الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- صلى الله عليه وسلم: «إذا اختلفَتْ أعيادُهم، فضحّى أهلُ كلّ بلد خلافَ أهلِ هذا البلد، وأهلُ هذا البلد خلافَ أهلِ هذا البلد» قال: «يا عائشة! عيدُ كلّ قومٍ يوم يعيّدون»
(1)
.
قيل: قوله: «عيدُ كلِّ قوم يوم يعيِّدون» كقوله: «صومُكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحُّون» ، وذلك لا يمنع وقوع الخطأ في الهلال، فإنه قد يفطر الناس بعد الرؤية بيوم أو قبلها إذا شهد به شاهد، وإنما المقصود به أن الحكم مبنيّ على ما ظهر، وأن العيد هو الاجتماع للصلاة والنُّسُك؛ ففي أيّ يومٍ حصل هذا فهو يوم عيد، واليوم الذي يخلو عن هذا ليس يوم عيد، وإن كان عاشر الشهر.
فيفيد هذا أن أهلَ مكة إذا أخطؤوا فوقفوا في الثامن أو العاشر، صح نُسُكهم، وأما سائر الأمصار إذا رأى الهلالَ أهلُ بلد، ولم يره الآخرون إلا بعد يوم؛ فأكثر ما فيه أنهم أخّروا التضحيةَ إلى ثاني النحر، وذلك جائز، والحديث لم يجئ إلا في عيد النحر، ثم لو عيّد قومٌ اليومَ، وآخرون غدًا، لم يكن فيه إلا صوم يوم خطأ، وذلك لا محذور فيه، بخلاف الخطأ في فِطْر يوم، فإنه يوجب القضاء.
فصل
(2)
ولا يصحّ الصوم إلا بنية كسائر العبادات
؛ لقوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5].
(1)
لم أجد من أخرجه.
(2)
ينظر «المستوعب» : (1/ 406 - 407)، و «المغني»:(4/ 330 - 333)، و «الفروع»:(4/ 451 - 454)، و «الإنصاف»:(7/ 390 - 396).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات»
(1)
.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلّ عمل ابن آدمَ له إلا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به، يدعُ طعامَه وشهوتَه مِن أجلي»
(2)
.
فمَن لم يَذَر طعامَه وشهوتَه لله فليس بصائم.
والنية
…
(3)
.
وفيها مسألتان: تبييتُ النية وتعيينُها.
أما تبييت النية
(4)
: فإن الصومَ الواجبَ الذي وجب الإمساك فيه من أول النهار لا يصحّ إلا بنية من الليل، سواء في ذلك ما تعيَّن زمانُه كأداء رمضان والنذر المعيَّن، وما لم يتعين كالقضاء والكفارة والنذر المطلق.
قال أحمد في رواية أبي طالب: الفرض والقضاء والنذر يُجْمَع عليه من الليل، فإن لم يُجْمَع عليه من الليل فلا صوم.
وقال في رواية الميموني: ويحتاج في رمضان أن يُبيّت الصيام من الليل، فلو أن رجلًا حَمِق، فقال: لا أصوم غدًا، ثم أصبح فقال: أصوم! لا يجزئه عندي.
[ق 28] وسواء ترك التبييتَ لغير عذرٍ كالمستحمق أو لعذر، مثل أن
(1)
أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).
(2)
أخرجه البخاري (5927)، ومسلم (1151) وقد تقدم.
(3)
بياض في النسختين. وينظر «المغني» : (4/ 222 - 223)، و «الفروع»:(4/ 427 - 428).
(4)
س: «أما التبييت» .
يُغمى عليه أو يَجْهل أن ذلك اليوم من رمضان.
قال في رواية الأثرم: إذا لم يعزموا الصيام في أول الشهر، فأصبحوا على غير صوم، ثم تبيّن لهم أنه من رمضان، فصاموا بقية يومهم، فيقضون يومًا مكانه، وإن كانوا لم يأكلوا؛ لأنه لا صيام لمن لم يُجْمَع الصيام من الليل.
