الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتوَعّرَ: وقع في الوعر، وهو المكان الصعب الشديد، والكراع: أنف ممتد يتقدم الحرة، وهي أرض ذات حجارة، والهجين: من أمُّهُ أمةٌ، وهلهلت: شرعت، وأثأر: مضارع ثأرت به كمنع: إذا طلبت دم المقتول، وأخذت بثأره، ومالك وصنبل كزبرج رجلان.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والعشرون بعد الأربعمائة:
لوْ غيرُكُمْ عَلِقَ الزُّبَيْرُ بحبلِهِ
…
أدَّى الجَوَارَ إلى بَني العَوَّامِ
على أنَّ غيركم مرفوع بفعل يفسّره ما بعده تقديره لو علق غيركم، هذا مقتضى كلام المصنف، وهو لا يصح، لأن المتعلق بالحبل ابن الزبير لا الغير، ووجهه بعضهم بأنَّ التعلق من الطرفين من ابن الزبير بالالتجاء، ومن الغير بحفظ الذمام، وقال آخر: الظاهر أنَّ هذا من القسم الرابع، فيقدر كان الشأنية، ويكون جملة علق الزّبير بحبله من المبتدأ والخبر خبر كان، وقال آخر: ويمكن أن يكون الفعل المقدر عاهد، لقوله فيما بعد: بحبله، فإنَّ الحبل بمعنى العهد والذمَّة، وأن يكون أجاز لقوله أدى الجوار، وهذا غير مطابق المسألة.
وهذا البيت قد وقع في أصول ابن السراج، وفي شرح "التسهيل" ولم أر من قيد غيركم بالرفع، قال ابن السراج: والوجه الآخر أنَّ الأسماء تقع بعد لو على تقدير الفعل فمن ذلك قول الله تعالى: (قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ)[الإسراء/ 100]، وقال جرير: لو غيركم علق الزبير بحبله. البيت. وفي المثل: "لو ذات سوار لطمتني"، وكذلك: لو أنك جئت، أي: لو وقع مجيئك لأنِّ المعنى عليه. انتهى.
وقال أبو حيان في شرح قول "التسهيل": وإنَّ وليها اسم، فهو معمول فعل مضمر مفسر بظاهر بعد الاسم، مثال ذلك ما روي في المثل من قولهم:"لو ذات سواء لطمتني"، وقول عمر رضي الله عنه:"لو غيرك قالها يا أبا عبيدة"، وقال الشاعر:
أخِلَّايَ لو غيرُ الحِمَامِ أصابَكُمْ
…
عتبت ولكن ما على الدهرِ معتبُ
وقال آخر:
لو غيركم علق الزبيرُ بحبلِهِ
…
البيت
وقال آخر:
ولو غيرُ أخوالي أرادوا نقيصتي
…
جعلت لهم فوقَ العرانين ميسما
فالأسماء التي وليت لو في هذا كله معمولة لفعل مضمر يفسره ما بعده، كأنه قال: لو لطمتني ذات سوار لطمتني. هذا كلامه، وليس فيه تقييد معمول بالرفع، فيجوز أن يكون بعضها معمولًا للفعل المحذوف بالفاعلية، وبعضها بالمفعولية كما في هذا البيت، وقد صرَّح بنصبه المبرد في "الكامل" قال:"لو" لا يليها إلا الفعل مظهرًا أو مضمرًا، لأنها تشارك حروف الجزاء في ابتداء الفعل وجوابه، تقول: لو جئتني لأعطيتك، فهذا ظهور الفعل، وإضماره قوله تعالى (قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ) [الإسراء: 100]، والمعنى: لو تملكون، فهذا الذي رفع "أنتم"، ولما أضمر ظهر بعده ما يفسره، ومثل ذلك "لو ذات سوار لطمتني" أراد: لو لطمتني ذات سوار، ومثله: ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي. البيت. وكذلك قول جرير: لو غيركم علق الزبير بحبله. البيت. فنصب بفعل مضمور يفسره ما بعده، لأنها للفعل وهو في التمثيل: لو علق الزبير غيركم، وكذلك كل شيء للفعل نحو: الاستفهام، والأمر، والنهي، وحروف الفعل نحو: إذ وسوف، وهذا مشروح في كتاب "المقتضب" على حقيقة الشرح. انتهى كلامه.
