الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ المعتكفات إذا حِضْن أن يُقِمْن في رِحاب المسجد
(1)
.
قال القاضي: إن كانت مَحُوْطة عن الطريق، وعليها أبواب، فهي تابعة للمسجد.
وإن كانت مُشرَعة على
(2)
الطريق وغير مَحُوطة
(3)
، مثل رحاب جامع المنصور، ورحاب جامع دمشق، فحكمها حكم الطريق، لا يجوز الخروج إليها لغير حاجة.
فإن قلنا: الرَّحْبة من المسجد، فكذلك المنارة التي فيها. وإن قلنا: ليست هي منه، ففي الخروج إلى المنارة التي فيها الوجهان
(4)
.
الفصل الثالث
(5)
أنه لا يصح اعتكاف الرجل إلا في مسجد تُقام فيه الصلوات الخمس جماعة
، سواء كانت
(6)
الجماعة تتم بدون المعتكف أو لا تتم إلا به، حتى لو اعتكف رجلان في مسجد، فأقاما به الجماعة جاز.
(1)
سيأتي لفظ الحديث وتخريجه (ص 705).
(2)
ق: «مشروعة» . وكانت «على» في النسختين «عن» فأصلحتها.
(3)
س: «مجازة» بالجيم، و ق «محازة» بالحاء، والظاهر ما أثبت، والنص في «المستوعب»:(1/ 435).
(4)
ق: «وجهان» .
(5)
ينظر «المغني» : (4/ 461 - 462)، و «الفروع»:(5/ 136 - 138).
(6)
س: «كان» .
فإن رجا أن يُجَمِّع فيه، وغلب على ظنه ذلك، مثل أن ينوي
(1)
أن يؤذِّن فيه، فيجيء من يصلي معه= صار مسجد جماعة.
فإن غلب على ظنه أن لا يصلي معه أحدٌ لم يصحّ الاعتكاف، لأن الاعتكاف لا يكون إلا بالعزم على المُقام في المسجد، والعزم يتبع الاعتقاد، فإذا اعتقدَ حصولَ الصلاة فيه، عزمَ على العكوف فيه، وإلا فلا.
فإن اختلَّت الجماعةُ فيه بعض الأوقات
…
(2)
وذلك لما رُوِي عن أبي وائل شقيقِ بن سلمة، قال: قال حذيفة لعبد الله بن مسعود: إن قومًا عكوفًا بين دارك ودار الأشعري، فلا تُغَيِّر وقد علمتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا اعتكافَ إلا في المساجدِ الثلاثةِ (أو قال: في مسجد جماعة)» . فقال عبد الله: فلعلهم أصابوا وأخطأتَ، وحفظوا ونسيتَ. رواه سعيد بإسناد جيد
(3)
.
وعن جُويبر، عن الضحَّاك، عن حُذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ مسجدٍ له مؤذِّن وإمام، [ق 110] فالاعتكاف فيه يصْلُح» رواه سعيد
(1)
ق: «نوى» .
(2)
بياض في الأصلين.
(3)
اختلف في هذا الحديث فرواه سعيد بن منصور عن ابن عيينة مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره المصنف، وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (8016)، والفاكهي في «أخبار مكة» (1334) من طرق عن ابن عيينة به موقوفًا على حذيفة. ووقع في لفظه بعض الاضطراب، وضعَّفه ابن حزم في «المحلى»:(5/ 195) للشك الواقع في لفظه، وصححه الألباني في «الصحيحة»:(6/ 667).
والنجاد والدارقطني
(1)
وقال: الضحَّاك لم يسمع من حذيفة.
وقد رواه حربٌ
(2)
عن الضحَّاك، عن النزّال بن سَبْرة، قال: أقبل ابن مسعود وحذيفة من النجف، وأشرفوا على مسجد الكوفة، فإذا خيام مبنية، فقالوا: ما هذا؟ قالوا: أناس اعتكفوا. فقال
(3)
ابن مسعود: لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام. فقال حذيفة: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُّ مسجدٍ له إمام ومؤذِّن فإنه يُعتكَف فيه» .
فإن قيل: جُويبر ضعيف متروك، ويدلُّ على ضعف الحديث: أن مذهب حذيفة أنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، بدليل ما رُوي عن إبراهيم، قال: «دخل حذيفة مسجدَ الكوفة، فإذا هو بأبْنِيَةٍ مضروبة، فسأل عنها، فقيل: قوم يعتكفون، فانطلق إلى ابن مسعود، فقال: ألا تعجب من قوم يزعمون أنهم معتكفون بين دارك ودار الأشعري؟ فقال عبد الله: فلعلهم أصابوا وأخطأتَ، وحفظوا ونسيتَ. فقال حذيفة: لقد علمت [أنه لا اعتكاف]
(4)
إلا في ثلاثة
(1)
أخرجه سعيد ــ كما في «المحلى» : (5/ 196) و «المغني» لابن قدامة (3/ 190) ــ والدارقطني (2357). وقال ابن الجوزي في «التحقيق» : (2/ 109): «هذا الحديث في نهاية الضعف، الضحَّاك لم يسمع من حذيفة، وجُويبر ليس بشيء» .
(2)
أخرجه أبو بكر الشافعي في «الغيلانيات» (722) من طريق جُويبر عن الضحاك به، وتقدم أن جويبر واهٍ. وأخشى أن قوله:«حرب» مصحف عن «جويبر» بدليل ما بعده فالله أعلم.
(3)
س: «فقالوا: ناس اعتكفوا قال» ، و ق:«عكفوا» . والذي في «الغيلانيات» أن القائل: لا اعتكاف) هو حذيفة والذي أجابه بقول النبي صلى الله عليه وسلم هو ابن مسعود.
(4)
سقط من النسختين، والاستدراك من المصادر.
مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم»
(1)
.
قلنا: قد روى هذا الحديث عن جُويبر رجالٌ من كبار أهل العلم، مثل هُشيم وإسحاق الأزرق، وقد تابعه على نحوٍ من معناه أبو وائل، عن حذيفة، وهو معضود بآثار الصحابة، والرواية الأخرى عن حذيفة مرسلة.
وأيضًا، فإنه إجماع الصحابة؛ روى النجَّاد
(2)
عن عليٍّ رضي الله عنه قال: «لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة» .
وعن ابن عباس قال: «لا اعتكاف إلا في مسجدٍ تُقام فيه الصلاة»
(3)
.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة»
(4)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق: (4/ 347)، وابن أبي شيبة (9762) بإسناد صحيح، وإن كان النخعي لم يسمع من ابن مسعود إلا أن العلماء نصوا على أن مراسيله عنه صحيحة. ينظر «شرح العلل» (1/ 542) لابن رجب.
(2)
بإسناده عن عاصم بن ضَمْرة، عن علي ــ كما في «التعليقة» للقاضي أبي يعلى (1/ 7). وأخرجه أيضًا عبد الرزاق (8009) وابن أبي شيبة (9763) والطحاوي (1042، 1043) من طريقين ضعيفين، فيهما الحارث الأعور، وجابر الجعفي.
(3)
أخرجه النجاد ــ كما في «التعليقة» : (1/ 7) ــ والبيهقي: (4/ 316) من رواية قتادة عن ابن عباس. وقتادة لم يسمع من ابن عبّاس، وإنما سمعه من أبي الشعثاء جابر بن زيد عنه، كما عند أحمد في «مسائله ــ رواية عبد الله» (2/ 673).
(4)
أخرجه النجاد ــ كما في «التعليقة» : (1/ 7) ــ بإسناده عن عروة عن عائشة. وسيأتي تخريجه مفصّلًا.
وروى حربٌ
(1)
عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«كلُّ مسجدٍ تُقام فيه الصلاة، فيه اعتكاف» .
وقد روى أبو داود وغيرُه حديثَ عائشة قالت: «مِن السنة لا اعتكاف إلا في مسجدٍ جامع»
(2)
.
وعن الزهري قال: «مضت السنةُ: أن لا يكون اعتكافٌ إلا في مسجد جماعة، مسجد يُجَمَّع فيه الجمعة» رواه النجاد
(3)
.
(1)
ورواه أحمد في «مسائل عبد الله» كما سبق آنفًا.
(2)
رواه أبو داود (2473)، والدارقطني (2363)، والبيهقي:(4/ 315، 320 - 321) وغيرهم من طرق عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. وهو جزء من حديث أوّله:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده» . قال البيهقي في «المعرفة» : «قد أخرج البخاري [2026]، ومسلم [1172/ 5] صدرَ هذا الحديث في الصحيح إلى قوله: (والسنة في المعتكف
…
)، ولم يخرجا الباقي لاختلاف الحفاظ فيه، منهم من زعم أنه من قول عائشة، ومنهم من زعم أنه من قول الزهري، ويشبه أن يكون مِن قول مَن دون عائشة
…
». ومال الدارقطني في «العلل» (3927) إلى أنه من قول عائشة رضي الله عنها.
