الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الطبي: قوله: أيادي سبا يا عزَّ
…
البيت، تقديره: يا عزّة كنت بعدكم أيادي سبا، وما مزيدة، أو للداوم، يقال: حلا الشيء في فمي يحلو، وحليّ بعيني وقلبي يحلى، أي: كنت بعدكم مثل أيادي سبا، وقولهم: ذهبوا أيدي سبا، أي: مثل أيدي سبا، ووجب إضمار مثل، لأن أيدي سبا وقع حالًا عن فاعل ذهبوا وهو معرفة، لأنَّ إضافته حقيقة، ومن حق الحال أن يكون نكرة، والتقدير: متفرقين، وسبا مهموز في الأصل، غير أنه التزم التخفيف في هذا المثل، والأيدي كناية عن التفرقة، لأنهم تفرقوا في البلاد من قولهم: أخذ يد البحر، أي: طريقه، وقيل: أيدي سبا، أي: أولاد سبا، سُمُّوا أيدي، لأنَّ الأولاد أعضاؤه لتقويّه بهم. انتهى كلامه، ومن خطه الشريف نقلت.
والمنظر: إمّا مصدر ميمي، أو اسم مكان، والمعنى كنت بعد فراقك يا عزة مشتّت الحال، مفرق البال، فلم يحل لعيني نظر أن منظر، فظهر بهذا أن المعنى مع لم، فإنَّ ما ذكره حكاية حال ماضية، لا إخبار عن أمر مستقبل، والرواية: فلك يحلّ بالعينين، بالباء لا باللام، وهو المذكور في كتب الّلغة. والله أعلمُ بحقيقة الحال. وترجمة كثير عزة تقدمت في الإنشاد التاسع عشر.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والستون بعد الأربعمائة:
(464)
لنْ يخِبِ الآنَ مَنْ رَجَاكَ وَقَدْ
…
حَرَّكَ مِنْ دونِ بابكَ الحَلَقَةْ
على أنَّ لن فيه أيضًا جازمة بدليل حذف الياء التي هي عين الفعل لالتقاء الساكنين، وأما كسر الآخر، فهو عارض لالتقاء الساكنين، ولو كانت ناصبة، لقيل: لن يخيب بإثبات الياء وفتح الآخر، قال أبو حيان: قد حكي أن الجزم بها لغة، وهذا البيت أنشده أبو الحسين بن الطراوة، والمصراع السابق أنشده غيره. وأقول:
كيف يصح اجتماع "لن" مع الآن، ولا يصح ذكر الآن إلا مع لم، فإن قلت: اجعل الخيبة المقيّدة الآن منفية في المستقبل، قلت: الخيبة المنفية إنما هي المقيدة الآن بدليل ما رواه ابن السيد البطليوسي فيما كتبه على "كامل المبرد" قال: روى الحسن عن إسماعيل، عن سليمان بن موسى، عن جعفر بن محمد قال: بلغني أن أعرابيًا دخل المدينة، فبينما هو يجول في أزقتها، إذ مر بباب الحسين علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فلما عرف الدار أنشأ يقول:
لن يخِبِ الآن من رَجاكَ ومنْ
…
حرَّكَ من دونِ بابكَ الحلقهْ
أنت جوادٌ وأنت مُعتبرٌ
…
أبُوكَ قد كان قاتل الفسقهْ
لولا الذي كان من أوائلكمْ
…
كانت علينا الجحيم منطبقهْ
فسمعه الحسين رضي الله عنه وهو يصلي، فأوجز في صلاته، ثم خرج، فإذا هو بأعرابي في أسمال، فقال: رويدك يا أعرابي، ثم نادى: يا قنبر ما معك من النفقة؟ قال: ألف درهم، قال: فائت بها، فقد أتى من هو أحق بها منا، ثم أخذها من قنبر، فصيّرها في أحدى رُدنين كانت معه، ثم دفعها للأعرابي من داخل الباب، وقال:
خذها فإني إليكَ معتذرٌ
…
واعلم بأنيَّ عليكَ ذو شفقهْ
لو كان في سَيْرِنَا الغداةَ غضًا
…
كانتْ سَمَانَا عليكَ مُنْدفِقهْ
لكنَّ ريبَ الزمانِ ذو غيرٍ
…
والكفُّ مِنَّا قليلةُ النفقهْ
فأخذها الأعرابي فقال:
مطهراتٌ نقياتٌ جيوبهمُ
…
تجري الصلاة عليهم أينما ذُكِرُوا
فأنتمُ أنتمُ الأعلون إنَّ لكمْ
…
أُمَّ الكتابِ وما جاء به السُّورُ
مَنْ لم يكُن عَدَويًا حين تنسبِهُ
…
فلن يكونَ له في الناس مفتخرُ
قال البطليوسي: وجزم الأعرابي بلن، وذكر اللحياني أن ذلك لغة بعض العرب يجزمون بالنواصب، وينصبون بالجوازم، وسكن اللغويون لام الحلقة، وفتحها الأعرابي، وقال ابن جني: يقال حلقة حديد، وحلقة من الناي بسكون اللام،