المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل(2)ولا يصح الصوم إلا بنية كسائر العبادات - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٣

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب الصيام

- ‌جِماعُ معنى الصيام في أصل اللغة:

- ‌مسألة(3): (ويجبُ صيامُ رمضانَ على كلِّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ قادرٍ على الصومِ، ويؤمَرُ به الصبيُّ إذا أطاقَه)

- ‌الفصل الثاني(1)أنه يجب على كلِّ مسلم عاقل بالغ قادر

- ‌الفصل الثالث(2)أنه لا يجب على الكافر، بمعنى أنه لا يُخاطَب بفعله

- ‌الفصل الرابع(5)أنه لا يجب على المجنون في المشهور من المذهب

- ‌الفصل الخامسأنه لا يجب على الصبيّ حتى يبلغ في إحدى الروايتين

- ‌الفصل السادس* أنه لا يجب الصوم إلا على القادر

- ‌مسألة(1): (ويجبُ بأحدِ ثلاثةِ أشياءَ: كمالِ شعبانَ، ورؤيةِ هلالِ رمضانَ، ووجودِ غَيمٍ أو قَتَرٍ ليلةَ الثلاثينَ يَحُولُ دونَه)

- ‌ لا يُحكم بدخول شهر من الشهور بمجرّد الإغمام إلا شهر رمضان

- ‌ جواب ثالث:

- ‌هل تُصلَّى التراويح ليلتئذٍ؟ على وجهين

- ‌مسألة(3): (وإذا رأى الهلالَ وحدَه، صام)

- ‌الرواية الثانية: لا يصوم إذا انفرد برؤيته ورُدَّت شهادته

- ‌مسألة(4): (فإن كان عدلًا صامَ الناسُ بقوله)

- ‌وتُصلّى التراويحُ ليلتئذٍ

- ‌مسألة(2): (ولا يُفطِر إلا بشهادة عَدْلَين)

- ‌مسألة(1): (وإذا صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يومًا، أفطروا. وإن كان بغيمٍ أو قولِ واحدٍ، لم يفطروا إلا أن يروه أو يُكْمِلوا العِدّة)

- ‌إن صاموا ثمانية وعشرين يومًا، وكانوا قد أكملوا(3)عِدّة شعبان لإصحاء السماء وكونهم لم يروه، فإنهم يقضون يومًا

- ‌إذا رأى هلالَ الفطر وحده لم يجز له أن يفطر

- ‌مسألة(4): (وإذا اشتبهت الأشْهُرُ على الأسيرِ تحَرّى وصام، فإن وافقَ الشهرَ أو بعدَه أجزأه، وإن وافقَ قبلَه لم يُجْزِئه)

- ‌فصل(2)ولا يصحّ الصوم إلا بنية كسائر العبادات

- ‌إن تردَّد في قَطْع الصوم، أو نوى أنه يقطعه فيما بعد؛ فهو على الخلاف في الصلاة

- ‌إن نوى نهارًا قبل يوم الصوم بليلة، ففيه روايتان:

- ‌بابُ(1)أحكامِ المفطرين في رمضان

- ‌مسألة(2): (ويُباحُ الفطرُ في رمضان لأربعةِ أقسام: أحدها: المريض الذي يتضرّر به، والمسافرُ الذي له القَصْر(3)، فالفطر لهما أفضل

- ‌في معنى المريض: الصحيحُ الذي يخاف من الصوم مرضًا أو جهدًا شديدًا

- ‌مسألة(4): (والثاني: الحائضُ والنّفَساءُ يُفطران ويقضيان، وإن صامتا لم يُجزئهما)

- ‌مسألة(2): (والثالث: الحاملُ والمرضعُ إذا خافتا على ولديهما، أفطَرَتا وقَضَتا وأطعَمَتا عن كُلّ يوم مسكينًا، وإن صامتا أجزأهما)

- ‌مسألة(1): (الرابع: العاجزُ(2)عن الصوم لكِبَر أو مرض لا يُرجى بُرؤه، فإنه يُطعَم عنه لكلّ يومٍ مسكين)

- ‌الفصل الثانيأنه لا كفّارة بالفطر في رمضان إلا بالجماع وأسبابه

- ‌الفصل الثالثأن الجماع في الفرج يوجب الكفّارة، وهذا كالمُجمَع عليه

- ‌وإن أمذى بالمباشرة، فعليه القضاء دون الكفّارة

- ‌مسألة(1): (فإن جامعَ ولم يُكفِّر حتى جامعَ ثانيةً، فكفّارة واحدة. وإن كفَّر ثم جامعَ فكفّارة ثانية، وكلُّ مَن لزمه الإمساكُ في رَمضان فجامعَ، فعليه كفّارة)

- ‌فصل(1)إذا جامعَ ونزع قبل الفجر، ثم أَمْنى بذلك بعد طلوع الفجر، فصومه صحيح

- ‌فصل(1)ولو احتلم الصائم في النهار في المنام، لم يفطر

- ‌مسألة(2): (ومن أخَّرَ القضاءَ لعذرٍ حتى أدركَه رمضانُ آخرُ، فليس عليه غيرُه، وإن فرَّطَ أطعمَ مع القضاءِ لكلّ يومٍ مِسكينًا)

- ‌ الفصل الثانيأنه ليس له أن يؤخِّره إلى رمضان آخر إلا لعذر

- ‌وإن أخَّره إلى الثاني لغير عذرٍ أثِمَ(4)، وعليه أن يصوم الذي أدركه، ثم يقضي الأول، ويطعم لكلّ يوم مسكينًا

