الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على تحصيل ذلك باستحضاره ما ورد من الأدلة الدّالّة على سعة رحمة اللَّه ـ)) (1).
4 - الإلحاح في الدعاء وعدم الاستعجال
.
وهذا هو الأدب الجميل للمؤمن الصادق الراغب فيما عند اللَّه تعالى، ويدل على سمة من سمات العبودية الدّالّة على افتقار الداعي، وَذُلِّهِ إلى ربه العزيز الكريم، ففي الإلحاح يلج الداعي إلى باب الملك العظيم، قال أبو الدرداء رضي الله عنه:((من يكثر قرع باب الملك يوشك أن يستجاب له)) (2).
والإلحاح في اللغة: الإقبال على الشيء، ولزومه، والمواظبة عليه، يقال: ألحَّ السحاب: دام مطره (3).
والسنة في الإلحاح أن يلحَّ ثلاثاً، فعن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه أنه قال:((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً)) (4).
وعنه أيضاً رضي الله عنه أنه قال: ((كَانَ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلَاثًا وَيَسْتَغْفِرَ ثَلَاثًا)) (5).
(1) تحفة الذاكرين، ص 12.
(2)
شرح السنة للبغوي، 5/ 191.
(3)
النهاية في غريب الحديث، 4/ 236.
(4)
صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، 3/ 1418، برقم 1794.
(5)
سنن أبي داود، كتاب الوتر، باب في الاستغفار، 1/ 561، برقم 1526. مسند أحمد، 6/ 290، برقم 3744. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، برقم 269.
وفي حديث قصة سحره صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها ((فدعا، ثم دعا، ثم دعا)) (1).
ولا يكره الزيادة على ثلاث لأن النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعا لجند أحمس ورجالها خمساً)) (2).
ويكون الإلحاح في الدعاء بذكر ربوبيته عز وجل، فهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء، كما في غالب أدعية القرآن الكريم، وكذلك التوسل إليه بإلاهيته وأسمائه وصفاته، وأن ذلك من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء كما في الحديث الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم:((الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب)) الحديث (3).
وما جاء في الإلحاح بذكر أسمائه وصفاته عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)) (4).
ومعنى ألظوا: أي الزموا هذه الدعوات، وأكثروا منها.
ومن الإلحاح في الدعاء تكرير الطلب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ
(1) متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب تكرير الدعاء، 8/ 83، برقم 6391، صحيح مسلم، كتاب السلام، باب السحر، 4/ 1720، برقم 2189، واللفظ له.
(2)
صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة ذي الخلصة، برقم 4355، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، برقم 2476.
(3)
صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، 2/ 703، برقم 1015.
(4)
مسند أحمد، 29/ 138، برقم 17596، وسنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب حدثنا محمد بن حاتم، 5/ 539، برقم 3524، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 172.
سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَمَنِ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ النَّارِ)) (1).
وجاء في الحديث القدسي أن الإلحاح سبب في غفران الذنوب مهما عظمت وحصول المطالب، قال اللَّه في الحديث القدسي:((يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي)) (2).
وكان السلف يرون أن أفضل الدعاء الإلحاح على اللَّه تعالى، قال الأوزاعي رحمه الله:((كان يُقال: أفضل الدعاء الإلحاح على اللَّه، والتضرع)) (3).
قال ابن القيم رحمه الله: ((وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالاً، وهو يحب الملحِّين في الدعاء، وكلما ألحَّ العبد عليه في السؤال أحبَّه وأعطاه)) (4).
وقول المؤلف - حفظه اللَّه -: ((وعدم الاستعجال)): يشير إلى
(1) سنن الترمذي، كتاب صفة الجنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في صفة أنهار الجنة، 4/ 699، برقم 2572، سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب صفة الجنة، 2/ 1453، برقم 4340، سنن النسائي، كتاب الاستعاذة، الاستعاذة من النار، 8/ 279، برقم 5521، مسند أحمد،21/ 288، برقم 13755، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 319.
(2)
رواه الترمذي، كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده، 5/ 548، برقم 3540، مسند أحمد، 35/ 375، برقم 21472، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 127.
(3)
شعب الإيمان، 2/ 38.
(4)
حادي الأرواح، 1/ 181.
قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي)) (1)، وفي لفظ لمسلم:((لا يَزَالُ يُسْتَجابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بإثم أو قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لم يستعجلْ)) قيل: يا رَسول اللَّه، ما الاستعجال؟ قال:((يقول: قد دعوتُ، وقد دَعَوتُ، فلَمْ أرَ يَستجيبُ لي، فَيَسْتَحْسِرُ عند ذلك، ويَدَعُ الدعاءَ)) (2). وهذا يدل على أن من موانع الإجابة: الاستعجال في الدعاء.
وقوله: ((قد دعوت، وقد دعوت)): أي مرة بعد مرة، يعني مرات كثيرة، استبطاءً للإجابة، ((وهذا بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً، فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله)) (3)، وهذا يدل على جهل الداعي، وعدم معرفته وفهمه لمقاصد الشارع، فإن قول الرسول صلى الله عليه وسلم:((لا يزال يستجاب))، يدلّ على تأكيد حصول الاستجابة وعظمها، هذا ما أفاده حرفا ((السين والتاء))، وكذلك يدلّ على استمرارية الإجابة كلما تكررت الدعوة، كما أفاد الفعل المضارع ((يستجاب))، فيحسن بالعبد الصالح ملازمة الطلب والسؤال، والإلحاح، وإن تأخرت الإجابة، قال بعض الصالحين:
(1) صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل، 8/ 74، برقم 6340، وصحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 4/ 2059، برقم 2735.
(2)
صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب، برقم 2735.
(3)
الجواب الكافي، ص 10.