الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في هذه الآية فلم يقل جلَّ شأنه قل، أو فقل، بل قال:{فَإِنِّي قَرِيْبٌ} (1).
وهذا رد صريح على من جعل بينه وبين اللَّه تعالى من الوسطاء والأنداد من البشر وغيرهم في دعائه؛ فإنه محروم من هذه الوسيلة المباشرة العظيمة مع اللَّه تعالى، وقوله تعالى:{فَإِنِّي قَرِيبٌ} يدل على قرب اللَّه تعالى من الداعي، قرباً خاصاً يدل على العناية التامة بالإجابة، والمعونة، والتوفيق، والسداد، ((ولهذا لم يرد القرب موصوفاً به اللَّه عز وجل إلا في حال الدعاء، وفي حال السجود كقوله صلى الله عليه وسلم: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) (2)) (3).
3 - * وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً
إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (4).
أمر اللَّه تعالى عباده المؤمنين بدعائه الذي فيه صلاحهم في دنياهم وأخراهم في تذلل، واستكانة، وخشوع، وقوله:((خفية)) أي أن يكون سراً في النفس؛ لأنه أدل على الإخلاص الذي فيه السلامة من الرياء والسمعة.
(1) انظر: تفسير الرازي، 22/ 31.
(2)
مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 482.
(3)
شرح عقيدة أهل السنة والجماعة للعلامة ابن عثيمين رحمه الله، ص 187.
(4)
سورة الأعراف، الآية:55.
وهذا يدل على أهمية الدعاء، وعلو شأنه، وذلك ((لأن الداعي لا يقدم على الدعاء إلا إذا عرف من نفسه الحاجة إلى ذلك المطلوب، وأنه عاجز عن تحصيله، وعرف أن ربه تبارك وتعالى يسمع الدعاء، ويعلم الحاجة، وهو قادر على إيصالها إليه، ولاشك أن معرفة العبد نفسه بالعجز، والنقص، ومعرفة ربه بالقدرة، والكمال من أعظم العبادات)) (1).
ثم قال تعالى: {إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} يقصد تاركي الدعاء: وهذا نهاية في الكرم، وغاية في الإفضال، أنه جعل إمساكك عن دعائه ومسألته التي فها خلاصك، وصلاح دينك ودنياك، اعتداء منك)) (2).
[قال الإمام ابن كثير: ((وقال ابن جُرَيْج: يكره رفع الصوت والنداء والصياحُ في الدعاء، ويؤمر بالتضرع والاستكانة، ثم روي عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس في قوله:{إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} في الدعاء ولا في غيره.
وقال أبو مِجْلِز: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} لا يسأل منازل الأنبياء)) (3).
وقال الشيخ السعدي رحمه الله: (({إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} أي:
(1) روح المعاني، 5/ 506.
(2)
الدعاء المأثور، ص 38.
(3)
تفسير ابن كثير، 3/ 428.