الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وألمَّ: زارَ زيارةً خفيفةً، والطّارق: الذي يأتي ليلًا، والمتأوِّبُ: الرّاجع و"لأمِّ حكيم" متعلق بمحذوف صفة أخرى لخيال، وموصِب أيضًا وصف له، وهو اسم فاعل من أوصبه: إذا أمرضه، وبعد متعلّق بألمَّ.
وقوله: ولو تلتقي أصداؤنا: هو جمع صدى، وهو الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها، والمراد: لو أنَّ إنسانًا رفع صوته باسمي، وآخر رفع صوته باسمها في موضع يرجع فيه الصّدى، التقى صديانا لظلَّ صدى صوت اسمي يهشّ لصدى صوت اسمها، ففي الموضعين الأوَّلين حذف مضاف، أي: ولو تلتقي أصداء أسمائنا، ولظلّ صدى صوت اسمي. وأما قوله: لصوت صدى ليلى، فلا حذف فيه، لكن فيه قلب، أي: لصدى صوت ليلى بقرينة ما قبله، والرّمس: القبر، أصله تراب القبر، والسَّبسّب كجعفر: القفر والمفازة، والرّمة بكسر الرّاء: العظم البالي، ورم العظم يرم من باب ضرب: إذا بلي، ويهشُّ مضارع هشَّ الرّجل هشاشة إذا تبسَم وارتاح من بابي تعب وضرب، والطّرب هنا: خفَّة تلحق لفرح. وأبو صخر الهذلي: اسمه عبد الله بن سالم السّهمي الهذلي شاعر إسلامي، تقدَّمت ترجمته في الإنشاد الرّابع والسّبعين.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس عشر بعد الأربعمائة:
وَلَوْ أَنَّ ليْلى الأخيلية سلَّمَتْ
…
عَلَيَّ وَدُوني جَنْدَلٌ وصَفَائِحُ
لَسَلَّمْتُ تَسْليمَ البشاشة أو زقا
…
إليها صدىً مِنْ جانب القبر صائِحُ
لما تقدَّم قبله. والبيتان أوردهما أبو تمام في "الحماسة" لتوبة بن الحمير مع ثالث وهو:
وَأُغْبَطُ مِنْ ليلى بما لا أنالُهُ
…
ألا كُلُّ ما قَرَّتُ بِهِ العينُ صالحُ
قال شارح "الحماسة" أمين الدين الطبرسي: الصفائح: الحجارة العراض تكون على القبور يقول: لو سلّمت عليّ وأنا ميت، وحال بيني وبينها صفائح القبر تسرّعت إلى جوابها مع بشاشة وطلاقة وجه، أو صاح لها صدى لي من داخل قبري بدل الجواب منّي، وهذا على اعتقادهم أنَّ عظام الموتى تصير أصداء وهامًا.
وقوله: وأغبط من ليلى .. إلخ، يقول: إني محسود منذ عرفت ليلى، وإن لم أنل منها مطلوبًا، ثمّ قال: ألا كل ما قرَّت به العين صالح، يريد: أني قرير العين بأن أذكر بها، وهذا القدر نافع، وإن تجرَّد عمَّا سواه. انتهى. وكذا أوردها ثلاثة أبيات القالي في "أماليه" عن ابن دريد، وقال أنشدنا ابن دريد: قال: أنشدنا الأشنانداني، عن التَّوَّزيِّ لطهمان بن عمرو من بني أبي بكر بن كلاب:
وَلَوْ أَنَّ لَيْلى الحارِثيَّةَ سَلَّمَتْ
…
عَلَيَّ مُسَجَّى في الثِّيَابِ أسُوقٌ
حَنُوطي وَأَكْفاني لَدَيَّ مُعَدَّة
…
وَلِلنَّفْسِ مِنْ قُرْبِ الوَفَاة شَهيقُ
إذًا لحَسِبْتُ الموْتَ يَتْرُكُني لهَا
…
وَيفْرَجُ عَنِّي غَمُّهُ فَأُفيقُ
انتهى.
