. قال أبو حيان في "التذكرة": صارت لعل بما الكافة ابتداء يقع بعدها الفعلية والاسمية، ولهذا لم تعمل، لأنه زال اختصاصها، وزعم ابن درستويه أن "ما" ههنا اسم بمنزلة المضمر المجهول، والجملة تفسره، ولم يتنزل شيء من الأسماء بمنزلة هذا المضمر، فيكون هذا مثله، وعدموا وجوه "ما" الاسمية، ولم يذكروا هذا، ولا وجد له نظير، فالقول به باطل. انتهى كلامه. وفي "شرح أبيات الإيضاح" للفارسي: لا تكون ما بمعنى الذي.
لأنَّ القوافي منصوبة، ولا يتقدم خبرها على اسمها، ويجوز أن بمعنى الأمر، والجملة بعدها في موضع خبرها كما قالوا: إني مما أن أفعل، وذهب ابن درستويه وبعض الكوفيين إلى أنها نكرة مبهمة، ويقوي ما ذكرته قوله: أضاءت بلفظ الماضي، أي: لعل الأمر أضاءت. هذا كلامه، وقد رده أبو حيان، والبيت من مقطوعة للفرزدق هجا بها جرايرًا يخاطب بها عمر لجأ التيميّ، وهي:
رأي عبدُ قيسٍ شوَّرتْ بها
…
يَدَا قابسٍ أهْوَى بها ثُمَّ أخمدَا
عسى أنْ يُعيدَ المُوقدُ النارَ فالتمسْ
…
بعينيك نارَ المصطَلِي حيثُ أوقدا
أعِد نظرًا يا عَبْدَ قيْسٍ لعلَّمَا
…
أضاءت لكَ النارُ الحمارَ المقيدَّا
حمارَ كليبينَ لم يشهدوا بهِ
…
رهانًا ولم يلفوا على الخيل روَّدا
ولا شهدوا يوم النِّسارِ ولمْ تعُدْ
…
نساؤهمُ مِنْهُمْ كميًا مُوَسَّدا
حمارٌ بمروُّتِ السُخَامَةِ قارَبَتْ
…
كليبيةٌ قينيهْ حتى ترَدَّدَا
كليبيةٌ لم يجعل الله وجههَا
…
كريمًا ولم تُزجِر لها الطيرُ أسْعُدا
إلى أن قال بعد خمسة أبيات:
لئنْ عبث نار ابنِ المراغةِ إنها
…
لأ لأمُ نارٍ مصطلينَ وموقِدًا
إذا ثقبوها بالكدادةِ لم تضِئ
…
رئيسًا ولا عندَ المنيخينَ مرفدًا
ولكن ظرابي عندها يصطلونها
…
يصُفُّونَ للزِرَّبِ الصفيحَ المُسنَدَّا
قنافذ درَّامون حولَ جحاشهمْ
…
لما كانَ إيَّاهُمْ عطيةُ عُوَّدَا
أوردها ابن حبيب في "النقائض". وقال: عبد قيس هذا: عدي بن الجندب بن العنبر، وشوّرت بها: أشارت بها أو رفعتها يعني النّار، وقابس: مقتبس، وأخمد: أطفأ، انتهى. وهو من رهط جرير، وأراد بالخفقة: التهاب النار، وصوت حريقها،
يقول: رأى التهاب نار أوقدها قابسُها، ثمَّ أخمدها بقطع الوقود عنها، وقوله: أعد نظرًا إلى آخرها. أضاء هنا متعد، أي: بيّن لك ضوء النار، وأشار إلى أنهم أهل ذلة وقلة لا يأمنون من يطرقهم، فلذلك قيدوا حمارهم، وهذا بخلاف قول الأخنس بن شهاب التغلبي حيث أشار إلى كثرتهم وعزتهم بقوله:
وكلُّ أناسٍ قاربوا قيدَ فحلِهْمِ
…
ونحن خلعنا قيده فهو سَارِبُ
وقال ابن جني: يهزأ به يقول: أنت صاحب حمير، فإنما أضاءت لك النار ما تعالجه، ولست بصاحب خيل. انتهى.
