الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففتح: جمع ذكرى على خلاف القياس، وقيل: جمع ذكرة على القياس، يقال: ذكرته بلساني وبقلبي ذكرى. والبيت مع كثرة تداوله في كتب الصرف والنحو لم يعرف قائله، والله أعلم.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والتسعون بعد الأربعمائة:
(494)
على ما قامَ يشتمُني لئيمٌ
…
كخنزيرٍ تمرَّغ في دَمانِ
على أن ثبوت ألف "ما" الاستفهامية المجرورة لضرورة الشعر، وقول المصنف: والدمان كالرماد وزنًا ومعنى، إلى آخر تفسيره، ورده إنما يصح بعد الثبوت، وإنما الرواية "في رماد" فإنّ رويّ الشعر دال، وإنما الرواة قد حرفوه، وتبعهم أبو علي في "الحجة" وابن جني في "المحتسب" وغيرهما، ورواه صاحب "اللباب" وشارحه القالي "في الدهان" بالهاء بعد الدال، ورواه المرادي في شرح الألفية "في تراب"، ورواه بعضهم "في رمال" وهذا كله خلاف الصّواب، ورواه السكري في ديوان حسان:
ففيم تقولُ يشتمني لئيمٌ
عليه لا شاهد فيه و"على" تعليلة، وقال ابن بري وابن يسعون في شرح أبيات "إيضاح الفارسي": زعم أبو الفتح أن قام هنا حشو زائد، وليس كذلك، لأنها تقتضي النهوض بالشمّ والتشمير فيه كما قال:
لدى باب هندٍ إذ تجرّد قائمًا
فليس هناك تجرد ولا قيام، ولكنّه يريد الجدّ والتشمير. وقال ابن عصفور في كتاب "الضرائر": فأمّا قول حسان:
على ما قامَ يشتمني
…
البيت.
وقول الآخر:
فإنْ كُنتَ سيِّدَنَا سُدْتَنَا
…
وإنْ كنتَ للخالِ فاذهبْ فخَل
فزعم أبو الفتح أن قام في البيت الأول، و"فاذهب" في البيت الثاني زائدتان، لأن المعنى: وإن كنت الخال فخل، وعلى م يشتمني، وأنهما زيدتا توكيدًا للكلام، وتمكينًا له، والصحيح أنهما غير زائدتين، لأنه لا موجب لزيادتهما، بل "قام" في بيت حسان ليست ضد فعل، بل معنى ثبت من قوله تعالى:(إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا)[آل عمران/ 75]، وكأنه قال: ما ثبت يشتمني لئيم، وكذلك: اذهب، له معنى لا يفهم إلا منه، ألا ترى أنَّ المعنى: إن سرتَ فينا سيرَ السادة المرضية، سُدتَنَا، وإن كنت تبغي الخال، فاذهب فاطلب لذلك قابلًا، وبه راضيًا، فإننا لا نقبل ذلك ولا نرضاه، ولو جعلت زائدة لا معنى لها، لكان الكلام يعطي ظاهره الرضى بالخال على الإدلال وهو خلاف مراد الشاعر. انتهى كلامه.
وقوله: كخنزير تفريض بكفره أو قبح منظره، لأنه مسخ مشوه أكَّال للقذر.
وقوله: تمرغ في رماد، تتميم لذّمِّه، والتغالي في هجوه، وإخساس لشأنه، واستهانة لأمره. انتهى كلامهما، والخنزير يدلُكُ نفسه بالشجر، ثم ليأتي للطين والحمأة، فيتلطخ بهما، وكلما يتساقط منه شيء عاد فيهما، فيكون في أقبح منظر.
قال الجاحظ في كتاب "الحيوان": العين تكره الخنزير جملة دون سائر المسوخ، لأن القرد وإن كان مسيخًا، فهو مستملح، والفيل عجيب ظريف بهي وإن كان سمجًا قبيحًا. انتهى.
والبيت من أبيات قالها حسان رضي الله عنه في هجو بني عابد - بموحدة بعدها دال مهملة - ابن عبد الله بن عمير بن مخزوم، قال البلاذري: لم يكن لهم
هجرة ولا سابقة قال: وقال الأثرم عن أبي حبيرة: قال حسان هذا الشعر في رفيع ابن صيفي بن عابد، وقتل رفيع يوم بدر كافرًا، والأبيات هذه:
إنْ تصلُحْ فإنَّكَ عابديٌ
…
وصُلْحُ العابديِّ إلى فسادِ
وإنْ تفسُدْ فمَا أُلفيتَ إلَاّ
…
بعيدًا ما عَلِمْتُ من السَّدادِ
وتلقاهُ على ما كان فيهِ
…
من الهفواتِ أو نُوكِ الفؤادِ
مبينَ الغيِّ لا يعيي عليهِ
…
ويعيي بعدُ عنْ سُبُلِ الرشادِ
ففيم تقولُ يشتمني لئيمٌ
…
كخنزيرٍ تمرَّغَ في رمادِ
فأشهَدُ أن أمَّكض مِ البغايَا
…
وأنَّ أباكَ من شرِّ العبادِ
فلنْ أنفَكَّ أهْجُو عابديَّا
…
طوالَ الدهرِ ما نادَى المنادِي
وقد سارتْ قوافٍ باقياتٌ تناشدها الرُّواةُ بكلِّ وادٍ
فقبحَ عابدٌ وبني أبيهِ فإنَّ معادَهُمْ شرُّ المعادِ
وقوله: "إن تصلح" فيه خرم، ورواه بعضهم:"وإن تصلح" فلا خرم. والسداد بالفتح: الرشد والاستقامة، والهفوات: السقطات، والنوك بالضم: الحمق، وهو نقص في العقل، وأراد به البلادة، وعدم الاهتداء للمقصود، ولهذا أضافه إلى الفؤاد، وقوله: مُبينَ الغيِّ بالنصب: حال من مفعول تلقاه، وقوله: م البغايا أصله: من البغايا، وهو لغة في "من"، والبغي: المرأة الفاجرة، وطوال الدهر بالفتح: طول الدهر، وقوله: فقبح بالبناء للمفعول على الدعاء، وبني أبيه: مفعول معه. وتجرمة حسان تقدمت في الإنشاد التاسع والتسعين.