الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا تحتسب بمدَّة الحيض من الاعتكاف على ما نصَّ عليه في رواية حنبل، وهو قول عامة أصحابه
(1)
؛ أبي بكر وابن أبي موسى والقاضي وأصحابه وغيرهم.
بل إن كان نذرًا معيَّنًا أو مطلقًا، فعليها قضاء مدَّة الحيض، وإن لم يكن نذرًا لم يكن عليها قضاء، لكن لا يتمّ لها اعتكاف المدَّة التي نَوَتْها إلا بالقضاء.
وظاهرُ كلام الخَرِقي أنها إذا أقامت في الرَّحْبة حُسِبَ لها من الاعتكاف كما يُحْسَب له من الاعتكاف خروجُه للحاجة والجمعة، ويتوجَّه أن يحسب مطلقًا
(2)
، ويتوجَّه أن لا قضاء عليها وإن لم يُحسب من الاعتكاف، لاسيّما إن
(3)
كانت المدة التي نذرتها مما لا تنفكُّ عن الحيض، فإن مدَّة الحيض تقع مستثناةً بالشرع والنية والنذر
(4)
.
ووجه الأول: أنه زمنٌ يطول.
[ق 134] ف
أما المُسْتحاضة، فإنها تقيم في المسجد
؛ لِما تقدم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «اعتكفَتْ
(5)
مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم امرأةٌ من أزواجه مُستحاضة، فكانت ترى الحُمْرةَ والصُّفرةَ، وربّما وضعت الطستَ تحتَها وهي تصلي» رواه البخاري
(6)
.
(1)
ق: «أصحاب» .
(2)
«له من
…
ن يحسب» سقط من ق.
(3)
س: «إذا» .
(4)
من ق.
(5)
س: «اعتكف» .
(6)
(310).
ولأن أكثر ما في ذلك أنها مُحْدِثة، وأنه يخرج منها نجاسة لا يمكن الاحتراز منها، لا تَلَوّث المسجد، فإنّ الواجبَ عليها أن تتحفَّظ من تلويث المسجد، إما بالتحفُّظ و إما بوضعٍ
(1)
شيء تحتها. فإن لم تُمْكِن صيانةُ المسجد منها، خرَجَت منه لأنه عُذْر، وكانت كالتي خرجت
…
(2)
ثم إن طالت مدّتُه
…
فصل
(3)
وإذا وجبت عليها عدَّةُ وفاة وهي معتكفة، فإنها تخرج لتعتدَّ في منزلها وإن كان الاعتكاف منذورًا؛ لأن قضاء العِدّة في منزلها أمرٌ واجب، فخرجت من اعتكافها إليه، كخروج الرجل للجمعة، وخروجها لمجلس الحاكم، وأداء الشهادة، وذلك لأن الاعتكاف وإن كان واجبًا لكن يُقَدَّم عليه قضاء العِدَّة في منزل الزوج ونحوه
(4)
لوجوه:
أحدها: أن هذه الأشياء وجبت بالشرع، فتُقدّم
(5)
على ما وجب بالنذر؛ لأن نَذْرَه لو جاز أن يتضمّن إسقاط ما يجب بالشرع، لكان له أن يُسقط إيجابَ الشرع عن نفسه، وهذا لا يكون.
الثاني: أن قضاء العدَّة في منزل الزوج يتعلّق بها حقٌّ لله تعالى وحقٌّ
(1)
س: «أو وضع» .
(2)
بياض في س، ولعل باقي النص:«للحيض» . وكذا وقع بياض في الموضع التالي.
(3)
ينظر «المغني» : (4/ 485)، و «الفروع»:(5/ 168).
(4)
من س.
(5)
ق: «فتقدمت» .
للزوج، فيأخذ شَبَهًا من الجمعة ومن أداء الشهادة، فيكون أوكد مما ليس فيه إلا مجرَّد حقّ الله تعالى.
الثالث: أن الاعتكاف يمكن استدراك ما فات منه بالقضاء، بخلاف المُكْث في منزلها، فإنه
(1)
لا يُقضى بعد انقضاء العدة.
الرابع: أن الاعتكاف يجوز تركه للعذر، وهذا عذرٌ من الأعذار.
فأما عدّة الطلاق الرجعيّ ــ إذا قلنا: هي كالمتوفَّى عنها على المنصوص ـ وعدّة الطلاق البائن ــ إذا قلنا بوجوبها في منزلها على رواية، أو اختار الزوجُ إسكانها في منزله في
(2)
الرجعيّ والبائن ــ فينبغي أنه إن كان الاعتكاف بإذنه
…
(3)
، وعليها قضاء ما تركَتْه من الاعتكاف إن كان واجبًا. ويُستحبّ لها قضاؤه إن كان مستحبًّا بغير تردّد؛ لأنها تركت الاعتكاف لأمرٍ غير معتاد، وهو مما يطولُ زمانُه
(4)
.
وظاهر ما ذكره
(5)
القاضي في «خلافه» : أنه ليس عليها استئناف الاعتكاف، كما لو أخرجها السلطانُ إلى مسجدٍ آخر، أو خرجت لصلاة الجمعة.
ثم إن كان معيَّنًا، فإنها تَبني على ما مضى، وفي الكفّارة وجهان حكاهما
(1)
في المطبوع: «فإنها» .
(2)
«في» من س.
(3)
بياض في س، وفي الكلام نقص ظاهر.
(4)
هنا كلمة لم تتضح في س.
(5)
س: «كلام» بدلًا من «ما ذكره» .
ابنُ أبي موسى
(1)
، أحدهما: عليها الكفارة. قاله الخِرَقي
(2)
.
وإن كان مطلقًا، فقيل: لها الخيار بين أن تبني وتُكَفِّر، وبين أن تستأنف الاعتكاف.
وقال القاضي: إذا قال: لله عليَّ أن أعتكف شهرًا متتابعًا، وخرج منه لعذر، لم يبطل اعتكافه، وإن خرج بغير عذر بطل اعتكافه وابتدأ.
والأعذار التي لا تُبْطل: إما فعل واجب، أو ما يُخَاف عليه فيه الضَّرر كالخوف والمرض، والكفَّارةُ على ما تقدم.
فصل
(3)
وإذا وقعت فتنةٌ خاف منها على نفسه أو ماله أو أهله الحاضر عنده أو الغائب، فله أن يخرج، سواء كان واجبًا أو تطوُّعًا.
قال أحمد في رواية أبي داود
(4)
: المعتكف ببغداد إذا وقعت
(5)
فتنة، يدع اعتكافَه ويخرج وليس عليه شيء إنما هو تطوُّع، والمعتكف ينفر إذا سمع النفير؛ وذلك لأن ما وجب بأصل الشرع من الجمعة والجماعة يجوز تركُه بمثل هذا، فما وجب بالنذر أولى.
ثم إن كان تطوّعًا، فإن أحبّ أن يتمّه، وإن أحبّ أن لا يتمّه. وإن كان
(1)
في «الإرشاد» (ص 155).
(2)
«المختصر» (ص 52).
(3)
ينظر «المغني» : (4/ 477)، و «الفروع»:(5/ 168)، و «الإنصاف»:(7/ 605).
(4)
لم أجده في المطبوع من المسائل.
(5)
س: «وقع» .
واجبًا بالنذر معيَّنًا، مثل: هذا الشهر، فإنه يَبْني على ما مضى ويقضي ما تركَه.
وهل يجب في القضاء أن يكون متصلًا متتابعًا؟ أو يجوز أن يفرِّقه ويقطعه؟ على وجهين، وعليه كفارة يمين لفوات التعيين في المشهور عند أصحابنا.
وذكر ابنُ عقيل أن أحمد نصَّ فيمن خرج لفتنة: يكفّر كفارةَ يمين ويبني؛ لأن هذا قَطْعٌ للاعتكاف بأمر غير معتاد، وهو لِحَظِّه.
ومما يبد
…
(1)
وإن كان مطلقًا غير متتابع، مثل «عشرة أيام» ، فإنه يبني على ما فعل، لكن يبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله، لأن التتابُعَ في اليوم الواحد واجب.
وإن كان مطلقًا متتابعًا، فله الخيار بين
(2)
أن يستأنف ولا كفَّارة عليه، أو يبني على ما فعل وعليه الكفارة. هذا هو المشهور في المذهب.
وروى
…
(3)
ولو خاف انهدام المسجد عليه، أو
(4)
انهدمَ بحيثُ لم يمكنه إتمام
(5)
الاعتكاف، فإنه يخرج فيتمّه في غيره، ولا يبطل اعتكافُه، ولا كفَّارة عليه.
