الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المؤمنين: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (1)، وكقوله تعالى:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (2).
قال الساعاتي رحمه الله: ((يعني إذا دعا لأحد بخير بدأ بنفسه، ثم عمم، اقتداء بأبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث قال: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}، فتتأكد المحافظة على ذلك، وعدم الغفلة عنه، وإذا كان لا أحد أعظم من الوالدين ولا أكبر حقاً على المؤمنين منهما، ومع ذلك قدم الدعاء لنفسه عليهما في القرآن الكريم في غير موضع، فيكون على غيرهما أولى)) (3).
قال المؤلف حفظه اللَّه: ((وثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يبدأ بنفسه، كدعائه لأنس، وابن عباس، وأم إسماعيل رضي الله عنهم)) (4).
20 - أن يتوسَّلَ إلَى اللَّهِ بأسمائِهِ الحُسْنَى وصفاتِهِ العُلا
، أو بِعَملٍ صالحٍ قامَ به الدَّاعي نفسُه، أو بِدِعاءِ رجلٍ صالحٍ حيٍّ حاضرٍ.
ذكر المؤلف حفظه اللَّه أنواع التوسل المشروعة حال الدعاء، فإنها أرجى في قبول الدعاء واستجابته.
(1) سورة الحشر، الآية:10.
(2)
سورة محمد، الآية:19.
(3)
الفتح الرباني، 14/ 272.
(4)
انظر: شروط الدعاء، ص 67.
والتوسل من الوسيلة وهي: القربة والطاعة، وما يتوصّل به إلى الشيء، ويتقرب به إليه (1)، قال الراغب:((الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوصيلة لتضمنها لمعنى الرغبة)) (2).
قا ل اللَّه تعا لى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (3).
ومعنى قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ((أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه)) (4).
وأول هذه الأنواع في التوسلات وأعظمها وأفضلها: التوسل إلى اللَّه تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلا، قال تعالى:{وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (5).
وهو أن يقدم الداعي اسماً من أسمائه الحسنى ما يناسب المطلوب: كأن يقول: يا رحمن ارحمني، يا غني اغنني، يا غفور اغفر لي، أو أن يتوسل بالأسماء الحسنى المضافة، كأن تقول: ارزقني يا خير الرازقين، ارحمني يا أرحم الراحمين، ومثل ذي الجلال والإكرام، قال النبي صلى الله عليه وسلم:((أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)) (6).
(1) النهاية في غريب الحديث، ص 972.
(2)
مفردات ألفاظ القرآن، ص 871.
(3)
سورة المائدة، الآية:35.
(4)
تفسير ابن كثير، 2/ 76.
(5)
سورة الأعراف، الآية:180.
(6)
مسند أحمد، برقم 17596، وسنن الترمذي، برقم 3524، وتقدم تخريجه.
ومعنى ألظوا: الزموه، واثبتوا عليه، وأكثروا من قوله والتلفظ به في دعائكم (1).
أو يتوسل باسم دالٍّ على معانٍ كثيرة: مثل: ((الرب)) كما في غالبية أدعية القرآن، وكذلك اسم ((الصمد))، و ((المجيد))، و ((العظيم))، وكذلك بالاسم الأعظم المتضمن لكل الأسماء الحسنى والصفات العلا، أو يتوسل بصفة من صفاته كقوله تعالى:{سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (2)، فقنا: من الوقاية وهي من الصفات الفعلية، وكالتوسل بصفة العلم والقدرة، كما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:((اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي)) (3).
وكذلك يستعاذ بصفاته جل وعلا: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي)) (4).
النوع الثاني: ((التوسل)): بعمل صالح قام به الداعي نفسه:
((كأن يقول الداعي: اللَّهم بإيماني بك، أو محبتي لك، أو باتباعي لرسولك أن تغفر لي)).
ومن ذلك أن يذكر الداعي عملاً صالحاً ذا بال، فيه خوف من
(1) النهاية في غريب الحديث، ص 836.
(2)
سورة آل عمران، الآية:191.
