الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهل يُصَوِّمُه وليُّه؟
…
(1)
وعلى هذا فقال الخِرَقي
(2)
وغيرُه: إذا كان للغلام عشر سنين وأطاق الصيام أُخِذَ به. فجعل السنَّ الذي يُضْرَب عليه عشر سنين مع الطاقة قياسًا على الصلاة، لكن تُعتبر هنا الطاقة بخلاف الصلاة فإنه لا مشقَّة فيها.
وقد قال في رواية المرُّوذي: ابن اثنتي عشرة سنة. وأطلق بعضُهم الطاقة.
الفصل السادس
* أنه لا يجب الصوم إلا على القادر
لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقوله:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
فإن كان عاجزًا عنه في وقته قادرًا عليه بعد خروج الوقت، كالمريض والحامل، فإنه يجب عليه القضاء كما سيأتي.
وإن كان عاجزًا في الوقت وبعد الوقت ــ وهو الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ــ فإنهما يفطران ويُطْعمان، كما سيأتي إن شاء الله.
وإن كان به عُطاش أو شَبَق
…
(3)
(1)
بياض في النسختين. وينظر المسألة في «الإنصاف» : (7/ 357).
(2)
«المختصر» (ص 51).
(3)
بياض في النسختين.
والعُطاش ــ بضم العين ــ: داء يصيب الإنسان والحيوان فيشرب الماء ولا يرتوي. والشَّبَق ــ بفتح الباء ــ: شدّة الشهوة. ينظر «اللسان» : (6/ 318 و 10/ 182).
[ق 6] وإذا أفاق من إغمائه في أثناء اليوم، فهو كما لو أفاق المجنون. ذَكَره ابنُ عقيل.
وينبغي
…
(1)
فصل
فإن صار من أهل الوجوب في أثناء النهار، مثل أن يُسلِم كافرٌ
(2)
أو يَفيق مجنونٌ أو يبلغ صبيٌّ أو يطيق، ولم يكن نوى الصومَ، ففيه روايتان ذكرهما أبو بكر والقاضي
(3)
وغيرهما:
إحداهما: أنه يجب عليه أن يمسك بقية يومه ويقضيه، سواء كان قد أكل أو لم يكن. نصّ عليه في «الكافر» في رواية صالح
(4)
، وابن منصور
(5)
في «اليهودي والنصراني يسلمان» : يكُفَّان عن الطعام ويقضيان ذلك اليوم.
والثانية: لا يجب عليه إمساكٌ ولا قضاء.
قال في رواية حنبل
(6)
في اليهوديِّ والنصرانيِّ إذا أسلما والصبيِّ
(1)
بياض في النسختين.
(2)
في المطبوع: «الكافر» .
(3)
في «الروايتين والوجهين» : (1/ 263).
(4)
ليست في المطبوع من مسائله، وقد نقلها الخلال في «الجامع- أحكام أهل الملل» (ص 52).
(5)
«مسائل الكوسج» : (3/ 1235).
(6)
نقلها الخلال في «الجامع - أحكام أهل الملل» (ص 52). وقد نقلها المصنف مع تصرف واختصار، وينتهي المراد منها عند قوله «بعد الإسلام» .
يحتلم: يصومان ما بقي ولا يقضيان ما مضى، إنما وجبت الأحكام بعد الإسلام.
لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله من الفِطْر، فلا يجب عليه أداء ولا قضاءً. وإيجابُ بعضِ يوم لا يصح؛ لأن أقلّ الصوم الصحيح يوم، ولأنّ مَن جاز له الأكل أول النهار ظاهرًا وباطنًا جاز له الأكل آخره
(1)
كما لو دام به المانع.
والأُولى اختيار القاضي وأصحابه؛ لما رُوي عن الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ قالت: «أرسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غَدَاة عاشوراء إلى قُرى الأنصار التي حول المدينة: «مَن كان أصبحَ صائمًا فليُتمّ صومه، ومن كان أصبح مفطرًا فليتمّ بقيةَ يومِه» فكُنَّا بعد ذلك نَصومه ونُصوِّمه صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العِهْن، فإذا بكى أحدُهم من الطعام أعطيناها إياه حتى يكون
(2)
عند الإفطار» أخرجاه
(3)
.
وعن عبد الرحمن بن مَسْلمة، عن عمِّه: أن أسْلَم أتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «صمتم يومَكم هذا
(4)
؟» قالوا: لا. قال: «فأتموا بقية يومكم واقضوه
(5)
» رواه أبو داود
(6)
.
(1)
سقطت من المطبوع.
(2)
«حتى يكون» سقطت من المطبوع.
(3)
أخرجه البخاري (1960)، ومسلم (1136).
(4)
«هذا» من السنن.
(5)
ق: «واقضوا» .
(6)
(2447). وأخرجه أحمد (20329) وغيرهما من طرق عن شعبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن مسلمة الخزاعي، به. وعبد الرحمن بن مسلمة لم يرو عنه غير قتادة، وذكره ابن حبان في «الثقات»:(5/ 115)، لكن قال البيهقي وابن القطان والذهبي: مجهول، وقال الحافظ: مقبول. ينظر «التهذيب» : (6/ 269). واختلف على شعبة في لفظة «واقضوا» فقد تفرد بها عنه يزيد بن زريع، وأكثر أصحابه على عدم ذكرها. قال ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق»:(3/ 187): «هذا الحديث مختلف في إسناده ومتنه، وفي صحته نظر» ، وضعّفه عبد الحق وابن القطان كما في «بيان الوهم والإيهام»:(3/ 440). وللحديث شاهد من حديث هند بن أسماء، أخرجه أحمد (15962)، ومن حديث سلمة بن الأكوع، عنده أيضًا (16507).