وإنما لم يجعله مفعولًا مقدمًا لعلق المذكور لأنه، قد استوفى معموله، وهو قوله "بحبله" فيكون "غير" منصوبًا بفعل آخر يفسره المذكور في باب الاشتغال، كقولك: زيدًا مررت به، وعَلِقَ من باب فرح، جاء متعديًا بنفسه وبالباء كما في "القاموس" وغيره، والأوَّل بمعنى أمسك، والثاني بمعنى: نشبن قال الزمخشري في "أساس البلاغة": علق به وعلقه نشب به، قال:
إذا عَلِقَتْ قِرْنًا خطاطيفُ كفه
…
رأى الموتَ في عينيه أسود أحمرا
وقال جرير:
إذا علقت مخالبه بقرنٍ أصابَ القلبَ أو هتكَ الحجابَا
انتهى. وقد رواه شارح "المناقضات": لو غيركم علق الزبير ورحله، بنصب غير، ورفع رحله بالعطف على الزبير وهو أثاث المسافر، فيكون غيركم مفعولًا مقدمًا لعلق المتعدي لا من باب الاشتغال، وكذا الإعراب في رواية صاحب "منتهى الطلب من أشعار العرب":"لو غيركم علق الزبير وحبله" والحبل: العهد. وقال ابن وحيي في شرحه: وفي "القاموس" علقه وبه، فعلى هذا يكون الزبير من قوله: لو غيركم علق الزبير بحبله منصوبًا، ويكون المعنى: لو علق غيركم الزبير بحبله، أي: علقه به، وهو أظهر، ولا يحتاج إلى ما ذكرنا سابقًا من تقدير كان الشأنية. هذا كلامه، ولم أقف على رواية نصب الزبير، والله أعلم.
والحبل مستعار للعهد والأمان، وأدَّى: من أدَّى الأمانة إلى أهلها: إذا أوصلها والجوار بالكسر: أن تعطي الرجل ذمة، فيكون فيها جارك فتجيره، والمراد بتأديتها الوفاء بها، والخروج من عهدتها كما ينبغي.
والبيت من قصيدة لجرير هجا بها الفرزدق، مطلعها:
سرتِ الهُمومُ فبتن غيرَ نيامِ
…
.وأخُو الهُمومِ يرومُ كلَّ مرامِ
ذُمَّ المنازِلَ بعدَ منزلةِ اللوى
…
والعيشَ بعدَ أولئكَ الأيامِ
إلى أنْ قال:
مهلًا فرزدقُ إنَّ قومَك فيهمُ
…
خَوَرٌ القُلُوبِ وخِفَّةُ الأحلامِ
الظاعِنُونَ على العما بجميعهم
…
والنازلون بشرٍّ دارِ مُقَامِ
لو غيرُكُمْ علقَ الزبيرُ
…
البيت.
وذم فعل أمر، والبيت استشهد به صاحب "الكشاف" والبيضاوي عند قوله تعالى:(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ)[الإسراء: 36] على أنَّ أولئك وإن غلب في العقلاء جاء لغيرهم كما في البيت، وكذا استشهد به المصنف في "شرح الألفية"، ووقع في بعض نسخ "المناقضات" وفي "منتهى الطلب" الأقوام بدل الأيام، وزعم ابن عطية أنَّ هذه الرواية هي الصواب، وأنَّ الطبري غلط في إنشاده الأيام، وتبعه الزجاج. وقوله: مهلًا فرزدق، هو منادى بـ "يا" مضمرة، والحَوَر، بفتحتين: الضعف والجبن، والأحلام: جمع حلم بالكسر، وهو العقل. وقوله: الظاعنون .. إلخ. قال شارح "المناقضات" ابن حبيب: معناه أنهم يركبون ما لا ينالون غايته، وينزلون شر البقاع لنذالتهم لا يمكنون من موضع جيد.
