الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
(1)
: (ولا يخرجُ من المسجد إلا لِما لابدّ له منه، إلا أن يشترط)
.
وجُملةُ ذلك أن الاعتكاف هو لزوم المسجد للعبادة، فمتى خرج منه لغير فائدة بطل اعتكافه، سواء طال لُبْثه أو لم يطل؛ لأنه لم يبق عاكفًا في المسجد.
وقد روت عائشة رضي الله عنها: «أنها كانت ترجّل النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وهي في حُجرتها، يناولها رأسه، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفًا» [ق 124] متفق عليه.
وفي لفظ للبخاري: «وكان لا يدخل البيتَ إلا لحاجة إذا كان معتكفًا»
(2)
.
وقد تقدم قولُها: «لا يخرج لحاجة إلا لما لابدَّ له منه» رواه أبو داود
(3)
.
فأما خروجه لما لا بدّ له
(4)
منه مما يُعْتاد الاحتياج إليه ولا يطول زمانه، وهو حاجة الإنسان، وصلاة الجمعة، فيجوز، ولا يقطع عليه اعتكافه ولا يبطله، ويكون في خروجه في حكم المعتكف بحيث لا يقطع عليه التتابع المشروع وجوبًا أو استحبابًا.
(1)
ينظر «المستوعب» : (1/ 433 - 434)، و «المغني»:(4/ 465 - 469)، و «الفروع»:(5/ 138 - 142)، و «الإنصاف»:(7/ 598 - 603).
(2)
تقدم عزو الحديث بألفاظه قريبًا.
(3)
(2473) وقد سبق الكلام عليه.
(4)
ليست في س.
ولا تجوز له المباشرة، ولا ينبغي أن يشتغل إلا بالقُرَب وما يَعْنِيه، لقوله سبحانه وتعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فنهى عن المباشرة لمن اعتكف في المسجد وإن كان في غيره؛ لأن المباشرة في نفس المسجد لا تحلّ للعاكف ولا غيره.
فعُلِم من هذا أن العاكف في المسجد قد يكون في حكم العاكف مع خروجه منه، حتى تحرم عليه المباشرة
(1)
.
وقد ذكرَتْ عائشةُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيتَ إلا لحاجة الإنسان؛ تعني: الغائط والبول، كَنّى عنهما بالحاجة؛ لأن الإنسان يحتاج إليهما لا محالة. وقد
(2)
تقدَّم الدليلُ على أن له أن يخرج للجمعة.
ومثل هذا: المصلِّي صلاة
(3)
الخوف إذا استدبر القبلةَ ومشى مشيًا كثيرًا، فإنه لا يخرج عن حكم الصلاة ــ وإن كانت هذه الأفعال تنافي الصلاة ــ لمَّا
(4)
أُبيحت للضرورة.
وكذلك الطائفُ إذا صلى في أثناء صلاة مكتوبة أُقِيْمَت أو جنازة حضرَتْ، فإنه طواف واحد، وإن تخلله هذا العمل المشروع.
وكذلك إذا قطع الموالاة في قراءة الفاتحة لاستماع قراءة الإمام ونحو ذلك.
(1)
بعده بياض في س.
(2)
«قد» من س.
(3)
س: «في صلاة» .
(4)
أضاف المطبوع: «لكنها» بين معكوفين.
وفي معنى ذلك: كلُّ ما يحتاج إلى الخروج له، وهو ما يخاف من تركه ضررًا في دينه أو دنياه، فيدخل في ذلك الخروج لفعل واجب وترك محرم وإزالة ضرر، مثل: الحيض، والنفاس، وغسل الجنابة، وأداء شهادة تعيَّنت عليه، وإطفاء حريق، ومرض شديد، وخوف على نفسه من فتنة وقعت، وجهاد تعيَّن، وشهود جمعة، وسلطان أحْضَره، وحضور مجلس حكم، وقضاء عدم الوفاء، وغير ذلك، فإنه يجوز له الخروج لأجله، ولا يبطل اعتكافُه، لكن منه ما يكون في حكم المعتكِف إذا خرج بحيث يُحْسَب له من مدة الاعتكاف ولا يقضيه ــ وهو ما لا يطول زمانه ــ، ومنه ما ليس كذلك وهو ما يطول زمانه، كما سنذكره
(1)
إن شاء الله تعالى.
ويدلّ على جواز الخروج لما يعرض من الحاجات، وإن لم يكن معتادًا مع احتسابه من المدة: ما
(2)
روى عليُّ بن الحسين: أن صفية زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثَتْ عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبيّ صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت بابَ المسجد عند باب أم سلمة، مرَّ رجلان من الأنصار، فسلَّما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:«على رِسْلِكُما، إنها صفية بنت حُيَيّ» . فقالا: سبحان الله! وكَبُر عليهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدَّمِ، وإني خشيت أن يُلْقي في أنفسكما شيئًا» رواه الجماعة إلا الترمذي
(3)
.
(1)
س: «سيذكر» .
(2)
س: «لما» .
(3)
أخرجه أحمد (26863)، والبخاري (2038، 3281)، ومسلم (2175)، وأبو داود (2470، 4994)، والنسائي في «الكبرى» (3343)، وابن ماجه (1779).
وفي رواية متفق عليها
(1)
: وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد.
وفي لفظ للبخاري
(2)
: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم في المسجد عنده أزواجه، فرُحْنَ، فقال لصفية بنت حُيَي:«لا تعجلي حتى أنصرفَ مَعَكِ» ، وكان بيتها في دار أسامة
(3)
، فخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم معها، فلقيه رجلان
…
(وذكر الحديث).
وهذا صريحٌ بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم خرج معها من المسجد، وأن قولها: «حتى إذا
(4)
بلغتُ بابَ المسجد عند باب أم سلمة» تعني: بابًا غير الباب الذي خرج منه، فإن حُجَر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت شرقيَّ المسجد وقِبْليّه
(5)
، وكان للمسجد عدة أبواب، أظنها ستة، فيمر على الباب بعد الباب، والرجلان رأيا النبي صلى الله عليه وسلم ومعه المرأة خارج المسجد، فإنه لو كان هو
(6)
في المسجد لم يحتَجْ إلى هذا الكلام.
وقوله: «لا تعجلي حتى أنصرف معك» ، وقيامه معها ليقلِبَها دليلٌ على أن مكانها كان بينه وبين المسجد مسافة يُخَاف فيها من سير المرأة وحدها
(1)
البخاري (3281)، ومسلم (2175).
(2)
(2038).
(3)
زاد في المطبوع بدون أقواس «بن زيد» .
(4)
«إذا» ليست في ق.
(5)
في النسختين والمطبوع: «وقبلته» وكذلك جاء في «الفتاوى» : (27/ 141، 418) والظاهر ما أثبت، وانظر «جامع المسائل»:(3/ 47 و 4/ 164)، و «الرد على البكري»:(1/ 163)، و «الفتاوى»:(27/ 323).
(6)
من ق.
ليلًا، وذلك والله أعلم قبل أن يتخذ حجرتها قريبًا من المسجد، ولهذا قال:«كان مسكنها في دار أسامة» .
وهذا كلُّه مبيِّن لخروجه من المسجد؛ فإن خروجَه إلى مجرَّد باب المسجد لا فائدة فيه، ولا خصوصَ لصفية فيه لو كان منزلها قريبًا دون سائر أزواجه، فهذا خروجٌ للخوف على أهله، فيُلْحَق به كلُّ حاجة.
ولا يجوز أن يقال: اعتكافه كان تطوُّعًا، وللمتطوِّع أن يدع الاعتكاف؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يحفظ اعتكافه مما ينقصه، ولهذا كان لا يَدْخله إلا لحاجة، ويصغي رأسه إلى عائشة لترجِّلَه، ولا يدخل.
ولأنه لو ترك الاعتكاف ساعةً
(1)
لم يكن قد اعتكف العشر الأواخر، وهو صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر. ثم إنه كان يقضي هذا الاعتكاف إذا فاته، فكيف [ق 125] يُفْسِده أو يترك منه شيئًا؟!
على أن أحدًا من الناس لم يقل: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد كان
(2)
ترك اعتكافَه بخروجه مع صفية؛ فإن العمدة في صفة الاعتكاف فرضه ونفله على اعتكافه صلى الله عليه وسلم، كيف وقد كان إذا عمل عملًا أثبته صلى الله عليه وسلم؟!
فصل
(3)
وأما عيادة المريض وشهود الجنازة، ففيه روايتان منصوصتان:
(1)
كتب بعدها في س: «واحدة» وكتب فوقها حـ.
(2)
س: «كان قد» .
(3)
ينظر «المغني» : (4/ 469)، و «الفروع»:(5/ 176)، و «الإنصاف»:(7/ 609 - 613).
إحداهما: يجوز.
قال في رواية ابن الحكم: المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة. ويُروى عن عاصم بن ضَمْرة، عن عليّ رضي الله عنه:«المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة والجمعة»
(1)
. وعاصم بن ضَمْرة عندي حجة.
وقال حرب: سُئل أحمد عن المعتكف يشهدُ الجنازةَ ويعود المريضَ ويأتي الجمعةَ؟ قال: نعم. قيل
(2)
: ويتطوَّع في مسجد الجامع؟ قال: نعم، أرجو أن لا يضرّه. قيل: فيشترط المعتكفُ الغداءَ أو العشاءَ في منزله؟ فكره ذلك. قيل: فيشترط الخياطة
(3)
في المسجد؟ قال: لا أدري. قيل: فهل يكون اعتكاف إلا بصيام؟ قال: قد اختلفوا
(4)
فيه.
وكذلك نقل الأثرم: يخرج لصلاة الجنازة.
وقال في رواية حنبل: ويعود المريض، ولا يجلس، ويقضي الحاجةَ، ويعود إلى معتكفه، ولا يشتري، ولا يبيع، إلا أن يشتري ما لا بدَّ له منه، طعام أو نحو ذلك، فأما التجارة والأخذ والإعطاء
(5)
فلا يجوز شيء من ذلك.
والرواية الثانية: لا يجوز ذلك إلا بشرط.
قال في رواية المرُّوذي في المعتكف: يَشترط أن يعود المريض ويتبع
الجنازة؟ قال: أرجو. كأنه لم ير به بأسًا
(1)
.
ويشبه أن تكون هي الآخرة؛ لأن ابن الحكم قديم.
وهذه اختيار عامة أصحابنا: الخرقي
(2)
، وأبي بكر، وابن أبي موسى
(3)
، والقاضي وأصحابه، وغيرهم. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيتَ إلا لحاجة الإنسان. فعُلِم أن هذه سنة الاعتكاف، وفعله يفسر الاعتكاف المذكور في القرآن.
وقد تقدم حديثُ عائشة رضي الله عنها: «على المعتكف أن لا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازة، ولا يمسَّ امرأةً، ولا يباشرها، ولا يخرج
(4)
إلا لما لابدّ منه».
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «إن كنتُ لأدخلُ البيتَ للحاجة، والمريضُ فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارَّة» متفق عليه
(5)
.
وعنها قالت: «كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يمرّ بالمريض وهو معتكف، فيمرّ كما هو، ولا يُعرّج يسأل عنه» رواه أبو داود
(6)
، عن ليث بن أبي سُليم، عن ابن
(1)
نقلها أبو يعلى في «التعليقة الكبيرة» : (1/ 43).
(2)
«المختصر» (ص 52).
(3)
ينظر «الإرشاد» (ص 155).
(4)
س زيادة: «لحاجة» .
(5)
أخرج البخاري (2029) القدر المرفوع منه، ومسلم (297) بلفظه.
(6)
(2472). ومن طريقه البيهقي: (4/ 321). وفي سنده ليث بن أبي سُليم، وهو ضعيف كما في «الميزان»:(3/ 420)، وينظر «البدر المنير»:(5/ 777)، و «ضعيف أبي داود - الأم»:(2/ 292) للألباني. وهو ثابت من فعل عائشة كما أخرجه مسلم (297). ووقع بعدها في س «وعن» .
القاسم، عن أبيه، عن عائشة.
وفي لفظ: «إن
(1)
كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعودُ المريضَ وهو معتكف»
(2)
.
