الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: فلا يرمين عن تحرف، يقال: شزن فلان، ثم رمى، أي: تحرف في أحد شقيه، وذلك أشد لرميه، أي: ليتها بليت حتى لا ترمي قلوبنا بالأحزانِ والأوجاعِ، وعفا المكان يعفو عفوًا وعفوًا وعفاء: درس وانمحى، وعفَّى غيره تعفيةً درسه، والرسمُ: ما لصق بالأرض من آثار الديارِ مثل البعر والرماد. وقوله: لما نسجتها، تعليل لعدم العفاء والاندراس، قال الأصمعي: إنَّ الريحين إذا اختلفا على الرسم لم يعفواه، فلو داومت عليه واحدة، لعفته. لأن الريح الواحدة تسفي الترابَ على الرسمِ فيُدرس، وإذا اعتورته ريحان فسفت عليه إحداهما فغطته، ثم هبت الأخرى كشفت عن الرسم ما سفت الأخرى، فيكون نسج الريحين اختلافهما بالتراب، فواحدة تغطي، والأخرى تكشف، وفاعل نسجت ضمير ما، و"من" بيان لما، فتكون ما عبارة عن ريح الجنوب، والشمال، وهما ريحان متقابلان، فيكون مراد المصنف أنه أنث الضمير العائد على "ما" لتفسيره بالمؤنث من الجنوب والشمال، كما أنث الضمير العائد على مهما لما فسر بمؤنث وهو خليقة، و"ها" من نسجتها ضمير المواضع الأربعة.
وقد بسطنا الكلام على هذين البيتين في الشاهد السابع والثمانين بعد الثمانمائة من شواهد الرضي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الأربعون بعد الخمسمائة:
وإنك مهما تعط بطنك سؤله
…
وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
على أنَّ ابن مالك زعم أنَّ "مهما" فيه ظرف زمان، قاله في "شرح الكافية" وأنشد لما ادعاه أبياتًا كثيرة، ورده ابنه، فقال: لا أدري في هذه الأبيات حجة،
لأنه كما يصح تقديرها بظرف كذلك يصح تقديرها بالمصدر، على معنى: أي إعطاء قليلًا وكثيرًا تعطي بطنك سؤله، لكن تعيين المصدرية، لأن في الظرفية شذوذًا وقولًا بما لا يعرفه جمع النحويين.
وقد نقلنا استدلال ابن مالك بالأبيات، ورد ابنه عليه مفصلًا في الإنشاد الواحد بعد الخمسمائة في بحث ما الشرطية.
قال أبو حيان في "شرح التسهيل" بعد نقل كلام ابنه: ويحتمل عندي بيت حاتم توجيهًا آخر غير ما ذكره ابن المصنف، وهو أن يكون "مهما" مفعولًا ثانيًا لتعط، وفرجك: مفعولًا أولًا، وسؤله: بدل من فرجك لا مفعول ثان، فلا يكون في البيت حجة على استعمال مهما ظرفًا، فتكون مهما في البيت نظيرها في قول امرئ القيس.
وإِنَّكِ مَهْما تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ
انتهى. قوله: "وإنك مهما تعط" كذا الرواية في أكثر نسخ "الحماسة" لأبي تمام، ووقع فيء بعضها:"وإنك إن أعطيت بطنك" وهي رواية ابن جني في "إعراب الحماسة"، ورواية القالي في "أماليه"، وعليها لا يكون شاهدًا في البيت لمهما، وهو آخر أبيات أربعة أوردها أبو تمام في باب الأضياف لحاتم الطائي وهي:
أَكُفُّ يَدِي عَنْ أنْ ينالَ التِماسُها
…
أكُفَّ صِحابِي حينَ حاجاتُنا مَعَا
أبِيتُ هَضِيمَ الكَشْحِ مُضْطَرِمَ الحَشَا
…
مِنَ الجوعِ أخْشى الذَّمَّ أَنْ أَتَضَلَّعا
وَإِني لأَسْتَحْيي رَفِيقِي أَنْ يَرَى
…
مَكانَ يَدِي مِنْ جانِبِ الزَّادِ أَقْرَعا
وَإْنَّكَ مَهْما تُعْطِ بَطْنَكَ سُؤْلَه
…
البيت
قوله: أكفُّ يدي، أي: أقبضها إذا جلسنا على الطعام إيثارًا للضيوف، وخوفًا أن يفنى الزاد، وأكف الثانية جمع كف مفعول ينال، وقوله: حين حاجاتنا معًا، قال ابن جني في "إعراب الحماسة": معًا حال سدت مسد خبر المبتدأ الذي هو المصدر، كقولك: قيامك ضاحكًا، وشربك السويق ملتوتًا. انتهى. وقال التبريزي: حاجاتنا معًا، أي كلنا جائع، فحاجته إلى الطعام كحاجة صاحبه، ومعًا: نصب على الحال سد مسد الخبر، لأن المصادر إذا ابتدئ بها وقعت الأحوال خبرًا عنها، كقولك: ضربي زيدًا قائمًا، وكذلك المضاف إلى المصدر تقول: أكثر ضربي زيدًا قائمًا. وانتصب "حين" على الظرف، وقد أضيف إلى الجملة، والعامل فيه: أكف يدي.
وقوله: أبيت هضيم الكشح، يدل على كفه عن الأكل إيثارًا للأكيل على نفسه، وأقرع، أي: خال من الطعام. قال ابنُ جني: قوله: وإنك إن أعطيت إلى آخره: أجمع: توكيد للذم. وهو أمثل من أن تجعله توكيدًا لمنتهى، وذلك أن قولك أجمع من توابع التوكيد في الإحاطة والعموم، والذم طويل عريض، وهو مما يليق به التوكيد بما هو موضوع للعموم، وأما المنتهى فغاية ونهاية، وهو أقل القليل لأنه الحد والغاية، وما هذه سبيله لا يوصف بما يوصف به الشامل والشائع، أعني الذم من حيث كان جنسًا. انتهى. وكذا رواها القالي في أواخر "أماليه" عن ابن دريد لحاتم الطائي أربعة أبيات. وتقدمت ترجمة حاتم في الإنشاد الثامن والتسعين.