الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السادس والعشرون بعد الأربعمائة:
لو بغيرِ الماء حلقي شرقٌ
…
كنتُ كالغصانِ بالماءِ اعتصاري
على أنَّ لو دخلت في الظاهر على جملة اسمية، واختلف في التخريج أحدها لابن جني قال: وضعت الاسمية موضع الفعلية شذوذًا والباء متعلقة بشرق الواقع خبرًا لحلقي، ثانيها لأبي علي قال في "الإيضاح الشعري": موضع "حلقي" رفع بأنه فاعل، والرافع له فعل مضمر يفسره شرق، كأنه قال: لو شرق حلقي بغير الماء، ولا يكون "شرق" خبر حلقي، هذا الظاهر، لأن ما بعد "لو" لا يكون مبتدأ كما أن ما بعد "إن" وما بعد "إذا" لا يكون كذلك، فإذا لم يجز أن تجعله خبر حلقي، وجب أن تضمر له مبتدأ، والتقدير: هو شرق، فيكون "هو شرق" بمنزلة شرق تفسيرًا للفعل المضمر بعد "لو" ويكون ذلك بمنزلة ما يحمل على المعنى، ألا ترى أن: هو شرق، بمنزلة شرق في المعنى؟ وقوله: بغير الماء يتعلق بالجار فيه بالفعل الواقع لحلقي، وهو اسهل من تعلقه بشرق هذا الظاهر وإن لم تقدر هذا المضمر، لزم أن يكون لو قد ابتدأ بعدها الاسم، فإذا ثبت في هذا الموضع إضمار الفعل، فحكم سائر ما أشبهه مثله. انتهى باختصار. وقال أبو حيان: وذهب أبو الحسن بن خروف إلى إضمار كان الشأنية بعد "لو" والجملة الاسمية في محل نصب خبر كان، وقوله: بالماء اعتصاري، الجار والمجرور خبر مقدم، وما بعده مبتدأ مؤخر، قال أبو علي: موضع الجملة نصب بأنه خبر كنت، والعائد إلى الاسم الياء في اعتصاري، و"كالغصان" في موضع حال، والعامل فيه "كنت" ولا يكون الخبر، لأن الحال إذا تقدمت لم يعمل فيها معنى الفعل كما يعمل في الظرف إذا تقدمه، وزعم العيني أن قوله:"كالغصان" خبر كنت، ولم يذكر موقع الجملة بعده من الإعراب، ومما قاله أبو علي هو الذي يقتضيه المعنى. وشرق فلان بريقه أو بالماء من باب تعب: إذا غص به، ولم يقدر على بلغه، والغصان
من غص فلان بالطعام غصصًا من باب تعب أيضًا إذا لم يقدر على بلعه، والغصة، بالضم: ما غص به الإنسان من طعام أو غيظ على التشبيه به، ويتعدى بالهمزة، فيقال: أغصصته به، والاعتصار: أن يغص الإنسان بالطعام، فيعتصر بالماء وهو أن يشربه قليلًا قليلًا ليسيغه، قال الجوهرية، وأنشد هذا البيت. وتحقيقه أن معنى الاعتصار: الالتجاء قال علي بن حمزة البصري فيما كتبه على كتاب "النبات" للدينوري: العصر بفتحتين، والعصرة بالضم: الملجأ، قال الشاعر:
فارس يستغيث غير مغاثٍ
…
ولقد كان عصرةً النُّجودِ
أي: ملجأ المكروبن ويقول أعصرني فلان: إذا ألجأك إليه، واعتصرت أنا اعتصارًا، قال عدي بن زيد:
لو بغيرِ الماءِ حلقيِ شرِقٌ .. البيت. انتهى
وكذا قال أبو عبيد في "أمثاله" قال: والمعنى لو شرِقت بغير الماء أسغت شرقي بالماء، فإذا غصصت بالماء، فبم أسيغه؟ ! وقد صار البيت مثلًا للتأذي ممن يرجى إحسانُه. وقد ابنُ عبد ربه في "العقد الفريد": هذا البيت أول ما قيل في هذا المعنى، وقال آخر:
إلى الماءِ يسعى من يغصُّ بريقهِ
…
فقل أين يسعى من يغص بماءِ
انتهى. وقبله:
إذا كنتُ ألقى السمَّ عند أحبتي
…
فهل عند أعدائي يكون شفائي
والبيت من قصيدة لعدي بن زيد العبادي أرسلها إلى النعمان بن المنذر وكان محبوسًا عنده، ثم قتله، وقد ذكرنا سبب حبسه وقتله مستوفى في الإنشاد الواحد والسبعين بعد المائتين.
وقبله وهو مطلع القصيدة:
أبلغ النعمانَ عني مالكًا
…
أنه قد طال حبسي وانتظاري
وأبلغ فعل أمر من الإبلاغ وهو الإيصال، والمالك، بسكون الهمزة وضم اللام: