الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن الصوم عبادة، والكفر ينافي العبادة، ولأنها عبادة فبطلت بالرِّدّة كالصلاة، وطَرْدُه الإحرام والطهارة، ويتخرَّج ....
(1)
.
فعلى هذا إذا عاد إلى الإسلام فإنه يجب عليه القضاء في المشهور، وإن عاد إلى الإسلام في أثناء النهار فهو أولى بوجوب القضاء.
فأما إن قلنا: إن الإسلام في بعض النهار لا يوجب الإمساك والقضاء، وقلنا: إنه لا يقضي ما تركه قبل الردَّة
…
(2)
.
وقال ابن أبي موسى
(3)
: من ارتدَّ عن الإسلام أفطر، وحَبِط عملُه، فإن عاد إلى الإسلام في بقية رمضان صام ما تبقى. وهل يلزمه قضاء ما أفطر منه بعد الردة أم لا؟ على روايتين
(4)
.
الفصل الرابع
(5)
أنه لا يجب على المجنون في المشهور من المذهب
. نصّ عليها في رواية الأثرم، وفرَّق بينه وبين المُغمَى عليه، وعليها أصحابنا، حتى مَن أوجبه على الصبيّ. ورُوي عن حنبل أنه يقضيه إذا أفاق كالحائض.
والقضاء هنا أوجَه من قضاء الصلاة؛ لأنّ ما أَسْقَط أداءَ الصلاة في الغالب فإنه يُسْقط قضاءَها، بخلاف الصوم فإنه يُقضى مع الحيض والسفر
(1)
بياض في الأصلين.
(2)
بياض في الأصلين.
(3)
في كتاب «الإرشاد إلى سبيل الرشاد» (ص 153).
(4)
واختار المصنف عدم وجوب القضاء على المرتدّ، ينظر مجموع الفتاوى:(22/ 10، 23).
(5)
ينظر «المغني» : (4/ 415)، و «الإنصاف»:(7/ 355، 360).
والمرض وغير ذلك، وإن لم يجب الأداء مع هذه الأسباب، ولأن إيجاب القضاء عليه لا مشقَّة فيه هنا بخلاف إيجاب قضاء الصلاة، ولأن الصوم قد لا يتكرَّر مثلُه في حال الإفاقة فيفضي إلى تركه بالكلّية بخلاف الصلاة، وذلك لأنه زوالُ عقلٍ فلم يمنع وجوب القضاء كالإغماء والسُّكْر.
فعلى هذه الرواية يجب عليه القضاء، سواء كان الجنون طارئًا عليه بعد البلوغ أو مُسْتَدامًا من حين البلوغ، وسواء استغرق الشهرَ أو بعضَه.
فأما إن توالت عليه رمضاناتٌ في حال الجنون، فعلى ما ذكره القاضي إنما يقضي الرمضانَ الذي أفاق بعده، فأما ما قبل ذلك الرمضان فلا يقضيه؛ لأن أحسن أحواله أن يكون كالحائض، والحائض لابدّ أن يتخلّل بين الرمضانين زمنٌ لقضائها
(1)
.
وكلامُ غيره: تُصام، وهو ظاهر كلامه في هذه الرواية؛ لأنه عُذْرٌ توالَى في عِدّة رمضانات، فلم يُسْقط القضاءَ كالمرض والسفر.
ووجه الأول: أن قوله: «رُفِع القلمُ عن المجنون حتى يَفِيق»
(2)
يقتضي
(1)
هنا بياض في النسختين، وسياق الكلام متصل.
(2)
روي من حديث عليّ وقد تقدم تخريجه في كتاب الصلاة. وأخرجه أحمد (24694)، وأبو داود (3998)، والنسائي (3432)، وابن ماجه (2041)، وابن حبان (142)، والحاكم:(2/ 59) وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها. قال البخاري: «أرجو أن يكون محفوظًا» ، وقال الحاكم:«صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» . وسكت عليه الذهبي. وقال ابن الملقن في «البدر المنير» : (3/ 225): له طرق أقواها طريق عائشة. وينظر «الإمام» : (3/ 524)، و «نصب الراية»:(4/ 162)، و «التلخيص»:(1/ 194).
الرفع عنه مطلقًا، وإيجاب القضاء يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يوجب القضاءَ على المجنون مِن نصّ ولا قياس؛ إذ لا نصّ في المسألة.
والفرق بينه وبين الحائض والمُغْمَى عليه ظاهر؛ فإن الحائض من أهل التكليف حين انعقاد سبب الوجوب، وهو استهلال الشهر، فثبت الوجوب في ذمتها كما يجب غيره من الفرائض، والمجنون ليس من أهل التكليف، فلا يصح الإيجاب عليه.
ولا فرق في ذلك بين الجنون المُطْبِق والذي يَعْرِض أحيانًا، فإنه لا يجب عليه الصوم إلا في حال الإفاقة.
وهل يصح منه الصوم بنيَّة وليّه له كالصبي وكما في الإحرام؟ على وجه.
*
(1)
فإن نوى الصومَ وجُنَّ في بعض اليوم، لم يبطل صومُه إذا أفاق في جزء منه، وجمهور أصحابنا ــ كابن
(2)
عقيل وأبي الخطاب
(3)
فيما ذكره القاضي ــ أنه
(4)
كالإغماء. وقال جَدِّي
(5)
: يبطل صومُه.
* فأما [ق 5] الصّرَع، وهو الخَنْق الذي يَعْرض وقتًا ثم يزول، فينبغي أن يُلْحَق بالإغماء والغَشْي؛ لأنه يُزيل الإحساسَ من السمع والبصر والشمّ
(1)
قبله في المطبوع «مسألة» ولا وجود لها في الأصلين.
(2)
ق: «ابن» .
(3)
ينظر «الهداية» (ص 156) له.
(4)
ليست في ق.
(5)
هو الإمام عبد السلام مجد الدين أبو البركات ابن تيمية، ذكره في كتاب «المحرر»:(1/ 228) وقال: إنه يجزؤه في النفل خاصة.
والذوق، فيُغطي، فيزول العقل تبعًا لذلك، بخلاف الجنون فإنه يُزيلُ العقلَ خاصة، فيُلْحِقه بالبهائم.
فصل
فأما مَن زال عقلُه بغير جنون من إغماء أو غيره، فإنه يجب عليه الصوم بغير خلاف في المذهب، ويصحُّ صومُه إذا نواه في وقت تصحُّ فيه النية، وأفاقَ بعضَ النهار، سواء أفاق في أحدَ الطرفين أو في الوسط.
فأما إن أُغمي عليه جميعَ النهار لم يصح صومُه. ولو نام جميعَ النهار صحّ صومُه. هذا هو المنصوص المشهور في المذهب
(1)
، وإن كان سكرانَ أو مبنَّجًا أو زال عقلُه
(2)
بشرب دواء
…
(3)
، وذلك لأن الإغماء مرضٌ من الأمراض، فلم يمنع صحةَ الصوم كسائر الأمراض.
وإنما اشترطنا أن يفيق في جزء من النهار لأن الصوم لابدّ فيه من الإمساك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربِّه في صفة الصائم: «يدَعُ طعامَه وشهوتَه مِنْ أجلي»
(4)
. والإمساكُ لا يكون إلا مع حضور العقل.
ولم نشترط وجود الإمساك في جميع النهار، بل اكتفينا بوجوده في بعضه لأنه دخل في عموم قوله:«يدعُ طعامَه وشهوتَه مِنْ أجلي» .
فعلى هذا إن نوى الصومَ من الليل، ثم أُغْمِي عليه في أثناء النهار
(1)
ينظر «المغني» : (4/ 343 - 344)، و «الفروع»:(4/ 434 - 435).
(2)
ق: «العقل» .
(3)
بياض في النسختين.
(4)
أخرجه مسلم (1151) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.