وهذا إنما هو في الفرض، وابن عمر إنما أصبح صائمًا حين حال دون منظره، ويعتدّ به ويجزئه، وإذا لم يكن علّة قال: يصبح عازمًا على الفطر.
وقال في الأسير إذا صام في أرض الحرب وهو لا يعلم أنه شهر رمضان ينوي به التطوُّع: لا يجزئه من شهر رمضان إلا بعزيمةِ أنه من رمضان. وهؤلاء يقولون: يجزئه، وكيف يجزئه وهو لا يجزئه في يوم الشكّ إذا أصبح ولم يأكل، ولا يجزئه يوم الشكّ إلا بعزيمةٍ من الليل؟!
وذَكَر قولَ النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم
(1)
يُجْمع الصيامَ من الليل قبل الفجر الزهريّ، عن سالم، عن ابن عمر، عن حفصة
(2)
.
وذلك لما روى يحيى بن أيوب وغيرُه، عن عبد الله بن أبي بكر بن عَمرو بن حزم، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«مَن لم يُجمِع الصيامَ قبل الفجر فلا صيامَ له» رواه الخمسة
(3)
.
(1)
سقطت من المطبوع.
(2)
كذا هذا الإسناد في النسختين، وأخشى أنه مقحم أو مكرر، لأن المؤلف سيذكره بعده في السياق نفسه.
(3)
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على «المسند» (26457)، وأبو داود (2454)، والترمذي (730)، والنسائي (2331، 2332)، وابن ماجه (1700).
قال الترمذي في «العلل الكبير» (ص 118): «حديث فيه اضطراب ، والصحيح عن ابن عمر موقوف» . ورجح الأئمة الحفاظ كالنسائي وأبي داود وأبي حاتم الرازي والدارقطني وقفه على حفصة. ينظر «الكبرى» للنسائي (2661)، و «العلل» لابن أبي حاتم (3/ 9). وقال الدارقطني في «العلل»:(15/ 194): «رفعه غير ثابت» . وصححه ابن خزيمة (1933) وابن حبان والحاكم مرفوعًا، والألباني في «صحيح أبي داود - الأم» (7/ 213). وينظر «تحفة الأشراف»:(11/ 284)، و «تنقيح التحقيق»:(3/ 181 - 183)، و «البدر المنير»:(5/ 651).
وفي لفظ للنسائي
(1)
وفي لفظ لعبد الله بن أحمد وابن ماجه والدارقطني
(2)
: «لا صيامَ لمَن لم يَفْرِضْه مِن الليل» . وفي لفظ لهم: «لمَن لم يُورِّضه»
(3)
.
قال الترمذي: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله، وهو أصح. وقال الدارقطنيّ: رفَعَه عبدُ الله بن أبي بكر عن الزهري، وهو من الرفعاء. وقال ابن عبد البر: هذا حديث مُرِّض في إسناده، ولكنه أحسن ما روي مرفوعًا في هذا الباب. اهـ.
وقد رواه النسائي
(4)
من حديث ابن جُريج، عن الزهري مرفوعًا كذلك.
ورواه حرب من حديث إسماعيل، عن الزهري، عن حمزة بن
(1)
(2331).
(2)
«المسند» (26457)، وابن ماجه (1700)، والدارقطني (2215).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (9204)، ومن طريقه الدارقطني (2214). ومعنى يورضه: يهيّئه. و «لم» سقطت من المطبوع.
(4)
(2334).
عبد الله بن الزبير، عن حفصة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صيامَ من لم يوجِبْه بالليل»
(1)
.
ورواه أيضًا من حديث عُبيد الله بن عمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن حفصة أنها كانت تقول. موقوفًا
(2)
.
ورواه أيضًا من حديث مَعْمَر بن راشد ويونس
(3)
وابن عيينة، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله
(4)
بن عمر، عن أبيه، عن حفصة موقوفًا
(5)
.
ورواه مالك، عن الزهري، عن عائشة وحفصة قولها
(6)
.
ورواه مالك وعُبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يقول: «لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر»
(7)
.
والذي يقوّي رفعَه أشياء:
أحدها: أنّ الذي رفعَه عن الزهريّ رجلٌ جليل القدر سمع منه قديمًا، وقد تابعه غيرُه، والذين وقفوه سمعوه
(8)
منه بعد ذلك، ومعلوم أن رفعه
(1)
ذكر روايته الدارقطني في «العلل» : (15/ 194) وهي منكرة لمخالفتها رواية الثقات عن الزهري.
(2)
أخرجه النسائي في «الكبرى» (2656).
(3)
في النسختين: «معمر بن يونس» تحريف.
(4)
ق والمطبوع: «عبيد الله» خطأ.
(5)
أخرجها تباعًا النسائي في «الكبرى» (2657، 2658، 2859).
(6)
أخرجه النسائي في «الكبرى» (2662).
(7)
أخرجه النسائي في «الكبرى» (2663، 2664).
(8)
س: «سمعوا» .
زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، لاسيما وسماع صاحب الزيادة متقدِّم، فعُلِم أن الزهريّ ترك رفعَه في آخر عمره، إما نسيانًا أو شكًّا أو غير ذلك.
ومنها: أن هذا الحديث كان عند الزهري عن عائشةَ وعن حفصةَ، وكان عنده عن سالم، عن ابن عُمر وعن
(1)
حمزة، عن ابن عمر. وهذا
(2)
ليس بغريب من الزهري؛ فإن الحديثَ كان يكون عنده من عدّة جهات، يرويه كلّ وقتٍ عن بعض شيوخه، وإذا كان كذلك أمكن أن يكون عنده مرفوعًا وموقوفًا.
ومنها: أن احتجاج أحمد به يدلّ على صحة رفعه عنده.
قال أبو بكر عبد العزيز: صحّ الحديثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا صيام لمَنْ لم
(3)
يُجْمِع الصيامَ من
(4)
الليل».
ومنها: أنه قول عائشة وحفصة وابن عمر، ولا يُعرف لهم مخالف من الصحابة.
وعائشة تروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يُنشئ صومَ التطوع نهارًا» كما سيأتي
(5)
. فلولا أن عندها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك سُنة؛ لما فرّقت بين الفرض والنفل.
(1)
بعده في ق: «حفصة» ، وهي مضروب عليها في س، وهو الصواب.
(2)
في النسختين والمطبوع: «ولهذا» ، والصحيح ما أثبت.
(3)
سقطت من س.
(4)
سقطت من المطبوع.
(5)
(ص 144).
قال الميموني سألت أحمد عنه؟ فقال: أخبرك ما له عندي ذاك الإسناد؛ إلا أنه عن ابن عمر وحفصة إسنادان جيدان
(1)
.
وقد روى الدارقطني
(2)
عن يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عَمرة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَن لم يبيِّت الصيامَ قبل طلوع الفجر فلا صيام له» . وقال: كلهم ثقات.
وروى أيضًا
(3)
عن ميمونة بنت سعد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أجمع الصيامَ من الليل فليصُم، ومَن أصبحَ ولم يُجْمِعه فلا يَصُم» وفي إسناده الواقدي.
وأيضًا: فإن الصوم الواجب هو الإمساك من أول النهار إلى آخره، فإذا خلا أوله عن النية فقد خلا بعضُ العبادة الواجبة عن النية، ذكرًا واستصحابًا، وذلك لا يجوز، ولأنه إذا لم يعقد
(4)
الصومَ أول النهار لم يكن ممتثلًا للأمر بصومه؛ لأن امتثال الأمر بدون القصد لا يصح؛ فإذا لم يكن ممتثلًا للأمر بقي في عُهْدة الأمر قوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ
…
} [البقرة: 187]، وكونه معذورًا لا يقتضي أن يُحْكَم له بما لم يفعله، لكن يقتضي سقوط الإثم عنه، ويجزئه [ق 29] القضاء كما لو لم يعلم به إلا بعد الزوال.
