الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مَهْمَا)
أنشد فيه:
ومهما تكن عند امريء من خليقةٍ
…
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وتقدَّم شرحه في الإنشاد الثلاثين بعد الخمسمائة. قال أبو حيّان: وذهب أبو زيد السهيلي إلى أنَّ "مهما" تكون اسمًا، وتكون حرفًا، فإذا عاد عليها الضمير كانت اسمًا، وإن لم يعد عليها ضمير كانت حرفًا، واستدل على حرفيتها بقول زهير، ووجه استدلاله أنه أعرب "مهما" حرف شرط بمعنى إن، و"مِنْ خليقة" اسم تكن، ومن زائدة، وإليه ذهب أبو محمد بن السيد، ولا حجة فيه، لأنه يمكن أن يكون في تكن ضمير مهما، وأنثه حملًا على المعنى، لأنها واقعة على الخليقة، و"عند امرئ" في موضع الخبر، ومن خليقة: تفسير، ويلزم على قول السهيلي: أن تزاد "من" في الواجب، وهو مذهب ضعيف، والصحيح اسميتُها، ولا توجدُ في كلامهم إلا مبتدأة عائدًا عليها ضمير، أو مفرغًا لها العامل، فتكون معمُولة له نحو:
مهما تصب أفقًا من بارق تشم
فمهما: مفعول مقدم لتصب، وأفقًا: منصوبٌ على الظرف. انتهى.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن والثلاثون بعد الخمسمائة:
قد أوبيت كل ماء فهي صاوية
…
مهما تصب أفقًا من بارق تشم
على أن السهيلي استدل به على حرفية مهما، ورده المصنف، وقد تكلمنا
على إعرابه مبسوطًا في الشاهد الرابع بعد الستمائة من شواهد الرضي، وفي شرح البيت الثالث من حاشيتنا على "شرح قصيدة بانت سعاد" للمصنف، فأغنانا ذلك عن الكلام هنا.
والبيت من قصيدة لساعدة بن جؤية الهذلي المخضرم وتقدم شرح مطلعها مع أبيات بعده في الإنشاد الثاني والستين، وقبله:
تالله يبقى على الأيام ذو حيدٍ
…
أدفى صلود من الأوعال ذو خدم
وتقدَّم شرح هذا البيت أيضًا في الإنشاد الثالث والخمسين بعد الثلاثمائة في بحث اللام برواية: "لله يبقى" على أن اللام للقسم والتعجب معًا، وحذف لا النافية من جواب القسم، والأصل: تالله لا يبقى، وذو حيد: الوعل، بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية، جمع حيد، بفتح فسكون، وهي العقد في قرن الوعل، والأدفى بالقصر: الذي يميل قرنه إلى نحو ظهره، وصلود: صفته وهو الذي يقرع بظلفه الجبل، والخدم: بفتح الخاء المعجمة، خطوط بيض في قوائمه تشبه الخلاخيل، ثم وصف تحصنه في رؤوس الجبال في ثمانية أبياتٍ، ولما جاء أجله، ما سلم من الصياد، فهلك على يديه، وقال:
فكان حتفًا بمقدار وأدركه
…
طول النهار وليل غير منصرم
يعني: لم يفلت من طول الأيام والليالي.
ولا صوار مذراة مناسجها
…
مثل الفريد الذي يجري من النظم
معطوف على ذو حيد، والصوار، بكسر الصاد المهملة: جماعة البقر، ونعجة مذراة، وكبش مذرّي، بالذال المعجمة: إذا جز وترك بين كتفيه صوف ولم يجز، وهو الذِرواة، بكسر الذال وضمها، والنظم: بضمتين: جمع نظام، وهو الخيط الذي فيه اللؤلؤ، يقول: الصوار مثل اللؤلؤ في الحسن والبياض.
