الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والعشرون بعد الخمسمائة:
أَلِفَ الصُّفُونَ فَمَا يَزَالُ كَأَنَّهُ
…
مما يَقُومُ عَلَى الثَّلَاثِ كَسِيرَا
على أن قوله كسيرًا خبر فما يزال، وهذا اختيار ابن الشجري، قال في المجلس الحادي عشر من "أماليه" قال: وانتصاب كسيرًا على أنه خبر ما يزال، وقوله: مما يقوم على الثلاث، ما: مصدرية، فالمعنى: من قيامه، ومن متعلقة بالخبر المحذوف، فتحقيق اللفظ والمعنى: ألف القيام على ثلاث، فما يزال كسيرًا، أي: ثانيًا إحدى قوائمه حتى كأنه مخلوق من القيام على الثلاث، ومثله في وصف العين باسم الحدث قول الآخر:
أَلا أَصْبَحَتْ أَسْماءُ جاذِمَةَ الحَبْلِ
…
وَضَنَّتْ عَلَيْنَا وَالضَّنِينُ مِنَ البُخْلِ
كأنه قال: والضنين مخلوق من البخل، ومثله:
وَهُنَّ مِنَ الإخْلافِ قَبْلَكِ وَالمَطْلِ
أي: والنساء خلقن في أول الدهر من الإخلاف والمطل، وقد ذهب بعضهم إلى أن ما بمعنى الذي، والمضمر في يقوم عائد على ما، وكسيرًا: حال من الضمير، وهو بمعنى مكسور، كقتيل ومقتول، وخبر ما يزال الجملة من كأن واسمها وخبرها، والقول الأول قول أهل العلم الموثوق بعلمهم، وكسير من الأوصاف المعدولة عن فاعل إلى فعيل للمبالغة، فكسير أبلغ في الوصف من كاسر، كما أن رحيمًا وسميعًا وقديرًا أبلغ من راحم وسامع وقادر؛ لأن الموصوف بفعيل هو الذي يكثر منه ذلك الفعل، ومعنى كاسر ثان من قولك: ثنى يده، أي: لواها، وثنى الفرس قائمته، والصفون مصدر صفن: إذا ثنى في وقوفه إحدى قوائمه، فوقف على سنبكها، وقد يكون الصفون أيضًا في غير هذا جمع صافن، قال عمرو بن كلثوم:
تَرَكْنَا الخَيْل عَاكِفَةً عَلَيْهِمْ
…
مُقَلدَةً أَعِنَّتَهَا صُفُونا
انتهى كلام ابن الشجري.
وقال قبل هذا في المجلس التاسع عند إعراب قوله تعالى: (الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ) الصافن من الخيل: القائم الذي يثني إحدى يديه، أو إحدى رجليه حتى يقف بها على سنبكه، والسنبك: مقدم الحافر، فثلاث من قوائمه حوافرها مطبقة على الأرض، والرابعة متصل بالأرض طرف حافرها فقط، هذا قول أهل اللغة، وأصحاب التفاسير، وقال بعض اللغويين: الصافن: القائم ثنى إحدى قوائمه، أو لم يثنها، وأصوب القولين عندي الأول، بدليلين، أحدهما قول الشاعر:
أَلِفَ الصُّفُونَ فَمَا يَزَالُ كَأَنَّه ..... البيت
والثاني: قراءة عبد الله: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافِنَ)[الحج/ 36]، أراد: معقلات قيامًا على ثلاث، شبه الإبل التي تقام لتُنحر، وإحدى قوائم البعير معقولة، بالخيل الصافنة، انتهى.
وأورده صاحب "الكشاف" عند هذه الآية، على أن الصافن الفرس الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل، وهو من الصفات المحمودة في الخيل لا تكاد توجد إلا في العراب الخلص.
وقول المصنف: وقيل "ما" بمعنى الذي
…
الخ، هذا قول أبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش في كتاب "أبيات المعاني" واختاره ابن الحاجب في "أماليه" ورد ما تقدم بناء على أنه لا يصح جعل ما في قوله:"مما يقوم" مصدرية من ثلاثة وجوه:
أحدها: أن كأن تبقى بلا خبر إذ "مما يقوم" لا يصلح أن يكون خبرًا لفوات الفائدة فيه.
ثانيها: أن "كأن" تبقى غير مرتبطة بشيء.
ثالثها: ما يلزم من أنه حكم عليه بالكسر، وليس كذلك، قال: ويجاب عن الثالث بأن يكون التقدير شبه كسير، وأجاب ابن الشجري عن الأول بتأويل وصف العين بالحدث للمبالغة، أي: مخلوق من القيام على الثلاث، فحصلت الفائدة على أبلغ وجه، وأجاب عن الثاني بأن "كأن" تكون غاية، فيحصل ارتباطها بما قبلها، والمعنى حتى كأنه مخلوق من القيام، ولا يريد أن حتى الابتدائية محذوفة؛ لأنه لم يقل به أحد، وإنما ذلك معنى الكلام وفحواه، وأجاب عن الثالث أيضًا بان كسيرًا معناه ثان إحدى قوائمه، وليس من الكسر الذي هو خلاف الصحة حتى يؤول بشبه كسير، وإن شئت الوقوف على كلامه، فهو أنه قال: هذا البيت يوهم أن كسيرًا خبرًا لكأن في المعنى، إذ يسبق إلى الفهم أنه شبهه لشدة رفعه إحدى قوائمه بكسير، وأن قوله مما يقوم على الثلاث تقرير لسبب تشبيهه به فكأنه قال: كأنه كسير من أجل دوام قيامه على الثلاث، ويلزم على هذا أن يكون نصب كسير لحنًا، فينبغي أن يطلب له وجه يصح في الإعراب، ولا يخل بالمعنى، فتقول: إنما أخبر بقوله مما يقوم، وما بمعنى الذي، فكأنه قال: من الخيل التي تقوم على الثلاث كسيرًا، فيكون كسير حالًا من الضمير في يقوم، وذكر يقوم إجراء له على لفظ ما، فشبه بالخيل التي تقوم على ثلاث في حال كونها مكسورًا إحدى قوائمها، فاستقام المعنى المراد على هذا، ووجب نصب كسير باعتباره على الحال، ولا يستقيم أن يكون كسير خبرًا ليزال؛ لأنك إذا جعلته خبرًا ليزال، فلا يخلو إما أن تكون "ما" في مما يقوم مصدرية كما قدرت أولًا، أو بمعنى الذي كما قدرت ثانيًا، فإن جعلتها مصدرية بطل لوجوه، أحدها: أن كأن تبقى بلا خبر إذ مما يقوم لا يصلح أن يكون خبرًا لفوت الفائدة فيه، والثاني: أن كأن تبقى غير مرتبطة بشيء، والثالث: ما يلزم من أنه حكم عليه بالكسر وليس كذلك، ويجاب