الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرح:
قدم النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه، جملة من أجلّ العبادات، والمقامات العبودية للَّه تعالى بين يدي دعائه توسلاً عظيماً، من تخصيص العبودية له تعالى من أعمال القلوب، والأركان، فبدأ بالإقرار الكامل له تعالى بالإسلام، والإيمان، والتوكل، والرجوع إليه في كل مهامه وشؤونه الدنيوية، والدينية، والدفاع عنه والمجاهدة لدينه بالحجة والقوة، مقدمة قبل سؤاله؛ ليكون أرجى في القبول، فالوسيلة مقدمة على الوصيلة.
قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذ بعزتك)): استعاذ بصفة من صفاته العظيمة وهي العزة الكاملة، فمن أراد العزة فليطلبها منه تعالى، قال عز وجل:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} (1).
ولا تنال العزة إلا بالإيمان بالله تعالى، والخضوع له والتوكل عليه في كل الأمور، قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (2).
وقرن هذه الاستعاذة بـ (لا إله إلا أنت) أي لا معبود بحق إلا أنت مبالغةً في تحقيق العبودية، وطمعاً في الاستجابة:((أن تضلّني)) أي أن تغويني وتضلّني بعد الهداية، ولا يخفى في تقديم هذه التوسلات من
(1) سورة فاطر، الآية:10.
(2)
سورة المنافقون، الآية:8. .
الأعمال الصالحات، وإثبات الوحدانية لربّ الأرض والسموات، والتوسّل بكمال الصفات في الاستعاذة من الضلالات [أن ذلك] يدلّ على أهمية هذا المطلب، وأنه مطلب خطير، قال تعالى:{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (1)، وقال عز شأنه:{مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (2)، فدلّ على أن الهداية والضلال بيد الله تعالى رب العالمين. فينبغي للعبد أن يسأل الله تعالى دائماً أن يعصمه من الضلالة، وأن يُديم عليه الهداية إلى أن يلقاه يوم القيامة.
وفيه دليل على جواز الاستعاذة بصفة من صفات الله تعالى الجليلة.
قوله: ((أنت الحيّ الذي لا يموت والجن والإنس يموتون)) تأكيد لانفراد الله تعالى بالحياة: أي أنت الحيّ لك الحياة الكاملة التي لا يعتريها أي نقص المتصفة بكل كمال، المستلزمة لكل صفات الذات، فحياته تعالى لا يعتريها نوم، ولا نعاس، ولا تبيد، ولا تفنى، والخلق كلهم، ميتون ومنتهون، قال تعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} (3)، وقال
تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَه} (4).
ففي هذا الدعاء المبارك جمع في بداياته، وطياته ونهاياته، توسلين من التوسّلات العظيمة إلى الله تعالى: التوسّل بالعمل
(1) سورة الزمر، الآية:36.
(2)
سورة الأنعام، الآية:39.
(3)
سورة الفرقان، الآية:58.
(4)
سورة القصص، الآية:88.