الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم أقف على قائله، ولا علة تتمته. قال الدماميني: فقيرًا: حال من التاء، وهي المفعول الأول النائب عن الفاعل، وذا غنى: هو المفعول الثاني: وضمير نلته: عائد إلى الغنى، والمعنى: ظننت غنيًا في حال كوني فقيراُ، ثم نلت الغنى، فلم ألف ذا رجاء في حالة كوني غير واهب له، بل ألقاه منعمًا عليه محسنًا إليه، وهذا رجل عرف قدر النعمة، فشكر، جزاه الله خيرًا. انتهى.
(لما)
أنشد فيه، وهو الإنشاد الثالث والخمسون بعد الأربعمائة:
(53)
فإنْ كنتُ مأكولًا فكنْ خير آكلٍ
…
وإلا فأدركني ولما أمزق
على أن منفي لما يستمر نفيه إلى حال التكلم. قال أبو حيان: نفى التمزيق عنه إلى زمام إخباره، لا يريد انتفاء التمزيق فيما مضى، ثم مزق، وقد اضطرب كلام المصنف في "لما" هذه، فقال في هذا الكتاب ما ذكره، وقال في شرح "الكافية": لا يشترط كون المنفي بلا قريبًا من الحال، بل الغالب كونه قريبًا، وكذلك اختلفت عبارة أصحابنا، فبعضهم يقول: لما لنفى الماضي المتصل بزمان الحال، وبعضهم يقول: لما لنفي الماضي القريب من الحال، وزاد المصنف أن نفيها للماضي القريب من الحال ليس شرطًا، بل غالبًا، فعلى هذا قد تكون نافية للماضي الذي لا يتصل بالحال، ولا يقرب من الحال، فتكون إذ ذاك مساوية في النفي في مطلق الانتفاء هذا آخر كلام أبي حيان.
والبيت من قصيدة للممزق العبدي أوردها صاحب "الحماسة البصرية" واقتصر على بعضهما ابن قتيبة في كتاب "الشعراء" وهو هذا:
وناجيةٍ عديتُ من عندِ ماجدٍ
…
إلى واجدٍ من غيرِ سخطٍ مفرقِ
وقدْ تخذت رجلي إلى جنبِ غرزها
…
نسيفًا كأفحوص القطاة المطرق
تروحُ وتغدو ما يحل وضينها
…
إليك ابنَ ماءِ المزن وابن محرقِ
تبلغني منْ لا يدنسُ عرضهُ
…
بعذرٍ ولا يزكو لديه تملقي
أحقًا أبيت اللعن أن ابن فرتني
…
على غير إجرام بريقي مشرقي
فإن كنت مأكولًا فكنْ أنت آكلي
…
وإلا فأدركني ولما أمزق
فأنت عميد الناس مهمتا تقل يقلْ
…
ومهما يكنْ منْ باطلٍ لا تحقق
آكلفتني أدواءَ قومٍ تركتهمْ
…
فإلا تداركني منَ البحر أغرقِ
فإن يعمنوا أشئتم خلافًا عليهم
…
وإن يتهموا مستحقبي الحرب أعرق
قوله: وناجية مجرور برب المضمرة بعد الواو، ومحله النصب على أنه مفعول لعديت، أي: جاوزتها، والناجية: الناقة السريعة، والماجد: الشريف، والواجد: اللئيم السيء الحلق، لأنه يجد من غير وجد للؤمه. وقوله: وقد تخذت رجلي: استشهد به أبو علي في "الإيضاح"على أن تخذ بمعنى أخذ، والغرز للرحل كالركاب للسرج، والنسيف: الأثر في جنبي الناقة من القدمين، وأفحوص القطاة: مبيضها تفحصه وتنقيه، وتبيض فيه، والمطرق، بفتح الراء: التي تضيق عن بيضتها شيئاُ، وأصله المرأة يخرج بعض ولدها ويبقى بعضه، فيغشى عليها. وقوله: ما يحل وضينها بالبناء للمفعول، والوضين: بطان عريض منسوج من سيور أو شعر، ولا يكون إلا من جلد. وقوله: إليك ابن ماء المزن