ولأنه خروجٌ لِمَا له منه بُدّ، فلم يجز، كما لو خرج لزيارة والديه أو صديقه أو طلب العلم ونحو ذلك من القُرَب.
فعلى هذا: إذا خرج لحاجة، فله أن يسأل عن المريض في طريقه، ولا يجلس عنده، ولا يقف أيضًا، بل يسأل عنه مارًّا لأنه مقيم لغير حاجة. وقد ذكرَتْ عائشةُ مثل ذلك.
وقول أحمد: «يعود المريضَ ولا يجلس» دليلٌ على جواز الوقوف؛ إلا أن يُحْمَل على الرواية الأخرى.
ووجه الرواية الأولى: ما احتجَّ به أحمد، وهو ما رواه
(3)
عاصم بن ضَمْرة، عن عليّ رضي الله عنه قال:«إذا اعتكفَ الرجلُ، فليشهد الجمعةَ، وليحضر الجنازةَ، وليعد المريضَ، وليأتِ أهلَه يأمرهم بحاجته وهو قائم» .
وعن عبد الله بن يسار: «أن عليًّا أعان ابن أخيه جَعْدة بن هُبَيرة بسبع مائة درهم
(4)
من عطائه أن يشتري خادمًا، فقال له: ما منعك أن تبتاع
(1)
ليست في ق.
(2)
هو الحديث السابق نفسه.
(3)
س: «روى» . والحديث سبق تخريجه.
(4)
ليست في س.
خادمًا؟! فقال: إني كنتُ معتكفًا. قال: وما عليك لو خرجت إلى السوق فابتعتَ؟!»
(1)
.
وعن إبراهيم قال: «كانوا يحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال، وهي له وإن
(2)
لم يشترط: عيادة المريض، ولا يدخل سقفًا، ويأتي الجمعةَ، ويشهد الجنازةَ، ويخرج في الحاجة»
(3)
.
قال: وكان إبراهيم يقول: «لا يدخل المعتكفُ سقيفةً إلا لحاجة أو سقف المسجد»
(4)
. رواهن سعيد.
وقد رُوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المعتكفُ يتبعُ الجنازةَ ويعودُ المريضَ» رواه ابن ماجه
(5)
، وراويه متروك الحديث.
وأيضًا، فإن هذا خروجٌ لحاجة لا تتكرَّر في الغالب، فلم يخرج به عن كونه معتكفًا، كالواجبات؛ وذلك أن عيادة المريض من الحقوق التي تجب للمسلم على المسلم، وكذلك عيادة المريض
…
، فعلى هذه الرواية هل يقعد
(1)
أخرجه عبد الرزاق (8074)، وسعيد بن منصور ــ ومن طريقه ابن حزم في المحلّى:(5/ 189) ــ، وابن أبي شيبة (9784).
(2)
س: «إن» .
(3)
أخرجه سعيد بن منصور ــ ومن طريقه ابن حزم في المحلّى: (5/ 190) ــ، وابن أبي شيبة (9728).
(4)
أخرجه سعيد بن منصور ــ ومن طريقه ابن حزم في المحلّى: (5/ 190) ــ، وابن أبي شيبة (9749).
(5)
(1777). وهو حديث واهٍ، ضعّفه ابنُ الجوزي في «التحقيق»:(2/ 112)، والبوصيري في «مصباح الزجاجة»:(2/ 84)، والمصنّف.
عنده؟
…
(1)
وإن تعيَّن عليه الصلاة على الجنازة، وأمْكَنه فعلُها في المسجد، لم يجز الخروج إليها، وإن لم يمكنه فله الخروج إليها.
وكذلك يخرج لتغسيل الميت وحَمْله ودفنه إذا تعيَّن ذلك
(2)
عليه. وأما إذا اشترط
(3)
ذلك، فيجوز في المنصوص المشهور كما تقدم.
وقال في رواية الأثرم: يَشْترط المعتكفُ أن يأكل في أهله، ويجوز الشرط في الاعتكاف.
وحكى الترمذيُّ وابنُ المنذر عن أحمد [المنعَ]
(4)
.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لضُباعة: «حُجّي واشترطي أن محِلِّي حيثُ حَبَستني، فإنّ لَكِ على ربِّك ما اشترطْتِ»
(5)
. وقوله: «لكِ على ربك ما اشترطتِ»
(6)
(1)
بياض في الموضعين.
