الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال في رواية عبد الله
(1)
: إذا كان تخاف المرأةُ اللّوزتين
(2)
تُفطر إذا كانت تخاف على نفسها.
وقال أبو بكر: والمريض إذا خشي على نفسه أو على بعض أعضائه التلفَ يفطرُ.
وإذا احتاج إلى أن يُفطر ببعض أسباب الفطر جاز له غيره، مثل أن يحتاج إلى كحل عينه أو إلى الجماع لإزالة الشّبَق.
وهل يخرَّج
(3)
على هذا فِطْر المسافر بالجماع، ويُفرّق بين من جاز له الفطر وحَرُم عليه؟
قال فيما إذا احتاج إلى مداواة عينه: يفطر ويعالجها.
و
في معنى المريض: الصحيحُ الذي يخاف من الصوم مرضًا أو جهدًا شديدًا
، مثل مَن به عُطاش
(4)
لا يقدر في الحرّ على الصوم، وهو يقدر عليه في الشتاء، أو امرأة قد حاضت
(5)
والصومُ يُجهِدها.
قال في رواية ابن هانئ
(6)
: الجاريةُ تصومُ إذا حاضت، فإن أجهدها فلتفطر ولتقض.
(1)
(2/ 659). وساق المؤلف نص الرواية بمعناها كعادته.
(2)
في النسختين والمطبوع: «اللوزتان» والوجه ما أثبتّ.
(3)
في النسختين: «خرج» ، والصواب ما أثبت.
(4)
سبق التعريف به.
(5)
أي صارت بالغةً بالحيض.
(6)
ليس في المطبوع من مسائله. وذكرها في «المغني» : (4/ 405) دون نسبتها إليه.
قال أصحابنا: ولا كفّارة في ذلك بخلاف الحامل.
قال القاضي
(1)
: إن كانت تخاف المرضَ بالصيام جاز لها الفطر، وإن لم تخف من المرض لم يُبَح لها الفطر؛ لأن هذا نادر ليس بمعتاد لخوف المشقّة فيه، وكلام أحمد يقتضي
…
(2)
وإن خاف من الصوم ضعفًا عن عدوّه في الحضر، أو لم يقدر على تخليصه
…
(3)
الفصل الثالث: أن المريض يستحبّ له الفطر، ويكره له الصوم، فإن صام أجزأه.
عن أبي العلاء بن الشّخِّير، عن عائشة:«أنه أجهدَها العطشُ وهي صائمة، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفطر وتقضي مكانه يومين»
(4)
. رواه حرب بإسناد جيد.
وكذلك المسافر يستحبّ له الفطر ويجزئه.
(1)
ذكره في «المغني» : (4/ 405).
(2)
بياض في النسختين.
(3)
المطبوع: «تحصيله» . وأشار في س إلى بياض بعده.
(4)
أخرجه النسائي في «الكبرى» (3259، 3260، 3261)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (1327) من طرق عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخّير به. وإسناده ثقات، ويزيد من كبار التابعين، وقد ولد في آخر خلافة أبي بكر، وروى عن أبي هريرة وابن عمر، فيمكنه إدراك عائشة والسماع منها، ينظر «الإصابة»:(6/ 717)، و «التهذيب»:(11/ 341)، لكن قال الدارقطني في «العلل»:(15/ 44): «لا يثبت سماع أبي العلاء من عائشة» وعليه فالإسناد منقطع. ولا أدري إن كان إسناد حرب هو نفس الإسناد هنا أو غيره، وقد حكم المؤلف عليه بأنه جيد.
قال أبو عبد الله في رواية المرُّوذي: قد سافروا مع النبي صلى الله عليه وسلم[ص 34] وقالوا
(1)
: كان مِنّا الصائمُ ومِنّا المفطر. والذي نختار أن يفطر، وإن صام في السفر أجزأه.
قال أبو سعيد: سافرنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم فمِنّا الصائم ومِنّا المفطر، ولم يَعِب الصائمُ على المفطر، ولا المفطرُ على الصائم
(2)
.
وحديث عمر ليس له إسناد. ولكن حديث ابن عباس: «لما بلغ الكَديدَ أفطر»
(3)
. وهو آخر الفعل مِن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكذا بأمره بالإفطار.
وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ليس مِن البرّ الصومُ في السّفَر»
(4)
.
وقال في رواية حنبل: لا يعجبني الصيام في السفر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس مِن البرّ الصومُ في السّفَر» . وكان عمر وأبو هريرة يأمران
(5)
بالإعادة
(6)
.
ويتوجّه أن لا يُكره إذا لم يكن فيه مشقّة، ولا فَعلَه تعمّقًا، وإنما جاز له الأمران لما روى أبو سعيد وجابر قالا:«سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصوم الصائم ويُفطر المفطر فلا يعيب بعضُهم على بعض» . رواه مسلم
(7)
.
(1)
س: «فقالوا» .
(2)
سيأتي تخريجه.
(3)
أخرجه البخاري (1944، 2953)، ومسلم (1113).
(4)
أخرجه البخاري (1946).
(5)
في النسختين والمطبوع: «يأمرانه» .
(6)
سيأتي تخريجها.
(7)
(1117).
وعن أبي سعيد قال: «غزَونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لستّ عشرة مضت من رمضان، فمِنّا مَن صام، ومِنّا مَن أفطر، فلم يَعِب الصائمُ على المفطر، ولا المفطر على الصائم» . رواه أحمد ومسلم والترمذي
(1)
.
وفي رواية
(2)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كنّا نسافرُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يَعِب الصائمُ على المفطر، ولا المفطرُ على الصائم» . أخرجاه في «الصحيحين»
(3)
.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل حمزةُ بن عَمرو الأسلمي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الصيام في السفر؟ فقال: «إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر»
(4)
.
وفي رواية: أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصوم، فقال:«إن شئتَ فصُم، وإن شئتَ فأفطر» رواه الجماعة
(5)
.
(1)
أخرجه أحمد (11705)، ومسلم (1116)، والترمذي (712).
(2)
وهي رواية مسلم (1116/ 96)، وأحمد (11083).
(3)
البخاري (1947)، ومسلم (1118).
(4)
انظر لتخريجه الحاشية التالية، وهذا لفظ مسلم (1121/ 103).
(5)
أخرجه أحمد (24196، 24197)، والبخاري (1943)، ومسلم (1121)، وأبو داود (2402)، والترمذي (711)، والنسائي (2305، 2306، 2307)، وابن ماجه (1662).
وفي رواية
(1)
: قال: يا رسول الله، إني رجلٌ أسردُ الصومَ، أفأصوم في السّفَر؟
(2)
.
وعن أبي الدرداء قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرٍّ شديد، حتى إنْ كان أحدُنا ليضع يدَه على رأسه مِن شدّة الحرّ، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رَواحة» . رواه الجماعة إلا النسائي والترمذي
(3)
.
ولأنه صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح صام في رمضان حتى بلغ الكَديد، ثم أفطر حتى قدم مكة، فصام في السفر وأفطر. وقد تقدم
(4)
.
ولهذا قال ابن عباس: «لا تَعِبْ على مَن صام في السفر، ولا على مَن أفطر؛ فقد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر»
(5)
.
وفي لفظ: «صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر» . متفق عليه
(6)
.
وإنما اخترنا له الفطرَ لقوله سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، ولأنه آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أفطر في
(1)
عند مسلم (1121/ 104)، وأبي داود (2402).
(2)
«أفأصوم في السفر؟» سقط من المطبوع.
(3)
أخرجه أحمد (21696، 21698)، والبخاري (1945)، ومسلم (1122)، وأبو داود (2409)، وابن ماجه (1663).
(4)
(ص 44).
(5)
أخرجه مسلم (1113/ 89).
(6)
أخرجه البخاري (4279)، ومسلم (1113).
أثناء غزوة الفتح، ثم لم يزل مفطرًا، ثم لم يسافر بعدها في رمضان، وإنما يؤخذ بالأحْدَث فالأحْدَث مِن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كانت الأحوال التي في آخر عمره أفضل من الأحوال التي في أول عمره.
وعن مَعْمَر بن أبي حبيبة
(1)
أنه سأل سعيد بن المسيّب عن الصيام في السَّفَر، فحدّثه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:«غزَوْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوتين في شهر رمضان يوم بدر ويوم الفتح، فأفطرنا فيهما» . رواه أحمد والترمذي
(2)
، وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وعن حمزة بن عَمرو الأسلمي أنه قال: يا رسول الله، أجَدُ مِنّي قوّة على الصوم في السفر، فهل عليَّ جُناح؟ فقال:«هي رُخْصة من الله، فمَنْ أخَذَ بها فحَسَن، ومَن أحبّ أن يصوم فلا جُناح عليه» رواه مسلم والنسائي
(3)
.
ورواه أبو داود
(4)
ولفظه: قلت: يا رسول الله، إني صاحب ظهر
(1)
في النسختين: «بن حبيب» تصحيف، والمثبت من المصادر، وترجمته في «الجرح والتعديل»:(8/ 254)، و «تهذيب الكمال»:(28/ 302).
(2)
أخرجه أحمد (140، 142)، والترمذي (714). وفي إسناده ابن لهيعة، والكلام فيه معروف، لكن الراوي عنه قتيبة بن سعيد، وحديثه عنه كحديث العبادلة، ففي «تهذيب الكمال»:(15/ 494): «قال جعفر بن محمد الفريابي: سمعت بعض أصحابنا يذكر إنه سمع قتيبة يقول: قال لي أحمد بن حنبل: أحاديثُك عن ابن لهيعة صحاح. قال: قلت: لأنا كنا نكتب من كتاب عبد الله بن وهب ثم نسمعه من ابن لهيعة» وعليه فالإسناد لا بأس به.
(3)
أخرجه مسلم (1121/ 107)، والنسائي (2303).
(4)
(2403). وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (1067)، والحاكم:(1/ 432)، والبيهقي:(4/ 241). قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن حمزة إلا محمد، تفرّد به النفيلي» ، وحمزة بن محمد ومحمد بن عبد المجيد مجهولا الحال، ترجمتهما في «التهذيب»:(3/ 32 و 9/ 315) فالإسناد ضعيف. وينظر «بيان الوهم والإيهام» : (3/ 436) لابن القطان، و «ضعيف أبي داود - الأم»:(2/ 276) للألباني. ومتن الحديث ثابت بنحوه في صحيح مسلم (1121) وغيره كما مرّ.
أعالجُه، أسافرُ عليه وأُكْرِيه، وإني ربما صادفني هذا الشهر (يعني رمضان) وأنا أجدُ القوّة، وأنا شابّ، فأجدُ بأن أصومَ يا رسول الله أهونَ عليَّ مِن أن أؤخّره فيكون دَينًا، أفأصوم يا رسول الله أعظمُ لأجري أو أفطر؟ قال:«أيَّ ذلك شئتَ يا حمزة» .
فقد أخبرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ
(1)
به قوّةً على الصوم، وأنه أيسر عليه مِن الفطر، وخيَّره النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال:«هي رُخْصة مِن الله، مَن أخذ بها فحسن» ، والحَسَن هو المستحبّ، «ومَن أحبّ أن يصوم فلا جُناح عليه»
(2)
، ورَفْع الجُناح إنما يقتضي الإباحة فقط، وهذا بيِّن لمن تأمّلَه.
وعن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحامًا ورجلًا
(3)
قد ظُلّل عليه، فقال:«ما هذا؟» فقالوا: صائم. فقال: «ليسَ مِن البرّ الصيامُ في السّفَر» رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه
(4)
.
وفي رواية النسائي
(5)
(1)
المطبوع: «أنه» .
(2)
هذا لفظ مسلم والنسائي الذي سبقت الإشارة إليه.
(3)
المطبوع: «رجل» .
(4)
أخرجه أحمد (14794)، والبخاري (1946)، ومسلم (1115)، وأبو داود (2407)، والنسائي (2257، 2260).
(5)
(2258).
وعن كعب بن عاصم الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس مِن البرّ الصيام في السفر» رواه أحمد والنسائي وابن ماجه
(1)
.
قال سفيان بن عُيينة: تفسيره: ليس مَن صام بأبرّ ممن أفطر
(2)
.
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس مِن البرّ [ق 35] الصومُ في السفر»
(3)
رواه الأثرم.
والبِرّ هو العمل الصالح، فقد بيَّن صلى الله عليه وسلم أن الصومَ في السفر ليس بعمل صالح، بل هو من المباح، فلا حاجة بالإنسان إلى أن يُجهِد نفسَه به.
وقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا مرضَ العبدُ أو سافر، يقول الله عز وجل لملائكته: اكتبوا لعبدي ما كان يعمل وهو صحيحٌ مُقيم» رواه البخاري
(4)
.
فإذا سافر في رمضان وأفطر؛ كُتِب له صوم رمضان، ثم إذا قضاه كُتِب له صوم القضاء، فلا يكون في الصوم زيادة فضل.
(1)
أخرجه أحمد (23681)، والنسائي (2255) وابن ماجه (1664)، وابن خزيمة (2016)، والحاكم:(1/ 432) وغيرهم بإسناد صحيح.
(2)
لم أقف عليه، وقد ذكره المؤلف في «مجموع الفتاوى» (22/ 288) أيضًا.
(3)
أخرجه ابن ماجه (1665)، وابن حبان (3548)، الطبراني في «الأوسط» (6961)، و «الكبير»:(12/ 374). والحديث صححه ابن حبان، وقال البوصيري في «مصباح الزجاجة»:(2/ 64): «إسناد صحيح، رجاله ثقات» . ومع ذلك فقد سئل عنه أبو حاتم في «العلل» (726) فقال: «حديث منكر» ، ولعله بسبب تفرّد محمد بن حرب الأبرش عن عبيد الله، يعني ولا يحتمل تفرّده، وقد نصّ على تفرده الطبراني عقب الحديث.
(4)
(2996).
ولا يصحّ أن يقال: إنما هذا فيمن شقّ عليه الصوم في السفر لأن الحديث خارج على هذا السبب؛ لأنه قد رُوي مبتدأً غيرَ خارج على سبب، ولأن اللفظَ العامَّ
(1)
لا يجب قصرُه على سببه، بل يُحمل على عمومه، ولأن التظليل ليس فيه دليل على المشقّة التي تضرّه حتى يجب معها الفطر.
ولأنه لو كان ذلك لأجل المشقّة خاصة لكان الصوم إثمًا، ولقيل: إن مِن الإثم الصوم في السفر، فإن نفي البرّ ليس يلزم منه وجود الإثم، لأن بينهما مرتبة ثالثة.
ولأنه قد قال في الحديث: «عليكم برُخْصةِ الله التي أرْخَص لكم فاقبلوها» ، والرخصة عامة لجميع الناس.
ولأنه لما كان الصومُ في الجملة مظنةَ المشقّة، بيَّن أن لا برَّ في الصوم فيه لإفضائه إلى هذا الضرر، وإن تخلّف عنه في بعض الصور.
وأيضًا تقدّم ما رُوي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يحبّ أن تُؤتَى رُخَصُه كما يَكره أن تُؤتَى معصيتُه» رواه أحمد وابن خزيمة في «صحيحه»
(2)
.
(1)
المطبوع: «عام» .
(2)
أخرجه أحمد (5873)، وابن خزيمة (2027). والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان (2742، 3568)، وقال النووي في «الخلاصة»:(2/ 729): بإسناد جيّد، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد»:(3/ 162): «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، والبزار والطبراني في الأوسط، وإسناده حسن» .وصححه الألباني في «الإرواء» : (3/ 9). وفي الحديث بعض الاختلاف، ينظر «تنقيح التحقيق»:(2/ 526 - 528) لابن عبد الهادي. وله شواهد من حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما.
وعن محمد بن المُنكَدِر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحبُّ أن تُؤتَى رُخصتُه كما يحبّ أن تُؤتى فريضتُه»
(1)
.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «إنّ الله يحبّ أن تُؤتَى رُخصُه كما يحبّ أن تُؤتى عزائمُه»
(2)
.
وعن ابن عمر وابن عباس قالا: «إنّ الله يحبّ أن تؤتَى مَياسِرُه كما يحبّ أن تُؤتى عزائمُه»
(3)
. رواهنّ ابنُ أبي شيبة.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما خُيِّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسَرَهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعدَ الناس منه»
(4)
.
وقال صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ وأبي موسى: «يَسِّرا ولا تعَسِّرا»
(5)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (27005) وهو مرسل.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (27001، 27002) من طريقين عن عبد الله بن مسعود موقوفًا عليه، وهو الصحيح. وقد روي عنه مرفوعًا عند الطبراني في «الكبير» (10030) و «الأوسط» (2581) ولا يصح. قال في «المجمع» (3/ 211):«فيه معمر بن عبد الله الأنصاري قال العُقيلي: لا يُتابع على رفع حديثه» .
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (27003، 27004) عن ابن عمر وابن عباس موقوفًا عليهما. وقد روي عنهما مرفوعًا أيضًا، أما عن ابن عمر فقد سبق قريبًا، وأما عن ابن عباس فرواه ابن حبان في «صحيحه» (354)، والطبراني (11880، 11881) ومن طريقه الضياء في «المختارة» : (12/ 278). قال في «المجمع» : (3/ 162): «رواه الطبراني في الكبير والبزار، ورجال البزار ثقات وكذلك رجال الطبراني» .
(4)
أخرجه البخاري (6786) ومسلم (2327).
(5)
أخرجه البخاري (3038)، ومسلم (1733، 2001).
وعن بِشر بن حرب قال: سألت عبد الله بن عمر، قلت: ما تقول في الصوم في السفر؟ قال: تأخذ إن حدثتك؟ قلت: نعم. قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من هذه المدينة قصَر الصلاةَ، ولم يصم حتى يرجع إليها» . رواه أحمد
(1)
.
وعن أبي طُعْمة قال: كنتُ عند ابن عمر إذ جاءه رجل، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني أقوى على الصيام في السفر. فقال ابنُ عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن لم يقبل رُخْصةَ الله كان عليه مِن الإثم مثل جبال عَرَفة» رواه أحمد
(2)
، وفي إسناده ابن لهيعة.
وأيضًا ما روى أنسُ بن مالك الكعبي قال: أغارت
(3)
علينا خيلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهيتُ ــ[أو قال]:
(4)
فانطلقتُ ــ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يأكل، قال:«اجلس فأصِبْ مِن طعامنا هذا» . فقلت: إني صائم. قال: «اجلس أحدّثك عن الصلاة وعن الصيام، إن الله وضع شطرَ الصلاة ــ أو نصف الصلاة ــ و
(1)
(5750). ورواه أيضًا ابنُ ماجه (1067) مختصرًا. كلاهما من طريق بشر بن حرب، عن ابن عمر به. قال الهيثمي في «المجمع»:(3/ 159): «بشرٌ فيه كلام، وقد وثّق» ، وقال الحافظ:«صدوق فيه لين» ، وقال الذهبي:«ضعّف» . ينظر للكلام فيه «التهذيب» : (1/ 446). وحسن إسناده أحمد شاكر في تعليقه على «المسند» : (5/ 227).
(2)
(5391). فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، وقد اضطرب فيه، فرواه مرة أخرى فجعله من مسند عقبة بن عامر أخرجه أحمد (17450). قال البخاري عن حديث ابن عمر في كتاب الضعفاء:«هذا منكر» . ينظر «الميزان» (2/ 475). و «السلسلة الضعيفة» : (4/ 419).
(3)
س: «غارت» .
(4)
سقطت من النسخ، والإضافة من المصادر.
الصوم عن المسافر وعن المُرضع أو الحُبْلى»، والله لقد قالهما جميعًا أو أحدهما، فتلهّفَتْ نفسي أن لا أكون أكلتُ من طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الخمسة
(1)
، وقال الترمذي: حديث حسن.
وفي رواية لأحمد والنسائي
(2)
: «إنّ الله وضعَ عن المسافر الصومَ وشطرَ الصلاةِ، وعن الحُبلى وعن المُرضع» .
فأخبره النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ الصومَ موضوعٌ عنه، استدعاءً منه للفطر بعد أن أخبره أنه صائم، ودعاه بعد أن أخبره أنه صائم.