(1)
الظاهر أن الإمام أحمد يريد الموقوف عليهما.
(2)
(2213).
(3)
(2218) وفي إسناده الواقدي كما قال المؤلف، وهو متروك.
(4)
في النسختين والمطبوع: «يعتقد» والصواب ما أثبت.
ولأنه صوم واجب، فلم يصح إلا بنية من الليل، كصوم الكفارة والقضاء والنذر المطلق، ولا يصح أن يقال: هناك لم يتعيَّن زمانُه فلا بدَّ من النية، بخلاف صوم رمضان والنذر المعيَّن؛ لأن التعيين لو كان كافيًا لكفى مجرَّد الإمساك بدون النية، ولم تفترق الحال بين ما قبل الزوال وبين ما بعده.
فإن قيل: فقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء أن يصوموا بنية من النهار، وكان صومًا واجبًا، ولولا أن الواجب يصح بنية من النهار لم يجزئهم.
قيل: لا نسلِّم أن صوم يوم عاشوراء كان واجبًا على ما يختاره كثير من أصحابنا، وعلى القول الآخر؛ فذاك إنما ابتدأ الله إيجابه من النهار، ولم يكن واجبًا عليهم من الليل، بخلاف صوم رمضان فإنه واجب من أول النهار، وإن لم يعلم بالزمان، وليس لنا صوم يوجبه الله ابتداءً في أثناء النهار.
نعم، أشبه شيء بهذا أن يُسلم الكافرُ أو يَفيق المجنون أو يحتلم الصبيُّ في أثناء النهار؛ فيجب عليه الصوم من حينئذ إذ
(1)
في المشهور عنه.
وأيضًا: فإن هذا لو ثبت؛ لكان في صوم عاشوراء، وذاك صوم منسوخ؛ فلا يلزم من ثبوت الحكم فيه ثبوتُه في الصوم المحكم؛ لجواز أن يكون ثبت وجوبه بصفةٍ تخالف صوم رمضان، لاسيما وقد كانوا في أول ما فُرِض رمضان عليهم يُخيَّر أحدهم بين أن يصوم وبين أن يفتدي بطعام مسكين عن كل يوم؛ لأنهم لم يكونوا قد اعتادوا الصومَ، فخفف عنهم في أول الأمر، ثم أُحْكِمت الفرائض.
فإن كان الواجب قد يجزئ بنية من النهار، فلعله في ذلك الوقت.
(1)
كذا! ولعلها مقحمة.
ثم إن قوله: «لا صيام لمَنْ لم يبيِّت الصيامَ من الليل» حديث متأخر عن صوم عاشوراء، فيكون ناسخًا له لو اجتمعا في صوم واحد، فكيف إذا كان ذلك في الصوم المنسوخ؟! لأن راويه حفصة وإنما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم[سنة ثلاثٍ من الهجرة]
(1)
وحديث عاشوراء كان في أول السنة الثانية من الهجرة.
فأما الصوم التطوع فيجزئ بنية من النهار، نصَّ عليه في غير موضع؛ لما رُوي عن عائشة قالت: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال:«هل عندكم من شيء؟» فقلنا: لا. قال: «فإني إذًا صائم» . ثم أتانا يومًا آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فقال:«أدنيه، فلقد أصبحتُ صائمًا» رواه الجماعة إلا البخاري
(2)
، وفي بعض الروايات
(3)
: فقال: «فإني صائم» ولم يقل: «إذًا» .
وهذا يدلّ على أنه أنشأ الصومَ من النهار؛ لأنه قال: «فإني صائم» وهذه الفاء تفيد السبب والعلة، فيصير المعنى: إني صائم لأنه لا شيء عندكم.
ومعلوم أنه لو كان قد أجْمَعَ الصومَ من الليل لم يكن صومه لهذه العلة.