ظلت صوافن بالأرزان صاوية
…
زفي ما حق من نهار الصيف محتدم
قد أوبيت كل ماء فهي صاوية
…
مهما تصب أفقًا من بارق تشم
حتى شآها كليلٌ موهنًا عمِلَ
…
باتت طرابًا وبات الليل فم ينم
كأنما يتجلى عن غواربه
…
بعد الرقاد تمشي النار في الضرم
حيران يركب أعلاه أسافله
…
يخفي تراب جديد الأرض منهزم
فأسأدت دلجًا تحيي لموقعه
…
لم تنتشب بوعوث الأرض والظلم
حتى إذا ما تجلى ليلها فزعت
…
من فارس وحليف الغرب ملتئم
فافتنها في فضاء الأرض يأفرها
…
وأصحرت في قفاف ذات معتصم
أنحى عليها شراعيا فغادرها
…
لدى المزاحف تلى في نضوح دم
قوله: ظلت صوافن، أي: قد رفعن إحدى قوائمهن، والصوافن: التي تفرِّج بين رجليها، والأرزان، جمع رزن، بكسر المهملة وسكون المعجمة: الموضع الغليظ الذي فيه الماء، وصاوية بالصاد المهملة: اليابسة من العطش، والماحق: شدة الحر، والمحتدم، بمهملتين: المحترق، أي: كان ذلك اليوم محترقًا من شدة الحر.
وقوله: قد أوبيت .. إلى آخره، قال أبو حنيفة في كتاب "النبات": وصف ساعدة بن جؤية بهذه الأبيات حميرًا، وأوبيت: منعت، وقال السكري: يقول: منعت كل ماء، أي: قطع عنها، يقال: طعام وشراب لا يؤبى: لا ينقطع. انتهى. وصف حميرًا قد أجهدها العطش، فيبست أجوافُها، وهي لا تقدم على ماء الأنهار والعيون فزعًا من الصائد، فهي تشيم البرق، وترتقب نزول المطر لترده، والصاوية، بالصاد المهملة: اليابسة من العطش، وقوله: مهما تصب أفقًا. قال السكري: أي ناحية من بارق، أي: من سحاب فيه بارق، وتشم: تنظر إليه، والضمير في الجميع للصوار، وروى الجمحي:
مَهْمَا يُصِبْ بَارِقٌ آفاقَهَا تَشِمِ
وقوله: حتى شآها، الضمير للصوار، قال أبو حنيفة: أي شاقها، وفيه قلب، يقال: شاءنى يشوءني، أي: شاقني، والكليل: البرق الضعيف، وقد يستحب أن يكون كليلًا، والعَمِل، بفتح العين وكسر الميم: الدائب الذي لا يفتر، والطراب: التي استخفها الفرح، والموهن: بعد ساعة من نصف الليل، وضمير بات للبرق الكليل، وقوله: كأنما يتجلى، أي: البرق الكليل، والقوارب، أعالي السحاب، والضرم: ما دق من الخطب فالنار تسرع فيه.
وقوله: حيران يركب .. إلى آخره، قال السكري: يعني هذا السحاب لا يمضي على جهته قد حار، فهو يتردد، وقوله: يخفي تراب الأرض، أي: يظهر ترابها، من خفاه بمعنى أظهره، يعني أن المطر يظهر التراب، وجديد الأرض بالجيم: أرض صلبة لم تحفر، ومنهزم: منخرق، يقول: هذا السحاب قد انخرق بالماء، وقال أبو حنيفة: حيران، أي: لا جهة له، فهو ماكث، وخفاه: أظهره يعني: أن سيله يشق الأرض، فيظهر باطنها، ومنهزم: منشق بالماء.
وقوله: فأسادت دلجًا، قال أبو حنيفة، الإساد: سير الليل كله، وكذلك الدلج، وتحيي لموقعه: يريد تحيي الليل لموقع هذا الغيث تسير إليه، ولم تنتشب: لم تنحبس، أي: لم يَعُقها وعوث الأرض، يعني تحيي ليلتها جمعاء لموقع ذلك السحاب لتبلغه، والوعث: اللين وهو يحبس.
قوله: يتجلى ليلها، أي: بالصباح، وحليف: صاحب، والغرب: الحديد، وأراد به رمحًا حديد السنان، وملتئم: يشبه بعضه بعضًا، لا يكون كعب منه دقيقًا والآخر غليظًا.
وقوله: فافتنها يريد انشق بها في ناحية من "فنن"، وقيل: افتنها: طرحها، ويأفرها: يسوقها، من الأفر، وهو عدو فيه قفز، وأصحرت: صارت في صحارى، وقِفاف جمع قُفّ، بالضم، وهو ما غلظ من الأرض وارتفع، والمعتصم: الملجأ.
وأنحى عليها، أي: أهوى إليها الفارس بالرمح، والشُّراعي، بضم الشين المعجمة: الرمح الطويل، وغادرها: تركها، وتليّ: جمع تليل، كصرعى: جمع صريع وزنًا