الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد العشرون بعد الأربعمائة:
ورُبَّما فاتَ قومًا جُلُّ أمرِهِمُ
…
مِنَ التأنِّي وكانَ الحزمُ لو عجِلُوا
على أنَّ لو فيه أيضًا مصدريّة، وكذا في "شرح التسهيل" فيكون الحزم اسم كان، ولو عجلوا في تأويل مصدر منصوب يكون خبرها، والتقدير: وكان الحزم عجلتهم، ولا يجوز جعل "لو" هنا شرطية لعدم دليل الجواب. فلو قدرت خبرًا لكان، وقلت: لو عجلوا، لكان الحزم خيرًا لهم، فلا يصح، نعم لو نصب الحزم خبرًا لكان، وقيل: لو عجلوا لكان حزمًا لهم، أي: لكان أمرهم حزمًا، صحّ. وقال الدماميني: والمختار نصب الحزم على أنه خبر كان. ولو عجلوا اسمها، لأنَّ الحرف المصدري المقدر بمعرف يحكم له بحكم الضمير، ولهذا قرأ السبعة (مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا)[الجاثية/ 25](فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا)[العنكبوت/ 24] بنصب الأول والرفع ضعيف لضعف الإخبار بالضمير عما هو دونه في التعريف، نص المصنف على ذلك في أول الباب الرابع. انتهى.
وفي كلامه نظر من وجهين، وفي كلام المصنف نظر من وجوه: أما الذي في كلامه، فهو أنه قال: المختار نصب الحزم، فإنه يشعر أنه روي بالوجهين، والرواية إنما هي برفع الحزم. والثاني: أنه حكم للمصدر المؤول من لو والفعل بذلك، والمصنف إنما خصه بأنْ وأنّ دون ما وكي ولو، قال هناك: واعلم أنهم حكموا لأن وأنَّ المقدرتين بمصدر معرّف حكموا بحكم الضمير، لأنه لا يوصف كما أنَّ الضمير كذلك، فلهذا قرأت السبعة إلى آخر ما ذكره الدماميني، لكن قد وقع للمصنف في النوع الثاني من الجهة السادسة من الباب الخامس في الرد على أبي البقاء
أنه قال: والحرف المصدري صلته في نحو ذلك معرفة فلا يقع صفة للنكرة، ولم يخصصه بأن وأنّ. وأما ما ذكره المصنف، ففيه أولًا إخبار بخلاف الواقع، فإنَّ النحويين يؤولون الحرف المصدري مع الفعل المسند إلى الضمير تارة بمصدر معرفة مطلقًا، وتارة بمصدر نكرة بحسب الاقتضاء، قال ابن جنبي في "الخاطريات": قال أبو الحسن في قول الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ)[التوبة/ 113] يقول: وما كان لهم استغفار للمشركين، وقال:(مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)[يونس/ 100] أي: ما كان لهم الإيمان إلا بإذن الله، ففسر أبو الحسن:"أن يستغفروا" بالنكرة التي هي استغفار، وفسر "أن تؤمن" بالمعرفة التي هي الإيمان أخذ بالأمرين جميعًا، وذلك أن أبا الحسن كان يجيز أن يكون أن وصلتها الفعل المنصوب بها نكرة، كما تجيز الجماعة أن يكون معرفة، فقلت لأبي علي يومًا: قد وجد هذا الذي أجازه أبو الحسن من تنكير أن الموصولة في شعر امرئ القيس:
فدمعُهمَا سَحٌّ وسكبٌ وديمةٌ
…
وَرَشٌّ وتوكافٌ وتنهمِلانِ
أي: وانهمال، ألا ترى أن جميع ما قبله من المصادر نكرة وأصله: وأن تنهملا، ثم لما حذف أن رفع الفعل، كقوله:
ألا أيُّهَذَا الزَّاجِرِي أحضُرُ الوَغَى
فرضي بذلك، وقبله، ودلني شاهد حاله حينئذ على أنه ما كان وقع له هو ذلك فيما قبل. ولما كان الاستغفار للمشركين محظورًا نكر المصدر الدال عليه تحقيرًا لشأنه، ولما كان الإيمان مما يرغب فيه ويُرجى، عرَّف المصدر الدال عليه تفخيمًا. انتهى كلام ابن جني. وفيه تصريح بجواز التأويل بنكرة وبمعرفة باللام، وبموافقة أبي علي وابن جني لأبي الحسن، وبحكاية ابن جني عن النحويين جواز التأويل بالمعرفة مطلقًا
بقوله: كما تجيز الجماعة أن يكون معرفة، وهذا كان سندًا لما قلنا. وقد أول البيضاوي في بعض الآيات بنكرة، قال في قوله تعالى:(وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى)[يونس/ 37] قال: أي: افتراء من الخلق والمصنف نفسه أول الآية كذا في الرابع من الجهة الثانية من الباب الخامس من هذا الكتاب، وفي باب كان وما جرى مجراها من الباب الخامس أيضًا في قوله تعالى:(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا)[الشورى/ 51] أول قوله تعالى: (أو يرسل) بقوله: أو إرسالًا.