وقال الخوارزمي: يهجوه بأنهم يقيدون الأتن ليأتوها، قاله أبو علي الدقاق وهذا كلام من لم يقف على سياق الأبيات، وغفلة عن لفظ الحمار، وروى أبو بكر الصولي بسنده عن أبي زيد الأنصاري أنه قال: كان المفضل إذا لم يرض الجواب، أنشد:
أعِدْ نظرًا يا عبدَ قيسٍ
…
البيت
وقال ابن حبيب بعد قوله: الحمار المقيّدا: يعني حمارًا من حمير بني كُليب، لأنهم أصحاب حمير. انتهى. وبنو كليب رهط جرير، وقوله: حمار كليبين بالنصب بدل من الحمار المقيد، ويوم النّسار، بكسر النون، يوم من أيام العرب، والكمي: الشجاع، والموسّد: الجريح المتكئ على وسادة، ومرّوت السّخامة: موضع له يوم، وقاربت: ربطت، وقيناه: وظيفاه، والوظيف: موضع الشكال من قوائم الدابة، وتردد، أي: دار يرعى بقرب منها، وقوله: لئْن عبت، الخطاب لعمر بن نجأ، وابن المراغة: لقب جرير: لقبه به الفرزدق، والمّراغة: الأتان، ومصطلين: تمييز من ألأم، والكُدادة بالضم، قال ابن حبيب: اسم موضع بالمرّوت، وموضع "ظرابي" نصب يعني تضيء ظرابيًا، والصفيح: صخور رقاق عراض،
والزرَّب: حظيرة للغنم، وجمعها زِراب. انتهى. وثقبوها: حركوها بعود لتتقد، وإنما وصف نارهم بقلة الإضاءة إشارة إلى خستهم وبخلهم لا يوقدون حطبًا كثيرًا لئلا يقصدهم الضيوف، والكريم يوقد ناره في أعلا موضع، ويكثر وقودها حتى يراها الضيف والمنقطع من مكان بعيد، فيقصده، وأما هؤلاء فقد أوقدوا نارهم في الزرب، وأسندوا عليه الحجارة العراض حتى لا يظهر ضؤوها لأحد فيقصدهم، ومع ذلك، فلا يوقدونها بشدة، فلا تبين الرئيس منهم، والمنيخ: الضيف الذي ينيخ راحلته، والمِرفَد بالكسر: القدح الضخم، وقوله: ولكن ظرابي هو جمع ظربان بفتح فكسر: دويبة كالهرّة منتنة الفساء إذا فَسَت بين إبل تشرَّدت من نتنه، وتأتي إلى جحر الضب، فتفسو فيه، فيسدر من خبث رائحته، فتأكله، وإذا فست في ثوب لم تذهب رائحة النتن منه حتى يبلى، شبههم بهذه الدابة، فلا يقدر أحد يقربهم بنتن فساهم. وقوله: قنافذ درّامون، قال ابن حبيب: درّامون: يمشون مشيًا متقاربًا في سرعة، ويقال: درامون: ضراطون. انتهى. وجحاش: جمع جحش، وعطية: أبو جرير.
وقال ابن سلّام الجمحي في ترجمة جرير من "طبقات الشعراء": حدثني حاجب بن يزيد بنِ شيبان بن علقمة بن زرارة قال: قال جرير بالكوفة:
لقد قادني من حب ملوية الهوَى
…
وما كنت إلفًا للحبيبة أقوَدَا
أحب ثَرَى نجدٍ وفي الغور حاجةٌ
…
فغار الهوى يا عبد قيسٍ وأنجدَا
أقولُ له يا عبد قيسٍ صبابةً
…
بأي ترى مستوقد النار أوقدًا
فقال أراها أرثت بوقودهَا
…
بحيث استفاض القمع شيحًا وغرْقَدا
فأعجب الناس، وتناشدوها، فحدثني جابر بن جندل قال: فقال جرير: أأعجبتكم هذه الأبيات؟ قالوا: نعم، قال: كأنكم بالقينِ –يعني الفرزدق- قد قال: