الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - أهمّية الدعاء، فلا غِنى للخلائق عنه حتى في الدار الآخرة
، فما استجلب النعم، ودفعت النقم بمثله.
4 - دلّت هذه الدعوة على المبالغة في سؤال اللَّه تعالى مجانبة الظالمين
، كما دلّ قوله:(مع)، ولم يقل (من) دلالة على شدّة المباعدة؛ فإن السؤال ألاّ يكون معهم آكد في توكيد اللفظ والمعنى، ألاّ يكون منهم من باب أولى. واللَّه تعالى أعلم.
16 - اللَّهُمَّ {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ*
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ} (1).
هذه الدعوة المباركة من دعوات موسى عليه السلام تحمل في طيّاتها من كمال الآداب الجميلة، والمطالب الجليلة، التي يحسن بالداعي فهم معانيها ومضامينها، حتى يدعو ربّه الكريم بأجمل المباني، وأجلّ المعاني، وقدّم المؤلف حفظه اللَّه (اللَّهم)، ومعناها: يا اللَّه، حتى تتناسب في البدء بالدعاء أدباً وكمالاً، فبدأ عليه السلام بالثناء على اللَّه تبارك وتعالى بدءاً بضمير الفصل (أنت) الذي يفيد:((التوكيد، والحصر، وإزالة اللبس بين الصفة والخبر)) (2)، فقال: أنت القائم
(1) سورة الأعراف، الآيتان: 155 - 156.
(2)
تفسير سورة البقرة لابن عثيمين، 1/ 102.
بأمورنا الدنيوية والأخروية، وأنت ناصرنا، وحافظنا، لا غيرك (1)، قدّم ذكر ولايته تعالى لهم على المغفرة؛ ليكون أدعى للإجابة، وتمهيداً لطلب المغفرة والرحمة، وهذا من حُسن أدبه في الدعاء لربه عز وجل، وكذلك في اختياره التوسّل إلى اللَّه تعالى باسم من أسمائه تعالى الحسنى، وهو (الوليّ): الذي له تعالى الولاية العامة على كل الخلائق: بالخلق، والتدبير، والرزق، والتصريف، وله الولاية الخاصّة لأوليائه: من الحفظ، والعناية، والرعاية، والنصرة على عدوّهم، وهذه الولاية التي سألها موسى عليه السلام.
وفي تقديم طلب المغفرة قبل الرحمة، من باب التخلية قبل التحلية؛ لأن التخلية أهمّ من التحلية (2).
وقوله: {وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} : اعتراض تذييلي مقرر لما قبله من الدعاء، وتخصيص المغفرة بالذكر؛ لأنها الأهم بحسب المقام (3).
أي أنّ كلّ ((غافر سواك، إنما يغفر لغرض، كحب الثناء، ودفع الضرر، أما أنت فإنك تغفر لا لطلب عوض، ولا غرض، بل لمحض الفضل والكرم)) (4).
(1) تفسير أبي السعود، 3/ 36.
(2)
روح المعاني، 6/ 111.
(3)
تفسير أبي السعود، 3/ 36.
(4)
روح المعاني، 6/ 111.
والغفر - كما تقدم مراراً- هو: ((الستر، وترك المؤاخذة بالذنب، والرحمة إذا قُرنت مع الغفر يُراد بها أن لا يُوقعه في مثله في المستقبل)) (1).
ثم شرع سؤال خيري الدنيا والآخرة بأوجز لفظٍ، وأشمل معنى، فقال عليه السلام:{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ} فقوله: (اكتب): طلب ذلك بفعل الكتابة لإفادة معنى الثبات والتجدد، قال ابن عاشور رحمه الله:((لمعنى العطاء المحقّق حصوله، المجدد مرة بعد مرة؛ لأن الذي يريد تحقيق عقد، وعدة، أو عطاء، وتعلقه بالتجدد في المستقبل يكتب به في صحيفته، ولو كان العطاء أو التعاقد لمرة واحدة لم يحتج للكتابة، فالمعنى آتنا الحسنة تلو الحسنة في أزمان حياتنا، ويوم القيامة)) (2).
وقد تقدم سابقاً في تفسير معنى الحسنة في سورة البقرة، وهي كلمة جامعة لكل ما يتمنّاه العبد في دينه، ودنياه، وآخرته.
ثم ختم دعاءه بقوله: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} : أي تبنا، وأنبنا إليك، في جميع أحوالنا:((والجملة مستأنفة مسوق لتعليل الدعاء؛ فإن التوبة مما يوجب قبول الوعد المحتوم)) (3).
وهي من أهم مؤكدات قبول وإجابة الدعاء، فَحَسُنَ الختام بها.
(1) تفسير ابن كثير، ص 646.
(2)
التحرير والتنوير، 8/ 310.
(3)
تفسير أبي السعود، 3/ 36.