وعن أبي أُميَّة الضمْريّ
(3)
، وعبد الله
(4)
بن الشخّير
(5)
عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
أخرجه أحمد (19047)، وابن ماجه (1667)، وأبو داود (2408)، والترمذي (715)، والنسائي (2315). وحسَّنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة (2043)، والألباني في «صحيح أبي داود - الأم»:(7/ 169). وذكر النقّاد في الحديث اختلافًا لا يضره، ينظر «علل ابن أبي حاتم» (784)، و «البدر المنير»:(5/ 712 - 714).
(2)
أخرجه أحمد (20326)، والنسائي (2276). وسنده ضعيف، لجهالة الراوي عن أنس بن مالك.
(3)
أخرجه النسائي (2267 - 2273)، والدارمي (1664)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني»:(3/ 155) من طرق عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عمرو بن أمية الحديث. وقد وقع في إسناد هذا الحديث اضطراب كثير، وأرجح طرقه: ما رواه الأوزاعيُّ، عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب، عن عمرو بن أمية. وهو إسناد حسن. وينظر «زوائد السنن الأربع - الصيام» (رقم 127) لعمر المقبل.
(4)
س: «عبيد الله» تصحيف.
(5)
أخرجه النسائي (2279، 2281)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني»:(3/ 154). وفيه هانئ بن عبد الله بن الشّخّير، ذكره ابن حبان في «الثقات»:(7/ 582)، وقال عنه ابن حجر في التقريب (7260): مقبول. يعني حيث يُتابع وإلا فليِّن ولا متابع له هنا. وينظر «التهذيب» : (11/ 21).
قال: «إنّ الله وضعَ عن المسافرِ الصيامَ ونصفَ الصلاةِ» رواهما النسائي.
وأيضًا عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب قال
(1)
: سمعت رجلًا سأله: «أُتمُّ الصلاةَ والصومَ في السفر؟ فقال: لا. قال: إني أقوى على ذلك. فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى منك، قد كان يُفطر ويَقصُر الصلاةَ في السفر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خياركم من قَصَر الصلاةَ في السّفَر وأفْطَر» رواه سعيد والأثرم وغيرهما
(2)
.
وهذا مع أنه من مراسيل سعيد فقد احتجَّ به
(3)
، واحتجاجُه يدلّ على صحّته عنده.
ورواه النجَّاد عن جابر مسندًا
(4)
.
وعن ابن عمر: «أن رجلًا سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الصيام في السفر، فنهاه، فقال: إن ذلك عليَّ يسير. فقال: «أنتَ أعلمُ باليسير أم الله؟ يقول الله عز
(1)
أي عبد الرحمن بن حرملة.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (4480)، وابن أبي شيبة (8254)، والطبري في «تهذيب الآثار» (434، 435 - مسند عمر) من طرق عن عبد الرحمن بن حرملة به.
(3)
يعني أحمد بن حنبل.
(4)
ورواه أيضًا البخاري في «التاريخ الكبير» : (3/ 165) معلقًا، وأبو حاتم في «العلل» (755) من طريق خالد العبد، عن ابن المنكدر، عن جابر به. ولا يصحّ، فيه خالد العبد قال عنه البخاري:«منكر الحديث» . وذكر له ابن أبي حاتم طريقًا آخر عن جابر، ولكن فيه جابر الجعفي، رافضيّ ضعيف.
وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 158]، إن الله تصدّق برمضان على مرضى أمّتي ومسافريهم، فأيّكم يحبّ أن يتصدّق بصدقةٍ ثم تُرَدّ عليه؟!» رواه أبو حفص
(1)
.
وقد روى عمرُ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في القَصْر: «صدقةٌ تصدّق اللهُ بها عليكم، فاقبلوا صدَقتَه» رواه مسلم
(2)
.
وأيضًا فإن عامّة الصحابة على ذلك:
عن أبي جمرة قال: «سألتُ ابنَ عباس عن الصوم في السفر؟ فقال: عُسْر ويُسْر، خذ بيسر الله تعالى. رواه أبو سعيد الأشج
(3)
.
وعن أبي سلمة قال: «نهتني عائشةُ أن أصوم في السفر» . رواه سعيد
(4)
.
(1)
وأخرجه بنحوه عبد الرزاق (4477) من طريق إسماعيل بن رافع، عن ابن عمر، والديلمي في «مسند الفردوس» كما في «الكنز»:(8/ 502). وإسماعيل ضعيف جدًّا، ينظر «التهذيب»:(1/ 295).
(2)
(686).
(3)
ورواه أيضًا علي بن الجعد في «مسنده» (1280)، وابن أبي شيبة (9056)، والطبري في «التفسير»:(3/ 218) بإسناد صحيح.
(4)
رواه ابن حزم في «المحلّى» : (6/ 256) من طريق سليمان بن حرب، عن أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه بنحوه بلفظ: «
…
أن أصوم رمضان
…
». وإسناده لا بأس به، ولا منافاة بين هذا وما ثبت من فِعل عائشة نفسها أنها كانت تصوم في السفر، كما أخرجه عبد الرزاق (4496) عن عروة، وابن أبي شيبة (9068، 9073) عن ابن أبي مُلَيكة والقاسم بن محمد، ثلاثتهم عنها؛ لأن نهيها مقيد بصيام رمضان، فلعل صيامها في السفر كان تطوُّعًا في غير رمضان. والله أعلم.