…
إلى آخره، ابن: منادى بإضمار "يا" وماء السماء من ملوك الشام من قبيلة غسان، واسمه عامر بن حارثة الغطريف، وسمي ماء السماء لأنه كان يحتبي في المحل، فينوب عن الغيث بالرفد والعطاء، ومحرق: هو الحارث بن عمرو بن عامر بن حارثة الغطريف، والحارث هو أخو جفتة أبي ملوك الشام، وسمي محرقًا لأنه أول من عاقب بالنار، وقوله: إن ابن فرتنى بفتح الفاء وسكون الراء بعدها مثناة مفتوحة فنون: هي المرأة الزانية والأمة أيضًا، وأراد بابن فرتني: الواشي، وهي كلمة سب، وإجرام: مصدر أجرم، أي أذنب،
ومشرقي: اسم فاعل من أشرقي بريقي: أي أغصني به متعدي شرق بريقه: إذا لم يقدر أن يبلعه. وقوله: وإلَاّ فأدركني، أي: وإن لم تكن آكلي، وأدركني: أمر من أدركه: إذا طلبه، فلحقه، يعني فأعثي قبل أن أقتل، وأمزّق بالبناء للمفعول، وبهذا سمي الممزق بصيغة اسم المفعول، قال العسكري في كتاب "التصحيف": الممزَّق العَبْدي: مفتوح الزاي اسمه شأس بن نهار، وسمي بهذا البيت الممزق، قال أبو اليقظان: الممزق من بني منبّه بن نُكرة بن لُكيز، وكان من عبدة الأوثان، قتل كافرًا. انتهى.
قال المبرد في أوائل "الكامل": كتب عثمان بن عفان إلى علي بن أبي طالب حين أُحيط به: أما بعد، فإنه قد جاوز الماءُ الزُّبى، وبلغ الحِزامُ الطُّبيين، وتجاوز الأمر بي قدره، وطمع فيَّ من لا يدفع عن نفسه
فإن كنت مأكولاُ فكن خير آكِلٍ .. البيت.
قوله: قد جاوز الماءُ الزبى، الزبية: مصيدة الأسد، ولا تتخذ إلَّا في قُلَّة أو رابية أو هضبة، وتقول العرب:"قد علا الماء الزُبى"، و"قد بلغ السِّكينُ العظم"، و"بلغ الحِزامُ الطُّبيين"، و"قد انقطع السَّلى في البطن"، والسَّلى من المرأة والشاة: ما يتلفّ فيه الولد في البطن، ويقال لمواضع الأخلاف من السباع والحيل أطباء جمع طُبي، كقُفل، كما يقال في الظِّلف والخُفّ من السباع والخيل جمع طُبي، كقُفل، كما يقال في الظِّلف والخُف خِلفٌ مكان هذا، وإذا بلغ الحزام الطُّبيين فقد انتهى في المكروه. وتمثُّلُهُ بالبيت يُشاكل قول القائل:
فَإنْ أَكُ مَقْتُولًا فَكنْ أنتَ قاتِلي
…
فَبَعْض مُنَايَا القَوْمِ أكْرَمُ مِنْ بعضٍ
إلى هنا كلام المبرد، قال صاحب "نشوار المحاضرة": هذا البيت لطرفة بن العبد، قال: وأخذه عبد الله بن الحجاج التغلبي، فأفسده، فقال:
فَإنْ كُنْتُ مَأكولًا فَكُنْ خيرَ آكلٍ
…
وإنْ كُنْتُ مَذبُوحًا فكنْ أنتَ ذابحي
وقوله: فأنت عميد الناس، العميد: السيّد الذي يعمَدهُ الناس، أي: يقصدونه، وقوله: لا تحقق بالخطاب والنهي. وأدواء: جمع داء، وإلَّا تداركني، أي: إن لم تغثني، وأعمن: إذا أتى "عمان" بالضم والتخفيف، وأشأم: أتى الشام، وأتهم: أتى تهامة، وأعرق: أتى العراق، واستحقبه: ادّخره لوقت الحاجة.
