الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تضمّن هذا الدعاء فوائد كثيرة، منها:
1 - أهمية هذه الدعوة لما جاء في فضلها من السنة
في الكفاية من كل ما يهمّ العبد في دينه ودنياه.
2 - أنّ على العبد أن يستفرغ كل ما في وسعه من الأسباب الشرعية
وغيرها في تحقيق مقصوده، ثم يتوكل عليه جلّ وعلا، وهذا من كمال التوحيد.
3 - إنّ التوكّل سبب لكفاية اللَّه تعالى للعبد
، كما قال عز وجل:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (1).
4 - فضل كلمة التوحيد، فإنّ فيها النجاة في الدنيا والآخرة
.
5 - أهمية التوسّل إلى اللَّه تعالى بتوحيده، والتوكل عليه
، وربوبيته تعالى لأعظم مخلوقاته.
6 - أن الدعاء كما يكون بصيغة الطلب، يكون كذلك بصيغة الخبر
.
7 - ينبغي للداعي أن يُحسن ظنّه بربه حال دعائه
، كما في قوله:{حَسْبِيَ اللَّهُ} ، وهذا من التوسّل، والعمل الصالح.
18 - {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *
وَنَجِّنَا
(1) سورة الطلاق، الآية:3.
بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (1).
هذه الدعوة المباركة ضمن الدعوات الكثيرة التي ذكرت في كتاب ربنا لموسى عليه السلام مع فرعون كما سبق لما فيها من مقصدٍ عظيمٍ، في شأنٍ مهمّ وخطيرٍ، في كيفية تعامل المؤمن مع الكافرين والظالمين، عند الفتن، والتسلّط عليهم، وأن ملجأهم الأول اللَّه جلّ وعلا في التوكل والإنابة إليه، والالتجاء إليه بالدعاء، والتضرّع، وهذه الدعوة لها شبه من دعوة نوح عليه السلام وقومه، وقد شرحناها سابقاً.
((يخبر سبحانه وتعالى أنه لم يؤمن بموسى مع ما جاء به من الآيات البينات، والحجج القاطعات، والبراهين الساطعات إلا قليل من قوم فرعون (2) من الذرية، وهم الشباب على وجه التخوف منه، ومن ملّته أن يردّوهم إلى ما كانوا عليه من الكفر)) (3)، كما قال تعالى:{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} (4).
ثم أمرهم عليه الصلاة والسلام بإخلاص التوكل على اللَّه تعالى:
(1) سورة يونس، الآيتان: 85 - 86.
(2)
وقيل: بني إسرائيل، ورجّحه ابن جرير، والصحيح قول ابن كثير رحمه الله، لأن بني إسرائيل كلهم آمنوا بموسى عليه السلام، واستبشروا بمجيئه.
(3)
تفسير ابن كثير، 2/ 579.
(4)
سورة يونس، الآية:83.
{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} (1):أمرهم عليه السلام بالتوكل؛ لأن اللَّه تعالى يكفي كل ما يهمّ العبد، ويخافه:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (2) أي: ((كافيه، وكثيراً ما يقرن اللَّه تعالى بين العبادة والتوكل)) (3) لتلازمهما، وأنهما لا ينفكان {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} (4).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((التوكل على اللَّه تعالى نوعان:
أحدهما: توكل عليه في جلب حوائج العبد، وحظوظه الدنيوية، أو دفع مكروهاته، ومصائبه الدنيوية.
الثاني: التوكل عليه في حصول ما يحبه، ويرضاه من الإيمان، واليقين، والجهاد، والدعوة إليه.
وفي النوعين من الفضل ما لا يحصيه إلا اللَّه تبارك وتعالى، فمتى توكّل عليه العبد في النوع الثاني، حقّ توكله كفاه، والنوع الأول تمام الكفاية، ومتى توكل عليه في النوع الأول دون الثاني كفاه أيضاً، لكن لا يكون له عاقبة المتوكل فيما يحبه ويرضاه)) (5).
قال لهم موسى إن كنتم صدّقتم باللَّه، وما جاء به من الحقّ، ومن
(1) سورة يونس، الآية:84.
(2)
سورة الطلاق، الآية:3.
(3)
تفسير ابن كثير، 2/ 579.
(4)
سورة هود، الآية:123.
(5)
الفوائد، ص 78.
ذلك نصره، فتوكّلوا عليه وحده، كرر الشرط تأكيداً وبياناً أن كمال الإيمان بتفويض الأمر إلى اللَّه عز وجل، فكان منهم الاستجابة والطاعة الفورية، كما أفادت (الفاء) التعقيبية:{فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} أي: أسلمنا أمورنا إليه، ورضينا بما كتب علينا من قضائه وقدره الذي كلّه خير.
وفي تقديمهم التوكل على سؤالهم، فهذا من باب التوسّل إليه بأعمالهم الصالحة.
ولا يخفى ((في ترتيب الدعاء على التوكل تلويح بأن حقّ الداعي أن يبني دعاءه على التوكل على اللَّه، فإنه أرجى للإجابة)) (1).
{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} : ((أي: لا تسلّطهم علينا فيعذبونا حتى يفتنونا عن ديننا، ولا تجعلنا فتنة لهم يفتنون بنا غيرنا، فيقولون لهم: لو كان هؤلاء على حق لما سُلّطنا عليهم وعذبناهم)) (2).
سألو السلامة والعصمة في دينهم لهم ولغيرهم، وهذا يدلّ على قوة إيمانهم على ما هم فيه من الشدَّة والكُرْبة، وبعد أن دعوا اللَّه تعالى في أن يصون دينهم عن الفساد والهلاك، أتبعوه بسؤال اللَّه السلامة لأنفسهم (3) من الهلاك والضرّ، فقالوا:
(1) تفسير أبي السعود، 4/ 670.
(2)
تفسير الشوكاني، 2/ 466.
(3)
انظر: المرجع السابق.