[ق 36] وقد تقدم عن ابن عمر الأمرُ بالفطر.
وعن سعيد بن جُبير قال: «كان ابن عمر لا يستأذنه
(1)
في السفر، فصَحِبَه رجلٌ، فدعاه إلى طعامه، قال: إني صائم. قال: مَن صَحِبنا فليقتدِ بنا، ومَن لا فليعتزلنا، فإنّ في الأرض سَعَة». رواه البغوي
(2)
.
وعن ابن عمر: أنه كان لا يصوم في السفر رمضانَ ولا غيرَه، وإذا أقام قلَّما أفطر
(3)
.
(4)
.
وعن مجاهد قال: قال ابن عمر: «يا مجاهد، لا تصُمْ في السفر؛ فإنهم يقولون: كُفُّوا صاحبَكم، أعينوا صاحبَكم، حتى يذهبوا بأجرك»
(5)
.
(1)
كذا في النسختين ولعلها: «لا يُسْتأذن» .
(2)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، ولكن ذكر ابن حزم في «المحلى»:(6/ 257) من طريق «حماد بن سلمة، عن كلثوم بن جبر، أن امرأة صحبت ابن عمر في سفر فوضع الطعام فقال لها: كُلي، قالت: إني صائمة، قال: لا تصحبينا» . وكلثوم هذا لم يُدرك ابن عمر، ولعل الواسطة بينهما سعيد بن جبير كما في الرواية التي ذكرها المؤلف، فإن كلثوم مكثر عنه.
(3)
أخرجه ابن سعد في «الطبقات» : (4/ 138)، والفاكهي في «أخبار مكة» (566)، والطبري في «تهذيب الآثار» (210، 218 - مسند ابن عباس)، وغيرهم بنحوه.
(4)
لم أقف عليه.
(5)
أخرجه الفريابي في «كتاب الصيام» (104)، والطبري في «تهذيب الآثار» (213 - مسند ابن عباس) بإسناد صحيح.
وعن عَمْرو بن دينار قال: سمعت رجلًا من بني تميم يحدِّث عن أبيه: أنه صام رمضان في السفر، فأمره عمر أن يقضيه
(1)
.
وعن مُحرّر
(2)
بن أبي هريرة قال: «صمتُ رمضانَ في السفر، فأمرني أبو هريرة أن أُعِيد في أهلي»
(3)
.
وعن عمّار مولى بني
(4)
هاشم، عن ابن عباس رضي الله عنهما فيمن صام رمضان في السفر:«لا يجزئه» رواه أبو إسحاق الشالنجي
(5)
.
وعن عثمان بن أبي العاص وأنس: «الصوم أفضل» رواه سعيد
(6)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (9091)، والفريابي (139)، والطبري في «تفسيره»:(3/ 206) عن عمرو بن دينار به، وهو ضعيف لجهالة الرجل من تميم وأبيه. وله طريقان آخران عند عبد الرزاق (4483، 4484) وغيره، إلا أن فيهما رجلًا مبهمًا أيضًا.
(2)
ق: «محرز» تصحيف. ترجمته في «التهذيب» : (10/ 56).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (9089) والفريابي (141) والطبري في «تفسيره» (3/ 206) بإسناد صحيح إلى محرّر. ومحرر لم يوثقه غير ابن حبان.
(4)
المطبوع: «بن» خطأ.
(5)
ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (9088). وفي إسناده عمران القطّان، متكلّم فيه، قال الدارقطني:«كثير الوهم والمخالفة» .
وهذا مخالف للثابت عن ابن عباس برواية الثقات عنه؛ فقد سبق قوله: «لا تعِبْ على من صام في السفر ولا من أفطر» أخرجه مسلم عن طاووس عنه، كما سبق قوله من رواية أبي جمرة عنه:«عُسر ويسر، خذ بيسر الله تعالى» وظاهر هذا أنه يجزئه مع عسر فيه، وأخرج ابن أبي شيبة (9095) من رواية أبي البختري عنه أنه قال:«إن شاء صام، وإن شاء أفطر» .
(6)
ورواه عنهما أيضًا ابن أبي شيبة (9074، 9067)، والطبري في «تفسيره»:(3/ 210) وفي «تهذيب الآثار» : (190، 181 - مسند ابن عباس).
وروي أيضًا عن أنس مرفوعًا، ولا يصحّ. ينظر «الضعيفة» (932).
ولأن الفطر جائز بغير خلاف من غير كراهة، والصوم قد كرهه جماعةٌ من الصحابة، وأَمَروا بالقضاء كما تقدم، ولأن الفطر أيسر وأخفّ، والله يريد بنا
(1)
اليُسْرَ ولا يريد بنا العُسْرَ، ويحبّ أن يؤتَى ما أرخصه، والمفطر يجمع له أجر الصائم وأجر القضاء كما تقدم، ولأنه رخصة من رُخَص السفر، فكان اتباعها أولى من الأخذ بالثقيل، كالقصر والمسح.
فإن قيل: هذا يُبقي الصومَ في ذمّته بخلاف الذي يقصر الصلاةَ.
قلنا: إذا أقام
(2)
واتسع له وقتٌ قضاه، وإلا فلا شيء عليه.