(2)
من س.
(3)
ق: «شرط» .
(4)
بياض في النسختين، والإكمال من «الفروع»:(5/ 177). وحكاية الترمذي عن أحمد في «الجامع» : (3/ 168)، ولعل حكاية ابن المنذر في «الأوسط» وكتاب الصيام ساقط من المطبوع، وقال في «الإشراف»:(3/ 163): «واختُلف فيه عن أحمد، فمنع منه مرّة، وقال مرّة: أرجو أن لا بأس به» .
(5)
أصله في البخاري (5089)، ومسلم (1702)، وأخرجه النسائي (2766) بلفظ:«فإن لك على ربك ما استثنيت» . وحسنه الألباني في «الإرواء» : (4/ 187)، وينظر «البدر المنير»:(6/ 414).
(6)
«وقوله: لك على ربك ما اشترطتِ» سقطت من ق.
عام، فإذا كان الإحرام الذي هو ألْزَمُ العبادات [ق 126] بالشروع يجوز مخالفة موجِبه بالشرط، فالاعتكاف أولى.
وعن إبراهيم قال
(1)
: «كانوا يحبّون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال، وهي له
(2)
إن لم يشترط: عيادة المريض، ولا يدخل سقفًا، ويأتي الجمعةَ، ويشهدُ الجنازةَ، ويخرجُ في الحاجة»
(3)
.
وكان إبراهيم يقول: «لا يدخل المعتكفُ سقيفةً إلا لحاجة أو سقف المسجد» رواه سعيد.
فصل
(4)
قال أبو بكر: لا يقرأ القرآنَ، ولا يكتبُ الحديثَ، ولا يجالس العلماء، ولا يتطيَّب، ولا يشهد جنازةً، ولا يعود مريضًا إلا أن يشترط في اعتكافه.
ذكر ابن حامد والقاضي
(5)
وغيرهما: أن له أن يشترط كلَّ ما في فِعْله قُرْبة، مثل: العيادة، وزيارة بعض أهله، وقَصْد بعض العلماء.
وقسَّموا الخروجَ ثلاثةَ أقسام:
أحدها: ما يجوز بالشرط ودونه ولا يُبْطِل الاعتكاف، وهو الخروج لما لابدّ منه، من قضاء الحاجة والخوف والمرض ونحو ذلك مما تقدم.
(1)
ليست في س.
(2)
«وهي له» ليست في س.
(3)
سبق تخريجه هو والذي بعده.
(4)
ينظر «المغني» : (4/ 469)، و «الفروع»:(5/ 191)، و «الإنصاف»:(7/ 633).
(5)
في «التعليقة الكبيرة» : (1/ 43).
والثاني: ما لا
(1)
يجوز الخروجُ إليه إلا بشرط، وهو عيادة المريض، وزيارة الوالد
(2)
، واتباع الجنازة.
والثالث: ما لا يجوز الخروج إليه بشرط وبغير شرط، ومتى خرج إليه، بطل اعتكافُه، وهو اشتراط ما لا قُربة فيه، كالفُرْجة والنُّزْهة والبيع في الأسواق، وكذا
(3)
لو شَرَط أن يجامع متى شاء.
قال بعض أصحابنا: وكذا إن شَرَط التجارةَ في المسجد أو
(4)
التكسُّب بالصَّنْعة فيه أو خارجًا منه.
وأما المنصوص عن أحمد، والذي ذكره قدماء أصحابه، فهو اشتراط عيادة المريض واتباع الجنازة.
قال ابن عقيل: وزاد ابنُ حامد فقال: لا بأس أن
(5)
يشترط زيارةَ أهلِه، لأنه لَمّا كان له أن يشترط قطعَه والخروجَ منه، كان له أن يشترط تخلّل
(6)
القُربة له.
قال: والجواب عما ذكره ابن حامد: أنه ليس إذا مَلَك أن يقطع الاعتكاف وإما بالشرط
(7)
يملك أن يشترط شيئًا يُبْطِلُ مثلُه الاعتكافَ مع
(1)
«لا» سقطت من س.