وقوله: لو غيركم علق الزبير بحبله .. البيت. يشير إلى غدر رهط الفرزدق بالزبير رضي الله عنه، وهذا أحد الأمور التي نعاها جرير على الفرزدق، والتزم هجوه بها، ومنها تسمية أبيه القين، فإن جبيرًا كان قينًا لعصعصة جد الفرزدق، فنسب أباه غالبًا إلى القين، ومنها عدم معرفته بركوب الخيل والمحاربة، ومنها أسر أخته جعثن، وفعل الفاحشة بها، وكان جرير يقول: أستغفر الله فيما قلت لجعثن، فإنها كانت إحدى الصالحات. قال في قصيدة أخرى:
أتمدَحُ يا ابن القينِ سعدًا وقد جرت
…
لجعثن فيهم طيرها بالأشاتم
تنادي بنصفِ الليلِ يالَ مُجاشِعٍ
…
وقد قشروا جلد استها بالعُجارمِ
فما وجدَ الجيرانُ حبلَ مجاشعٍ
…
وفيًا ولا ذا مرةٍ في العزائمِ
ولامت قريشٌ في الزبيرِ مجاشعًا
…
ولم يعذروا من كان أهلَ الملاومِ
وكان الغدر بالزبير بعد انصرافه من وقعة الجمل، قال الحافظ ابن عبد البر في "الاستيعاب": شهد الزبير بن العوام الجمل، فقاتل فيه ساعة، فناداه علي، وانفرد به، فذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وقد وجدهما يضحكان بعضها إلى بعض:"أما إنك ستقاتل عليًا وأنت له ظالم" فذكر الزبير ذلك، فانصرف عن القتال نادمًا مفارقًا للجماعة التي خرج فيها، منصرفًا إلى المدينة، ولما بلغ سفوان موضع من البصرة كمكان القادسية من الكوفة لقبه النُعر، رجل من بني مجاشع، فقال: أين تذهب يا حواري رسول الله؟ إليَّ فأنت في ذمتي لا يوصل إليك، فأقبل معه، وأتى إنسان الأحنف بن قيس، فقال: هذا الزبير قد أتى سفوان، فقال الأحنف: ما شاء الله كان، قد جمع بين المسلمين حتى ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيوف، ثم يلحق ببيته وأهله، فسمعه عمرو بن جرموز السعدي، وفضالة بن حابس ونفيع في غواة من بني تميم، فركبوا في طلبه، فلقوه معه النعر، فأتاه ابن جرموز من خلفه وهو على فرس له ضعيفة، فطعنه طعنة خفيفة، وحمل عليه الزبير وهو على فرس له يقال له: ذو الخمار حتى إذا ظن أنه قاتله نادى صاحبيه يا نفيع، يا فضالة، فحملوا عليه حتى قتلوه، ولما جاء قاتل الزبير عليًا، استأذن عليه، فلم يأذن له، وقال للآذن: بشره بالنار، فقال:
أتيتُ عليًّا برأسِ الزبيرِ أرجو لديهِ بهِ الزلفهْ
فبشرَ بالنارِ إذ جئتُهُ فبئس البشارةُ والتُحفّهْ
وسيانِ عندي قتلُ الزُّبيرِ وضرطَهُ عنزٍ بدِي الجُحفَهْ
انتهى. وترجمة جرير تقدمت في الإنشاد الحادي عشر من أول الكتاب.
وكان الفرزدق هجاه بقصيدة، فأجابه جرير بهذه القصيدة، ومن قصيدة الفرزدق بعد المطلع يهجوه ويهجو قومه بني كليب بلسان أمه، وكان يسميه ابن المراغة، لأن قومه أصحاب حمير: