الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو وقت غفلة وخلوة، واستغراق في النوم، واستلذاذ له، ومفارقة اللذة والدعة، صعب، ولا سيما أهل الرفاهية، وفي زمن البرد، وكذا أهل التعب، ولاسيما في قصر الليل، فمن آثر القيام لمناجاة ربه تعالى، والتضرع إليه مع ذلك، دلّ على خلوص نيته، وصحّة رغبته فيما عند اللَّه جل وعلا؛ فلذلك نبّه اللَّه عباده إلى الدعاء في هذا الوقت الذي تخلو فيه النفس من خواطر الدنيا، وعلقها، ليستشعر العبد الجد والإخلاص لربه)) (1).
وهذا الوقت الشريف يا عبد اللَّه قد أثنى ربك جل وعلا على المستغفرين به، قال تعالى:{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْاسْحَارِ} (2)، قال القرطبي: ((خصَّ السحر بالذكر؛
…
لأنه مظنة القبول، وقت إجابة الدعاء، وهو وقت التجليات الإلهية، وتنزل الفيوضات الربانية)) (3).
والاستغفار نوع من أنواع الدعاء؛ لأن الدعاء يعمُّ ما كان دفعاً للمضارِّ، أو جلباً للمسارِّ، وذلك: إمّا ديني، أو دنيوي، والاستغفار من النوع الأول، وهو طلب دفع السوء والشرّ (4).
3 - دُبُر الصلوات المكتوبات
.
كما في حديث أبي أمامة رضي الله عنه حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الدُّعَاءِ
(1) فتح الباري، 11/ 133، وما بين المعقوفين من كلام المصحّح سعيد بن علي بن وهف.
(2)
سورة آل عمران، الآية 17.
(3)
تفسير القرطبي، 4/ 25.
(4)
انظر: فتح الباري، 3/ 31، ومجموع الفتاوى، 10/ 239.
أَسْمَعُ؟ قَالَ: ((جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ)) (1).
اختلف أهل العلم في معنى ((دبر)): هل هو آخر جزء من الصلاة، أي قبل السلام؛ لأن دبر كل شيء مؤخره؟، أو المراد به بعد انقضاء الصلاة، أي بعد السلام، كما في قوله تعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} (2).
أو المراد مجموع الأمرين؟ ذهب شيخ الإسلام وابن القيم أنه آخر الصلاة بعد التشهد وقبل السلام، قال ابن القيم: ودبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده، وكان شيخنا يرجح أن يكون قبل السلام، فراجعته فيه فقال: دبر كل شيء منه، كدبر الحيوان (3).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله عن حديث معاذ الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ((يَا مُعَاذُ إِنِّي لأُحِبُّكَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا أُحِبُّكَ، قَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) (4).
(1) سنن الترمذي، كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب حدثنا محمد بن يحيى، 5/ 526، برقم 3499، والنسائي في الكبرى، كتاب الأذان، ما يستحب من الدعاء دبر الصلوات المكتوبات، 6/ 32، برقم 9854، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 167.
(2)
سورة ق، الآية:40.
(3)
زاد المعاد، 1/ 78.
(4)
مسند أحمد، 36/ 429، برقم 22119، سنن أبي داود، كتاب الوتر، باب في الاستغفار، 1/ 561، برقم 1524، المستدرك، 1/ 273، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 1362.
يتناول ما قبل السلام، ويتناول ما بعده أيضاً (1).
والذي يظهر أنه يُراد به مجموعهما، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو قبل السلام وبعد السلام، واليك الأدلة:
1 -
رغب النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر دبر كل صلاة، فقال:((مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ، أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً)) الحديث (2). والمراد بعد السلام إجماعاً،
…
والذكر نوع من الدعاء.
2 -
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه دعا بعد الصلاة من ذلك، ففي حديث علي في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم دعا: ((اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ،
…
)) (3)، فقد جاء أنه دعا قبل السلام، وثبت أنه دعا بعد التسليم، وفيه:((فإذا سلم من الصلاة قال: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللَّهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) (4).
(1) مجموع الفتاوى، 22/ 500.
(2)
صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته، 1/ 418، برقم 596.
(3)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، 1/ 535، برقم 771.
(4)
مسلم، كتاب المساجد ومواقع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم 593، ومسند أحمد، 2/ 133، برقم 729.