الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آداب الدعاء- ويدلّ كذلك على تضرّع العبد للربّ، وذلّه، وعبوديته في الطمع في إجابة مسألته، ففيه نوع من الإلحاح.
128 - ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَعَافِنِي،
وَارْزُقْنِي))
(1).
((
…
وَاجْبُرْنِي، وَارْفَعْنِي)) (2).
الشرح:
قوله: ((اللَّهم اغفر لي)): سؤال اللَّه المغفرة، وهو محو الذنوب، وسترها عن الناس.
قوله: ((وارحمني)): أي تعطَّف عليَّ، ففيه سؤال اللَّه الرحمة التي تقتضي توالي الخيرات والبر والإحسان والنعم، ففي المغفرة يأمن العبد من كل مرهوب، وفي سؤال الرحمة يفوز العبد بكلّ مرغوب.
قوله: ((وعافني)): أي سلّمني من جميع الآفات، والفتن، والنجاة من البلايا والمحن في الدين والدنيا والآخرة.
قوله: ((وارزقني)): أعطني ما ينفعني عطاءً واسعاً بما يغنيني عن
(1) مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم 2696، ورقم 2697، وفي رواية لمسلم:((فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك))، وفي سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم 850: قال: ((فلما ولَّى الأعرابي قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد ملأ يديه من الخير)).
(2)
الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما يقول بين السجدتين، برقم 284، وابن ماجه، أبواب إقامة الصلوات، باب ما يقول بين السجدتين، برقم 898، والحاكم، 1/ 271، صحيح ابن ماجه، 1/ 148، وصحيح الترمذي، 1/ 90.
سواك، من الرزق الحلال أستعين به على القيام بالتكاليف المطلوبة من الإنفاق على الأهل، والولد، والفقير وغير ذلك، سأل الرزق الذي تقوم به الأبدان، ثم سأل ما به قوام الأرواح، وارزقني العلم والإيمان واليقين، وهذا الأخير أفضل أنواع الرزق الذي يعود نفعه
على العبد في الدنيا والآخرة، كما كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((
…
وارزقني علماً تنفعني به)) (1).
قوله: ((واهدني)): أرشدني ووفقني للحق الذي الصلاح فيه الحال، والمآل حتى أتوصَّل به إلى أبواب السعادة في الدنيا والآخرة؛ فإن الهداية هديتان: كما سبق هداية علم وبيان، وهداية توفيق ورشد، فالعبد يسألهما ربه عز وجل.
قوله صلى الله عليه وسلم: ((هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك)): أي تجمع لك كل الخيرات التي تطلبها في دنياك وآخرتك، وتتضمن الوقاية من كل شر فيهما.
قوله صلى الله عليه وسلم: ((اجبرني)) [سأل اللَّه] أن يجبره لما فيه سدّ حاجته، وأن يردَّ عليه ما ذهب من خير، وأن يعوّضه، ويصلح ما نقص منه، فإن من أسمائه تعالى ((الجبار))، ((ومن معانيه الجليلة: الذي يجبر الضعيف والكسير، ويغني الفقير، وييسّر كل عسير)) (2)، فعندما يدعو العبد به ينبغي أن يستحضر هذه المعاني الجليلة.
(1) أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب الاستعاذة، الاستعاذة من علم لا ينفع، برقم7808، والحاكم، 1/ 510، والبيهقي في الدعوات الكبير، 157 - 158، والطبراني في الدعاء، برقم1405، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 3151.
(2)
الحق الواضح، ص 77.
قوله: ((وارفعني)) [سأل اللَّه] أن يرفع قدره في الدنيا والآخرة؛ لحذفه المفعول الذي يفيد العموم، ففي الدنيا من رفع المكانة من الثناء الحسن، والقبول عند الناس، والرفعة في العلم والقدر، وفي الآخرة في الدرجات العُلا في أعالي الجنان.
((اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلَا تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَأرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا)) (1).
قوله: ((اللَّهم زدنا)): يا اللَّه زدنا من خيرك وفضلك، وعطائك من خيري الدارين، ومن العلوم والمعارف، وفي هذا مشروعية طلب الزيادة من نعم اللَّه الواسعة، ولما كانت الزيادة ربما تكون في شيء من أمور الدنيا والآخرة، ويلحق النقص بشيء آخر، قال:((ولا تنقصنا)): أي لا تُذهب منا شيئاً مما أعطيتنا إياه.
قوله: ((وأكرمنا)): من عطاياك [الدينية، و] الدنيوية المباركة، ومنها قضاء حاجاتنا في هذه الدار، ومن أعظم الإكرام تقوى اللَّه، قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (2)، وأكرمنا بالآخرة برفع
(1) الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المؤمنين، برقم 3173، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب الطهارة، صفة الغسل من الجماعة، برقم 1443، والإمام أحمد،
1/ 351، برقم 223، وعبد الرزاق، 3/ 348، والحاكم، 1/ 535، وصححه، والبزار،
1/ 427، وعبد بن حميد، برقم 15، وحسّنه الشيخ عبد القادر الأرنؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 11/ 282، برقم 8847.
(2)
سورة الحجرات، آية:13.
درجاتنا في الجنان، لأنك أنت أكرم الأكرمين.
قوله: ((ولا تهنا)) أي لا تذلنا بتسليط الكفار والأعداء علينا بسبب ذنوبنا وتقصيرنا [،ولا تهنّا بردّ دعائنا].
قوله: ((وأعطنا ولا تحرمنا)): قال الطيبي: عطف الأوامر، وهي
((زدنا، وأكرمنا، وأعطنا)) على النواهي ((لا تنقصنا، ولا تُهنا، ولا تحرمنا)) تأكيداً، ومبالغة، وتعميماً (1)، أي: وأعطنا ما سألناك، ومن خير ما لم نسألك، ولا تمنعنا من خيرك وفضلك، ولا تجعلنا من المحرومين، تضمّن هذا الدعاء سؤال اللَّه تعالى من كل خير في الدنيا والآخرة.
قوله: ((وآثرنا، ولا تؤثر علينا)): اخترنا بعنايتك، ورحمتك، ولا تؤثر علينا غيرنا، فتعزّه وتذلّنا، ففيه سؤال اللَّه تعالى أن يجعله من الغالبين على أعدائه، لا من المغلوبين.
قوله: ((وارضنا، وارض علينا)): أي اجعلنا راضين بما قضيت لنا، أو علينا بإعطائنا: الصبر، والقناعة، والرضا في كل ما هو آت منك حتى ندرك رضاك.
قوله: ((وارض عنا)): فهو أعظم مطلوب ومرغوب يأمله منك العبد في الدنيا والآخرة.
سأل الرضى: ((لأن منزلة ((الرضى)): هي أشرف المنازل بعد النبوة، فمن رضي الله عنه، فقد رضي الله عنه؛ لقوله تعالى: {رَضِيَ
(1) فيض القدير، 2/ 108.