فابتداء الأمر به في أثناء النهار إيجابٌ له في أثناء النهار، وقد أمر بالإمساك والقضاء؛ لأنه طرأ عليه في بعض نهار رمضان ما لو كان موجودًا في ابتداء النهار لوجب عليه الصوم، فيجب أن يؤمر بالإمساك والقضاء، كما لو أكل في أول النهار، أو نوى الفطر يَعْتَقد أنه آخر شعبان، ثم علم في أثناء النهار أن ذلك اليوم كان أول رمضان، فإن هذا يجب عليه القضاء روايةً واحدةً.
وكذلك الإمساك يجب روايةً واحدةً فيما ذكر عامةُ أصحابنا، حتى القاضي وأكثر أصحابه قالوا: بلا خلاف في المذهب
(1)
، وهو منصوصُ أحمدَ في غير موضع، وخرَّج أبو الخطاب
(2)
فيه الروايتين
(3)
.
ولو أفطر متعمِّدًا وجب عليه الإمساك والقضاء بغير خلاف.
ولو نسي أن ذلك اليوم من رمضان فلم ينو صومه، ثم ذكر في أثناء النهار
…
(4)
(1)
ينظر «الروايتين والوجهين» : (2/ 263).
(2)
في «الهداية» (ص 155)
(3)
في المطبوع: «روايتين» .
(4)
انقطع الكلام في النسختين.
ولو أكَلَ يعتقد بقاء
(1)
الليل، ثم تبين أنه كان نهارًا أمسكَ بقيَّةَ يومه ولم يُجْزِه عن فرضه، فيقضيه بعد خروج الشهر، ولأن إدراك بعض وقتِ العبادة كإدراك جميعها في الإيجاب، ولهذا نقول: لو طهرت الحائض قبل طلوع الفجر بمقدار تكبيرة لزمها قضاءُ العشاءين، فإذا أدرك من اليوم بعضَه فقد أدرك بعض وقت العبادة، والأوجه أنه يجب عليه الإمساك دون القضاء لحديث عاشوراء.
ولا فرق في هؤلاء بين أن يكونوا أكلوا قبل وقت الوجوب أو لم يأكلوا؛ لأن الحيض والجنون والكفر تمنع صحةَ الصوم كما يمنعه الأكل.
فأما الصبي إذا لم يكن أكَلَ فقال القاضي
(2)
: يجب عليه الإمساك روايةً واحدةً؛ لأن الرخصةَ زالت، ووقتُ العبادة باقٍ يقبل الصوم الصحيح في الجملة.
فأما إن أصبح الصبيُّ صائمًا، ثم بلغ في أثناء اليوم بالسنّ أو الاحتلام، فقال أبو الخطاب
(3)
: هو كما لو لم ينو الصيامَ؛ لأن نية الفرض لا تسقطُ بنيَّة النّفْل، كما لو بلغ في أثناء الصلاة فإنه يجب عليه قضاؤها.
فعلى هذا يجب عليه القضاء والإمساك في أحد [القولين]
(4)
.
وقال القاضي
(5)
: يتمّ صومَه ولا قضاء عليه هنا؛ لأن ما مضى صوم صحيح فَعَلهُ قبل وجوبه، فلم يجب عليه إعادته، وما يفعله بعد البلوغ هو
(1)
سقطت من المطبوع.
(2)
في «الروايتين والوجهين» : (2/ 263).
(3)
في «الهداية» (ص 155).
(4)
بياض في النسختين، والإكمال يدلّ عليه السياق.
(5)
في «الروايتين والوجهين» : (2/ 263 - 264).
الصوم الواجب عليه، وقد أمكن أن يأتي به صومًا صحيحًا؛ فإن كون بعض اليوم فرضًا وبعضه نفلًا غير ممتنع، كما لو نذر في أثناء النفل أن يتمَّه بخلاف مَنْ لم ينو الصومَ، فإنه وجب عليه هناك صوم ما أدركه، وصومُ بعضِ يومٍ غيرِ صحيحٍ ممكنٌ، فوجب أن يصوم يومًا؛ لأن أداء الواجب لا يتمّ إلا به.
والفرق بين هذا وبين الصلاة: أنه قد خوطب هناك بالفعل في المستقبل، ولهذا لو بَلَغ بعد الفعل لزمه القضاء، فلم يُجْزِه ما فعله قبل الوجوب، وهنا لا يخاطَب بالإمساك لزمن
(1)
ماض، وما فعله قبل الوجوب لا نقول: إنه وقع واجبًا، وإنما نقول: وقع صحيحًا، وبصحته صحّ فعل الواجب بعد البلوغ، فأشبه ما لو توضَّأ قبل وجوب الصلاة أو أحرم بالحج أو العمرة قبل وجوبهما ثم بلغ قبل التعريف.
قال بعض أصحابنا
(2)
: ولا يجوز له الفطر هنا روايةً واحدةً، كما لو قَدِم المسافر صائمًا
(3)
، فأما ما قبل يوم الوجوب من الشهر فلا يقضونه على ظاهر المذهب كما تقدم.
وذكر ابنُ عقيل روايةً أخرى في الصبيّ والمجنون: أنهما يقضيان من أول الشهر تنزيلًا لإدراك بعض الشهر بمنزلة إدراك كله على قولنا: يجزئ صومه بنية [ق 7] واحدة.
(1)
ق: «زمن» .
(2)
ينظر «المستوعب» : (1/ 402)، و «الهداية» (ص 155)، و «الشرح الكبير»:(7/ 361).
(3)
بياض في النسختين، وسياق الكلام متصل.
فصل
فأما مَن يجب عليه القضاء
(1)
إذا زال عذرُه في أثناء اليوم، مثل الحائض تطهر، والمسافر المفطر يَقْدَم، والمريض يصحّ، فإن القضاء يجب عليهم روايةً واحدةً؛ لوجود الفطر في بعض اليوم، وينبغي لهم الإمساك أيضًا.
قال في رواية الأثرم وابن منصور
(2)
: إذا قَدِم من سفره في بعض النهار وهو مفطر فينبغي أن يتوقى الأكلَ في الحَضَر، وكذلك الحائض لا تأكل بقية النهار، وإذا قدِم من سفره وامرأته قد طهرت فلا أحبّ له
(3)
أن يغشاها.
وجابر بن زيد ــ زعموا ــ أنه قَدِم من سفرٍ فوجد امرأتَه قد طهرت من حيضها، فوقع عليها
(4)
.
وفي وجوبه روايتان، هذه طريقة القاضي وأصحابه
(5)
.
وقال ابن أبي موسى
(6)
: إذا قَدِم المسافر مفطرًا أحببنا له أن يمسك عن الأكل والشرب بقيةَ يومه، فإن أكل أو جامع مَنْ قد طَهُرَت مِنْ حيضها أساء
(1)
بعده في النسختين عبارة: «إذا استمر عذره» والظاهر أنها مقحمة.
(2)
«مسائل الكوسج» : (3/ 1235 و 1204 - 1205). وتصحفت في ق والمطبوع إلى «أبي منصور» .
(3)
سقطت من المطبوع.
(4)
ذكره ابن عبد البر في «التمهيد» (22/ 53) فقال: «روى الثوري عن أبي عبيد عن جابر بن زيد
…
» إلخ بنحوه.
(5)
ينظر «الروايتين والوجهين» : (2/ 263).
(6)
في «الإرشاد» (ص 147).
ولا كفارةَ عليه، ولا يلزمه سوى القضاء. والحائضُ إذا طهرت في بعض النهار، فلها الأكلُ بقيةَ يومها. وعنه رواية أخرى: أنها تمسك بقية يومها كالمسافر.
فجعل المسافر يمسك روايةً واحدةً على سبيل الاستحباب المؤكَّد، بحيث يكون أكله مكروهًا، وحَمَل كلامَ أحمد حيث أذن على إقراره حيث منع على الكراهة، وجعَلَ في الحائض روايتين.
ووجه ذلك: أن المسافر كان يمكنه الصوم ويصح منه في أول النهار، وإنما أفطر باختياره، فيصح إمساكه في الجملة بخلاف الحائض، فإنّ المنافي لصحة الصوم قد وُجِد أول النهار، فامتنع أن تمْسِك في يوم حاضت فيه، وجعل الإمساك بكل حال غير واجب لما يأتي.
وعلى الطريقة الأولى: ففي الجميع روايتان:
إحداهما: لا يجب الإمساك بل يستحب. قال في رواية ابن منصور
(1)
: إذا أصبح مفطرًا في السفر، فدخل أهلَه فأكل، ليس عليه شيء، ويعجبني أن لا يأكل. لأن الله سبحانه إنما أوجب صوم يوم واحد، فإيجابُ صومِ بعضِ يومٍ آخر يحتاج إلى دليل.
والثانية: يجب الإمساك.
قال في رواية حنبل
(2)
: إذا قَدِم في بعض النهار أمسك عن الطعام، وإذا طهرت الحائضُ من آخر النهار تمسِكْ عن الطعام.
(1)
«مسائل الكوسج» : (3/ 1221).
(2)
ذكرها القاضي في «الروايتين والوجهين» : (2/ 262).
وقال في رواية صالح
(1)
وابن منصور
(2)
في المسافر يَقْدَم في شهر رمضان، واليهوديِّ والنصرانيِّ يُسلمان يكفّون عن الطعام، ويقضون ذلك اليوم، والحائض كذلك. وهي اختيار القاضي وأصحابه؛ لأن المقتضي للفِطْر قد زال فيجب الإمساك. وإن وجب القضاء كما لو قامت البينةُ بالرؤية في أثناء النهار، ولأن الإمساك
…
(3)
هذا إن كان قد أكلوا، فأما إن كانوا ممسكين ولم ينووا في أثناء النهار الصومَ
(4)
، فقال القاضي وابن عقيل: يجب عليهم الإتمام روايةً واحدةً، كما لو نووا الصوم.
فأما إن قَدِم المسافرُ أو صحّ المريضُ وقد بيَّتَ الصومَ، لم يَجُز الفطر روايةً واحدة، بل لو جامع بعد الإقامة لزمه الكفارة، نصّ عليه في رواية صالح
(5)
. قال: وكذلك الصبي إذا بلغ صائمًا، والأشبه الفرق كما في التبييت.
وخرَّج أصحابُنا أنه لا يلزمه، كما لو سافر وهو صائم، فإن له أن يفطر على الصحيح، فإذا جاز قطعُ الصومِ للسفر فرفعُه أولى.
وإذا عَلِم المسافر أو غلب على ظنّه أنه يقيم
(6)
في أثناء النهار فإنه يُبَيِّت
(1)
ليس في المطبوع، ونقلها الخلال في «أحكام أهل الملل» (ص 52).
