الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإجابة، دلّ عليه قوله تعالى:{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} بسبب {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} (1)، علّل جلّ وعلا بإجابته لدعائه، ووهبه إياه يحيى، وإصلاح له زوجه بـ ((إن)) التي هي من حروف التعليل، وكذلك التأكيد (2)،أي استجبنا لهم بسبب مسارعتهم إلى القربات والطاعات، ((ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها إلاّ انتهزوا الفرصة فيها)) (3).
19 - أنّ دعاء اللَّه تبارك وتعالى في حالتي الرغبة والرهبة
من أسباب إجابة الدعاء، دلّ عليه في الآية السابقة:{وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} .
20 - أنّ الخشوع من أسباب إجابة الدعاء
، كما في قوله تعالى:{وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (4) بالجملة الاسمية التي تدلّ على الدوام والثبوت، ((والخشوع هو: التذلّل، والتضرّع، والخوف اللازم للقلب الذي لايفارقه)) (5).
10 - {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ
فَاكْتُبْنَا
(1) سورة الأنبياء، الآية:90.
(2)
انظر بتوسع: القياس في القرآن الكريم والسنة والنبوية، ص 361.
(3)
ابن سعدي، ص 615.
(4)
سورة الأنبياء، الاية:90.
(5)
تفسير ابن كثير، ص 1046.
مَعَ الشَّاهِدِينَ} (1).
هذا الدعاء جاء ذكره في كتاب اللَّه العزيز تنويهاً بأهميّته، والحثّ على العناية به في كتابٍ يُتلى إلى يوم القيامة؛ لأنه جاء عن خلصاء أصحاب عيسى، وأصفيائه، وأنصاره، سمّاهم اللَّه تبارك وتعالى (الحواريون) من صفائهم، كالشيء الأبيض الخالص البياض، من شدة النقاء والصفاء.
فقد أخلصوا سرائرهم، وعلانيتهم، ونياتهم، فصاروا في أعلى درجات النقاء في ظاهرهم وباطنهم.
قولهم: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ} قدّموا توسّلهم بربوبيته تعالى؛ ((لأنّ الربوبية تدور على ثلاثة أشياء: الخلق، والملك، والتدبير، وإجابة الدعاء، داخل في هذه الثلاثة، فلذلك كان كثيراً ما يتوسّل به الداعون من الأنبياء والمرسلين، وغيرهم من المؤمنين، كما في الحديث الصحيح: (يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ)(2).
أي: يا ربّنا صدَّقنا بكتابك الذي أنزلته (وهو الإنجيل)، وبكلّ ما أنزلته، وهذا الإيمان الكامل الذي يتضمّن الإيمان بكلّ ما أنزل اللَّه تعالى على أنبيائه من الكتب من قبلهم، ومن بعدهم، وفي تقديم
(1) سورة آل عمران، الآية:53.
(2)
مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، وأنها حجاب من النار، برقم 1015.
الإيمان باللَّه ((لأنّه هو أصل كلّ شيءٍ، ومقدّم على كل شيء، والإيمان باللَّه تعالى يتضمّن أموراً: الأول: الإيمان بوجوده، والإيمان بربوبيته، والإيمان بألوهيّته، والإيمان بأسمائه، وصفاته جلّ وعلا)) (1).
{وَاتَّبَعْنَا الرَّسولَ} : أي امتثلنا بما أتى به ظاهراً وباطناً، وهذا هو ثمرة الإيمان، والاتّباع، والإذعان، فجمعوا في دعائهم عدّة توسّلاتٍ عظيمة: توسّلاً بربوبيته، وبإيمانهم، وعملهم الصالح بين دعائهم، وطلبهم، استمطاراً لسحائب الإجابة منه عز وجل.
{فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} : هذه الغاية عندهم بعد تقديمهم الوسيلة: ((فأثبت أسماءنا مع أسماء الذين شهدوا بالحق، وأقروا لك بالتوحيد، وصدَّقوا رسلك، واتبعوا أمرك ونهيك، فاجعلنا في عدادهم ومعهم، فيما تكرمهم من كرامتك، وأحلّنا محلّهم
…
)) (2).
ويدخل في ذلك دخولاً أوليّاً أمتنا أمة الحق والوسط، وهذا إخبار ربّ العالمين، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (3)؛ لأنها هي آخر الأمم.
قال شيخ المفسرين الطبري: ((يعرف خلقه - جل ثناؤه- بذلك سبيل الذين رضي أقوالهم وأفعالهم: ليحتذوا طريقهم، ويتبعوا
(1) تفسير سورة آل عمران لابن عثيمين رحمه الله، 1/ 483.
(2)
تفسير سورة آل عمران لابن عثيمين رحمه الله، 1/ 483.
(3)
سورة البقرة، الآية:143.