ولأن الصومَ في السفر مظنة سوء الخلق والعجز عن مصالح السفر، وأن يصير الإنسانُ كَلًّا على أصحابه، ولو لم يغيره، لكن الفطر بكلِّ حال أعْوَن له على السفر، وسعة الخُلُق، وإعانة الرفقاء، وغير ذلك من المصالح التي هي أفضل من الصوم.
وبهذا يتبين أن الفطر أرفق له بكلِّ حال، ولأن في الفطر قبولًا للرخصة، وبراءةً من التعمُّق والغلوّ في الدين، وشُكْرًا لله على ما أنعم به من الرخصة.
فإن
(3)
صام، فهل يُكره له الصوم؟ على روايتين
(4)
:
(1)
سقطت من المطبوع.
(2)
المطبوع: «قام» .
(3)
في النسختين: «فإن من» والنص مستقيم بدونها.
(4)
ينظر «المغني» : (4/ 406 - 407)، و «الفروع»:(4/ 440 - 441). و «مسائل عبد الله» : (2/ 639 - 641)، و «مسائل أبي داود» (ص 135)، والكوسج:(3/ 1214).
إحداهما: يكره. كما نقله حنبل.
وقال في رواية الأثرم: أنا أكره أن يصوم في السفر، فكيف بقضاء رمضان في السفر؟ وهو اختيار الخِرَقي
(1)
وأبي طالب وغيرهما؛ لقوله: «ليس مِن البرّ الصوم في السفر»
(2)
، وما ليس ببرّ لا يكون عبادةً، فيُكره أن يُشْغِل زمانَه بغير عبادة.
ولما تقدَّم عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم صام حتى بلغ كُراع الغَمِيم، فصام الناس معه، فقيل له: إن الناس قد شقَّ عليهم الصيام وإن الناس ينظرون فيما فعلْتَ، فدعا بقدحٍ مِن ماء بعد العصر، فشرب والناسُ ينظرون إليه، فأفطر بعضُهم وصام بعضُهم، فبلغه أن أُناسًا
(3)
صاموا، فقال:«أولئك العصاة» رواه مسلم وغيره
(4)
.
ولأن من الصحابة مَن يأمره بالإعادة.
والثانية: لا يكره. كما نقله المرُّوذي، وهي اختيار ابن عقيل؛ لما تقدم من أنه لم يكن يعب الصائمُ على المفطر، ولا المفطرُ على الصائم، والكراهة عيب، وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صام في السفر هو وابنُ رواحة في يوم شديد الحرّ، وأنه
(1)
«المختصر» (ص 50 - 51).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
س: «ناسًا» .
(4)
أخرجه مسلم (1114)، والترمذي (710)، والنسائي (2263).
وفي هامش النسختين ما نصه: «بخطه رضي الله عنه: صيام التطوع في السفر لو أمر الأمير بالفطر لنوع مصلحة وجب ذلك بحديث أبي سعيد الآتي. اهـ هامشه بخط الناسخ عفا الله عنه» .
لو كُره له الصوم لعادت الرخصةُ مشقّةً.
والصحيح: أنه إن شقّ عليه الصوم، بأن يكون ماشيًا، أو لا يجد عشاءً يقوِّيه، أو بين يديه عدوّ يخاف الضعفَ عنه بالصوم، أو يصير كَلًّا على رفقائه
(1)
، أو يسوءُ خلقُه ونحو ذلك= كُره له الصوم، وكذلك إن صام تعمّقًا وغلوًّا بحيث يعتقد أن الفطر نقصٌ في الدين ونحو ذلك. وعلى هذا يحمل ما رُوي عن عمر وابن عباس وأبي هريرة
(2)
من أمر الصائم بالإعادة على سبيل الاستحباب عقوبةً له، وكذلك حديث ابن عمر
(3)
وغيره.
وأما مَن صام وهو مُرَفَّه مِن غير تغيّر في حاله، فلا بأس بصومه؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بالفطر وسماهم عُصاةً حين شقّ عليهم الصومُ مشقّةً شديدةً ولم يفطروا.
وعن أبي سعيد قال: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهر مِن ماء السماء، والناس صيام في يوم صائف مشاةً، ونبي الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له، فقال: «اشربوا أيها الناس» قال: فأبوا، فقال:«إني لستُ مثلَكم، إني أيسركم، إني راكب» ، فأبوا، فثنَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فخذه، فنزل وشرب وشرب الناسُ، وما كان يريد أن يشرب» رواه أحمد
(4)
.
فقد فرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الراكب والماشي.
(1)
س: «أرفقائه» .
(2)
تقدم تخريج هذه الآثار.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
تقدم تخريجه.
وعن سَلَمة بن المُحبّق الهُذليّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن كانت له حَمولة تأوي إلى شَبَع؛ فليصم رمضان حيثُ أدركه» رواه أحمد وأبو داود
(1)
. وفي رواية لأبي داود
(2)
: «من أدركه رمضان في السفر» . فأمر بالصوم مَن له زاد وراحلة دون غيره.