- ‌فصل(2)ومَن عليه قضاء رمضان، لا يجوز أن يصوم تطوُّعًا

- ‌مسألة(2): (وإن تَرَك القضاءَ حتى مات لعذرٍ، فلا شيء عليه، وإن كان لغير عُذرٍ أُطعِم عنه لكلّ يومٍ مسكينًا(3)، إلا أن يكونَ الصومُ منذورًا فإنه يُصامُ عنه، وكذلك كلُّ نَذْر طاعةٍ)

- ‌المسألة الثانية(1): إذا فرّط في القضاء حتى مات قبل أن يدركه(2)الرمضانُ الثاني، فإنه يُطعَم عنه لكلّ يوم مسكين

- ‌المسألة الثالثة(1): أن الصومَ المنذورَ إذا مات قبل فعله، فإنه يُصام عنه، بخلاف صوم رمضان وصوم الكفّارة

- ‌فصل(3)ويُصام النذرُ عنه، سواء ترَكَه لعذر أو لغير عذر

- ‌وأما الصلاة المنذورة والقرآن والذكر والدعاء، فهل يُفعل بعد الموت؟ على روايتين

- ‌ بابما يفسد الصوم

- ‌مسألة(2): (ومَن أكَل أو شَرِب، أو استَعَط، أو أوْصَل(3)إلى جوفه شيئًا من أيّ موضعٍ كان، أو استقاء، أو استَمْنى، أو قبَّل أو لَمَس فأمْنَى أو أمذى، أو كرّرَ النظرَ حتى أنزل، أو حَجَم أو احتجم، عامدًا ذاكرًا لصومه فسَدَ، وإن فعله ناسيًا أو مُكرهًا لم يفسُد)

- ‌الفصل الثاني(2)أن الواصل إلى الجوف يُفَطِّر من أي موضع دخل

- ‌ومن ذلك أن يداوي المأمومةَ أو الجائفةَ بدواء يصل إلى الجوف لرطوبته

- ‌وأما ادّعاء النّسْخ، فلا يصح لوجوه:

- ‌فصل(3)ويفطِر بالحجامة في جميع البدن

- ‌الفصل السادس(1)أن من فعل هذه الأشياء ناسيًا لصومه لم يفطر

- ‌الفصل السابع(5)أن مَن فَعَلها مُكرَهًا لم يفسُد صومُه أيضًا

- ‌مسألة(1): (وإن طار إلى(2)حلقِه ذبابٌ أو غبار، أو مضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء، أو فكَّر فأنزل، أو قطَرَ في إحليله، أو احتلم، أو ذَرَعه القيء، لم يفسُد صومُه)

- ‌الفصل الثاني(2)إذا تمضمض أو استنشق ولم يزد على الثلاث ولم يبالغ، فسبقَه الماءُ فدخل في(3)جوفه، فإنه لا يُفطِر

- ‌فصل(3)وما يجتمع في فمه من الريق ونحوه إذا ابتلعه، لم يُفْطِر ولم يُكره له ذلك

- ‌وإن ابتلع نُخامة من صدره أو رأسه، فإنه يُكره. وهل يفطر؟ على روايتين:

- ‌أما القَلَس إذا خرج ثم عاد بغير اختياره، لم يفطِر(1)، وإذا ابتلعه عمدًا فإنه يفطر

- ‌فصل(1)وما يوضع في الفم من طعام أو غيره لا يفطّر

- ‌هل يكره السواك الرَّطْب؟ على روايتين

- ‌الفصل الثالث(5)إذا فكّر فأنزل، أو قطَرَ في إحليله، أو احتلم، أو ذَرَعه القيء، فإنه لا يفسد صومه

- ‌وتَكرار(7)النظر مكروه لمن تُحرّك شهوتَه بخلاف من لا تُحرّك شهوته

- ‌مسألة(1): (ومَن أكل يظنّه ليلًا فبانَ نهارًا، أفطر)

- ‌مسألة(1): (وإنْ أكَلَ شاكًّا في طلوع الفجر لم يفسُد صومُه، وإن أكَل شاكًّا(2)في غروب الشمس فسَدَ صومُه)

- ‌فصل(3)والسنةُ تعجيل الفطور

- ‌ويستحبّ أن يُفطر قبل الصلاة؛ لأن التعجيل إنما يحصل بذلك

- ‌فصل(4)والسّحور سُنَّة، وكانوا في أوّل الإسلام لا يحلّ لهم ذلك

- ‌ويجوز له أن يأكل ما لم يتبين طلوعُ الفجر، وإن كان شاكًّا فيه من غير كراهة

- ‌فصل(2)ويُكرَه الوصال الذي يسميه بعضُ الناس(3): الطيّ

- ‌فإن واصلَ إلى السّحَر، جاز(2)مِن غير كراهة

- ‌بابصيام التطوُّع

- ‌مسألة(1): (أفضلُ الصيامِ صيامُ داودَ عليه السلام، كان يصومُ يومًا ويُفطرُ يومًا)

- ‌مسألة(1): (وأفضلُ الصيامِ بعدَ شهرِ رمضانَ: شهرُ الله الذي تدعونه(2)المحرَّم)

- ‌فصل(4)ويُكره إفراد رجب بالصوم

- ‌مسألة(1): (وما مِن أيامٍ العملُ الصالحُ فيهنّ أحبُّ إلى الله عز وجل مِن عَشر ذي الحجة)

- ‌مسألة(5): (ومَن صامَ رمضانَ وأتْبَعه بستٍّ من شوّال، فكأنما صامَ الدّهْر)

- ‌مسألة(4): (وصومُ(5)عاشوراء كفَّارة سنة، وعَرَفة كفَّارة سنتين)

- ‌مسألة(2): (ولا يستحبُّ صومُه لمَنْ بعَرَفةَ)

- ‌فإن صام عاشوراء مفردًا، فهل يكره

- ‌مسألة(3): (ويُستحبُّ صيامُ أيامِ البيض)

- ‌مسألة(5): (والاثنين والخميس)

- ‌مسألة(2): (والصائمُ المتطوِّعُ أميرُ نفسِه، إن شاءَ صامَ وإن شاءَ أفطرَ، ولا قضاءَ عليه)

- ‌ الأحاديث التي فيها الأمر بالقضاء إن كانت صحيحة، فإنما هو أمر استحباب

- ‌فصلفي المواضع التي يُكْرَه فيها الفطر أو يستحبُّ أو يباح

- ‌مسألة(3): (وكذلك سائر التطوُّع، إلا الحجّ والعمرة؛ فإنه يجب إتمامُهما وقضاءُ ما أفْسَدَ منهما

- ‌الفرق بين الحجِّ والعمرة وغيرهما(3)من وجوه:

- ‌مسألة(2): (ونَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين: يومِ الفطر ويومِ الأضحى)

- ‌مسألة(2): (ونهى عن صوم أيام التشريق، إلا أنه أرْخَصَ في صومها للمتمتّع إذا لم يجد الهَدْي)

- ‌فصل(2)قال أصحابنا: ويُكره إفراد يوم النيروز ويوم(3)المهرجان

- ‌مسألة(1): (وليلةُ القَدْرِ في الوِتْر من(2)العشر الأواخر من رمضان)

- ‌لا نجزم لليلةٍ بعينها أنها ليلة القدر على الإطلاق، بل هي مبهمة في العشر

- ‌بابالاعتكاف

- ‌مسألة(1): (وهو لزوم المسجد(2)لطاعةِ الله فيه)

- ‌مسألة(5): (وهو سُنَّة، لا يجب إلّا بالنّذْرِ)

- ‌الفصل الثانيأنه ليس بواجب في الشرع(6)، بل يجب بالنذر

- ‌مسألة(2): (ويصحُّ من المرأة في كلّ مسجد، ولا يصح من الرجل إلا في مسجد تُقام فيه الجماعة. واعتكافُه في مسجدٍ تُقام فيه الجمعة أفضل)

- ‌أما الرَّحْبة: ففيها روايتان

- ‌الفصل الثالث(5)أنه لا يصح اعتكاف الرجل إلا في مسجد تُقام فيه الصلوات الخمس جماعة

- ‌الفصل الرابع(3)أن المرأة لا يصحّ اعتكافها إلا في المسجد المتخذ للصلوات الخمس

- ‌إن اعتكف بدون الصوم، فهل يصح؟ على روايتين:

- ‌وإذا نذَرَ أن يعتكف صائمًا أو وهو صائم، لزمه ذلك

- ‌المسألة الأولى: أنه(2)إذا نذَرَ الصلاةَ أو(3)الاعتكافَ في مسجد بعينه غير المساجد الثلاثة، فله فِعْل ذلك فيه وفي غيره من المساجد

- ‌ إذا صلى واعتكف في غير المسجد الذي عَيَّنه، فهل يلزمه كفارة يمين؟ على وجهين

- ‌المسألة الثانية: أنه إذا نذَرَ الصلاةَ أو(4)الاعتكاف في المسجد الحرام، لم يجزئه إلا فيه، وإن نَذَره في مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يجزئه إلا فيه أو في المسجد الحرام، وإن نذره في المسجد الأقصى لم يجزئه إلا في أحد الثلاثة

- ‌وإن نذَرَ اعتكافَ شهرٍ بعينه، دخل معتكفَه قبل غروب الشمس من أول ليلة من الشهر، فإذا طلع هلالُ الشهر الثاني، خرج من معتكفه

- ‌مسألة(2): (ويُسْتَحَبُّ للمعتكف الاشتغالُ بالقُرَب، واجتناب ما لا يَعْنيه مِن قولٍ أو(3)فِعل)

- ‌أما الصمت عن كلِّ كلام، فليس بمشروع في دين الإسلام

- ‌لا يجوز أن يجعل القرآن بدلًا عن(7)الكلام

- ‌مسألة(1): (ولا يخرجُ من المسجد إلا لِما لابدّ له منه، إلا أن يشترط)

- ‌مسألة(1): (ولا يباشِرُ امرأةً)

- ‌يبطل الاعتكافُ بالوطء، سواءٌ كان(2)عامدًا أو ناسيًا، عالمًا أو جاهلًا

- ‌أما النذر؛ فأربعة أقسام:

- ‌مسألة(1): (وإن سألَ(2)عَن المريضِ أو غيرِه في طريقهِ، ولم يُعَرِّج عليه جاز

- ‌فصلفي تفصيل الأسباب المبيحة للخروج وأحكامها

- ‌أحدها: الخروج لحاجة الإنسان من البول والغائط، وهو في خروجه في حُكم المعتكف

- ‌إذا خرج لحاجة الإنسان، فدخل في طريقه إلى مسجد آخر لِيُتمَّ فيه بقية اعتكافه، جاز

- ‌أما المُسْتحاضة، فإنها تقيم في المسجد

الفصل: ‌فصل(2)ولا يصح الصوم إلا بنية كسائر العبادات

- صلى الله عليه وسلم: «إذا اختلفَتْ أعيادُهم، فضحّى أهلُ كلّ بلد خلافَ أهلِ هذا البلد، وأهلُ هذا البلد خلافَ أهلِ هذا البلد» قال: «يا عائشة! عيدُ كلّ قومٍ يوم يعيّدون»

(1)

.