وأيضًا فقوله: «فإني إذًا صائم» و «إذًا» أصْرَح في التعليل من الفاء.
وأيضًا: فإن الظاهر من حال من أجْمَعَ الصيامَ من الليل أن لا يجيء سائلًا عن الغداء، وإنما يسأل عن الغداء المُفْطِر أو المتلوِّم.
(1)
انقطع الكلام في النسختين، والإكمال مقترح.
(2)
أخرجه أحمد (24220، 25731)، ومسلم (1154)، وأبو داود (2455)، والترمذي (733، 734)، والنسائي (2326)، و ابن ماجه (1701)، وينظر «تحفة الأشراف»:(12/ 401 - 402).
(3)
وهي رواية مسلم.
وذكر إسحاق بن إبراهيم الحنظلي
(1)
هذا الحديثَ، فقال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة، فقال:«أطعمينا شيئًا» . فقالت: ما عندنا، قال:«فأشْهِدُكم إني صائم يومي هذا» . قال: فنوى الصيامَ بعد مضيّ بعض اليوم.
وأيضًا: قال البخاري
(2)
: وقالت أمُّ الدرداء: كان أبو الدرداء يقول: عندكم [طعام]
(3)
؟ فإن قلنا: لا. قال: فإني صائم يومي هذا.
قال: وفعَلَه أبو طلحة، وأبو هريرة، وابن عباس، وحذيفة
(4)
.
وذكره ابنُ عبد البر
(5)
عن عليّ وابن مسعود وأنس. وذكره إسحاقُ عن معاذ بن جبل
…
(6)
عن سعيد بن المسيب قال: «رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق، ثم يأتي أهله،
(1)
في «مسنده» (1023).
(2)
في «الصحيح» : (3/ 29). ووصله عبد الرزاق (7774 - 7776)، وابن أبي شيبة (9199، 9202) من طرق عن أم الدرداء.
(3)
سقطت من النسختين.
(4)
وصل هذه الآثار عبد الرزاق (4/ 273 - 274)، والبيهقي:(4/ 204) وابن حجر في «التغليق» : (3/ 145 - 147)، ما عدا أثر ابن عباس فوصله الطحاوي في «شرح معاني الآثار»:(2/ 56).
(5)
في «الاستذكار» : (3/ 286). وقد وصله عنهم ابن أبي شيبة (9175 - 9177)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار»:(2/ 56).
(6)
بياض في النسختين. وأثر معاذ أخرجه عبد الرزاق (7777)، وابن أبي شيبة (9201، 9203) من طرق منقطعة يقوّي بعضُها بعضًا. وإسحاق هو ابن راهويه، ولعله ذكره في مسنده، وليس في القطعة المطبوعة منه.
فيقول: هل عندكم شيء؟ فإن قالوا: لا. قال: فأنا صائم» رواه أبو عاصم
(1)
.
وهذا يفسِّر حديثَ حفصة: أن المراد بذلك الحديث الصوم الواجب، لا سيما وعائشة تروي هذا الحديث وهي تقول:«لا صيام لمن لم يُجْمِع الصيامَ من الليل» .
ولأن صيام عاشوراء لم يكن واجبًا في المشهور لأصحابنا، وقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بصومه من النهار، ولأن بعض الواجبات يجوز أن يكون يُتَطوَّع به كما يتطوَّع بالقراءةِ والتسبيحِ من أركان الصلاة، والطوافِ من أركان الحج؛ ولأن النافلةَ يُخَفَّف فيها ما لا يُخَفَّف في الفريضة، بدليل أن نفل الصلاة يصح قاعدًا أو على الراحلة توسعةً للنافلة، فجاز أن يوسع التنفل بالصوم بنية من النهار.
فعلى هذا يجوز التطوُّع بنية من النهار قبل الزوال وبعده، نصَّ عليه في رواية الميموني، وقد سأله عن الذي ينوي الصيام بعد الفجر: أليس يتأوَّل حديثَ النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاهم فقال: «هل عندكم طعام؟» بعدما تعالى النهار؟ قال: نعم. ويتأوَّلُ حديثَ حذيفة بعدما زالت الشمس؟ ورأيتُه يذهب إلى هذا ما لم يكن فرضًا.
