الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (1).
المفردات:
((السّرف: تجاوز الحدّ في كل فعل يفعله الإنسان)) (2).
فالإسراف: ((مجاوزة الحدّ، ومجاوزة الحدّ هي إما في غلو، وإما في تقصير)) (3).
ما زلنا نقتطف من معين كتاب ربنا المبارك من جميل المباني، ودقائق المعاني، كلمات يستعذب بها الفؤاد، وتطيب الألسن، دعوات تتدفق منها الرحمات، والبركات، والخيرات.
يُبيِّن لنا ربّنا من جميل الإشادة بالمؤمنين الصادقين الصابرين من أتباع الأنبياء والرسل، في الصبر، والثبات، والقوة، في مواضع المحن، وشديد البلاء، حثّاً لنا على الاقتداء بفعلهم ودعائهم، قال تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّه وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (4)، فما أصابهم الوهن والجزع، ولا الضعف لصلابتهم في الدين، وقوة يقينهم، فما كان لهم من القول في هذه الشدة إلاّ التضرّع إليه بالدعاء:{وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} (5)، أي
(1) سورة آل عمران، الآية:147.
(2)
المفردات، مادة (سرف).
(3)
تفسير سورة آل عمران للعلامة ابن عثيمين رحمه الله، 2/ 265.
(4)
سورة آل عمران، الآية:146.
(5)
سورة آل عمران، الآية:147.
استر، وتجاوز عن صغار سيئاتنا، سألوا اللَّه تعالى المغفرة، وهم في أشدّ البلاء:{وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} ، أي وكذلك كبائر ذنوبنا، وإنما أضافوا إلى أنفسهم بهذا السؤال مع أن الظاهر أنهم برآء من التفريط في جنب اللَّه عز وجل هضماً لأنفسهم، واستقصاراً لهممهم (1)، وهذا من كمال العبودية للَّه ربّ العالمين.
علموا أنّ الذنوب والإسراف فيها أعظم أسباب الخذلان والخسران، وأنّ التّخلّي عنها من أعظم أسباب النصر، فسألوا ربّهم المغفرة من كل الذنوب، وهذه هي صفات المتقين، فهم في رجاء وخوف، حتى وهم على أسنّة الشدائد والمصائب؛ لكون أكبر همّهم هو التّوجّه إلى اللَّه تعالى بأهمّ المطالب الدنيوية والأخروية، وهي:
1 -
المغفرة للذنوب.
2 -
وتثبيت الأقدام في مواضع الزّلل.
3 -
والنّصر والظّفر على أعداء اللَّه تعالى.
قوله: {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} : أي قوِّ قلوبنا على جهادهم؛ لتثبت أقدامنا فلا ننهزم، والأقدام إنما تثبت عند ثبوت قوّة القلب واليقين، والعبد محتاج إلى اللَّه أن يثبّت قدمه في ثلاث مواطن: ((أن يثبته في مواطن القتال إذ لو لم يثبته اللَّه لفرّ، وأن يثبته اللَّه عند الشبهات؛ إذ لو لم يثبته اللَّه لزاغ، وأن يثبته اللَّه عند الشهوات، إذ لو لم يثبته اللَّه
(1) القرطبي، 2/ 580، وروح المعاني، 3/ 131.
لهلك)) (1).
{وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} : أي اجعل النصر لنا عليهم، فنكون الغالبين، وهم المخذولين، فإنّ النصر لا يستجلب إلاّ منك عزَّ شأنك.
وفي طلبهم النصر مع كثرتهم المفرطة كما دلّ عليها لفظة (كأيّن)(2) في الآيات السابقة إيذاناً بأنّهم لا ينظرون إلى كثرتهم، ولا يُعوِّلون عليها، بل يسندون ثباتهم إلى اللَّه تعالى، مع كمال يقينهم بأنّ النّصر من اللَّه جلّ في علاه (3)، فلمّا جمعوا من عظيم الخصال في عصيب الحال، من الصبر، وترك الوهن، والضعف، والاستكانة، وطلب المغفرة والتوبة، وحسن الأدب في الخضوع بالدعاء، والاستنصار باللَّه تعالى وحده، أجابهم بحسن الثواب جزاءً وفاقاً، فقال عزّ من قائل:{فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (4)، ثواب الدنيا: النّصر، والغنيمة، والتمكين في الأرض، وحسن ثواب الآخرة: هو النعيم الأبدي في روضات الجنّات، وتخصيص ثواب الآخرة بالحسن لتفضيله ومزيّته على كل ثواب {واللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}: الذين أحسنوا العمل،
(1) تفسير سورة آل عمران، لابن عثيمين، 2/ 266.
(2)
(كأيّن): التي تفيد الكثرة.
(3)
روح المعاني، 3/ 131 - 132.
(4)
سورة آل عمران، الآية 148.