(3)
مسند الإمام أحمد، 30/ 265، برقم 18325، سنن النسائي، كتاب السهو، نوع آخر،
3/ 54، برقم 1305، مصنف ابن أبي شيبة، 10/ 264، المستدرك، 1/ 524، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 1301.
(4)
صحيح مسلم، كتاب العلم، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، 4/ 2086، برقم 2717.
اللَّه سبحانه، وتقواه إياه، وإيثار رضاه على كل شيء، وطاعته له جل شأنه
…
ثم يتوسل به إلى اللَّه تعالى في دعائه ليكون أرجى لقبوله وإجابته)) (1).
والأدلة على ذلك كثيرة جداً، منها دعاء المؤمنين:{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (2).
وقصة أصحاب الغار، فقد كان كل واحد منهم يقول:((فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا)) (3).
النوع الثالث: أو بدعاء رجل صالح حي حاضر له:
((كأن يقع المسلم في ضيق شديد، أو تحل به مصيبة كبيرة، ويعلم في نفسه التفريط في جنب اللَّه تبارك وتعالى، فيحب أن يأخذ بسبب قوي إلى اللَّه تعالى، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح والتقوى، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة، فيطلب منه أن يدعو له ليُفْرَج عنه كربه، ويزول عنه همه)) (4).
يدل على ذلك حديث أنس رضي الله عنه عندما جاء الأعرابي والنبي صلى الله عليه وسلم
(1) شروط الدعاء للمؤلف، ص 56.
(2)
سورة آل عمران، الآية:16.
(3)
صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، 4/ 173، برقم 3465، صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة، والتوسل بصالح الأعمال، 4/ 2100، برقم1743.
(4)
شروط الدعاء للمؤلف، ص 57 - 58.
يخطب يوم الجمعة، فشكا له ما هم فيه من الشدة، فدعا له صلى الله عليه وسلم فلم ينزل من منبره حتى رأيت المطر، يتحادر من لحيته (1).
ومن ذلك سؤال أبي هريرة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لأمه بالهداية إلى الإسلام، فدعا لها، فهداها اللَّه تعالى (2).
وكذلك توسل الصحابة رضي الله عنهم بدعاء العباس، فقد ثبت ((أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ)) (3).
والمراد بقوله: ((إنا نتوسل إليك بعمّ نبينا)) أي: بدعائه، والمعنى إنا كنا نتوسل بنبينا صلى الله عليه وسلم بدعائه لك، والآن بعد موته نتوسل إليك بدعاء عمّه.
* التوسل إلى الله عز وجل بذكر حال الداعي وعجزه وضعفه:
((فكما أن اللَّه تعالى يحب من الداعي أن يتوسل إليه بأسمائه وصفاته ونعمه العامة والخاصة، فإنه يحب منه أن يتوسل إليه بضعفه وعجزه وفقره، وعدم قدرته على تحصيل مصالحه، ودفع
(1) البخاري، كتاب الجمعة، باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة، 2/ 12، برقم 933، مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، 2/ 615، برقم 897.
(2)
مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب من فضائل أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه، 4/ 1938، برقم 2491.
(3)
البخاري، كتاب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، 2/ 27، برقم 1010.
الأضرار عن نفسه)) (1).
كما كان، من دعاء موسى عليه السلام:{رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (2).
وكما في دعاء زكريا عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (3)، ((فتوسل إلى اللَّه تعالى بضعفه وعجزه، وهذا من أحب الوسائل إلى اللَّه تعالى؛ لأنه يدل على التبري من الحول، والقوة، وتعلق القلب بحول اللَّه وقوته)) (4).
* التوسل إلى الله عز وجل بسابق نعمه وآلائه:
كما في دعاء زكريا عليه السلام، فكان في آخره:{وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} (5).
فتوسل إلى اللَّه تعالى بسابق إنعامه عليه، وإحسانه في إجابة دعائه، ولم يرُدّه خائباً.
ودعاء يوسف عليه السلام: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا
(1) تيسير اللطيف المنان، ص 132.
(2)
سورة القصص، الآية:24.
(3)
سورة مريم، الآية:4.
(4)
تفسير ابن سعدي، ص 569.
(5)
سورة مريم، الآية:4.