ولذلك أطلق الإجزاء بنيةٍ من النهار في رواية أبي طالب وغيره، وأطلقه الخِرَقي
(2)
وغيره، وعلى هذا أصحابنا مثل ابن أبي موسى
(3)
والقاضي في آخر قوليه.
(1)
ومن طريقه أخرجه البيهقي: (4/ 204) والحافظ في «التغليق» : (3/ 146).
(2)
في «المختصر» (ص 52).
(3)
في «الإرشاد» (ص 146).
وذكر ابن عقيل وغيره في هذه المسألة روايتين: إحداهما
(1)
: كذلك، والثانية: لا يجزئ نية بعد الزوال. قال: وهي أصح
(2)
الروايتين.
وهذا اختيار القاضي في [ق 30]«المجرَّد» ؛ لأن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء في صدر النهار، ولا يمكن إلحاق ما بعد الزوال به؛ لأنه إذا نوى أول النهار فقد حصل معظم اليوم منويًّا، فجاز أن يقوم مُقام الجميع، كما لو أدرك الإمامَ راكعًا؛ فإنه يحسب له جميع الركعة، بخلاف ما إذا نوى بعد الزوال. ولأن الإمساك أول النهار أمرٌ معتادٌ، فإذا لم يصادفه النية لم يقدح ذلك فيه، بخلاف الإمساك آخره فإنه بخلاف المعتاد؛ فإذا لم ينو ذهب الإمساك المقصود في الصوم باطلًا، لهذا يكره للصائم الاستياك بالعشي، ولم يكره له أول النهار.
فعلى هذا يصح قبل الزوال قولًا واحدًا على ما ذكره القاضي وعامة أصحابنا.
ومنهم من قال: إنما يصح قبل انتصاف النهار الذي أوله طلوع الفجر، وذلك قريب من آخر الساعة الخامسة؛ لأن النهار الذي يجب صومه من طلوع الفجر، فإذا لم تقع النيةُ قبل مضيِّ نصفه لم يكن أكثر زمان الصوم منويًّا.
ووجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صام بنيّةٍ من النهار، ولا فرق بين أوله وآخره.
(1)
س: «أحدهما» .
(2)
في النسختين: «أصح في» والظاهر أنها مقحمة سهوًا.
وقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي
(1)
: الأكثرون على أنه يجوز، وإن لم ينو إلا بعد نصف النهار، منهم عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان ومعاذ بن جبل، رأوا إن لم ينو ليلًا أن يصوم في نهاره، يعني: ينوي أيَّ وقتٍ شاء، ولو كان بعد الزوال أيضًا، وهذا أعدل الأقوال عندنا وأشبه بسنة محمد صلى الله عليه وسلم.
عن المستورد بن الأحنف: أن رجلًا صلى مع عبد الله بن مسعود الظهر، فسأله، فقال: إني جئتُ في طلب غريم لي، فأصبحت، فلا أنا صائم ولا أنا مفطر. فقال: أنت بالخيار، إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر. رواه حرب
(2)
.
فصل
قال أحمد في رواية أبي طالب: من صام فرضًا أو قضاءً أو نذرًا أجْمَع عليه من الليل، ابن عمر وحفصة يقولان:«مَن أجمع من الليل صام، ومن لم يُجْمِع من الليل فلا صوم» .
وحديث طلحة بن يحيى، عن مجاهد، عن عائشة: دخل عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم، فقال:«هل عندكم من شيء؟» . قلنا: لا. قال: «فإني صائم» . ثم جاءنا يومًا آخر، فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيس، فخبأنا لك منه، فقال:«أدنيه، فقد أصبحتُ صائمًا» فأكل
(3)
.
