الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (1).
والرشد: هو طاعة اللَّه ورسوله، كما قال اللَّه تعالى:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (2).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: ((من يطع اللَّه ورسوله فقد رشد،
ومن يعصي اللَّه ورسوله فقد غوى)) (3).
والرشد ضد الغي، قال اللَّه تعالى:{قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي} (4)، فمن لم يكن رشيداً، فهو: إما غافل، أو ضال.
والعزم نوعان:
أحدهما: عزم المريد على الدخول في الطريق
، وهو من البدايات.
والثاني: العزم على الاستمرار على الطاعات بعد الدخول فيها
، وعلى الانتقال من حال كامل، إلى حال أكمل منه، وهو من النهايات، ولهذا سمَّى اللَّه تعالى خواصّ الرسل أولي العزم، وهم خمسة، وهم أفضل الرسل.
فالعزم الأول يحصل للعبد به الدخول في كل خير، والتباعد من كل شر، إذ به يحصل للكافر الخروج من الكفر، والدخول في
(1) سورة آل عمران، الآية:159.
(2)
سورة الحجرات، الآية:7.
(3)
انظر: صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم 870.
(4)
سورة البقرة، الآية:256.
الإسلام، وبه يحصل للعاصي الخروج من المعصية، والدخول في الطاعة، فإن كانت العزيمة صادقة، وصمم عليها صاحبها، وحمل على هوى نفسه، وعلى الشيطان حملة صادقة، ودخل فيما أُمِرَ به من الطاعات فقد فاز.
وعون اللَّه للعبد على قدر قوة عزيمته، وضعفها، فمن صمَّم على إرادة الخير أعانه، وثبّته.
ومن صَدَقَ العزيمة يئس منه الشيطان، ومتى كان العبد متردداً
طمع فيه الشيطان، وسوّفه، ومنَّاه.
سُئل بعض السلف متى ترتحل الدنيا من القلب؟ قال: إذا وقعت العزيمة ترحّلت الدنيا من القلب، ودرج القلب في ملكوت السماء، وإذا لم تقع العزيمة اضطرب القلب، ورجع إلى الدنيا (1).
قوله صلى الله عليه وسلم: ((وأسألك موجبات رحمتك)): موجبات- بكسر الجيم-: جمع موجبة، وهي ما أوجبت لقائلها الرحمة، من قربة، أيّ قربةٍ كانت، أي: نسألك من الأفعال، والأقوال، والصفات التي تتحصَّل بسببها رحمتك (2) ، والتي توجب بها الجنة التي هي أعظم رحماتك، كما قال تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّه هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (3).
قوله: ((وعزائم مغفرتك)): العزائم: جمع عزيمة: وهي عقد
(1) مجموع رسائل ابن رجب، 1/ 372 - 377.
(2)
تحفة الذاكرين، 450 ، وانظر: أوراد الذاكرين، ص 168.
(3)
سورة آل عمران، الآية:107.
القلب على إمضاء الأمر كما مر، أي أسألك أن ترزقنا من الأعمال والأقوال والأفعال التي تعزم، وتتأكد بها مغفرتك، وهذا الدعاء من جوامع الكلم النبوية، فإنه سأله أولاً أن يرزقه ما يوجب له رحمة اللَّه عز وجل ، ومن فعل ما يوجب له الرحمة، فقد دخل بذلك تحت رحمته التي وسعت كل شيء، واندرج في سلك أهلها، وفي عداد مستحقها، ثم سأله أن يهب له عزماً على الخير يكون به مغفوراً له؛ فإن من غفر اللَّه تعالى له ذنوبه، وتفضّل عليه برحمته، فقد ظفر بخيري الدنيا والآخرة، واستحق العناية الربانية في محياه ومماته؛
لأنه قد صفا من كدورات الذنوب (1).
وهذان المطلبان قد تقدما كثيراً في أدعية القرآن، وكذلك السنة؛ لأن في المغفرة التخلية من كل الذنوب وتبعاتها، وهي التصفية، والتنقية من آثارها وشؤمها في الدنيا والآخرة، والرحمة تحلية، التي تتحصل بمقتضاها النعم، والآلاء، ومن أجلها النعيم المقيم، في جنات النعيم.
قوله: ((وأسألك شكر نعمتك)): أي أسألك التوفيق لشكر نعمك التي لا تُحصى؛ لأن شكر النعمة يوجب مزيدها، وحفظها، واستمرارها على العبد، كما قال اللَّه تعالى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (2)، والشكر يكون: بالقلب، واللسان، والأركان.
فالشكر بالقلب: ذكرها، وعدم نسيانها.
(1) تحفة الذاكرين، 450 - 451.
(2)
سورة إبراهيم، الآية:7.