وعن أبي سعيد قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام. قال: فنزلنا منزلًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم[ق 37]:«إنكم قد دنوتم من عدوِّكم، والفطر أقوى لكم» فكانت رخصة، فمنّا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلًا آخر، فقال:«إنكم مُصبِّحو عدوِّكُم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا» فكانت عزيمة، فأفطرنا، ثم لقد
(3)
رأيتُنا نصوم بعدُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر. رواه أحمد ومسلم وأبو داود
(4)
، ولفظه: قال أبو سعيد: ثم
(5)
لقد رأيتُني أصوم مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وبعد ذلك، فأمرهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالفطر لمَّا
(1)
أخرجه أحمد (15912)، وأبو داود (2410) وغيرهما. من طريق عبد الصمد بن حبيب الأزدي، عن أبيه، عن سنان بن سلمة، عن أبيه به. وذكر هذا الحديث العقيليُّ في «الضعفاء»:(3/ 83) في ترجمة عبد الصمد وقال: «لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به» . وعبد الصمد متكلم فيه. ينظر «الميزان» (2/ 619).
وفي إسناده أيضًا حبيب بن عبد الله الأزدي والد عبد الصمد، قال الحافظ في «التقريب» (1100):«مجهول» . وينظر «العلل المتناهية» (2/ 48)، و «ضعيف أبي داود - الأم»:(2/ 278).
(2)
(2411).
(3)
سقطت من المطبوع.
(4)
أخرجه أحمد (11307)، ومسلم (1120)، وأبو داود (2406).
(5)
من س، وهي رواية أبي داود.
أرادوا أن يصبِّحوا العدوَّ، وكانت عزيمة.
وأما الإعراض عن الفطر تعمّقًا وتنطّعًا، أو استعظامًا للفطر وإكبارًا له، فمثل ما روَتْ عائشةُ قالت:«رخّص رسولُ الله في أمر، فتنزّه عنه ناسٌ من الناس، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فغضب حتى بان الغضب في وجهه، فقال: «ما بال أقوال يرغبون عمّا رُخّص لي فيه، فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدّهم له خشيةً» متفق عليه
(1)
.
وكما
(2)
أراد جماعةٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبتَّلوا، وقال أحدُهم: أمّا أنا فأصومُ ولا
(3)
أفطر، وقال الآخر: أما أنا أقوم لا أنام. وقال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحمَ. وقال الآخر: أما أنا فلا آتي النساءَ، فبلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرُهم، فقال: «لكنّي
(4)
أصومُ وأفطرُ، وأقومُ وأنامُ، وآكلُ اللحمَ، وآتي النساءَ، فمَن رغبَ عن سنّتي فليس منّي»
(5)
. وأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}
(6)
[المائدة: 87].
والأكلُ في السفر مِن طيّبات ما أحلّ الله لنا، فمَن اجتنبه تنزّهًا عنه ــ كالذي يجتنب اللحمَ والنساء ــ كان داخلًا في هؤلاء. وبهذا وشِبْهه مَرَقت
(1)
أخرجه البخاري (6101، 7301)، ومسلم (2356).
(2)
المطبوع: «كما» .
(3)
س: «لا» .
(4)
ق: «لكن» .
(5)
أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401) بنحوه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(6)
ينظر «تفسير الطبري» : (8/ 607 - 608)، و «أسباب النزول» (ص 335) للواحدي.
الخوارجُ مِن الدين، وعلى هذا الوجه أنكر دَحيةُ بن خليفة الكلبيُّ وأبو بصرة على الذين رغبوا عن الفطر، ورأوه مكروهًا، وكذلك ابن عمر أنكر على من رأى به قوّة على الفطر، فلا يُشرَع في حقّه.
ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: «لأواصلنَّ وصالًا يدعُ المتعمّقِون تعمّقَهم»
(1)
، ولهذا أمرَ بتعجيل الفِطْر وتأخير السحور.
وعلى هذا يخرّج ما روى أسامةُ بن زيد، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، [عن أبيه]
(2)
، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صائمُ رمضانَ في السفر كالمُفْطِر في الحَضَر» رواه ابن ماجه
(3)
.
ورواه النجَّاد من حديث يزيد بن عياض، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة وأبيه عبد الرحمن بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صائمُ رمضانَ في السَّفَر كمُفْطِره في الحَضَر»
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (7241)، ومسلم (1104) من حديث أنس رضي الله عنه.
(2)
سقطت من النسختين والاستدراك من المصادر.
(3)
(1666). وأخرجه البزار: (3/ 236). قال البوصيري في «مصباح الزجاجة» : (2/ 64): «إسناد ضعيف ومنقطع، رواه أسامة بن زيد وهو ضعيف، وأبو سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئًا، قاله ابن معين والبخاري» . وأعله أيضًا بأنه روي موقوفًا، وسيأتي أشارة المؤلف إلى ذلك. وينظر «بيان الوهم والإيهام»:(3/ 55)، و «الضعيفة»:(1/ 713).
(4)
أخرجه الطبري في تفسيره: (3/ 463 - 364)، وابن عدي في «الكامل»:(7/ 265). ويزيد بن عياض متروك، وقد خالف عامةَ الرواة عن الزهري، فرواه مرفوعًا موقوفًا، فروايته منكرة كما ذكر ابن عدي، وكما سيأتي من كلام البزار. وينظر «العلل»:(694) لابن أبي حاتم، و «علل الدارقطني»:(4/ 281 - 282).