الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا لأن لفظ الناذر اقتضى اعتكاف جميع اليوم كما اقتضى صوم جميع اليوم، وقد تعذَّر ذلك، فعليه القضاءُ في الاعتكاف، كما عليه قضاءُ الصوم والكفارة لفوات المعين
…
(1)
مسألة
(2)
: (ويُسْتَحَبُّ للمعتكف الاشتغالُ بالقُرَب، واجتناب ما لا يَعْنيه مِن قولٍ أو
(3)
فِعل)
.
وفيه فصلان:
أحدهما
أن الذي ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالعبادات المحضة التي بينه وبين الله تعالى، مثل: القرآن، وذِكْر الله تعالى، والدعاء، والاستغفار، والصلاة، والتفكّر، ونحو ذلك.
فأما العبادات المتعلِّقة بالناس، مثل: إقراء القرآن، والتحديث، وتعليم العلم، وتدريسه، والمناظرة فيه، ومجالسة أهله ــ إذا قصد به وجه الله تعالى، لا المباهاة ــ فقال
(4)
الآمدي: هل الأفضل للمعتكف أن يشتغل بإقراء القرآن
(1)
بياض في الأصلين.
(2)
ينظر «المستوعب» : (1/ 437)، و «المغني»:(4/ 479 - 483)، و «الفروع»:(5/ 188 - 189)، و «الإنصاف»:(7/ 628 - 634).
(3)
س: «و» .
(4)
كتب فوقها في ق: «فذكر» . والآمدي هو: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن البغدادي، من أكبر أصحاب القاضي أبي يعلى (ت 467). ينظر «ذيل طبقات الحنابلة»:(1/ 11 - 14).
والفقه أو يشتغل بنفسه؟ على روايتين:
إحداهما
(1)
: يشتغل بإقراء القرآن والفقه
(2)
. وهذا اختيار الآمدي وأبي الخطاب
(3)
؛ لأن هذا يتعدَّى نفعُه إلى الناس، وما تعدَّى نفعُه من الأعمال أفضل مما اقتصر نفعُه على صاحبه.
والثانية: لا يُستحبّ له ذلك. وهذا هو المشهور عنه، وعليه جمهور أصحابنا، مثل: أبي بكر والقاضي، وغيرهما.
قال القاضي
(4)
والشريف أبو جعفر
(5)
وغيرهما: يكره ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف دخل معتكَفَه، واشتغل بنفسه، ولم يجالس أصحابَه، ولم يحادثهم كما كان يفعل قبل الاعتكاف، ولو كان ذلك أفضل لفَعَلَه، ولأن الاعتكاف هو من جنس الصلاة والطواف، ولهذا قَرَن الله تعالى بينهما في قوله:{طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].
ولمَّا كان في الصلاة والطوَّاف شُغْل عن كلام الناس، فكذلك الاعتكاف، وذلك أنها عبادة شُرِع لها المسجد، فلا يُستحبّ الإقراء حين التلبُّس بها كالصلوات
(6)
والطواف.
(1)
س: «أحدهما» .
(2)
«القرآن و» سقطت من المطبوع.
(3)
في «الهداية» (ص 167).
(4)
في «التعليقة الكبيرة» : (1/ 45 - 46).
(5)
«أبو جعفر» من س، وكان فيها «أبي» فأصلحته.
(6)
س: «كالصلاة» .
قال القاضي
(1)
: لا خلاف أنه يكره أن يُقرئ
(2)
القرآن وهو يصلي أو يطوف، كذلك الاعتكاف.
ولأن العكوف على الشيء هو الإقبال عليه على وجه المواظبة، ولا يحصل ذلك للعاكف إلا بالتبتّل إلى الله سبحانه وترك الاشتغال بشيء آخر.
وأما كون النفع المتعدّي أفضل، فعنه أجْوِبة:
أحدها
(3)
: أنه لا يلزم من كون الشيء أفضل أن يكون مشروعًا في كلِّ عبادة، بل وَضْع الفاضل في غير موضعه يجعله مفضولًا، وبالعكس.
ولهذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح، وهي مكروهة في الركوع والسجود، ولهذا لا يُشْرَع هذا في الصلاة والطواف، وإن كانا أفضل من الصلاة والطواف النافِلتين.
الثاني: أن كونهما أفضل يقتضي الاشتغال بهما عن الاعتكاف.
قال الآمدي: لا تختلف الروايةُ أن من أراد أن يبتدئ الاعتكاف؛ فتشاغُلُه بإقراء القرآن أفضل من تشاغله بالاعتكاف.
قال أحمد في رواية المرُّوذي وقد سُئل عن رجل يُقرئ في المسجد، ويريد أن يعتكف؟ فقال: إذا فعل هذا كان لنفسه، وإذا قعد كان له ولغيره، يُقرئ أعجبُ إليَّ
(4)
.
(1)
«التعليقة» : (1/ 46).
(2)
في النسختين: «يهدي» والتصحيح من التعليقة.
(3)
ق: «أحدهما» .
(4)
نقلها أبو يعلى في «التعليقة الكبيرة» : (1/ 45).
وفي لفظ: لا يتطيَّب المعتكفُ، ولا يقرئ في المسجد وهو معتكف، وله أن يختم في كل يوم، فإذا فعل ذلك، كان لنفسه، وإذا قعد في المسجد كان له ولغيره، يقعُدُ في المسجد يقرئ أحبُّ إليَّ من أن يعتكف.