قيل: قوله: «عيدُ كلِّ قوم يوم يعيِّدون» كقوله: «صومُكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحُّون» ، وذلك لا يمنع وقوع الخطأ في الهلال، فإنه قد يفطر الناس بعد الرؤية بيوم أو قبلها إذا شهد به شاهد، وإنما المقصود به أن الحكم مبنيّ على ما ظهر، وأن العيد هو الاجتماع للصلاة والنُّسُك؛ ففي أيّ يومٍ حصل هذا فهو يوم عيد، واليوم الذي يخلو عن هذا ليس يوم عيد، وإن كان عاشر الشهر.

فيفيد هذا أن أهلَ مكة إذا أخطؤوا فوقفوا في الثامن أو العاشر، صح نُسُكهم، وأما سائر الأمصار إذا رأى الهلالَ أهلُ بلد، ولم يره الآخرون إلا بعد يوم؛ فأكثر ما فيه أنهم أخّروا التضحيةَ إلى ثاني النحر، وذلك جائز، والحديث لم يجئ إلا في عيد النحر، ثم لو عيّد قومٌ اليومَ، وآخرون غدًا، لم يكن فيه إلا صوم يوم خطأ، وذلك لا محذور فيه، بخلاف الخطأ في فِطْر يوم، فإنه يوجب القضاء.

‌فصل

(2)

ولا يصحّ الصوم إلا بنية كسائر العبادات

؛ لقوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5].

(1)

لم أجد من أخرجه.

(2)

ينظر «المستوعب» : (1/ 406 - 407)، و «المغني»:(4/ 330 - 333)، و «الفروع»:(4/ 451 - 454)، و «الإنصاف»:(7/ 390 - 396).

ص: 136

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات»

(1)

.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلّ عمل ابن آدمَ له إلا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به، يدعُ طعامَه وشهوتَه مِن أجلي»

(2)

.

فمَن لم يَذَر طعامَه وشهوتَه لله فليس بصائم.

والنية

(3)

.

وفيها مسألتان: تبييتُ النية وتعيينُها.

أما تبييت النية

(4)

: فإن الصومَ الواجبَ الذي وجب الإمساك فيه من أول النهار لا يصحّ إلا بنية من الليل، سواء في ذلك ما تعيَّن زمانُه كأداء رمضان والنذر المعيَّن، وما لم يتعين كالقضاء والكفارة والنذر المطلق.

قال أحمد في رواية أبي طالب: الفرض والقضاء والنذر يُجْمَع عليه من الليل، فإن لم يُجْمَع عليه من الليل فلا صوم.

وقال في رواية الميموني: ويحتاج في رمضان أن يُبيّت الصيام من الليل، فلو أن رجلًا حَمِق، فقال: لا أصوم غدًا، ثم أصبح فقال: أصوم! لا يجزئه عندي.

[ق 28] وسواء ترك التبييتَ لغير عذرٍ كالمستحمق أو لعذر، مثل أن

(1)

أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).

(2)

أخرجه البخاري (5927)، ومسلم (1151) وقد تقدم.

(3)

بياض في النسختين. وينظر «المغني» : (4/ 222 - 223)، و «الفروع»:(4/ 427 - 428).

(4)

س: «أما التبييت» .

ص: 137

يُغمى عليه أو يَجْهل أن ذلك اليوم من رمضان.

قال في رواية الأثرم: إذا لم يعزموا الصيام في أول الشهر، فأصبحوا على غير صوم، ثم تبيّن لهم أنه من رمضان، فصاموا بقية يومهم، فيقضون يومًا مكانه، وإن كانوا لم يأكلوا؛ لأنه لا صيام لمن لم يُجْمَع الصيام من الليل.

وهذا إنما هو في الفرض، وابن عمر إنما أصبح صائمًا حين حال دون منظره، ويعتدّ به ويجزئه، وإذا لم يكن علّة قال: يصبح عازمًا على الفطر.

وقال في الأسير إذا صام في أرض الحرب وهو لا يعلم أنه شهر رمضان ينوي به التطوُّع: لا يجزئه من شهر رمضان إلا بعزيمةِ أنه من رمضان. وهؤلاء يقولون: يجزئه، وكيف يجزئه وهو لا يجزئه في يوم الشكّ إذا أصبح ولم يأكل، ولا يجزئه يوم الشكّ إلا بعزيمةٍ من الليل؟!

وذَكَر قولَ النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم

(1)

يُجْمع الصيامَ من الليل قبل الفجر الزهريّ، عن سالم، عن ابن عمر، عن حفصة

(2)

.

وذلك لما روى يحيى بن أيوب وغيرُه، عن عبد الله بن أبي بكر بن عَمرو بن حزم، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«مَن لم يُجمِع الصيامَ قبل الفجر فلا صيامَ له» رواه الخمسة

(3)

.

(1)

سقطت من المطبوع.

(2)

كذا هذا الإسناد في النسختين، وأخشى أنه مقحم أو مكرر، لأن المؤلف سيذكره بعده في السياق نفسه.

(3)

أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على «المسند» (26457)، وأبو داود (2454)، والترمذي (730)، والنسائي (2331، 2332)، وابن ماجه (1700).

قال الترمذي في «العلل الكبير» (ص 118): «حديث فيه اضطراب ، والصحيح عن ابن عمر موقوف» . ورجح الأئمة الحفاظ كالنسائي وأبي داود وأبي حاتم الرازي والدارقطني وقفه على حفصة. ينظر «الكبرى» للنسائي (2661)، و «العلل» لابن أبي حاتم (3/ 9). وقال الدارقطني في «العلل»:(15/ 194): «رفعه غير ثابت» . وصححه ابن خزيمة (1933) وابن حبان والحاكم مرفوعًا، والألباني في «صحيح أبي داود - الأم» (7/ 213). وينظر «تحفة الأشراف»:(11/ 284)، و «تنقيح التحقيق»:(3/ 181 - 183)، و «البدر المنير»:(5/ 651).

ص: 138

وفي لفظ للنسائي

(1)

: «مَن لم يبيّت الصيامَ» .

وفي لفظ لعبد الله بن أحمد وابن ماجه والدارقطني

(2)

: «لا صيامَ لمَن لم يَفْرِضْه مِن الليل» . وفي لفظ لهم: «لمَن لم يُورِّضه»

(3)

.

قال الترمذي: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله، وهو أصح. وقال الدارقطنيّ: رفَعَه عبدُ الله بن أبي بكر عن الزهري، وهو من الرفعاء. وقال ابن عبد البر: هذا حديث مُرِّض في إسناده، ولكنه أحسن ما روي مرفوعًا في هذا الباب. اهـ.

وقد رواه النسائي

(4)

من حديث ابن جُريج، عن الزهري مرفوعًا كذلك.

ورواه حرب من حديث إسماعيل، عن الزهري، عن حمزة بن

(1)

(2331).

(2)

«المسند» (26457)، وابن ماجه (1700)، والدارقطني (2215).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (9204)، ومن طريقه الدارقطني (2214). ومعنى يورضه: يهيّئه. و «لم» سقطت من المطبوع.

(4)

(2334).

ص: 139

عبد الله بن الزبير، عن حفصة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صيامَ من لم يوجِبْه بالليل»

(1)

.

ورواه أيضًا من حديث عُبيد الله بن عمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن حفصة أنها كانت تقول. موقوفًا

(2)

.

ورواه أيضًا من حديث مَعْمَر بن راشد ويونس

(3)

وابن عيينة، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله

(4)

بن عمر، عن أبيه، عن حفصة موقوفًا

(5)

.

ورواه مالك، عن الزهري، عن عائشة وحفصة قولها

(6)

.

ورواه مالك وعُبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يقول: «لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر»

(7)

.

والذي يقوّي رفعَه أشياء:

أحدها: أنّ الذي رفعَه عن الزهريّ رجلٌ جليل القدر سمع منه قديمًا، وقد تابعه غيرُه، والذين وقفوه سمعوه

(8)

منه بعد ذلك، ومعلوم أن رفعه

(1)

ذكر روايته الدارقطني في «العلل» : (15/ 194) وهي منكرة لمخالفتها رواية الثقات عن الزهري.

(2)

أخرجه النسائي في «الكبرى» (2656).

(3)

في النسختين: «معمر بن يونس» تحريف.

(4)

ق والمطبوع: «عبيد الله» خطأ.

(5)

أخرجها تباعًا النسائي في «الكبرى» (2657، 2658، 2859).

(6)

أخرجه النسائي في «الكبرى» (2662).

(7)

أخرجه النسائي في «الكبرى» (2663، 2664).

(8)

س: «سمعوا» .

ص: 140

زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، لاسيما وسماع صاحب الزيادة متقدِّم، فعُلِم أن الزهريّ ترك رفعَه في آخر عمره، إما نسيانًا أو شكًّا أو غير ذلك.

ومنها: أن هذا الحديث كان عند الزهري عن عائشةَ وعن حفصةَ، وكان عنده عن سالم، عن ابن عُمر وعن

(1)

حمزة، عن ابن عمر. وهذا

(2)

ليس بغريب من الزهري؛ فإن الحديثَ كان يكون عنده من عدّة جهات، يرويه كلّ وقتٍ عن بعض شيوخه، وإذا كان كذلك أمكن أن يكون عنده مرفوعًا وموقوفًا.

ومنها: أن احتجاج أحمد به يدلّ على صحة رفعه عنده.

قال أبو بكر عبد العزيز: صحّ الحديثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا صيام لمَنْ لم

(3)

يُجْمِع الصيامَ من

(4)

الليل».

ومنها: أنه قول عائشة وحفصة وابن عمر، ولا يُعرف لهم مخالف من الصحابة.

وعائشة تروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يُنشئ صومَ التطوع نهارًا» كما سيأتي

(5)

. فلولا أن عندها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك سُنة؛ لما فرّقت بين الفرض والنفل.

(1)

بعده في ق: «حفصة» ، وهي مضروب عليها في س، وهو الصواب.

(2)

في النسختين والمطبوع: «ولهذا» ، والصحيح ما أثبت.

(3)

سقطت من س.

(4)

سقطت من المطبوع.

(5)

(ص 144).

ص: 141

قال الميموني سألت أحمد عنه؟ فقال: أخبرك ما له عندي ذاك الإسناد؛ إلا أنه عن ابن عمر وحفصة إسنادان جيدان

(1)

.

وقد روى الدارقطني

(2)

عن يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عَمرة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَن لم يبيِّت الصيامَ قبل طلوع الفجر فلا صيام له» . وقال: كلهم ثقات.

وروى أيضًا

(3)

عن ميمونة بنت سعد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أجمع الصيامَ من الليل فليصُم، ومَن أصبحَ ولم يُجْمِعه فلا يَصُم» وفي إسناده الواقدي.

وأيضًا: فإن الصوم الواجب هو الإمساك من أول النهار إلى آخره، فإذا خلا أوله عن النية فقد خلا بعضُ العبادة الواجبة عن النية، ذكرًا واستصحابًا، وذلك لا يجوز، ولأنه إذا لم يعقد

(4)

الصومَ أول النهار لم يكن ممتثلًا للأمر بصومه؛ لأن امتثال الأمر بدون القصد لا يصح؛ فإذا لم يكن ممتثلًا للأمر بقي في عُهْدة الأمر قوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ

} [البقرة: 187]، وكونه معذورًا لا يقتضي أن يُحْكَم له بما لم يفعله، لكن يقتضي سقوط الإثم عنه، ويجزئه [ق 29] القضاء كما لو لم يعلم به إلا بعد الزوال.

(1)

الظاهر أن الإمام أحمد يريد الموقوف عليهما.

(2)

(2213).

(3)

(2218) وفي إسناده الواقدي كما قال المؤلف، وهو متروك.

(4)

في النسختين والمطبوع: «يعتقد» والصواب ما أثبت.

ص: 142

ولأنه صوم واجب، فلم يصح إلا بنية من الليل، كصوم الكفارة والقضاء والنذر المطلق، ولا يصح أن يقال: هناك لم يتعيَّن زمانُه فلا بدَّ من النية، بخلاف صوم رمضان والنذر المعيَّن؛ لأن التعيين لو كان كافيًا لكفى مجرَّد الإمساك بدون النية، ولم تفترق الحال بين ما قبل الزوال وبين ما بعده.

فإن قيل: فقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء أن يصوموا بنية من النهار، وكان صومًا واجبًا، ولولا أن الواجب يصح بنية من النهار لم يجزئهم.

قيل: لا نسلِّم أن صوم يوم عاشوراء كان واجبًا على ما يختاره كثير من أصحابنا، وعلى القول الآخر؛ فذاك إنما ابتدأ الله إيجابه من النهار، ولم يكن واجبًا عليهم من الليل، بخلاف صوم رمضان فإنه واجب من أول النهار، وإن لم يعلم بالزمان، وليس لنا صوم يوجبه الله ابتداءً في أثناء النهار.

نعم، أشبه شيء بهذا أن يُسلم الكافرُ أو يَفيق المجنون أو يحتلم الصبيُّ في أثناء النهار؛ فيجب عليه الصوم من حينئذ إذ

(1)

في المشهور عنه.

وأيضًا: فإن هذا لو ثبت؛ لكان في صوم عاشوراء، وذاك صوم منسوخ؛ فلا يلزم من ثبوت الحكم فيه ثبوتُه في الصوم المحكم؛ لجواز أن يكون ثبت وجوبه بصفةٍ تخالف صوم رمضان، لاسيما وقد كانوا في أول ما فُرِض رمضان عليهم يُخيَّر أحدهم بين أن يصوم وبين أن يفتدي بطعام مسكين عن كل يوم؛ لأنهم لم يكونوا قد اعتادوا الصومَ، فخفف عنهم في أول الأمر، ثم أُحْكِمت الفرائض.

فإن كان الواجب قد يجزئ بنية من النهار، فلعله في ذلك الوقت.

(1)

كذا! ولعلها مقحمة.

ص: 143

ثم إن قوله: «لا صيام لمَنْ لم يبيِّت الصيامَ من الليل» حديث متأخر عن صوم عاشوراء، فيكون ناسخًا له لو اجتمعا في صوم واحد، فكيف إذا كان ذلك في الصوم المنسوخ؟! لأن راويه حفصة وإنما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم[سنة ثلاثٍ من الهجرة]

(1)

وحديث عاشوراء كان في أول السنة الثانية من الهجرة.

فأما الصوم التطوع فيجزئ بنية من النهار، نصَّ عليه في غير موضع؛ لما رُوي عن عائشة قالت: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال:«هل عندكم من شيء؟» فقلنا: لا. قال: «فإني إذًا صائم» . ثم أتانا يومًا آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فقال:«أدنيه، فلقد أصبحتُ صائمًا» رواه الجماعة إلا البخاري

(2)

، وفي بعض الروايات

(3)

: فقال: «فإني صائم» ولم يقل: «إذًا» .

وهذا يدلّ على أنه أنشأ الصومَ من النهار؛ لأنه قال: «فإني صائم» وهذه الفاء تفيد السبب والعلة، فيصير المعنى: إني صائم لأنه لا شيء عندكم.

ومعلوم أنه لو كان قد أجْمَعَ الصومَ من الليل لم يكن صومه لهذه العلة.

وأيضًا فقوله: «فإني إذًا صائم» و «إذًا» أصْرَح في التعليل من الفاء.

وأيضًا: فإن الظاهر من حال من أجْمَعَ الصيامَ من الليل أن لا يجيء سائلًا عن الغداء، وإنما يسأل عن الغداء المُفْطِر أو المتلوِّم.

(1)

انقطع الكلام في النسختين، والإكمال مقترح.

(2)

أخرجه أحمد (24220، 25731)، ومسلم (1154)، وأبو داود (2455)، والترمذي (733، 734)، والنسائي (2326)، و ابن ماجه (1701)، وينظر «تحفة الأشراف»:(12/ 401 - 402).

(3)

وهي رواية مسلم.

