الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنَّ أما لا يليها إن المكسورة، فجائز أن يقال: أمّا معلوم، فإنك فاضل، وأمّا أنك فاضل فمعلوم، ومنه قوله: دأبي اصطبار .. البيت، والرواية عنده في الكتابين: دأبي اصطراب، والدأب: العادة والشأن، قال الزمخشري: الدأب في الأصل مصدر دأب في العمل: إذا كدح فيه فوضع موضع ما عليه الإنسان من شأنه وحاله، والوجد: الحزن، والبري: النحت، يقول: شأني وعادتي الاصطبار على الشدائد، وأما جزعي يوم الفراق، فلوجد كاد يهلكني، قال آخر:
لقتلٌ بحدِّ السيفِ أهونُ مَوْقِعًا
…
على النفسِ مِنْ قتلٍ بحدِّ فِراقِ
والبيت مشهور في كتب النحو، ولم يعرف قائله والله أعلم.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والثلاثون بعد الأربعمائة:
ما أطيبَ العيشَ لو أن الفتى حجرٌ
…
تنبُو الحوادِثُ عنه وهو ملمُومُ
على أنَّ خبر أنَّ الواقعة بعد لو فيه اسم جامد، قال أبو حيّان في "شرح التسهيل": زعم السيرافي أنه لابدَّ أن يكون خبر أنَّ الواقعة بعد لو فعلًا، قال بعض أصحابنا: وذلك على جهة الغلط من السيرافي، ونسب المصنف - يعني ابن مالك - هذا المذهب إلى الزمخشري، قال المصنف في "شرح الكافية": وقد حمل الزمخشري ادعاؤه إضمار "ثبت" بين لو وأنّ على التزام الخبر فعلًا، ومنعه أن يكون اسمًا، ولو كان بمعنى فعل، نحو: لو أنَّ زيدًا حاضر، وما منعه شائع ذائع في كلام العرب، كقوله تعالى:(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ)[لقمان/ 27] وكقول الزاجر:
لَوْ أنَّ حيًّا مُدْرِكُ الفلاحِ
وكقول الآخر:
ولوْ أنَّ حيًّا فائتُ الموت فاتَهُ
…
أخُو الحربِ فوقَ القارح العدوان
وكقول الآخر:
ولو أن ما أبقيتِ مني معلقٌ بعودِ ثُمامٍ ما تأوَّدَ عُودُهَا
وكقول الآخر:
ولو أنَّهَا عصفورةٌ لحسِبْتُها
…
البيت. انتهى
وأنشدنا أحد المنتسبين لعلم النحو، وهو الشيخ أبو عمر عثمان المدلجي بالقاهرة:
ما أطيبَ العيشَ لو أنَّ الفتى حجرٌ .. البيت
وقال امرؤ القيس:
فلو أنَّ ما أسعُى لأدْنى معيشةٍ .. البيت.
هذا آخر كلام أبي حيان، وتعقب الدماميني المصنف بأنَّ هذه الآية التي تبجح باستخراجها، لو فيها للتمني لا للشرط، والكلام في لو الشرطية، وقد ذكر المسألة ابن الحاجب في منظومته، فقال:
لّوْ للتمنِي ليسَ منْ ذَا الباب
…
لو أنَّهُمْ بادُونَ في الأعرابِ
انتهى. قال بعض مشايخنا فيما كتبه على "الألفية": يدعي أن لو التي للتمني شرطية أشربت معى التمني، كما نقله في "المغني" وصححه أبو حيان في "الارتشاف" وذلك لأنهم جمعوا لها بين جوابين: جواب منصوب بعد الفاء، وجواب باللام كما تقدَّم، فلعله يختار هذا القول، فتبجحه على مختاره، خصوصًا وكلام الزمخشري في "المفصل" يميل إليه، وحينئذ فقول ابن الحاجب ليس من ذا الباب، أي من باب لو الشرطية ممنوع عنده، وكلامه في "المغني" يشعر بأن هذا الحكم ثابت للوفي جميع أحوالها؛ لأنه بعد أن ذكر، أقسامها قال: وهنا مسائل إحداها: أن لو .. الخ، ولم يقيدها في تلك المسائل بقسم، ويرجع النزاع بينه وبين ابن الحاجب في إثبات ذلك، ويصير تبجحه صحيحًا. انتهى كلامه.
والبيت لتميم بن أبي بن مقبل، وبعده:
لا تُحرِزُ المرءَ أحجاءُ البلادِ ولا
…
تُبنى له في السمواتِ السلاليمُ
لا ينفعُ المرءَ أنصارٌ ورابيةٌ بأبَى الهوانَ إذَا عُدَّ الجراثيمُ
كذا أوردها أبو محمد عبد الله الشهر بابن بري في "شرح أبيات الإيضاح" قوله: لو أن الفتى حجر، ذكر الحجر، وأراد لازمه، وهو طول البقاء، قال ابن جني في "الخصائص": الحجارة مما يوصف بالخلود والبقاء، ألا تراه كيف قال ابن مقبل: ما أطيبَ العيشَ .. البيت؟ وقال:
بقاء الوحي في الصُّمِّ الصِّلابِ. انتهى.
وقال ابن خلف في "شرح شواهد سيبويه": ومما وقع فيه العام موقع الخاص قول ابن مقبل: ما أطيب العيش .. البيت.
لم يرد أن يكون حجرًا على الحقيقة، وإنما أراد من الحجر بقاءه وثباته مع مرور الحوادث عليه، يشهد بهذا المعنى قوله:"ما أطيب العيش"، والحجر لا يجد لين عيش ولا خشونته، فقوله:"ما أطيب العيش" ينفي أن يكون تمنى أن يكون حجرًا على القحيقة، وإنما تمنى بقاءه لا غير، فأوقع الحجر وهو عام موقع البقاء، وهو خاص. هذا كلامه.
وتنبو: تبعد، من نبا الشيء نبوًا، من باب قتل، ونبوًا على مفعول: إذا بعد، أو من نبا السّيفُ عن الضريبة: إذا رجع من غير قطع، أو من نبا السهم عن الهدف: إذا لم يصبه، أو من نبا الطبعِ عن الشيء: إذا نفر ولم يقبله، والملموم: المجموع. وقوله: لا تحرز المرء: من أحرزه، إذا صانه وحفظه، والمرء: مفعوله، وأحجاء فاعله، وهو جمع حَجا، بفتح الحاء المهمملة فجيم فألف مقصورة، قال الأزهري في "تهذيب اللغة": قال الليث: وأحجاء البلاد: نواحيها وأطرافها، قال ابن مقبل: لا يحرز المرء أحجاء البلاد .. البيت.