ولفظ أكثر الروايات يحتمل أن يكون هذا الكلام مُدرجًا من قول الزهري، إلا رواية أبي داود من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، فإن فيها التصريحَ أن عائشة هي التي قالت ذلك. ولكن استضعف أبو داود هذا التصريح بقوله:«غير عبد الرحمن لا يقول فيه: (قالت: السنة). جَعَلَه قول عائشة» . وعبد الرحمن هذا متكلم فيه.
(3)
كما في «التعليقة» : (1/ 8). ورواه أيضًا عبد الرزاق (8017) وابن أبي شيبة (9766). وهذا الأثر وقع في س بعد قوله: «وقال الدارقطني» وسقط منه قوله: «جماعة مسجد» .
وفي لفظ للدارقطني
(1)
: «من السنة: لا اعتكاف إلا في مسجدِ جماعةٍ» .
وقال
(2)
: غير عبد الرحمن بن إسحاق: لا يقول فيه: «قالت: السنة» ، جعله قولَ عائشة.
وهذا قولُ عامَّة التابعين، ولم يُنْقَل عن صحابيٍّ خلافُه، إلا قول من خصّ الاعتكافَ بالمساجد الثلاثة أو
(3)
بمسجد نبيّ. فقد أجمعوا كلُّهم على أنه لا يكون في مسجدٍ لا جماعةَ فيه.
وأيضًا، فإن
(4)
المسجدَ موضعُ السجود ومحلُّه، وهذا الاسم إنما يتمّ له ويكمل إذا كان معمورًا بالسجود وبالصلاة فيه، أما إذا كان خرابًا معطَّلًا عن إقام الصلاة فيه، فلم يتمّ حقيقة المسجد له، وإنما يسمّى مسجدًا بمعنى أنه مهيّأٌ للسجود معدٌّ له، كما قد تسمَّى الدار الخالية مسكنًا ومنزلًا، ويُصان مما تُصان منه المساجد؛ لأنه مسجد وإن لم يتم المقصود فيه.
وبهذا يُعْلَم أن قولَه: {عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} إنما يُفْهَم منه المواضع التي فيها الصلاة والسجود.
(1)
«سنن الدارقطني» (2363).
(2)
القائل هو أبو داود في «سننه» عقب إخراجه للحديث (2473) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: «السنّة على المعتكف
…
ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع».
(3)
المطبوع: «و» .
(4)
سقطت من المطبوع.
وأيضًا، فإن الصلوات الخمس في الجماعة واجبةٌ كما تقدم بيانُه
(1)
، فلو جاز الاعتكاف في مسجد مهجور معطَّل، للزم إما ترك صلاة
(2)
الجماعة، وذلك غير جائز، وإما تَكْرار الخروج في اليوم والليلة لِمَا عنه مندوحة، وذلك غير جائز؛ لأن الاعتكاف هو لزوم المسجد، وأن لا يخرج منه إلا لِمَا لابدّ منه
…
(3)
وأيضًا فلو لم تكن الجماعةُ واجبةً، فإنها من أعظم العبادات، وهي أوكد من مجرَّد الاعتكاف الخالي عنها بلا ريب، والمداومة على تركها مكروهة كراهةً شديدة، فلو كان العكوفُ الخالي عنها مشروعًا لكان قد شُرِع التقرُّب إلى الله تعالى بما يُنْهَى فيه عن الجماعة، بل يَحْرُم فعلها معه، إذ الخروج من المعتكف لا يجوز، وهذا غير جائز
…
(4)
فأما اعتكافٌ لا يتضمّن وجوب جماعة، مثل أن يكون زمنه يسيرًا، لا يحضر فيه صلاة مكتوبة؛ فقال ابن عقيل وغيره: يصح في كلّ مسجد، إذ لا محذور فيه، فإنما اشترطنا مسجدًا تقام فيه الجماعة لأجل وجوبها، وهذا إذا صححنا اعتكافَ بعضِ يوم على المشهور في المذهب، وكذلك من لا يمكنه شهود الجماعة؛ لكونه في موضع لا تُقام فيه الجماعة.
وأما من يمكنه حضور الجماعة ولا يجب عليه كالمريض وغيره من المعذورين والعبد، ففيه وجهان:
(1)
ليس في القطعة الموجودة من كتاب الصلاة.
(2)
«صلاة» من س.
(3)
س: «بُدّ له منه» . وبعده بياض في النسختين.
(4)
بياض في النسختين