ص: 144

وذكر إسحاق بن إبراهيم الحنظلي

(1)

هذا الحديثَ، فقال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة، فقال:«أطعمينا شيئًا» . فقالت: ما عندنا، قال:«فأشْهِدُكم إني صائم يومي هذا» . قال: فنوى الصيامَ بعد مضيّ بعض اليوم.

وأيضًا: قال البخاري

(2)

: وقالت أمُّ الدرداء: كان أبو الدرداء يقول: عندكم [طعام]

(3)

؟ فإن قلنا: لا. قال: فإني صائم يومي هذا.

قال: وفعَلَه أبو طلحة، وأبو هريرة، وابن عباس، وحذيفة

(4)

.

وذكره ابنُ عبد البر

(5)

عن عليّ وابن مسعود وأنس. وذكره إسحاقُ عن معاذ بن جبل

(6)

عن سعيد بن المسيب قال: «رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق، ثم يأتي أهله،

(1)

في «مسنده» (1023).

(2)

في «الصحيح» : (3/ 29). ووصله عبد الرزاق (7774 - 7776)، وابن أبي شيبة (9199، 9202) من طرق عن أم الدرداء.

(3)

سقطت من النسختين.

(4)

وصل هذه الآثار عبد الرزاق (4/ 273 - 274)، والبيهقي:(4/ 204) وابن حجر في «التغليق» : (3/ 145 - 147)، ما عدا أثر ابن عباس فوصله الطحاوي في «شرح معاني الآثار»:(2/ 56).

(5)

في «الاستذكار» : (3/ 286). وقد وصله عنهم ابن أبي شيبة (9175 - 9177)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار»:(2/ 56).

(6)

بياض في النسختين. وأثر معاذ أخرجه عبد الرزاق (7777)، وابن أبي شيبة (9201، 9203) من طرق منقطعة يقوّي بعضُها بعضًا. وإسحاق هو ابن راهويه، ولعله ذكره في مسنده، وليس في القطعة المطبوعة منه.

ص: 145

فيقول: هل عندكم شيء؟ فإن قالوا: لا. قال: فأنا صائم» رواه أبو عاصم

(1)

.

وهذا يفسِّر حديثَ حفصة: أن المراد بذلك الحديث الصوم الواجب، لا سيما وعائشة تروي هذا الحديث وهي تقول:«لا صيام لمن لم يُجْمِع الصيامَ من الليل» .

ولأن صيام عاشوراء لم يكن واجبًا في المشهور لأصحابنا، وقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بصومه من النهار، ولأن بعض الواجبات يجوز أن يكون يُتَطوَّع به كما يتطوَّع بالقراءةِ والتسبيحِ من أركان الصلاة، والطوافِ من أركان الحج؛ ولأن النافلةَ يُخَفَّف فيها ما لا يُخَفَّف في الفريضة، بدليل أن نفل الصلاة يصح قاعدًا أو على الراحلة توسعةً للنافلة، فجاز أن يوسع التنفل بالصوم بنية من النهار.

فعلى هذا يجوز التطوُّع بنية من النهار قبل الزوال وبعده، نصَّ عليه في رواية الميموني، وقد سأله عن الذي ينوي الصيام بعد الفجر: أليس يتأوَّل حديثَ النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاهم فقال: «هل عندكم طعام؟» بعدما تعالى النهار؟ قال: نعم. ويتأوَّلُ حديثَ حذيفة بعدما زالت الشمس؟ ورأيتُه يذهب إلى هذا ما لم يكن فرضًا.

ولذلك أطلق الإجزاء بنيةٍ من النهار في رواية أبي طالب وغيره، وأطلقه الخِرَقي

(2)

وغيره، وعلى هذا أصحابنا مثل ابن أبي موسى

(3)

والقاضي في آخر قوليه.

(1)

ومن طريقه أخرجه البيهقي: (4/ 204) والحافظ في «التغليق» : (3/ 146).

(2)

في «المختصر» (ص 52).

(3)

في «الإرشاد» (ص 146).

ص: 146

وذكر ابن عقيل وغيره في هذه المسألة روايتين: إحداهما

(1)

: كذلك، والثانية: لا يجزئ نية بعد الزوال. قال: وهي أصح

(2)

الروايتين.

وهذا اختيار القاضي في [ق 30]«المجرَّد» ؛ لأن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء في صدر النهار، ولا يمكن إلحاق ما بعد الزوال به؛ لأنه إذا نوى أول النهار فقد حصل معظم اليوم منويًّا، فجاز أن يقوم مُقام الجميع، كما لو أدرك الإمامَ راكعًا؛ فإنه يحسب له جميع الركعة، بخلاف ما إذا نوى بعد الزوال. ولأن الإمساك أول النهار أمرٌ معتادٌ، فإذا لم يصادفه النية لم يقدح ذلك فيه، بخلاف الإمساك آخره فإنه بخلاف المعتاد؛ فإذا لم ينو ذهب الإمساك المقصود في الصوم باطلًا، لهذا يكره للصائم الاستياك بالعشي، ولم يكره له أول النهار.

فعلى هذا يصح قبل الزوال قولًا واحدًا على ما ذكره القاضي وعامة أصحابنا.

ومنهم من قال: إنما يصح قبل انتصاف النهار الذي أوله طلوع الفجر، وذلك قريب من آخر الساعة الخامسة؛ لأن النهار الذي يجب صومه من طلوع الفجر، فإذا لم تقع النيةُ قبل مضيِّ نصفه لم يكن أكثر زمان الصوم منويًّا.

ووجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صام بنيّةٍ من النهار، ولا فرق بين أوله وآخره.