فهذا في التطوع ويُكْتَب له بقية يومه.
(1)
لعله ذكره في «مسنده» ، وليس في القطعة المطبوعة منه.
(2)
ورواه أيضًا الشافعي في «الأم» : (8/ 507) والطحاوي في «معاني الآثار» : (2/ 56).
(3)
تقدم تخريجه.
وإذا أجمع من الليل كان له يومه، وسواء على هذا نوى قبل الزوال أو بعده، وهذا قول
…
(1)
وقال القاضي وأبو الخطاب
(2)
: يُحكم له بالصوم الصحيح الشرعي المُثاب عليه من أول النهار، لا من وقت النية، سواء نوى قبل الزوال أو بعده؛ لأن صوم بعض النهار لا يصح، بدليل ما لو نواه بعد الأكل، أو أراد الفطر في أثناء اليوم. فإذا صحّت
(3)
نيتُه من أثناء النهار عُلِم أن صومه تام، فيُكْتَب له ثواب يوم تامّ.
وقد تنعطف النيةُ على ما مضى؛ كالكافر إذا أسلم؛ فإنه يُثاب على ما تحمَّله من الحسنات حال كفره، ولأنه لو كان صومه من حين النية؛ لوجب أن يجوز الأكل قبلها؛ بدليل أن وقت الفجر لمَّا كان أول وقت الصوم الذي يُثاب عليه، جاز له الأكل قبل طلوعه، فلما ثبت أنه لا يجوز أن يأكل ضحوةً ثم ينوي
(4)
الصومَ الآكلُ؛ ثبت أن ما مضى من النهار قبل الصوم صوم صحيح.
والمنصوص أصح، وهو اختيار أبي محمد
(5)
؛ لأن الإمساك صدر النهار كان بغير نية، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى، فكيف يُثاب على إمساكٍ لم يقصده ولم ينوه!؟ وكونه صام اليومَ كلَّه لا يوجب أن يُثاب عليه كلَّه، وإنما
(1)
بياض في النسختين.
(2)
«الهداية» (ص 157).
(3)
في النسختين: «صح» والصواب ما أثبت.
(4)
في النسختين: «لم ينو» ، والصواب ما أثبت.
(5)
في «المغني» : (4/ 342).
يثاب فيما ابتَغَى وجهَ الله منه، هذا إذا سلّمنا أنه صام أوَّله، وإلا فالحقيقة أنه لا يوقَع عليه اسمُ الصوم إلا من حين النية، ونجعله قد صام بعض يوم، وما تقدَّم من الإمساك يشرط بصوم
(1)
بعضه، وإن سُمّي فيه صائمًا فعلى المعنى اللغوي لا على المعنى الشرعي.
أما إذا أكل، فقال أصحابنا: لا يصح صومُه بحال.
وقال القاضي: قول النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء: «ومن أكَلَ فليُمْسِك» على طريق الاستحباب، وقولهم: الإمساك في يوم لا يجب صومه لا يكون قُربة ليس بصحيح؛ لأن هذا يومٌ شريف فيه فضل، فالإمساك فيه قُرْبة
…
(2)
فعلى هذا مَن أكل معتقدًا أنه ليس بيوم شريف، ثم تبين له بخلافه، فإنه يُمْسِك ويُثاب
(3)
.
فإن كان أول النهار ممن لا يصحّ صومُه كالكافر والحائض، لم يصح صومه إذا أسلم أو انقطع الدم، كما لو كان قد أكل في أول النهار.
فصل
(4)
وتصح النية في جميع ليلة الصوم، ولا يجب استصحاب ذكرها، بل يكفي
(5)
استصحابُ حكمها إلى آخر النهار، ما لم يفسخها.
(1)
كذا، ولعلها:«لصوم» .
(2)
بياض في النسختين.
(3)
بعده بياض في النسختين، مع كون الكلام تامًّا فيما يظهر.
(4)
ينظر «المغني» : (4/ 335 - 336).
(5)
ق: «ويكفي» .