الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأما المباشرة دون الفرج، كالقُبلة [ق 127] واللمس، فإنها لا تبطله فيما ذكره القاضي
(1)
ومَنْ بعده من أصحابنا، كما لا يُبْطِل الإحرامَ والصيامَ، إلا أن يقترن بها الإنزال، فإن أنزل فسد الاعتكافُ كما يفسد الصيامُ بالإنزال، وكذلك الحج في رواية، وفي الرواية الأخرى الحج آكد في اللزوم، فإنه لا يخرج منه بالإفساد بخلاف الاعتكاف، فإنه لو خرج من المسجد أو جامع، خرج من الاعتكاف، ولو أراد الخروج من تطوُّعه كان له ذلك.
و
يبطل الاعتكافُ بالوطء، سواءٌ كان
(2)
عامدًا أو ناسيًا، عالمًا أو جاهلًا
عند أصحابنا، وهو ظاهر كلامه كما قلنا في الإحرام والصيام.
ويتخرّج
…
(3)
وإن باشر ناسيًا فأنزل، فقياس المذهب: أن ما كان منه ملحقًا بالوطء يستوي
(4)
عمدُه وسهوُه، وهو جميع المباشرة في رواية، أو الوطء دون الفرج في رواية.
وما كان منه مفارقًا للجماع في وجوب الكفارة به في الصيام
…
(5)
وإن خرج من المسجد ناسيًا، ففيه وجهان
(6)
:
(1)
في «التعليقة الكبيرة» : (1/ 40 - 42).
(2)
سقطت من المطبوع.
(3)
بعده بياض في الأصلين.
(4)
زاد في المطبوع: «فيه» ولا حاجة إليه.
(5)
بعده بياض في س، والسياق غير تامّ. وينظر «المغني»:(4/ 473 - 475).
(6)
ينظر «المغني» : (4/ 472).
أحدهما: لا يبطل اعتكافه. قاله القاضي في «المجرَّد» ؛ لأن الاعتكافَ منع من شيئين: المباشرةِ والخروجِ، كما منع الصومُ المباشرةَ والأكلَ، فلما كان أكْلُ الصائم ناسيًا لا يُبْطِل صومَه، بخلاف الجماع، فكذلك خروجه من المسجد، والجاهل بأنه محرم
…
(1)
والثاني: يبطل اعتكافه. قاله القاضي في «خلافه» والشريف أبو
(2)
جعفر وأبو الخطاب
(3)
وابن عقيل، حتى جعلوه أوكد من الجماع؛ لأن اللبث في المسجد من باب المأمور به، فيستوي في تركه العمدُ والخطأ، كترك أركان الصلاة وأركان الحج وواجباته، بخلاف الجماع، فإنه من باب
(4)
المنهيِّ عنه. وسواء في ذلك إن
(5)
نسي المسجد أو نسي أنه معتكف.
فإن أُكْره على الخروج لم يبطل اعتكافُه، سواء أُكره بحقٍّ، مثل إحضاره مجلس الحكم، أو بباطل بأن يُحمل أو يُكره على الخروج لمصادرة أو تسخير.
فأما إن أمكنه الامتناع بأداء ما وجب عليه أو بغير ذلك، بأن يكون عليه حقٌّ وهو قادر على وفائه، فيمتنع حتى يُخرِجَه الخصمُ إلى مجلس الحكم، بَطَل اعتكافُه.
(1)
بياض في النسختين.
(2)
ق: «وأبو» خطأ.
(3)
ينظر «الهداية» (ص 168).
(4)
سقطت من المطبوع.
(5)
ليست في س.
فصل
(1)
وإذا أبطل اعتكافًا لزمه قضاؤه، فهل عليه كفارة؟ على روايتين:
إحداهما: لا كفارة عليه.
قال في رواية أبي داود
(2)
: إذا جامع المعتكف، فلا كفارة عليه.
