الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس والتسعون بعد الأربعمائة:
أنَّا قَتَلنَا بِقَتَلانَا سَرَاتَكُمُ
…
أهلَ اللواءِ ففِيمَأ يَكثُرُ القِيلُ
لما تقدَّم قبله من ثبوت ألف ما الاستفهامية المجرورية لضرورة الشعر، وتقدَّم ما فيه. وقوله: أنّا قتلنا بفتح الهمزة لأنها مع معمولها في تأويل مصدر مفعول لأبلغ في بيت قبله كما سيأتي، وروي: أن قد قتلنا، فتكون أن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، والباء للمقابلة، أي: قتلنا منكم نظير من قتلتم منّا، والقتلى: جمع قتيل، والسراة بفتح السين: اسم جمع بمعنى الأشراف، وتقدَّم تحقيقه في "أما" بالتخفيف، وأهل اللواء: بدل من سراتكم أو عطف بيان، قال ابن الأنباري في كتاب "المقصور والممدود": اللواء الذي يُعقد للموالي ممدود، قالت ليلى الأخيلية:
حَتَّى إذَا برزَ اللواءُ رأيتَهُ
…
تحتَ اللواءِ على الخمِيسِ زَعِيما
وقال كعب بن مالك:
أنّا قتلنَا بقتلانَا سرَاتَكُمُ
…
البيت.
وأهل اللواء: هم بنو عبد الدار من مشركي قريش كانوا أصحاب اللواء في وقعة بدر، وفي وقعة أحد، وكان عثمان بن أبي طلحة يوم أُحد حامل لواء المشركين، وهو يقول:
إنَّ عَلى أهلِ اللِّوَاء حقّا
…
أن يخضِبُوا الصَّعْدَةَ أَوْ تنْدقَّا
فقتله حمزة رضي الله عنه، والتقى حنظلة بن أبي عامر الغسيل وأبو سُفيان، فلمّا استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأسود وهو ابن شَعوب، وقد علا أبا سفيان، فضربه شداد، فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني حنظلة:"إنَّ صاحِبَكُم لتُغَسِّلُهُ الملائكةُ، فسلوا أهله ما شأنه؟ "، فسئلت امرأته عنه،
فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة، ثمَّ أنزل الله نصره على المسلمين، فحسوهم بالسّيوف حتى كشفوهم عن العسكر، وهربت النساء مشمرات، ولم يزل اللواء صريعًا حتى أخذته عمرة الحارثية، فرفعته لقريش، فلاثوا به، وكان اللَّواء مع صُؤاب، غلام حبشي لبني أبي طلحة، وكان آخر من أخذه منهم، فقاتل به حتى قطعت يداه، ثم برك عليه، فأخذ اللواء بصدره وعنقه، حتى قتل عليه، وهو يقول: اللهمَّ هل أعذرت، فقال حسان في ذلك:
فَخَرْتُمْ باللواءِ وشرُّ فَخْرٍ
…
لِواءٌ حينَ رُدَّ إلى صُؤابِ
جعلتُمْ فخرَكُمْ فيهِ لعبدٍ
…
وألأمُ مَنْ يطَا عَفَرَ التُّرَابِ
ولما مالت الرماة إلى العسكر، وخلا ظهور المسلمين للخيل، فجاء المشركون من خلفهم، وصرخ صارخ: إلا إنَّ محمدًا قد قُتل، فانكفؤوا على المسلمين بعد أن أصابوا أصحاب اللواء حتى ما يدنو أحد من القوم إليه، وانكشف المسلمون، فأصاب فيهم العدو، وكان يوم بلاء وتمحيص أكرم الله فيه من أكرم بالشهادة، وهذا معنى قول كعب بن مالك رضي الله عنه:
فَفِيمَا يكثُرُ القِيلُ
يعني، إنّا نلنا منكم، ونلتم منّا، ففي أيّ شيء يكثر قولكم وفخركم؟
وقد تصحفت الكلمة الأخيرة من البيت بالقتل بالمثناة الفوقية، فقال في البيت كلام من جهة العروض، وذلك أنه من بحر البسيط من عروضه الأولى وضربها الثاني وهو المقطوع، كأنَّ أصله (فاعلن) حذفت نونه، وسكنت لامه، فصارت (فعلن) بإسكان العين، فقد ذهب منه زنة متحرك، وما ذهب ذلك منه وجب أن يكون مردفًا، أي: يؤتى قبل حرف الروي بحرف لين، وهذا البيت غير مردوف،
ففيه مخالفة لما قرّره العروضيّون. انتهى كلامه. وتبعه جميع من بعده من الشراح كالشّمُنِّي وابن الملا الحلبي وابن وحيي الرّومي، والسيوطي لم يقل شيئًا، بل بيض له ومضى، والعجب منهم، فإنَّ هذا البيت في غالب كتب النحو، وهو مكتوب فيها "القيل" بالمثناة التحتية، وهو من قصيدة مشهورة في كتب السير كسيرة ابن هشام وسيرة الكلاعي وغيرهما، لكعب بن مالك الصحابي رضي الله عنه أجاب بها ضرار ابن الخطاب، وعمرو بن العاص لما افتخرا بانكشاف المسلمين يوم أحد، وهذا مطلعها:
أَبْلِغْ قُريشًا وخيرُ القولِ أصدَقُهُ
…
والصِّدقٌ عندَ ذوِي الألباب مقبولُ
أنْ قدْ قتلنَا بِقتْلانا سَرَاتَكُمُ
…
أهلَ اللواءِ ففيما يكثُرُ القيلُ
ويومَ بدرٍ لقناكم لنا مددٌ
…
فيه مع النصرِ ميكالٌ وجبريلُ
إن تقتلونا فدينُ الحقِّ فِطرتُنَا
…
والقتلُ في الحقِّ عندَ اللهِ تفضِيلُ
وإن تروا أمرنا في رأيِكم سَفَهًا
…
فرأيُ مَنْ خالفَ الإسلامَ تضليلُ
إنا بَنُو الحربِ نمرِيها ونَنْتُجُهَا
…
وعِندَنَا لذّوي الأضغانِ تنكيلُ
إن ينجُ منهَا ابنُ حَرِبٍ بعدما بَلَغَتْ
…
مِنْهُ التَّرَاقي وَأَمْرُ اللهِ مفعُولُ
فقدْ أفادتْ لَهُ حِلْمًا وموعِظَةً
…
لمَنْ يكونُ لهُ لُبٌّ ومَعْقُولُ
ولو هبطتُم بِبَطْنِ السيلِ كافحكمْ
…
ضربٌ بشاكلةِ البطحاءِ ترْعيلُ
تَلْقاكُمُ عَصَبٌ حولَ النبيِّ لهُمْ
…
ممّا يُعِدُّونَ للهَيْجَا سَرَابيلُ
مِنْ جِذْمِ غَسَّانَ مُستَرْخٍ حمائلهم
…
لا جُبَنَاءُ ولا مِيْلٌ مَعَازِيلُ
وبقي بعد هذا اثنا عشر بيتًا. وترجمة كعب بن مالك الأنصاري تقدَّمت في الإنشاد السابع والخمسين بعد المائة.