الوجه الثاني: أنه لا يلزم من كونه لا يوصف أن يكون بمنزلة الضمير طردًا وعكسًا فإن "اللهم" لا يوصف، وليس هو بمنزلة الضمير، والمضاف إلى الضمير في مرتبة الضمير، مع أنه يوصف، وإنما لم يوصف المصدر المؤول من الحرف والفعل، لأن لفظه مانع منه، لكونه مركبًا من حرف وفعل، ومثله لا يوصف.
الوجه الثالث: أنَّ اتفاق السبعة على النصب ليس لأجل أن في الرفع ضعف الإخبار بالضمير عما دونه، بل إنما اتفقوا عليه، لأن المعنى عليه، لأن القول المذكور مقرر، والمتنازع فيه إنما هو الحجية، فلا يصح فيه إلا الخبرية. كما لا يخفى على من له بصيرة، فإنه إنما يراعي في الإخبار جعل المقصود بالإفادة خبرًا. سواء كان أعلى أو أدنى، أو مساويًا، تقول لمن قال لك: من هذا الرَّجل منك؟ الرجل ابني، فتخبر بالأعلى بغير تردد، ولو عكست لم يصحّ كما قرره النّحاة، وأهل المعاني.
الوجه الرَّابع: أنهم صرحوا بأنَّ المضاف في رتبة المضاف إليه، فالمضاف إلى الضمير في مرتبته، فتساويا، فإن أبيت إلا أنه دونه لاكتسابه التعريف منه، فهذا أيضًا كذلك، وما المانع من الإخبار عنه بما هو في رتبته. لا سيما وقد جوزوا في النواسخ الإخبار بالمعرفة عن النكرة فكيف بما انحطت رتبته. قال الرضى في باب كان: واعلم أنه يخبر في هذا الباب عن النكرة المحضة، ولا يطلب التخصيص مع حصول الفائدة، وقد يخبر في هذا الباب، وفي باب أنَّ بمعرفة عن نكرة، ولم يجز ذلك في باب
المبتدأ والخبر للإلباس لاتفاق إعرابي الجزءين هناك، واختلافهما هنا، وقال الزمخشري: لا يخبر ههنا عن نكرة بمعرفة، إلا ضرورة، وقال ابن مالك: بل يجوز ذلك اختيارًا، ولا خلاف عند من يجوزه اختيارًا أيضًا أن الأولى جعل المعرفة اسمًا والنكرة خبرًا، ألا ترى أنهم قالوا: إنّ "أن" أولى بالاسمية بما تقدم في نحو قوله تعالى: (مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا)[الجاثية/ 25] مع كونهما معرفتين. انتهى المراد منه باختصار.
الوجه الخامس: قال الدماميني قوله المقدرتين بمصدر معرف يقتضي أنهما لو كانتا مقدرتين بمصدر منكر لم يثبت لهما حكم الضمير، فيجوز وصفهما كما إذا قيل: أعجبني ما صنع رجل حسن، على أن تجعل الصفة للمصدر المقدر، أي: صنع رجل حسن، وفي جواز مثله نظر، فتأمله. انتهى.
وقول الشاعر: وربما فات قومًا .. إلخ "ربما" هنا يحتمل أن تكون لإنشاء التكثير، ويحتمل أن تكون للتقليل، والراجح الأول، لأن البيت في ذم التأني، ومدح العجلة، وفات: سبق، وجلّ الشيء بالضم: معظمه. وروي بدله بعض، والتأني: مصدر تأنّي في الأمر: تمكّث، ولم يعجل، و"من" للتعليل، والحزم: التيقظ، وإتقان الأمر وضبطه، مصدر حزم رأيه من باب ضرب: إذا أتقنه. والبيت لم أعرف قائله، ولا تتمته، وقد نسبه المصنف إلى الأعشى، وليس له شعر على هذا الوزن والرَّويّ إلا قصيدته التي مطلعها:
ودَّعْ هريرةَ إنَّ الركبَ مُرْتحِلُ
…
وهلْ تُطيقُ وداعًا أيُّها الرجلُ
وليس فيها هذا البيت.