(2)
ق: «الوالدة» .
(3)
س: «وكذلك» ، وكذا في الموضع الثاني.
(4)
س: «و» .
(5)
س: «بأن» .
(6)
في الأصل والمطبوع: «تحلل» بالحاء المهملة، والصواب ما أثبت.
(7)
كذا في النسختين، وربما تستقيم العبارة بحذف «وأما» ، أو تكون:«إما رأسًا وإما بالشرط» .
عدم الشرط، كما أنه يجوز أن يشترط يومًا ويومًا
(1)
لا، ويملك أن يطأ في اليوم الذي لم ينذر اعتكافه، ومع هذا لا يملك أن يطأ.
فأما اشتراط المباح، فعلى ما ذكره القاضي: لا يجوز.
وقال بعض أصحابنا: يجوز شَرْط ما يحتاج إليه، كالأكل والمبيت في المنزل؛ لأن الاعتكاف يجب بعقده، فكان الشرط إليه فيه كالوقف. ولأنه لا يختص بقَدْر
(2)
، فإذا شَرَط الخروجَ فكأنه نَذَر القدرَ الذي أقامه.
أما الأكل، ففيه عن أحمد روايتان، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأما المبيت، فقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن المعتكف يشترط أن يأكل في أهله؟ قال: إذا اشترط فنعم. قيل له: وتجيزُ الشرطَ في الاعتكاف؟ قال: نعم. قلت له: فيبيت في أهله؟ قال: إذا كان تطوُّعًا جاز.
فأخَذَ بعضُ أصحابنا من هذا جواز شرط المبيت لجواز شرط الأكل، وليس
(3)
بجيد؛ فإن أحمد أجاز الأكل بالشرط مطلقًا، وأجاز المبيت في الأهل إذا كان متطوِّعًا
(4)
، ولم يعلِّقه بشرط، فعُلِمَ أنه لا يجوز في النذر.
وليس هذا لأجل الشرط، بل لأن التطوُّع له تركُه متى شاء، فإذا بات في أهله، فكأنه اعتكف
(5)
النهار دون الليل.
(1)
سقط من س «يو» في «ويومًا» .
(2)
ق: «بنذر» .
(3)
ق: «ليس» . ويصح إذا ضبطنا أول العبارة على المصدرية «فأخْذُ بعضِ» .
(4)
س: «مقطوعًا» .
(5)
ق: «يعتكف» .
ولو نذَرَ أن يعتكفَ عشرةَ أيام يبيت بالليل عند أهله، يكون قد نَذَر اعتكاف
(1)
الأيام دون الليالي، فيكون اعتكاف كلِّ يوم
(2)
اعتكافًا جديدًا يحتاج إلى نية مستأنَفَة.
وإذا خرج بالليل لم يكن معتكفًا، حتى لو جامع أهلَه فيه كان له ذلك. فأما جواز المبيت في أهله مع كونه معتكفًا، فهذا إخراجٌ للاعتكاف عن حقيقته
…
(3)
فصل
(4)
فإن قال: عَلَيَّ أن أعتكف شهر رمضان إن لم أكن مريضًا أو مسافرًا، أو أصوم شعبان إن لم أكن مريضًا أو مسافرًا، أو أتصدق بكذا إن لم يحتج إليه، جاز؛ لأن النذر عَقْدٌ من العقود، يصح تعليقُه بشرط، فلَأَن
(5)
يصح الاستثناء فيه والاشتراط أوْلى وأحْرَى.
وإن قال: عليَّ أن أعتكف هذا الشهر، على أنّي متى عَرَض لي ما يمنعني المُقام خرجتُ، جاز ذلك، كما لو قال في الحج: إن حَبَسني حابس فمَحِلِّي حيث حُبِسْت، ويكون فائدة ذلك أنه لا يلزمه قضاءٌ ولا كفارة.
(1)
س: «قد اعتكف» .
(2)
«اعتكاف كل يوم» ليست في س.
(3)
بعده بياض في ق.
(4)
ينظر «المغني» : (13/ 623)، و «الفروع»:(5/ 132).
(5)
س: «فأن» .