لأنه لا نصّ في وجوب الكفّارة ولا إجماع ولا قياس صحيح. لأنها إن قيست على الصيام، فالصوم لا تجب الكفارة بالوطء فيه إلا في
(3)
نهار رمضان خاصة، ولهذا تجب على مَنْ وجب عليه الإمساك وإن لم يكن صائمًا، فكانت الكفارةُ لحُرْمة الزمان لا لحُرْمة جنس الصوم.
وإن قيست على الحجّ، فالحجُّ يلزمُ جِنْسُه بالشروع، ثم الكفارة الواجبة فيه ليست من جنس كفارة الحج.
وأيضًا فالحجُّ والصيام عبادتان عظيمتان، يجب جنسهما بالشروع
(4)
، ويدخل المال في جُبْرانهما، بخلاف الاعتكاف.
ثم ليس إلحاقه بالحجِّ والصيام بأولى من إلحاقه بالطواف والصلاة والطهارة، فإنه لو نذر أن يبقى يومًا متطهِّرًا ثم أفسد طهارته، لم تجب عليه كفارة
…
(5)
(1)
ينظر «المغني» : (4/ 476)، و «الفروع»:(5/ 183 - 186).
(2)
«المسائل» (ص 138).
(3)
«في» سقطت من ق.
(4)
ق والمطبوع: «بالشرع» ، وقد سبقت على الصواب قبل صفحة.
(5)
بياض في النسختين.
والرواية الثانية: عليه الكفارة، وهي اختيار القاضي وأصحابه.
وحكى ابنُ أبي موسى
(1)
والقاضي وغيرُهما هذه الرواية: أنه يلزمه كفارة الظهار، سواء وطئ ليلًا أو نهارًا، عامدًا أو ساهيًا.
قال ابن أبي موسى: وهو مذهب الزُّهري.
وذكر إسحاق عن الزُّهريِّ في الرجل يقع على امرأته وهو معتكف؟ قال: «لم يبلغنا في ذلك شيء، ولكنا نرى أن يعتق رقبة، مثل الذي يقع على أهله في رمضان»
(2)
.
وعن الحسن: «إذا واقعها وهو معتكف، يحرِّر محرّرًا»
(3)
.
وذلك لأنها عبادة مقصودة يحرُم فيها الوطء ويفسِدُها، فوجب فيها كفارة كالصيام والحج، ولا ينتقض بالطواف والصلاة، لأن الوطء
(4)
إنما يفسدُ الطهارةَ، وفساد الطهارة يفسدُ الصلاةَ والطوافَ.
والطهارةُ ليست عبادةً مقصودة لنفسها، أو يقال: عبادة لا تُشترط لها الطهارة، ويحرم الوطء، فأشبه الصيام والحج.
وهذا لأن العاكف قد منعَ نفسَه من الخروج، كما منع الصائمُ نفسَه عن الأكل والشرب والنكاح، ومنع المُحرمُ نفسَه عن اللباس والطيب والنكاح
(1)
في «الإرشاد» (ص 155).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (8079)، وابن أبي شيبة (9778، 12591).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (8080)، وابن أبي شيبة (9776، 12594).
(4)
ق: «الواطئ» .
وغيرها
(1)
. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في العاكف: «هو يَعْكُف الذنوبَ»
(2)
كما قال في الصوم: «الصوم جُنّة»
(3)
.
ولهذا كُره للصائم والعاكف والمُحْرِم فضولُ القول والعمل منصوصًا
(4)
في الكتاب والسنة، ولهذا قُرِن العكوف بالصيام إما وجوبًا أو استحبابًا مؤكَّدًا، وجُمِع بينهما في آية واحدة، وقُرِن بالحجِّ في قوله تعالى:{طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125].
ولفظ هذه الرواية فيما ذكره القاضي
(5)
: أنه
(6)
قال في رواية حنبل: وذُكِر له قول ابن شهاب: «من أصاب في اعتكافه، فهو كهيئة المُظاهر» فقال أبو عبد الله: إذا كان نهارًا أوجبتُ عليه [ق 128] الكفارةَ.
وقال في موضع آخر من مسائل حنبل: إذا واقع المعتكفُ أهلَه، بطل اعتكافُه، وكان عليه أيام
(7)
مكان ما أفسده، ويَسْتَقْبِل ذلك، ولا كفَّارة عليه إذا كان الذي واقع ليلًا، وليس هو واجبًا
(8)
فتجب عليه الكفارة.
(1)
سقطت من س.
(2)
سبق تخريجه. وهو ضعيف.
(3)
أخرجه البخاري (7492) وقد سبق.
(4)
كذا في النسختين، ولعل في الكلام سقطًا.
(5)
في «التعليقة الكبيرة» : (1/ 38). وذكرها ابن قدامة في «المغني» : (4/ 474).
(6)
من ق.
(7)
في «التعليقة» : «أيامًا» .
(8)
في «التعليقة» : «واجب» ، خطأ، وسيأتي على الصواب.
ولأصحابنا في تفسير هذا الكلام ثلاثة طرق:
أحدها: أن قوله: «لا كفارة عليه إذا كان ليلًا، ليس هو واجبًا
(1)
فتجب عليه الكفارة» = دليل على أن الكفارة تجب في الواجب وإن كان ليلًا.
وقوله في اللفظ الآخر: «وإذا كان نهارًا وجبت عليه الكفارة» : قصد به إذا كان الاعتكاف واجبًا عليه أو لم يوجبه على نفسه ليلًا، فأما إذا وجب اعتكافُ شهرٍ متتابعٍ أو أيام متتابعة، فإن الليلَ والنهارَ سواء في ذلك. هذا تفسير القاضي.
الثانية: أنه في اللفظ أوجبَ كفارةَ الظهار بالوطء نهارًا فقط؛ لأنه يكون صائمًا، فإن الصوم وجب في إحدى الروايتين، وهي رواية حنبل. ومُؤكَّدُ
(2)
الاستحبابِ في الأخرى، فيكون قد أفسد الصومَ والاعتكافَ كالواطئ في رمضان هَتَك
(3)
حُرمةَ الإمساك وحُرمةَ الزمان، ويكون الصوم المقرون به الاعتكاف كالصوم في نهار رمضان، بخلاف الواطئ ليلًا فإنه لم يُفْسِد إلا مجرَّدَ الاعتكاف.
وفي اللفظ الثاني: أوجبَ الكفّارة بالوطء ليلًا ونهارًا إذا كان واجبًا.
فتكون المسألة على ثلاث روايات، وهذه طريقة ابن عقيل في «خلافه» ، ولم يذكر في «الفصول» إلا روايتين:
إحداهما: وجوب الكفارة.
(1)
ق: «واجبًا عليه» .
(2)
في المطبوع: «ومؤكدًا» خطأ.
(3)
س: «يهتك» .
والثانية: لا تجب إلا إذا كان واجبًا بالنذر، وكان الوطء نهارًا.
قال: ولعل الوطء في ليل المعتكف يوجبُ كفارةَ يمين، فعلى هذا تكون الروايتان متفقةً على أن النهار فيه كفارة الظهار، والليل فيه كفارة يمين.
الثالثة: أن أحمد إنما سُئل عن المعتكف في رمضان، وعلى ذلك
(1)
خَرَج كلامه، فإن وطئ نهارًا وجبت عليه كفارة الظهار لأجل رمضان، وإذا وطئ ليلًا وليس هو واجبًا عليه فلا كفارة عليه، وإن كان واجبًا وجبت عليه كفارة تَرْك النذر.
ويدلُّ على أن هذا معنى كلامه قوله: «ولا كفارة عليه إذا كان الذي وقع
(2)
ليلًا وليس هو واجبًا»
(3)
. فهذا دليل على ثبوته إذا كان نهارًا وإذا كان ليلًا وهو واجب، ودليلٌ على أنه إذا كان واجبًا وجبت الكفارة لوجوبه، وهذه كفارة اليمين. وكذلك قال أبو بكر.
والرجلُ إذا جامع في اعتكافه بطَلَ اعتكافُه، ويَسْتَقبل، فإن كان نذرًا كان عليه كفّارة يمين والقضاء لما أفسد. وعلى هذه الطريقة فتكون المسألة رواية واحدة: أنه يجب عليه كفارة اليمين لترك النذر.
وذكر القاضي أبو الحسين وغيره في الكفارة الواجبة بالوطء في الاعتكاف، هل هي كفارة يمين أو ظهار؟ على روايتين
(4)
:
(1)
في المطبوع: «هذا» خلاف النسخ.
(2)
س: «واقع» .
(3)
س زيادة وتكرار: «فتجب الكفارة فنفي الكفارة إذا كان ليلا وليس هو واجبا» .
(4)
س: «وجهين» ، ولذا قال بعده:«أحدهما» و «الثاني» بالتذكير.
إحداهما: أنها كفارة يمين. اختاره أبو بكر والقاضي في «الجامع الصغير»
(1)
.
والثانية: أنها كفارة ظهار. اختاره القاضيان ابنُ أبي موسى
(2)
وأبو يعلى في «خلافه»
(3)
.
وهذا يقتضي أنه لا كفارة على الرواية الأخرى، لا كفارة جماع ولا كفارة يمين. وهذا غلطٌ على المذهب، فإن الاعتكاف إذا كان منذورًا معيَّنًا وأفسده، لزمته كفارة ترك المنذور بغير خلاف في المذهب، كما يلزمه كفارةٌ لو خرج من المسجد.
وقول أحمد: «إذا جامع المعتكف، فلا كفارة عليه» أي: لا كفارة عليه للجماع في الاعتكاف. وهذا إنما تجب عليه
(4)
الكفارة لتفويت النذر، كالخروج من المسجد وأولى.
نعم، مَن قال مِن أصحابنا عليه كفارة ظهار، فإنه يُسْتَغْنَى بوجوبها عن كفارة اليمين، ومن لم يوجب عليه كفارة ظهار ــ وهو الذي يقتضيه كلام أحمد وقدماء أصحابه ــ فإنه لابدَّ من كفارة اليمين إذا كان النذر معيَّنًا. وأما إذا كان مطلقًا، فهل تجب كفارة اليمين؟
وإذا باشر دون الفرج فأنزل، فقال ابن عقيل: يتخرَّج في إيجاب الكفارة
(1)
(ص 94).
(2)
«الإرشاد» (ص 154).
(3)
«التعليقة» : (1/ 40).
(4)
س: «وهنا عليه» .
وجهان، على الروايتين في الصوم، لأن الاعتكاف عبادة تحرِّم الوطء ودواعيه، فهو كالصيام والإحرام.
فصل
(1)
ويبطل الاعتكاف أيضًا بالرِّدَّة؛ لأن الرّدة تُبْطِل جميعَ العبادات من الطهارة والصلاة والصوم والإحرام، فكذلك الاعتكاف؛ لأن الكافر ليس من أهل العبادات.
فإن عاد
…
(2)
ويبطل أيضًا بالسُّكْر؛ لأن السَّكْران ممنوعٌ من دخول المسجد؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}
(3)
[النساء: 43].
فأما إن زال عقله بغير النوم من جنون أو إغماء
…
(4)
فصل
وإذا تَرَك الاعتكافَ بالخروج من [ق 129] المعتكَفِ؛ فإما أن يكون نذرًا أو تطوُّعًا:
(1)
ينظر «المغني» : (4/ 476)، و «الفروع»:(5/ 187)، و «الإنصاف»:(7/ 627 - 628).
(2)
بياض في النسختين.
(3)
(يا أيها الذين آمنوا) ليست في س.
(4)
ما بعد الآية وهنا بياض في النسختين.