الثالث: أن النفع المتعدِّي ليس أفضل
(1)
مطلقًا، بل ينبغي للإنسان أن يكون له ساعات يناجي فيها ربَّه، ويخلو فيها بنفسه ويحاسبها، ويكون فعله [ق 122] ذلك أفضل من اجتماعه بالناس ونفعهم، ولهذا كان خَلْوة الإنسان في الليل بربه أفضل من اجتماعه بالناس
…
(2)
فصل
قال أحمد في رواية عليِّ بن
(3)
حرب: المعتكف إذا أراد أن ينام، نام متربِّعًا، لئلا تبطل
(4)
عليه الطهارة، فإذا كان نهارًا وأراد أن ينام، فلا بأس أن يستند إلى سارية، ويكون ماء طهارته معلومًا لئلا يقوم من نومه وليس معه ماء.
قال عليُّ بن حرب: إنما أراد أحمد أن يكون ماؤه معلومًا، لا يكون يستيقظ يشتغل قلبُه بالطلب.
قال أبو بكر: لا ينام إلا عن غَلَبة، ولا ينام مضطجعًا، ويكون الماء منه
(1)
س: «أنفع» .
(2)
بياض في النسختين.
(3)
«علي» من س. وهو علي بن حرب الطائي من أصحاب أحمد، له ذِكْر في «طبقات الحنابلة»:(2/ 124).
(4)
في النسختين: «تضل» خطأ.
قريبًا؛ لأن الله سمَّى العاكفَ قائمًا، والقائم هو المراقب
(1)
للشيء المراعي له، والنوم يضيُّع ذلك عليه، ولأن العكوف على الشيء هو القيام عليه على سبيل الدوام، وذلك لا يكون من النائم.
نعم، يفعل منه ما تدعو إليه الضرورة، كما يخرج من المسجد للضرورة. ولأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف العشرَ الأواخرَ من رمضان
(2)
، أحيا الليل كلَّه، وشدّ المِئزر
(3)
.
فإن شقَّ عليه النوم قاعدًا
…
(4)
عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف طُرِحَ له فراشُه، ويوضع له سريرُه وراء أسطوانة التوبة» رواه ابن ماجه
(5)
.
الفصل الثاني
(6)
أنه ينبغي له اجتنابُ ما لا يَعنيه من القول والعمل، فإن هذا مأمور به في كلِّ وقت؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مِن حُسْن إسلام المرءِ تَرْكُه ما لا يَعنيه» رواه أبو
(1)
ق: «الواقف» .
(2)
«من رمضان» من س.
(3)
أخرجه البخاري (2024)، ومسلم (1174).
(4)
بياض بمقدار أربع كلمات في النسختين.
(5)
(1774). وأخرجه ابن خزيمة (2236)، قال البوصيري في «مصباح الزجاجة»:(2/ 84): «إسناد صحيح ورواته موثقون» . لكن في إسناده عيسى بن عمر القرشي لم يذكره سوى ابن حبان في «الثقات» وقال الحافظ: مقبول، يعني حيث يُتابع ولم يتابع، فقد تفرّد به عن نافع عن ابن عمر، فإسناده ليّن.
(6)
ينظر «المغني» : (4/ 480)، و «الفروع»:(5/ 188).
داود
(1)
.
وقال أحمد في رواية المرُّوذي: يجب على المعتكف أن يحفظ لسانه، ولا يؤويه إلا سقف المسجد، ولا ينبغي له إذا اعتكف أن يَخِيْط أو يعمل.
قال أصحابنا: ولا يُستحبّ له أن يتحدَّث بما أحبَّ، وإن لم يكن مأثمًا، ويكره لكلِّ أحدٍ السِّباب والجدال والقتال والخصومة، وذلك للمعتكف أشدُّ كراهة.
قال عليٌّ رضي الله عنه: «أيُّما رجلٍ اعتكفَ، فلا يُسابّ ولا يرفث في الحديث، ويأمر أهله بالحاجة ــ أي: وهو يمشي ــ، ولا يجلس عندهم» رواه
(1)
لم أجده عنده. وقد أخرجه مالك (2628)، وعبدالرزاق:(11/ 307)، والترمذي (2317)، وغيرهم من طرقٍ عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وخالفهم قرّة بن عبد الرحمن (وفيه ضعف) فرواه عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أخرجه الترمذي (2317)، وابن ماجه (3976)، وابن حبان (229). قال الترمذي عن طريق أبي هريرة:«هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه» ، ثم قال عن الطريق الأولى المرسلة مرجحًا لها:«هكذا روى غير واحد من أصحاب الزهري، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث مالك مرسلًا، وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة. وعليُّ بن حسين لم يدرك عليَّ بن أبي طالب» . وقد رجح الطريق المرسلة أكثر الأئمة كأحمد وابن معين والبخاري والدارقطني والبيهقي وابن رجب. وينظر «جامع العلوم والحكم» : (1/ 287 - 288). وأخرجه أحمد (1732) من حديث حسين بن علي، وفي سنده ضعف، وأخرجه الطبراني في الصغير (884) من حديث زيد بن ثابت. وروي من حديث غيرهم وكل طرقه ضعيفة.