(2)
«مسائل الكوسج» : (3/ 1235).
(3)
بياض في النسختين.
(4)
في المطبوع: «والصوم» خطأ.
(5)
ليس في المطبوع منها.
(6)
غيّرها في المطبوع إلى «يقدم» ، وما في النسخ صحيح، والمعنى: أنه يصبح مقيمًا بعد أن كان مسافرًا.
الصومَ تلك الليلة.
قال في رواية أبي طالب: إذا كان في سفر، فأراد أن يدخل المدينة إلى أهله من الغد، فليجمع الصوم من الليل، فإذا دخل المدينة كان صائمًا، هكذا كان ابن عمر.
وذلك لما روى مالك
(1)
: أنه بلغه أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا كان في سفره في رمضان، فعلم أنه داخلٌ المدينةَ من أول يومه دخل وهو صائم. وقد ذكر أحمد عن ابن عمر
(2)
نحوه.
قال ابن عبد البر
(3)
: هذا هو المستحبّ عند جماهير العلماء، إلا أن بعضهم أشدّ تشديدًا فيه من بعض.
قال القاضي: ظاهر هذا أنه لا يجوز له الفطر إذا علم أنه يَقْدَم في بعض النهار؛ لأن مِن أصْلِه أنه إذا قَدِم تعيَّن عليه الإمساك إذا كان مفطرًا. فإذا عَلِم أن سفره لا يتسع لفطر يوم وجب أن يمتنع
(4)
منه. لأن
(5)
وجود السفر في أول النهار سبب يبيح الرخصة، فجاز العمل به، وإن علم أنه يزول آخر النهار، كما لو صلى في أول الوقت قاصرًا، وهو يعلم أنه يقيم
(6)
في الوقت،
(1)
في «الموطأ» (812).
(2)
لم أجد أثر ابن عمر.
(3)
في «الاستذكار» : (3/ 306).
(4)
س: «يمنع» .
(5)
كذا في النسختين، فهذا التعليل لجواز الفطر وليس لعدمه؛ فكأن هناك سقطًا في العبارة.
(6)
أي: يصبح مقيمًا في هامش ق فوقها: «كذا» كاتبه. وغيَّرها في المطبوع إلى «يقدم» .
أو صلى بالتيمم وهو يعلم أنه يجد الماء في آخر الوقت، وكما لو علم الصبيّ أنه يبلغ في أثناء النهار بالسنّ، فإنه لا يلزمه التبييت.
ووجه الأول
(1)
: أن الفطر في الحَضَر غير جائز أصلًا، بل يجب الصوم فيه، ولا يمكن الصومُ فيه إلا بأن
(2)
يُبيِّت النيةَ من الليل، وما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب، ولأنّ الصومَ واجبٌ في ذِمّة المسافر، وإنما أجيز له تأخير الفعل إذا كان مسافرًا، فإذا علم أنه يقيم
(3)
في أثناء اليوم، فقد أخَّرَ الصوم بدون سبب الرخصة، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين الصبي، فإنه لم يجب عليه شيء قبل البلوغ.
فأما الحائض إذا عَلِمَت أنها تطهُر في أثناء اليوم، فهنا لا يجوز تبييت النية؛ لأن الحيض يمنع صحة الصوم.
فصل
فأما إذا وُجِد سببُ الفطر في أثناء النهار، مثل أن تحيض المرأةُ، فإنها تصير مُفطِرة؛ لأن الحيضَ يمنع صحةَ الصوم، وتأكل ولا تُمْسِك، فيما ذكره ابنُ [ق 8] المنذر
(4)
عن أحمد، وهو رواية
(5)
.
(1)
ق والمطبوع: «الأولى» خطأ. وقد تكررت في المطبوع عبارة «في الحضر غير جائز» .
(2)
ق والمطبوع: «أن» .
(3)
غيَّرها في المطبوع إلى «يقدم» وما في النسخ صواب كما تقدم قريبًا.
(4)
في «الإشراف على مذاهب العلماء» : (3/ 141).
(5)
ينظر «الفروع» : (4/ 433)، و «الإنصاف»:(7/ 364).
قال في رواية عبد الله
(1)
: إن كانت امرأة صامت ثم حاضت، تُمسِك عن الطعام إلى آخر النهار، وتعيد ذلك اليوم. وكذلك المسافر إذا قَدِم المِصْر وهو مفطر يمسك.
قال القاضي: لأن اليوم قد اجتمع فيه ما يوجبُ الإمساكَ وهو الصوم أوَّله، وما يوجبُ الأكلَ وهو الحيض آخره، فغُلّب الإمساك، كما
(2)
لو حاضت أوَّله أو قَدِم المسافر، والأول
…
(3)
وكذلك إذا مرض الرجل، فإنّ
(4)
له أن يفطر، فإن المريض رُخِّص له في الفِطْر لأجل المشقّة التي تلحقه بالصوم، وهذا لا فرق فيه بين أول النهار وآخره، وكذلك لو ابتدأ الصلاةَ قائمًا ثم اعتلّ أتمَّها جالسًا.
لكن هل يجوز له الجماع وتجب عليه الكفارة؟ على الروايتين في المسافر.
أما إذا سافر في أثناء النهار، فهل يجوز له الفطر؟ على روايتين
(5)
:
أحدهما
(6)
: لا يجوز. قال في رواية صالح
(7)
: إذا أصبح في شهر
(1)
«المسائل» (861).
(2)
سقطت من ق.
(3)
بياض في الأصلين.
(4)
ق: «فإنه» .
(5)
ينظر «الروايتين والوجهين» : (2/ 264)، و «المغني»:(4/ 346 - 347).
(6)
كذا، والوجه:«إحداهما» .
(7)
ليس في المطبوع منها، ونقلها القاضي في «الروايتين والوجهين». وينظر «مسائل الكوسج»:(3/ 1345).
رمضان ثم سافر آخر النهار فلا يعجبني أن يفطر.
لأن العبادةَ المختلفةَ بالحَضَر والسفر إذا تلبَّس بها في الحضر، ثم سافر، غُلِّب فيها حكم الحَضَر كالصلاة والمَسْح، ولأنه قد شَرَع في صومٍ وجبَ عليه، فلم يَجُز له الخروج منه لغير ضرورة، كما لو شَرَع
(1)
.
ولعل هذه الرواية خاصة فيمن أراد السفر آخر النهار، فإنه قد صام معظم يومه، ويدلّ على ذلك: ما رواه أبو داود في «مراسيله»
(2)
عن طاووس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر أول النهار أفطر، وإذا سافر حين تزول الشمس لم يفطر.
والأخرى: يجوز له الفطر كسائر الأعذار. وقال في رواية الفضل فيمن خرج في سفر هل يفطر؟ قال: اختلفوا فيه، وأرجو أن لا يكون به بأس. وقال أيضًا فيمن يصوم بعض رمضان ثم يعرض له سفر
(3)
: يفطر إذا جاوز
(4)
البيوتَ. وقال في رواية ابن منصور وابن إبراهيم إذا خرج مسافرٌ متى يفطر؟ قال: إذا برز
(5)
عن البيوت
(6)
. وهي أشهر عنه وأصح عند أصحابنا، لكن إتمام الصوم له أفضل.
قالوا: لما روى عُبيد بن جَبْر قال: كنتُ مع أبي بَصْرة الغِفاري في سفينة
(1)
انقطع الكلام في النسختين.
(2)
(104) ومع إرساله ففيه ابن أبي رفيع الراوي عن طاووس لا يُعرف.
(3)
ق: «السفر» .
(4)
ق: «إذا خرج إذا سافر» .
(5)
ق: «برَزْتَ» .
(6)
ينظر «مسائل ابن هانئ» : (1/ 130)، و «مسائل الكوسج»:(3/ 1221 - 1222).
من الفُسْطاط في رمضان، فدفع ثم قُرِّب غداؤه، ثم قال: اقترب، فقلت: ألستَ بين البيوت؟ فقال أبو بصرة: أرَغِبْتَ
(1)
عن سنة النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟! رواه أحمد
(2)
وابن يونس في «تاريخ مصر» .
وفي رواية لأحمد
(3)
عن يزيد بن أبي حبيب: أن أبا بَصْرة الغفاري خرج في رمضان من الإسكندرية، فأُتيَ بطعامه، فقيل له: لم تغِبْ عنّا منازِلُنا بعدُ. فقال: أترغبون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: فما زلنا مفطرين حتى بلغوا مكان كذا وكذا».
وعن محمد بن كعب قال: أتيتُ أنسَ بن مالك في رمضان، وهو يريد سفرًا، وقد رُحِّلَت له راحلتُه، ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام، فأكل، فقلت له: سُنّة؟ فقال: سُنّة، ثم ركب. رواه الترمذي
(4)
وقال: حديث حسن. والدارقطني
(5)
وقال فيه: وقد تقارَبَ غروبُ الشمس. والصحابيُّ إذا أطلق السنةَ فإنما تنصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن أبي الخير، عن منصور الكلبي: أن دَحْيَة بن خليفة خرج من قريةٍ
(1)
في النسختين: «أرغب» واستشكلها في هامش ق فكتب: كذا. والتصويب من «المسند» .
(2)
في «المسند» (27232). وأخرجه أبو داود (2412)، والدارمي (1713) وابن خزيمة (2040) وغيرهم، قال ابن خزيمة عقبه:«لست أعرف كُليب بن ذُهْل ولا عُبيد بن جبر، ولا أقبل حديث مَن لا أعرفه بعدالة» . وله شاهد سيذكره المصنف بعده.
(3)
(23849). ويزيد ابن أبي حبيب لم يدرك أبا بصرة، بينهما راويان فالرواية معضلة.
(4)
(799 و 800) حسنه الترمذي، وصححه ابن العربي وابن القطان.
(5)
(2291)، وأخرجه البيهقي (4/ 414)، والضياء في «المختارة»:(7/ 972).
من دمشق: مِزَّة
(1)
إلى قَدْر قريةِ عُقْبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال، في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه ناس، وكره آخرون أن يفطروا، فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيتُ اليومَ أمرًا ما كنتُ أظنّ أني أراه، إن قومًا رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (يقول ذلك للذين صاموا). ثم قال عند ذلك
(2)
: اللهم اقبضني إليك. رواه أحمد وأبو داود
(3)
.
وقد احتجَّ بعضُ أصحابنا على ذلك بما رواه خالد الحذَّاء، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى حُنين، والناس مختلفون فصائِمٌ ومُفْطِر، فلما استوى على راحلته دعا بإناءٍ من لبن أو ماء، فوضعه على راحلته (أو: راحته) ثم نظر إلى الناس، فقال المفطرون للصُّوَّام: افطروا. رواه البخاري
(4)
.
قال أبو بكر عبد الرزاق بن عبد القادر الجيلي
(5)
: صوابه: خيبر أو
(1)
ق: «مرة» ، وكذا وقع في بعض طبعات «السنن» والصواب ما أثبتّ، ويدلّ عليه ما في رواية ابن الأعرابي للسنن إذ علّق في هذا الموضع:«مِزّة: اسم القرية» ، ويؤيده ما جاء في «معجم الطبراني الكبير»:(4/ 224): «خرج من قريته بدمشق المِزّة
…
». والمِزّة قرية كثيرة البساتين قريبة من دمشق.
(2)
«عند ذلك» ليست في ق.
(3)
أخرجه أحمد (27231)، وأبو داود (2413)، وابن خزيمة (2041)، والطبراني في «الكبير»:(4/ 224). وفي إسناده منصور الكلبي، مستور الحال. قاله الحافظ في التقريب، وتنظر ترجمته في «التهذيب»:(10/ 308).
(4)
(4277).
(5)
البغدادي الحنبلي الحافظ (ت 603). ترجمته في «الذيل على طبقات الحنابلة» : (3/ 75 - 78) وينظر حاشيته.
مكة؛ لأنه قصَدَهما في هذا الشهر، فأما حُنين فكانت بعد الفتح بأربعين ليلة.
واعلم أنّ الروايةَ صحيحةٌ، ولا يجوز أن يُعتقد أن ذلك كان إلى خيبر، فإنه لا خلاف بين أهل العلم بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غَزَى خيبرَ مرجِعَه من الحديبية، وأنها
(1)
كانت في ذي القَعدة سنة ست، وخيبر في أوائل سنة سبع
(2)
، فكيف يجوز أن يُعْتَقد أن خيبر كانت في رمضان، ثم هم لا يختلفون أنها لم تكن في رمضان؟!
نعم ذكَرَ حُنينًا لأنها كانت في ضمن غزوة الفتح، ولم يكن في الفتح قتال، وإنما كان القتال بحنين، وأراد بغزوة حُنين غزوةَ الفتح، ولذلك لما ذكر البخاريُّ
(3)
هذه الرواية قال: «وقال عبد الرزاق: أنا معمر، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح» . لم يَزِد.
ورواه البَرْقاني
(4)
(5)
.
(1)
س: «وإن» .
(2)
ينظر «السيرة النبوية» : (2/ 328) لابن هشام.
(3)
(4278) معلقة، ووصلها أحمد في «المسند» (3460).
(4)
نقله عنه الحميدي في «الجمع بين الصحيحين» : (2/ 7).
(5)
وهذه الرواية بلفظها أخرجها عبد الرزاق في «المصنف» : (2/ 563)، ومن طريقه أحمد في «المسند» (3460). وإسنادها صحيح على شرط الشيخين.
وهذا الخروج إما أن يكون خروجه من المدينة إلى مكة، أو خروجه من مكة إلى حُنين؛ [ق 9] فإنه لم يزل صائمًا في خروجه إلى أن بلغ الكَديد، كما في حديث ابن عباس المشهور
(1)
، كما تقدم في الرواية الأخرى، وأما خروجه إلى حُنين
…
(2)
.
ثم قد رُوي عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوةَ الفتح في رمضان، وقال:«صام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى [إذا] بلغ الكَديد ــ الماء الذي بين قُدَيد وعُسْفان ــ أفطر حتى انسلخَ الشهرُ» . رواه البخاري
(3)
.
وهذا يقتضي أنه لم يَشْرع في صومٍ بعد يوم الكَديد، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما غزا في رمضان غزوةَ بدرٍ وغزوةَ الفتح خاصة.
وعن سيَّار بن مِخْراق: أنه سأل ابنَ عمر عن صيام المسافر؟ فقال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعَ عشرةَ مضت من رمضان، فأناخ راحلتَه، ووضع إحدى رجليه في الغَرْز والأخرى في الأرض، فدعا بلَبَنٍ من لبنها، فشرب» . رواه حرب
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (4276 وغير موضع)، ومسلم (1113).
(2)
بياض في النسختين.
(3)
(4275) وما بين المعكوفين منه.
(4)
لعله في «مسائله» ، وليس في القطع المطبوعة منها. والحديث أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار- مسند ابن عباس» (142)، والطبراني في «الأوسط» (7510) وقال:«لم يرو هذا الحديث عن سيار بن مخراق إلا سعد بن أوس، ولا عن سعد إلا محمد بن دينار، تفرّد به سعيد بن أبي الربيع» . وقال الهيثمي في «المجمع» : (3/ 163): «وفيه من لم أعرفه» .
وقد احتجَّ كثيرٌ من أصحابنا بما روى جابرُ بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح، فصام حتى بلغ كُراع الغَميم، وصام الناسُ، فقيل له: إن الناس قد شقّ عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلتَ؟ فدعا بقَدَحٍ من ماء بعد العصر، فشرب والناس ينظرون إليه، فأفطر بعضُهم وصام بعضُهم، فبلَغَه أن ناسًا صاموا، فقال:«أولئك العُصاة» . رواه مسلم والنسائي والترمذي وصححه
(1)
.
وربما احتجّ بعضُهم بحديث ابن عباس قال: «سافر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، حتى بلغ عُسْفان، ثم دعا بإناء من ماء، فشرب نهارًا ليراه الناس، وأفطر حتى قَدِم مكة» .
وكان ابن عباس يقول: «صام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر، فمن شاء صام، ومَن شاء أفطر» . متفق عليه
(2)
.
وفي رواية عن ابن عباس: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة ومعه عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مَقْدمه المدينة، فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون حتى بلغ الكَديد ــ وهو ما بين عُسْفان وقُدَيد ــ أفطر [وأفطروا]» .
وقال الزهري: وإنما يؤخذ مِن أَمْر رسول الله صلى الله عليه وسلم الآخِرُ فالآخر. متفق عليه
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم (1114)، والنسائي (2263، والترمذي (710) وعبارته: «حسن صحيح» .
(2)
أخرجه البخاري (1948)، ومسلم (1113).
(3)
أخرجه البخاري (4276) واللفظ له، ومسلم (1113) وما بين المعكوفين من البخاري.
واعْتَقَد من احتجَّ بهذا أنه خرج من المدينة صائمًا، وأنه وصل ذلك اليوم إلى كُراع الغَميم وإلى الكَديد، وهذا خطأ؛ فإنّ عُسفان قرية معروفة بينها وبين مكة نحو من يومين، وهي اليوم خراب
(1)
.
ولهذا قال ابن عباس: «يا أهل مكة، لا تقصروا في أقلّ من أربعة بُرُد، من مكة إلى عُسفان»
(2)
.
وجبل قُدَيد
(3)
قريب منها، وهذا الماء بينهما. فهذا يبيِّن أن الفطر إنما كان بعد عدَّة أيام من مَخْرجه من المدينة.
وأما كُراعُ الغَميم
(4)
، فقد قيل: إن الأبنية و
…
(5)
.
فتبيَّن بهذا أن هذا الفطر إنما كان في صومٍ قد أنشأه في السَّفَر، فيدلّ هذا على أن المسافر إذا نوى الصومَ في السفر، ثم بدا له أن يفطر فله ذلك، وهذا
(1)
وهي الآن مدينة عامرة، تبعد عن مكة المكرمة ستة وثلاثين ميلا، ينظر «معجم معالم الحجاز»:(6/ 100) للبلادي.
(2)
أخرجه الشافعي في «الأم» : (8/ 493)، ومن طريقه البيهقي:(3/ 137) موقوفًا عليه. وهو الصحيح الذي رجحه الحفاظ والمصنف كما في «الفتاوى» : (24/ 37، 127)، وينظر «البدر المنير»:(4/ 542 - 543). وأخرجه الدارقطني: (1447)، والبيهقي:(3/ 137) مرفوعًا، قال المصنف:«وهو باطل بلا شك عند أئمة الحديث» .
(3)
قُديد وادٍ كبير ممتدّ، من أودية الحجاز، فيه عدة قرى، ويبعد عن مكة نحو 85 ميلا. ينظر «معجم معالم الحجاز»:(7/ 96 - 97) للبلادي.
(4)
وهو وادٍ أيضًا بالحجاز، يبعد عن عسفان نحو ثمانية أميال. ينظر «معجم معالم الحجاز»:(7/ 212).
(5)
بياض في النسختين.
لا يختلف المذهبُ فيه، إلا أن يريد الفطرَ بالجماع، ففيه روايتان
(1)
:
إحداهما: ليس له ذلك، وعليه الكفارة إذا أفطر بجماع، نصَّ عليه في رواية مثنّى بن جامع
(2)
.
وكذلك إذا قلنا فيمن نوى الصومَ ثم سافر إنه ليس له الفطر، فجامعَ فعليه الكفّارة؛ لأن الواجبَ الموسّعَ إذا شَرَع فيه ثم أراد الخروج منه
(3)
، لم يكن له ذلك، كما لو شَرَع في قضاءِ رمضان، والصلاةِ في أول الوقت.
والصومُ في السفر أدنى أحواله أن يكون بمنزلة الواجب الموسَّع، فكان القياس أن لا يجوز الخروج منه بعد الدخول فيه.
نعم، جاز ذلك بالأكل والشرب لمجيء السنة به، ولأن الحاجة تدعو إليه، فرخَّص في الخروج منه للحاجة.
أما هَتْك صوم رمضان الواجب بالجماع، فلم يجئ فيه رُخصة، ولا تدعو الحاجةُ إليه، وهذا كما أن السفَرَ يبيحُ الصلاة في السفينة للحاجة، ولا يبيحها على الراحلة، وإن اشتركا في عدم الاستقرار.
ولم يذكر القاضي في «المجرَّد»
(4)
إلا هذا، قال: وعلى هذا الأصل
(1)
ينظر «الفروع» : (4/ 443 - 444)، و «الإنصاف»:(7/ 379 - 380).
(2)
هو مثنَّى بن جامع أبو الحسن الأنباري، روى عن أحمد مسائل حسانًا. ترجمته في «طبقات الحنابلة»:(3/ 410 - 413).
(3)
سقطت من المطبوع.
(4)
كتاب «المجرد» من مصنّفات أبي يعلى القديمة التي رجع فيها عن بعض آرائه، قال المصنف في الكلام عليه:«فالقاضي رضي الله عنه صنف «المجرد» قديما بعد أن صنف «شرح المذهب» وقبل أن يحكم «التعليق» و «الجامع الكبير» وهو يأخذ المسائل التي وضعها الناس وأجابوا فيها على أصولهم، فيجيب فيها بما نص عليه أحمدُ وأصحابُه وبما تقتضيه أصوله عنده، فربما حصل في بعض المسائل التي تتفرّع وتتشعّب ذهولٌ للمفرِّع في بعض فروعها عن رعاية الأصول والنصوص في نحو ذلك». «مجموع الفتاوى»:(30/ 299 - 300).
