الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والدر في الأصل: اللبن، يقال في المدح: للهِ دَرُّه، أي: عمله. وقوله: ما أجن صدري! هو صيغة تعجب من الجنون، قال صاحبُ "الصحاح": وقولهم في الجنون: ما أجنّه! شاذلا يُقاس عليه.
وقد صار البيت الأوَّل مثلًا عند العلماء للتأويل المذكور فيما ظاهرُه الاتحاد بين الموضوع والمحمول، قال صاحب "الكشاف" عند قوله:(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)[الواقعة: 10] المراد: السابقون من عرفت حالهم، وبلغك وصفهم كما في "شعري شعري"، أي: شعري ما بلغك وصفُه، وسمعت ببراعته وفصاحته، وصحَّ إيقاع "أبي النجم" خبرًا لتضمنه نوع وصفية واشتهار بالكمال، والمعنى: أنا ذلك المعروف بالكمال، وشعري هو الموصوف بالفصاحة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السادس والثلاثون بعد الخمسمائة:
ياشاة من قنص لمن حلت له
…
حرمت عليه وليتها لم تحرم
على أنَّ "مَنْ" فيه عند الكسائي زائدة، ورأيت في تفسير الفراء كلامًا يتعلق بزيادتها لم يفصح عنه، قال عند قوله تعالى:(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ)[آل عمران/ 159] العرب تجعل ما صلة، في المعرفة والنكرة واحدًا، قال الله تعالى:(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ)[النساء: 155] والمعنى: فبنقضهم، و (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ)[المؤمنون/ 40] والمعنى عن قليل، وربما جعلوها اسمًا وهي في مذهب الصلة، فيجوز فيما بعدها الرفع على أنه صلة، والخفض على اتباع الصلة لما قبلها، قال الشاعر:
فكفى بنا فضلًا على ما غيرنا .. البيت
وترفع "غير" إذا جُعلت صلة بإضمار "هو" وتخفض على الإتباع لـ "مّنْ"، وقال الفرزدق:
إنا وإياك إن بلغت أرحلنا
…
كمن بواديه بعد المحل ممطور
فهذا مع النكرات، فإذا كانت الصلة معرفة آثروا الرفع، من ذلك:(فيما نقضهم) لم يقرأه أحد برفع، ولم نسمعه، ولو قيل، جاز، وأنشدونا بيت عدي:
لم أر مثل الفتيان في غير الأيام
…
ينسون ما عواقبها
والمعنى: ينسون عواقبها، يجعلون عواقبها صلةً لـ "ما" وهو مما أكرهه، لأنَّ قائله يلزمه أن يقول: أيّما الأجلان قضيت، فأكرهه لذلك، ولا أرده، وقد جاء، وقد وجهه بعض النحويين إلى: ينسون، أيُّ شيء عواقبُها، وهو جائز، والوجه الأولُ أحبُّ إليَّ، والقراء لا تقرأ بكل ما يجوز في العربية، فلا يقبحنَّ عندك تشنيع مشنع مما لم يقرأ القراء مما يجوز. هذا كلامه.
وفي كتاب "الضرائر" لابن عصفور: زعم الكسائي أن العرب قد زادت من الأسماء "من" في الشعر، واستدل على ذلك بقول عنترة:
يا شاة من قنص .. البيت
وقول الآخر:
آل الزبير سنام المجد .. البيت
والتقدير عنده في البيت الأول: يا شاة قنصِ، وفي البيت الثاني: والأثرون عددًا، ولا حجة له فيهما، لاحتمال أن تكون نكرة موصوفة، كما هي في قوله:
إني وإياك إذ حلت بأرحلنا .. البيت.
ألا ترى أن ممطورًا صفة لمن، وأن المعنى: كإنسان ممطور بواديه بعد المحل، وتكون في بيت عنترة موصُوفة بالمصدر الذي هو "قنص" على حدّ قولهم: مررت
برجل فِطر، أي: مفطر، وفي البيت الآخر بالاسم الموضُوع موضع المصدر، وهو عددًا، والمعنى: يا شاةَ إنسانٍ قانصٍ، والأثرون قومًا معدودين. انتهى.
والبيت من معلقة عنترة العبسي، والمشهور في رواية شراح المعلقات:
"يا شاةَ ما قنصٍ" و"ما" زائدة، ولا خلاف في جواز زيادتها، والشاةُ هنا كناية عن المرأة، والعرب تكني عنها بالنعجة أيضًا، وقد أورده صاحب "الكشاف" برواية "ما" عند قوله تعالى:(إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً)[ص/ 23] على أنَّ النعجة استعيرت للمرأة كما استعار عنترة الشاة، فقنص، على هذه الرواية، مصدر بمعنى المفعول، وهو مجرور بإضافة شاةٍ إليه، وفي زيادة ما، وتنكير "قنص" ما يدل على أنها صيد عظيم يغتبط بها من يحوزها أيَّ اغتباط، فيكون في قوله:"حرمت عليَّ" الدلالة على التحزن التام على فوات تلك الغنيمكة، قال التبريزي في شرحها: قوله: لمن حلت، أي: لمن قدر عليها، وقوله: حرمت علي، معناه: هي من قوم أعداء، ويدلّ على هذا قوله في القصيدة:
علقتها عرضا واقتل قومها
والمعنى: أنها لما كانت في أعدهائي لم أصل إليها، وامتنعت مني، وأصل الخرام: الممنوع، والمعنى: أنها حرُمت عليَّ باشتباك الحرب بيني وبين قبيلتها. وقوله: "وليتها لم تحرم" هو ثمن في بقاء الصلح.
وقال الزوزني: هي امرأة أبيه، يقول: حرم علي تزوجها لتزوّج أبي أباها، وليتها لم يتزوجها حتى كانت تحل لي، هذا كلامه، وليس بشيء، لأن التزوج بامرأة الأب في الجاهلية كان غير ممنوع عندهم بشهادة كلام الله تعالى.
وشاة، بالنصب: منادى مضاف عند أبي جعفر النحوي، ومفعول لفعل محذوف مع المنادى عند الزوزني، قال: التقدير: يا هؤلاء اشهدوا شاة قنص لمن حلت له، فتعجبوا من حسنها وجمالها، فإنها قد حازت الجمال.
وتقدمت ترجمة عنترة في الإنشاد السابع والسبعين بعد المائتين.