وأورد السكري هذه الأبيات الثلاثة في ضمن قصيدة طويلة لطهمان المذكور
قال: وزعم ابن غَّلاق أنها للفأفاء بن حيان بن عمرو بن كلاب، وأورد ابن قتيبة في كتاب "الشعراء" البيتين الشّاهدين فقط، وقال: ويروي: لسلمت تسليم المحبّين. وكذا أوردهما السيّد المرتضى في "أماليه" وقال: قال محمَد بن يحيى الصولي: إنِّي لأحسب أبا حيَّة النّميري قد تبع توبة بن الحميّر في قوله:
حَدِيثٌ إذَا لمْ تخْشَ عَيْنًا كأنَّه
…
إذا سَاقَطَتْهُ الشَّهْدُ بَلْ هُوَ أَطيبُ
لَوَ انَّكَ تَستَشْفي بهِ بعد سكرةٍ
…
من الموتِ كادَتْ سكرَةُ الموتِ تذهبُ
وأوَّلُ من سبق إلى هذا المعنى فأحسن الأعشى في قوله:
لَوْ أَسْنَدَتْ ميْتًا إلى نَحْرِهَا
…
عَاشَ ولَمْ يُنْقَلْ إلى قَابِرِ
حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ مِمَّا رَأوْا
…
يَا عَجَبًا للمَيِّتِ النّاشِرِ
ومعنى النَّاشر: المنشور، يقال: أَنشر الله الميت، فنشر، وهو ناشر بمعنى منشور مثل ماء دافق، أي: مدفوق انتهى.
وليلى الأخيلية: هي بنت عبد الله بن كعب بن معاوية. ومعاوية هو الأخيل بن عبادة. وهي من أشعر النِّساء لا يُقدَّم عليها غيرُ الخنساء، وكان توبة بن الحمير يحبّها. ولمَّا قتل. رثته بمراث جيدة، قال ابن قتيبة وقوله: أَو، زقا بالزاء المعجمة والقاف.
قال صاحب "القاموس": زقا الصّدَىَ يزقو زقوًا صاح، كزقي يزقي زقيًا انتهى. والصَّدى: طائر قال ابن الأنباري في كتاب "الأضداد": كانت العرب تزعم أن عظام الميّت تجتمع، فتصير هامة، ثمَّ تطير، ويسمون الطّائر الَّذي يخرج منها الصّدى، وقيل: الصّدى ذكر البوم، قال توبة بن الحميِّر:
وَلَوْ أَنَّ لَيْلى الأَخْيلِيَّةَ
…
البيتين. انتهى.
وقال المبرّد في "الكامل" بعد قول النّمر بن تولب:
أعَاذِلُ إنْ يُصْبِحْ صَدَايَ بقَفْرةٍ
…
بَعيدًا نآني صَاحبِي وَقَريني
الصَّدَى على ستَّة أوجه، أحدها: ما يبقى من الميِّت في قبرة. والصَّدى: الذَّكر من البوم، والصَّدى: حُشْوَةُ الرَّأس، يقال لذلك الهامة والصَّدى. وتأويل ذلك عند العرب في الجاهلية: أنَّ الرَّجل كان عندهم إذا قتل، فلم يدرك به الثَّار يخرج من رأسه طائر كالبومة - وهي الهامة، والذَّكر: الصّدى - فيصيح على قبره: اسقوني اسقوني، فإن قتل قاتله، كفّ ذلك الطّائر، قال ذو الإصبع:
يا عَمْرُو إنْ تَدَعْ شَتْمي وَمَنْقّصَتي
…
أضرِبْكَ حتى تقولَ الهَامَةُ اسْقُوني
والصَّدَى: ما يرجع عليك من الصَّوت إذا كُنْتَ بمُتَّسَعٍ من الأرض، أو بقرب جبل، والصَّدأ مهموز: صدأ الحديد وما أشبه ذلك، والصَّدى مصدر الصَّدى وهو العطشان. انتهى باختصار. قال الوقشي فيما كتبه على "الكامل": قوله: الصَّدى على ستَّة أوجه المهموز أحد السِّتَّة، فالمقصور إنما هو خمسة، ذكر أبو عليّ القالي في "المقصور" الصَّدى: العطش، والصَّدى: الذي يجيب الصَّوت إذا كنت في بيت خال أو جبل، والصَّدى: طائر يقال له: ذكر البوم، وإنما سمّى صدى، لأنه يأوي القبور، فسمّي بصدى الميّت وهو بدنه. وقال ابن الأنباري: الصَّدى: طائر ليس بذكر البوم تتشاءم به العرب، ويزعم بعضهم أنَّه يجتمع من عظام الميِّت، والصَّدى أيضًا: العالم بالإبل بمصلحتها، والصَّدى أيضًا الضَّعيف الجسد عن أبي عبيد، والصَّدى أيضًا: السَّمع، يقال: صمّ صداه، وأصمَّ سالله صداه وهو السَّمع والدّماغ وحشو الرَّأس عن أبي زيد، وما ذكره أبو العبَّاس من الصَّدى المهموز فغلط أن يُعد مع هذه. انتهى كلامه.