المريضُ الذي تدعوه الحاجةُ إلى الفطر بالأكل، لا يجوز له الفطر بالوطء، فإن وطئ كان عليه الكفارة كالسفر سواء.
والرواية الثانية: له الفطر بالجماع وغيره، ولا شيء عليه. قال في رواية ابن منصور
(1)
: وقيل له: الزهريّ يكره للمسافر أن يجامع المرأةَ في السفر نهارًا في رمضان؟ فلم يرَ به بأسًا في السَّفَر. وهي المنصورةُ عند أصحابنا؛ لأنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان قد أصبح صائمًا في السفر ثم أفطر، كما تقدم.
وعن أبي سعيد قال: أتى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على نهرٍ من ماء السماء، والناسُ صيام في يوم صائف مُشاةً، ونبيّ الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له، فقال:«اشربوا أيها الناس» قال: فأبوا. فقال: «إني لستُ مثلكم، إني أيسرُكم، إني راكب» . فأبوا. فثَنَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فخِذَه، فنزل فشربَ
(2)
وشربَ الناسُ، وما كان يريد أن يشرب. رواه أحمد
(3)
.
وهذا والذي قبله نصٌّ ظاهر في أنه كان قد أصبح والمسلمون صيامًا،
(1)
«مسائل الكوسج» : (3/ 1265).
(2)
س: «وشرب» . والمثبت من ق و «المسند» .
(3)
(11160 و 11423). وأخرجه ابن خزيمة (1966)، وأبو يعلى (1080)، وابن حبان (3550، 3556) وإسناده صحيح. والحديث بلفظ آخر عند مسلم (1117). وانظر «الصحيحة» : (6/ 153).
ثم أفطروا بعد ذلك، وكلُّ مَن جازَ له الإفطار بالأكل جاز له الإفطار بالجماع، كالمسافر الذي لم ينو، وذلك أنه إذا نوى المريضُ أو المسافرُ الفطرَ وأكَلا، فلهما فِعْل كلّ ما ينافي الصومَ مِن جماع وغيره على إحدى الروايتين، قاله أصحابنا؛ وذلك لأنه إذا عزم على الإفطار صار مفطرًا، فيقع الجماعُ مِن مُفْطِر.
والفرقُ بين هذا وبين العبادة الموسَّعة أن هنا صوم رمضان عبادة مضيَّقة، وإنما السفر والمرض جوَّز تأخيرَها عن وقتها، فإذا أثَّر في التضييق الواجب بالشرع فَلَأن يؤثّر في التضييق [ق 10] الواجب بفعل المكلَّف أولى وأحرى؛ لأن المقتضي لإباحة
(1)
الفطر هنا قائمٌ في جميع الوقت.
والفرقُ بين الصوم والصلاة: أن قَصْر الصلاة إسقاطٌ لشَطْرِها، فليس له أن يتركه بعد أن يلتزمه أو ينعقد سبب لزومه، ولهذا قلنا: لو سافر وقد وجبت
(2)
عليه الصلاةُ صلَّاها تامّة، والصوم مجرّد تأخيرٍ للصوم إلى وقت آخر، ليس هو إسقاطًا، ثم المشقة في السفر تلحقه باستدامة الصوم، بخلاف تكميل تلك الصلاة، فإنه لا مشقّة فيه.
فعلى هذا يجوز له الفطر، سواء كان قد نوى السفر من الليل أو نواه في بعض النهار، على رواية الجماعة.
ونقل عنه صالح
(3)
: إذا كان قد حدَّث نفسَه من الليل بالسفر فيفطر وإن
(1)
في النسختين: «للإباحة» وعلق في هامش ق: «لعله: لإباحة. كاتبه» . وهو كما قال.
(2)
ق: «وجب» .
(3)
ليست في الرواية المطبوعة. وهذه الرواية بنصها في «مسائل إسحاق الكوسج» : (3/ 1346).
أدركه الفجر في أهله، إلا أن يكون نوى السفرَ في بعض النهار، فلا يعجبني أن يفطر.
ويُحتمل أن تكون هذه الرواية مثل الرواية الأولى التي نقلها صالح، فيكون فيما إذا نوى السفرَ من الليل يجوز له الفطرُ قولًا واحدًا، ويحتمل أن يُجْمَع في هذا بين الروايتين في الأصل.
قال القاضي: وظاهر هذا يقتضي جوازَ نيَّة الفِطْر في أهله قبل خروجه من بلده؛ لأنه إذا كان من نيَّته السفر من يومه والفطر في سفره، لم يصح له نية الصوم.
ويفارقُ هذا الفطرُ بالأكل والشرب أنه
(1)
يتأخر حتى يفارق البيوت، ففي الموضع الذي يجوز له القَصْر يجوز له الفِطْر
…
(2)
وإذا نوى المقيمُ الصومَ، فأراد السفر ليفطر، حيلةً للفطر، لم يُبَح
(3)
الفطرُ. قاله ابنُ عقيل بناءً على أصْلِنا: أن الحِيَلَ لا تُسْقِط الزكاةَ ولا تُبيح الفروجَ ولا الأموالَ
(4)
.
(1)
في المطبوع: «أن» .
(2)
بياض في النسختين.
(3)
في النسختين والمطبوع: «يستبح» والصواب ما أثبت.
(4)
وينظر كلام أحمد في الحيل وأنها لا تسقط شيئا في «إبطال الحيل» (ص 108 - 112) لابن بطة، و «المغني»:(7/ 485)، و «شرح الزركشي»:(2/ 459).