وقال السيوطي: هو من قصيدة للقطامي مطلعها:
إنا محيوكَ فاسلَمْ أيُّهَا الطَّلَلُ
…
وإن بلِيتَ وإنْ طالتْ بِكَ الطِّيَلُ
إلى أن قال:
والعيشُ لا عيشَ إلا ما تقرُّ بِهِ .. عينٌ ولا حالَ إلَّا سوفَ تنتقِلُ
والنَّاسُ مَنْ يلقَ خيرًا قائلُونَ لَه
…
ما يشتهِي ولأمِّ المُخطيءِ الهَبَلُ
قد يُدرِكُ المُتَأنِّي بعضَ حاجتَه .. وقد يكونُ معَ المستعجِلِ الزَّلَلُ
وربما فاتَ قومًا جلُّ أمرهمُ
…
البيت.
وقد راجعت ديوان القطامي، فلم أجد البيت في هذه القصيدة، ولا في غيرها من شعره، وقد أورد السيد المرتضى هذه القصيدة في أماليه "الدّرر والغرر" وليس فيها هذا البيت، وقال ابن قتيبة في ترجمة القطامي من كتاب "الشّعراء": ومما يتمثل من هذه القصيدة بقوله:
قد يَدرِكُ المتأني .. البيت.
ولو كان ذلك البيت منها لذكره معه كما أنشد بيتين معًا مما يتمثل منها، ولا شكّ في أنَّ البيت لغير القطامي، فإنَّه في ذم التأني، وبيت القطامي الذي هو قد يدرك المتأني بعض حاجته في مدحه، وهما متباينان. ومما يشهد لما قلنا أن ابن أبي الإصبع أوردهما في باب العكس والتبديل من "تحرير التحبير" قال: وهو أن يأتي الشاعر إلى معنى لنفسه أو لغيره فيعكسه، إلى أن قال: ومن هذ االقسم قول القطامي:
قد يدرك المتأني بعض حاجته .. البيت، فعكسه غيره فقال:
وربما فاتَ بعض القومِ أمرهُمُ
…
مع التأني وكانَ الحزمُ لَوْ عِجِلُوا
انتهى.
ومما يشهد أيضًا ما حكاه الصّفدي في "شرح رسالة ابن زيدون الجمهورية" عند قول عديّ بن زيد العبادي:
قد يُدركُ المبطئ من حظِّه
…
والحينُ قد يسبِقُ جُهْد الحريص
قال: وبمعناه قول القطامي:
قد يدركُ المتأني بعضَ حاجَتِهِ
…
البيت
وسمعه أعرابيّ، فقال: هذا يثبط الناس، هلا قال بعده:
وربما ضرَّ بعضُ الناسِ بُطؤُهُمُ
…
وكان خيرًا لهم لو أنهمْ عَجِلُوا
فلو كان البيت الشاهد بعد البيت القطامي من قصيدته ما صح استدراك ذلك الأعرابي عليه بالبيت المذكور، لأنه بمعناه، أو هو بعينه، لكن غيرت كلماته. ثم قال الصفدي: وعكس بشار بن برد قول القطامي فقال:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته
…
وفاز بالطيبات الفاتك اللهجُ
واختصره سلم الخاسر وجوَّدَ فقال:
من راقب الناس مات غمًا وفاز باللذةِ الجسُورُ
انتهى. وقال ابن عبد ربه في "العقد الفريد" في فصل الرفق والأناة، قال النبي صلى االله عليه وسلم:"من أوتيّ حظَّهٌ من الرفقِ فقد أوتي حظَّهُ منْ خيرِ الدنيا والآخرةِ"، وقالت الحكماء: يدرك بالرفق ما لا يدركُ العنف ألا ترى أنَّ الماء على لينه يقطع الحجر على شدته! وقال أشجع السلمي لجعفر بن يحيى ابن خالد:
ما كانَ يُدرَكُ بالرجالِ ولا
…
بالمالِ ما أدركتَ بالرفقِ
وقال النابغة:
الرفق يمن والأناة سعادة فاستأن في رفقٍ تُلاقٍ نجاحَا
وقالوا: العَجَل بريدُ الزّلل، وأخذ القطامي التّغلبي هذا المعنى، فقال:
قد يدركُ المتأني بعض حاجته .. البيت ..
وقال عديَ بن زيد:
قد يُدْرِكُ المُبْطِيءُ مِنْ حظِّهِ
…
البيت .. انتهى.