الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العبودية للَّه تعالى نوعان:
1 - عبودية الربوبية
، فهذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم، برّهم وفاجرهم، فكلهم عبيد للَّه مربوبون مُدَبّرون:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} (1).
2 - وعبودية لألوهيته وعبادته ورحمته، وهذه عبودية خاصة
، وهي: عبودية أنبيائه وأوليائه، وهي المراد هنا؛ ولهذا أضافها إلى اسمه الرحمن (2).
فيا له من شرف عظيم، ومكرمة كريمة لمن كان مثلهم.
ثم ذكر من الخصال الجميلة أدعية دعوها، فقالوا:{رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} : أي نجّنا يا ربنا من عذابها، ومن أسبابه في الدنيا؛ بتيسير الأعمال الصالحة، واجتناب السيئات المقتضية لها، وفيه إشارة لما ينبغي عليه المؤمن من الخوف من العذاب، مع الرجاء، فيجمع بين الترغيب والترهيب كالجناحين للطائر، وأن العبد ينبغي له أن لا يغترّ بعمله مهما كان صالحاً، فهم مع كل هذه الصفات الجليلة يخافون من عذابه، ويبتهلون إليه تعالى لكي يصرفه عنهم، غير مغترّين بأعمالهم، وهذا من حسن العبادة، وكمالها.
كما قال تعالى عن المؤمنين: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ
(1) سورة مريم، الآية:93.
(2)
تفسير السعدي، 5/ 493 بتصرف يسير.
وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (1)، وقد بينا بذلك ما جاء في معناها وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيرها (2).
وقوله: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} : ثم ذكروا علّة هذا السؤال: أن عذابها كان شرّاً دائماً، وهلاكاً غير مفارق لمن عُذِّب به، فغراماً ملازماً دائماً بمنزلة الغريم لغريمه: كملازمة الدائن للمديون من حيث لا يفارقه بإلحاحه ومطالبته؛ و ((لهذا قال الحسن: كل شيء يصيب ابن آدم ويزول عنه فليس بغرام، وإنما الغرام: الملازم ما دامت السموات والأرض)) (3).
وقوله تعالى: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} : أي بئس المنزل منظراً، وبئس المقيم مقاماً، هذا منهم على وجه التضرّع والخوف، يستفرغون نهاية الوسع في سؤالهم من النجاة منها، وكأنهم على كمال صفاتهم غارقون في المعاصي والآثام.
ولا يخفى في أهمية الاستعاذة من النار، حيث صدَّروا استعاذتهم بها؛ لأنها أشدّ شرّاً توعد اللَّه به، وفي هذه الدعوات بيان أن الداعي يحسن له أن يذكر سبب ما يدعوه {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} .
(1) سورة المؤمنون، الآية:60.
(2)
تقدم التعليق وتفسير هذه الآية في الدعاء الثالث من هذا الكتاب.
(3)
تفسير ابن كثير، 3/ 446.