(1)

س: «أحدهما» .

(2)

في النسختين: «أصح في» والظاهر أنها مقحمة سهوًا.

ص: 147

وقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي

(1)

: الأكثرون على أنه يجوز، وإن لم ينو إلا بعد نصف النهار، منهم عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان ومعاذ بن جبل، رأوا إن لم ينو ليلًا أن يصوم في نهاره، يعني: ينوي أيَّ وقتٍ شاء، ولو كان بعد الزوال أيضًا، وهذا أعدل الأقوال عندنا وأشبه بسنة محمد صلى الله عليه وسلم.

عن المستورد بن الأحنف: أن رجلًا صلى مع عبد الله بن مسعود الظهر، فسأله، فقال: إني جئتُ في طلب غريم لي، فأصبحت، فلا أنا صائم ولا أنا مفطر. فقال: أنت بالخيار، إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر. رواه حرب

(2)

.

فصل

قال أحمد في رواية أبي طالب: من صام فرضًا أو قضاءً أو نذرًا أجْمَع عليه من الليل، ابن عمر وحفصة يقولان:«مَن أجمع من الليل صام، ومن لم يُجْمِع من الليل فلا صوم» .

وحديث طلحة بن يحيى، عن مجاهد، عن عائشة: دخل عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم، فقال:«هل عندكم من شيء؟» . قلنا: لا. قال: «فإني صائم» . ثم جاءنا يومًا آخر، فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيس، فخبأنا لك منه، فقال:«أدنيه، فقد أصبحتُ صائمًا» فأكل

(3)

.

فهذا في التطوع ويُكْتَب له بقية يومه.

(1)

لعله ذكره في «مسنده» ، وليس في القطعة المطبوعة منه.

(2)

ورواه أيضًا الشافعي في «الأم» : (8/ 507) والطحاوي في «معاني الآثار» : (2/ 56).

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 148

وإذا أجمع من الليل كان له يومه، وسواء على هذا نوى قبل الزوال أو بعده، وهذا قول

(1)

وقال القاضي وأبو الخطاب

(2)

: يُحكم له بالصوم الصحيح الشرعي المُثاب عليه من أول النهار، لا من وقت النية، سواء نوى قبل الزوال أو بعده؛ لأن صوم بعض النهار لا يصح، بدليل ما لو نواه بعد الأكل، أو أراد الفطر في أثناء اليوم. فإذا صحّت

(3)

نيتُه من أثناء النهار عُلِم أن صومه تام، فيُكْتَب له ثواب يوم تامّ.

وقد تنعطف النيةُ على ما مضى؛ كالكافر إذا أسلم؛ فإنه يُثاب على ما تحمَّله من الحسنات حال كفره، ولأنه لو كان صومه من حين النية؛ لوجب أن يجوز الأكل قبلها؛ بدليل أن وقت الفجر لمَّا كان أول وقت الصوم الذي يُثاب عليه، جاز له الأكل قبل طلوعه، فلما ثبت أنه لا يجوز أن يأكل ضحوةً ثم ينوي

(4)

الصومَ الآكلُ؛ ثبت أن ما مضى من النهار قبل الصوم صوم صحيح.

والمنصوص أصح، وهو اختيار أبي محمد

(5)

؛ لأن الإمساك صدر النهار كان بغير نية، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى، فكيف يُثاب على إمساكٍ لم يقصده ولم ينوه!؟ وكونه صام اليومَ كلَّه لا يوجب أن يُثاب عليه كلَّه، وإنما

(1)

بياض في النسختين.

(2)

«الهداية» (ص 157).

(3)

في النسختين: «صح» والصواب ما أثبت.

(4)

في النسختين: «لم ينو» ، والصواب ما أثبت.

(5)

في «المغني» : (4/ 342).

ص: 149

يثاب فيما ابتَغَى وجهَ الله منه، هذا إذا سلّمنا أنه صام أوَّله، وإلا فالحقيقة أنه لا يوقَع عليه اسمُ الصوم إلا من حين النية، ونجعله قد صام بعض يوم، وما تقدَّم من الإمساك يشرط بصوم

(1)

بعضه، وإن سُمّي فيه صائمًا فعلى المعنى اللغوي لا على المعنى الشرعي.

أما إذا أكل، فقال أصحابنا: لا يصح صومُه بحال.

وقال القاضي: قول النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء: «ومن أكَلَ فليُمْسِك» على طريق الاستحباب، وقولهم: الإمساك في يوم لا يجب صومه لا يكون قُربة ليس بصحيح؛ لأن هذا يومٌ شريف فيه فضل، فالإمساك فيه قُرْبة

(2)

فعلى هذا مَن أكل معتقدًا أنه ليس بيوم شريف، ثم تبين له بخلافه، فإنه يُمْسِك ويُثاب

(3)

.

فإن كان أول النهار ممن لا يصحّ صومُه كالكافر والحائض، لم يصح صومه إذا أسلم أو انقطع الدم، كما لو كان قد أكل في أول النهار.

فصل

(4)

وتصح النية في جميع ليلة الصوم، ولا يجب استصحاب ذكرها، بل يكفي

(5)

استصحابُ حكمها إلى آخر النهار، ما لم يفسخها.

(1)

كذا، ولعلها:«لصوم» .

(2)

بياض في النسختين.

(3)

بعده بياض في النسختين، مع كون الكلام تامًّا فيما يظهر.

(4)

ينظر «المغني» : (4/ 335 - 336).

(5)

ق: «ويكفي» .

ص: 150