الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والسبعون بعد الأربعمائة:
(473)
فقُولَا لَهَا قولًا رفيقًا لَعَلَّهَا
…
ستَرْحمُني من زفرَةٍ وعويلِ
على أنَّ اقتران خبر لعل بالسين قليل. قال أبو حيان في "الارتشاف": وحكى الأخفش: لعل زيدًا سوف يقوم، ولم يجز: ليت زيدًا سوف يقوم، ثم قال وامتنعوا من الجمع بين ليت وسوف، وجاز ذلك مع لعل:
فقولا لها قولًا رقيقًا
…
البيت.
وحكى الأخفش: لعل زيدًا سوف يقوم. انتهى.
وقوله: رفيقًا هو من الرفق خلاف العُنفِ، والزفرة: اسم لمدّ التنفس على سبيل التألم، والعويل: اسم لرفع الصوت بالبكاء، يقال: أعول الرجال إعوالًا: إذا فعل ذلك.
وأنشد بعده:
بدَا لي أنّي لستُ مدركَ ما مضَى
…
ولا سابقٍ شيئًا إذَا كانَ جائِيَا
وتقدَّم شرحه في الإنشاد الثالث والثلاثين بعد المائة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والسبعون بعد الأربعمائة:
(474)
وبُدِّلتُ قرحًا داميًا بعد صحةٍ
…
لعلَّ منايانَا تحوَّلْنَ أبؤُسَا
على أنه يجوز أن يكون خبر "لعل" فعلًا ماضيًا كما في الحديث والبيت، خلافًا للحريري، فإنه منعه "درة الغواص" قال فيها: ويقولون لعله ندم، ولعله قدم، فيلفظون بما يشتمل على المناقضة، وينبئ عن المعارضة، ووجه الكلام
أن يقال: لعله يفعل، أو لعله لا يفعل، لأن معنى لعل التوقع لمرجو، أو لمخوف، والتوقع إنما يكون لما يتجدد ويتولد، لا لما تقضى وتصرَّم، فإذا قلت: خرج فقد أخبرت عما قضي الأمر، واستحال معنى التوقع له، فلهذا لم يجز دخول "لعل" عليه. انتهى. وقال ابن بري فيما كتبه عليها: اعلم أنَّ "لعل" وإن كان معناها ما ذكر، فإنَّ مخرج الكلام المشكوك فيه والمظنون، والشك والظن يكونان فيما مضى، وفيما يستقبل يدلك على صحة ذلك قول الفرزدق:
لعلك في حدراء لمت على الَّذي
…
تخيّرتِ المعزى على كلِّ حالبِ
ومثله قول امرئ القيس:
وبُدلت قرحًا داميا
…
البيت، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم:"وما يدريك لعل الله اطلع" الحديث، ومثله قول الفرزدق:
أعد نظرًا يا عبد قيسٍ
…
البيت. انتهى.
وقال ابن الحنبلي في شرحها: فإن قلت: قد جزم ابن بري باستعمالها مع الماضي مع قوله بأنَّ معناها ما ذكر من التوقع المقتضي لأن تستعمل مع المستقبل فحسب، قلت: وجهه أنه إذا كان معناها التوقع حقيقة، والتوقع يلزمه الشك والظن، ومن ثمة استحال على الله حتى قيل: إنه في قوله تعالى (فقولا له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى)[طه/ 44] مصروف للمخاطبين، أي: اذهبا على رجائكما استعملت عند ذلك في مجرد الشك والظن اللازم لمعناها الحقيقي مجازًا، فساغ استعمالها مع الماضي أيضًا، لأنّ الشك والظن يكون فيما مضى أيضًا، انتهى.
والبيت من قصيدة لامرئ القيس، وقبله:
تأوبني دائي القديم فغلسَا
…
أُحاذر أن يرتد دائي فأنكسَأ
وما خِلتُ تبريح الحياةِ كما أرى
…
تضيق ذراعي أن أقومَ فألبْسَا
فلو أنها نفسٌ تموت سويّة
…
ولكنها نفسٌ تساقط أنفسا
وبُدِّلت قرحًا داميًا بعد صحةٍ
…
لعلَّ منايانا تحوّلن أبؤسَا
لقد طمح الطمَّاح من بُعد أرضهِ
…
ليُلبسَني من دائهِ ما تلبَّسَا
وكان من حديث هذه القصيدة أن امرأ القيس لما قتل أباه بنو أسد، خرج إلى قيصر يستنجده، فأمدّه بعسكر، ولما كان عنده عشقته ابنة قيصر، فكان يأتيها، وكان معه حين خرج إلى قيصر عدة من العرب، منهم عمرو بن قميثة الشاعر، ومنهم الطماح بن قيس، وكان أبو امرئ القيس قتل أباه، فكان أمرؤ القيس يخبرُ أصحابه بأمر بنت قيصر، فقال له الطماح إلى قيصر، فقال له: هذا رجل جاء يطلب نصرك يخونك في أهلك، وأراه القارورة، فعرف صدقه، وقد كان حمل امرأ القيس وخاصّته على البريد، وتخلف سائرهم في جهازهم، فبعث إليه الحلة المسمومة، فلبسها في يوم شديد الحر، وقد كان يجسده قرح، فلما وقعت الحلة عليه تفطر جسده، وتناثر لحمه، فمات بأنقرة.
قال الأصمعي: تأوبني، أي: أتاني مع الليل، وغلّس: أتى مع الغلس، وهو ظلام الصباح بعد البُرء، وما خلت: ما ظننت، والتبريح: الشدة، وألبس بالبناء للفاعل، أي: يعجز مما به من شدة المرض أن يقوم، فيلبس ثوبه، وقوله: فلو أنها نفس تموت إلى آخره، قال الأصمعي: معناه لو أنّي أموت بدفعة واحدة لاسترحت، ولكن نفسي تتقطع قليلًا قليلًا، وقال غيره: يريد أن بموتي يموت ناس كثير، فعلى الأول تساقط بالفتح وأصله تتساقط، وأنفسًا: مفعول، وبدلت بالبناء للمفعول، والقرح بالفتح والضم: الحرج، أبؤس: جمع بؤس، وهو الشدة، قال الأصمعي: معناه: لعل ما قدّر للناس من مقدار تحول بؤسًا، والمنية: القدر. انتهى. وتحول من أخوات صار، وبه استشهد في كتب النحو.