وفسَّر الدَّماميني الصَّدى هنا بطائر يخرج من رأس المقتول إذا بلي بزعم الجاهليَّة،
وفسَّره العيني، وتبعه السّيوطي بالذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها.
والبيتان من قصيدة اقتصرنا منها على ما اختاره أبو تمام، وقد ذكر جماعة لهذين البيتين حكاية عجيبة، منهم الجاحظ في كتاب "المحاسن والمساوئ"، ومنهم أبو عبيد البكري في كتاب "اللآلي" في شرح "أمالي القالي"، ومنهم الأصبهاني في كتاب "الأغاني". ومنهم المعافى بن زكريا في كتاب "الجليس والأنيس"، قال البكري: ومن غريب ما اتفق في أمر هذا الصّدى ما رواه أبو عبيدة من أنِّ ليلى الأخيلية مرّت مع زوجها في بعض نُجَعهم بالموضع الذي فيه قبر توبة، فقال لها زوجها: لا بدَّ أن أعرّج بك إلى قبر توبة بن الحميّر كي تسلِّمي عليه حتَّى أرى هل يُجيبك صداه كما زعم في قوله: ولو أنَّ ليلى الأخيليَّة سَلَّمَتْ. البيتين، فقالت: وما تريد من رِمَّة وأحجار؟ قال: لا بدَّ من ذلك، فعدل بها عن الطريق إلى القبر، وذلك في يوم قائظ، فلمَّا دنت راحلتها من القبر، ورفعت صوتها بالسّلام عليه إذا بطائر قد استظلَّ بحجارة القبر من فيح الهاجرة، فطار، فنفرَّ راحلتها، فوقصت بها فماتت، فدفنت إلى جنبه، انتهى. وقال الجاحظ: وكانت قطاةٌ مستظلَّة في نقب القبر، فلمَّا سمعت الصّوت، طارت، وصاحت، فنفر البعير، ورمى بليلي، فماتت، فدفنت إلى جنب قبر توبة. وقال صاحب "الأغاني": وكانت إلى جنب القبر بومة كامنة، وزاد صاحب "كتاب الجليس" بعد قوله: فدفنت إلى جانب قبره، فنبتت على قبره شجرة، وعلى قبرها شجرة، فطالتا، فالتفتا أقول: كيف يصحّ هذا مع قول أرباب التواريخ: إنها دفنت بساوة من بلاد العجم بعد ما كبرت وعجزت، وكانت تهاجي النَّابغة الجعدي. فهرب منها إلى خراسان، فهذبت خلفه، فلمَّا رجعت، ماتت في الطريق، قال المرزباني في أخبار ليلى الأخيليَّة وأشعارها، من كتاب "أشعار النِّساء" عند اجتماعها بالحجَّاج بن يوسف: روي عن أبي عمرو الشيباني أنَّ الحجَّاج قال لها: ما حاجتك؟ قالت: حاجتي أن تحملني إلى قتيبة بن مسلم إلى خراسان على البريد، فحملها فاستظرفها قتيبة، ووصلها، ثمَّ