قال ابن قتيبة: الممزق العبدي: هو من نُكرة، واسمه شأس بن نهار، وسمّي الممزَّق بقوله: فإن كنت مأكولًا
…
البيت، وهو جاهلي قديم، وإنما يعني بهذا الشعر بعض بني محرّق. انتهى.
وقال صاحب "الحماسة البصرية": الممزق شأس بن نهار العبدي، مدح بهذه القصيدة عمرو بن النعمان بن المنذر الأكبر، وكان قد همَّ أن يغزُو عبد القيس، فلما سمع القصيدة رجع عن ذلك. انتهى.
وقال ابن السيِّد البطليوسي فيما كتبه على "كامل المبرد": كان سبب قول الممزق هذا الشعر أنّ عمرو بن هند أو قابوس أخاه كان يعشو على البحرين، فاستقبله الممزق، ودخل عليه في جوف الليل، وقال له: أنا رجل من بني تميم بلغني أن الملك يريد عبد القيس، فجئته لأدله على عورتهم، فقربه الملك، وسار معه، فهجم به على بني عمرو بن تميم، فأخذ القتل فيهم، فلما عرف قصته، قال: ما حملك على ما صنعت، فأخبره أنه من عبد القيس، وأنه إنما فعل ذلك لأنَّ بني تميم هم الذين حملوا الملك على عبد القيس، فدفعه إلى بني تميم، فقال: اقتلوه، فهموا بتقطيعه، فقال هذا الشعر، فخلصه الملك منهم، وبهذا البيت سمي الممزق، واسمه شأس بن نهار. انتهى.
وأورد الآمدي في "المؤتلف والمختلف" من يقال له الممزق –بفتح الزاي- وهما اثنان، ومن يقال له الممزق –بكسر الزاي-: وهو واحد، قال: الممزق بالفتح: شأس بن نهار العبدي صاحب القصيدة التي على القاف، يقول فيها لعمرو بن
المنذر بن عمرو بن النعمان وكان همَّ بغزو عبد القيس: فإن كنتُ مأكولًا
…
البيت، فلما بلغته القصيدة انصرف عن عزمه، وكان عبد الله بن حُذافة السهمي سهم بن عمرو بن هُصَيْص أحد شعراء قريش يقال له: الممزق، ذكر ذلك ابن سلام الجمحي في شعراء مكة، وهو [القائل]:
وتِلكْمُ قُرَيْشٌ تَجْحَدُ اللهَ حَقَّهُ
…
كما جَحَدَتْ عَادٌ وَمَدْيَنُ والحِجْرُ
فإنْ أنا لم أُبْرِقْ فلا يَسَعَنَّي
…
مِنَ اللهِ بَرٌ ذُو فَضاءٍ ولا بحرُ
وأما الممزِّق -بكسر الزاي-: فهو متأخر، وهو الممزق الخضرمي أنشد له دعبل بن علي الخزاعي:
إذَا وَلَدَتْ حَلِيلَةُ باهَليّ
…
غلامًا زيدَ في عَدَدِ اللِّئَامِ
وَعِرْضُ البَاهِلِيِّ وإن تَوَقَّى
…
عَلَيْهِ مِثْلُ مِندِيلِ الطَّعامِ
ولَوْ كَانَ الخَلِيفَةُ بَاهِيلِيًا
…
لَقَصَّرَ عَنْ مُسايَرَةِ الكِرَامِ
قال: وابنه عبّاد بن الممزِّق، ويعرف بالمخرِّق، وله أشعار كثيرة وهو القائل:
أنا المُخرِّقُ أعْرَاضَ اللِّئامِ كما
…
كان المُمزِّقُ أعْرَاضَ اللئَامِ أبي
وأنشدناه أبو الحسن الأخفش عن أبي العباس المبرد [إلا أنه قال: الممزق بن المخرق]، وأنشدنا عن أبي العباس لأبي الشمقمق في الممزق:
كنت الممزِّقَ مرةً
…
فاليوم قد صرت الممزَّقْ
لمَّا جَريت مع الضَّلا
…
لِ غرقت في بحر الشمقمقْ
انتهى.