الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسُمِّيت هذه السورة الجليلة بـ (أم القرآن)؛ لأنها شملت كل أنواع التوحيد الثلاثة: من ((معرفة الذات، والصفات، والأفعال، وإثبات الشرع، والقدر، والمعاد، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية، والتوكل، والتفويض)) (1)، واشتملت كذلك على ((أنفع الدعاء، وأعظمه، وأحكمه)) (2)، وهو طلب الهداية التي هي أصل السعادة والفلاح في الدارين.
قول تعالى: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} : ((الجار والمجرور متعلق بمحذوف؛ وهذا المحذوف يُقَدَّر فعلاً متأخِّراً مناسباً؛ فإذا قلت: ((باسم اللَّه))، وأنت تريد أن تأكل، تقدر الفعل:((باسم اللَّه آكل))
قلنا: إنه يجب أن يكون متعلقاً بمحذوف؛ لأن الجار والمجرور معمولان؛ ولا بد لكل معمول من عامل. وقدرناه متأخراً لفائدتين:
الفائدة الأولى: التبرُّك بتقديم اسم اللَّه عز وجل
-.
والفائدة الثانية: الحصر
؛ لأن تأخير العامل يفيد الحصر، كأنك تقول: لا آكل باسم أحد متبركاً به، ومستعيناً به، إلا باسم اللَّه عز وجل
…
)) (3). ((أي: أبتدئ بكل اسم للَّه تعالى؛ لأنّ لفظ (اسم) مفرد
(1) الضوء المنير على التفسير لابن القيم، 1/ 23.
(2)
مجموع الفتاوى، 14/ 320.
(3)
شرح سورة الفاتحة للعلامة ابن عثيمين رحمه الله، 1/ 4.
مضاف، فيعمّ جميع الأسماء الحسنى)) (1).
(اللَّه): هذا الاسم الجليل هو أعظم الأسماء الحسنى، وأعلاها، تفرّد به تبارك وتعالى، وقد قبض اللَّه تعالى أفئدة الجاهلين، وألسنتهم على التسمّي به، من غير مانع، ولا وازع (2)، فلم يتجاسر أحد على التسمي به.
((فعلم أن اسمه (اللَّه) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دالٌّ عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم اللَّه، واسم اللَّه دالٌّ على كونه مألوهاً معبوداً، تألهه الخلائق محبةً وتعظيماً وخضوعاً وفزعاً)) (3). وقد ذكر هذا الاسم في القرآن (2724) مرة (4).
ولهذا عدّ جمعٌ من أهل العلم أنه اسم اللَّه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى (5).
وأصله: من (الإله): ((والإله في لغة العرب: أطلق لمعانٍ أربعة، وهي: المعبود، والملجأ، والمفزوع إليه، والمحبوب حباً عظيماً)) (6).
(1) تفسير ابن سعدي، ص 27.
(2)
الأسنى للقرطبي، ص 348.
(3)
انظر: مدارج السالكين، 1/ 32.
(4)
أسماء اللَّه الحسنى، د. عمر الأشقر، ص 33.
(5)
انظر: اسم الله الأعظم، د. عبد الله الدميجي، ص 130.
(6)
منهج جديد لدراسة التوحيد، ص 15.
و {الرَّحْمَن، الرَّحِيم} : اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة، التي وسعت كل شيء، وعمَّت كل حيٍّ، و {الرَّحمن}: أشد مبالغة من {الرَّحيم} ؛ لأن بناء فعلان أشد مبالغة من فعيل (1).
((وقوله تعالى: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}: {الحمد} وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم: الكمال الذاتي، والوصفي، والفعلي؛ فهو كامل في ذاته، وصفاته، وأفعاله، ولا بدّ من قيد وهو ((المحبّة، والتعظيم))؛ قال أهل العلم: لأن مجرد وصفه بالكمال دون محبة، ولا تعظيم: لا يسمّى حمداً؛ وإنّما يُسمّى مدحاً؛
…
و (أل) في {الحمد} للاستغراق: أي استغراق جميع المحامد.
وقوله تعالى: {للَّه} : اللام للاختصاص، والاستحقاق)) (2).
وقوله تعالى: {ربِّ الْعَالَمِينَ} : الرب يطلق على: المالك، والسيد، والمدبر، والمربي، والقيّم، والمُنعم، ولا يُطلق غير مضاف إلَاّ على اللَّه تبارك وتعالى (3).
و {العالمين} :
…
هو كلّ ما سوى اللَّه تعالى، فهو من العالَم؛
(1) البدائع والفوائد، 1/ 24.
(2)
تفسير الفاتحة للعلامة ابن عثيمين، 1/ 9.
(3)
النهاية، 2/ 179، والمفردات، ص 184.
وُصفوا بذلك؛ لأنهم عَلَم على خالقهم ـ (1). والعوالم كثيرة: كعالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الملائكة، وعالم الطير، وعالم الدوّاب، وغيرها الكثير ما علمنا منها، وما لم نعلم، وقد ثبت في الحديث القدسي الجليل أن اللَّه تبارك وتعالى يقول: ((قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإذَا قَالَ الْعَبْدُ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإذَا قَالَ:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قاَلَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإذَا قَالَ:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي
…
)) (2).
وقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} : الملك: احتواء الشيء والقدرة على الاستبدادية، النافذ الأمر في ملكه، المتصرف فيه كيف يشاء (3).
و {الدين} : الجزاء والحساب.
وقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} : جاء في الحديث القدسي السابق الذكر: ((فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذِهِ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ)) (4).
(1) تفسير الفاتحة لابن عثيمين، 1/ 10.
(2)
مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها 1/ 295، برقم 396.
(3)
لسان العرب، 6/ 4266، والنهاية، 4/ 352.
(4)
صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، 1/ 296، برقم 395.