(1)
بياض في النسختين.
(2)
سقطت من المطبوع.
(3)
بياض في النسختين.
(4)
س: «إذا» .
(5)
من س.
ومثل هذا إذا مرض مرضًا لا يمكنه المُقام معه في المسجد، كالقيام المُتَدَارَك
(1)
وسَلَسل البول والإغماء، أو يمكنه القيام بمشقَّة شديدة، بأن يحتاج إلى خدمة وفراش؛ فله ترك الاعتكاف، ويكون كما لو تركه للخوف.
[ق 135] وإن كان مرضًا خفيفًا، كالحمَّى الخفيفة، ووجع الضّرْس والرأس، فهذا لا يخرج لأجله، فإن خرج استأنف.
وإن احتاج إلى ما يأكل وليس له شيء، فاحتاج إلى اكتساب أو اتِّجار
…
(2)
قال القاضي وابن عقيل: متى خرج خروجًا جائزًا لحقٍّ وجَبَ عليه، كإقامة الشهادة والعِدّة والنفير والحيض والجمعة والمرض الذي لا يمكن معه المقام، فلا كفَّارة عليه. وإن كان لغير واجب، كالخروج من فتنة أو لمرض يمكن معه المُقام بغير مشقَّة
(3)
، فعليه الكفارة، لأنه خرج لِحَظِّ نفسهِ
(4)
. وتأوَّل كلام الخِرَقي
(5)
.
فصل
(6)
وإذا تعيَّن عليه الخروجُ للجهاد، بأن يحضر عدوٌّ يخافون كَلَبَه، أو
(1)
القيام المتدارك هو: مرض المبطون الذي أصابه الإسهال. ينظر «المطلع على أبواب المقنع» (ص 354).
(2)
بياض في النسختين.
(3)
س: «المقام بمشقّة» وما في ق أصحّ.
(4)
س: «مشقة» خطأ.
(5)
بعده بياض في س.
(6)
ينظر «المغني» : (4/ 477)، و «الفروع»:(5/ 168)، و «الإنصاف»:(7/ 604).
يستنفر الإمامُ استنفارًا عامًّا، فإنه يخرجُ ويدعُ اعتكافَه
(1)
، كما قلنا في الخروج لقضاء العدَّة وأشدّ؛ لأن الجهاد من أعظم الواجبات، والتخلُّف عنه من أعظم المفاسد.
ثم إذا قضى غزوَه، وكان تطوّعًا، فله الخيار بين أن يقضيه أو لا يقضيه، والأفضل أن يقضيه.
وإن كان نذرًا، فعلى ما ذكرنا في الخروج لقضاء العِدَّة: يبني إن كان معيَّنًا. وفي الكفارة وجهان حكاهما ابنُ أبي موسى
(2)
في العِدّة.
أحدهما: يجب. قاله الخِرَقي
(3)
وغيره.
والثاني: لا يجب. قاله القاضي. وفرَّق بين الخروج لواجب
(4)
كالنفير والعدة، وبين الخروج [لمباح]
(5)
.
وإن كان مطلقًا، فهو بالخيار بين أن يستأنف وبين أن يبني.
وإن لم يكن الجهاد متعيِّنًا، فهل يجوز الخروج إليه، كصلاة الجنازة وعيادة المريض وأولى؟
(6)
لم يَجُز له الخروج عند أصحابنا، مع أن الجهاد والرباط أفضل من الاعتكاف.
(1)
س: «الاعتكاف» .
(2)
في «الإرشاد» (155).
(3)
«المختصر» (ص 52).
(4)
ق: «الواجب» .
(5)
بياض في النسختين. ولعله ما اقترحته.
(6)
كذا وفي الكلام نقص.
وقال في رواية الأثرم: الخروج إلى عَبَّادان أحبّ إليَّ من الاعتكاف، وليس يعْدِل الجهادَ والرباطَ شيءٌ
…
(1)
فإذا كان الاعتكاف تطوُّعًا، فعَرَض له
(2)
جنازة أو مريض يُعاد ونحو ذلك، فقال بعض أصحابنا: إتمام اعتكافه أفضل؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكن يُعَرِّج على مريض
(3)
. ولم يكن واجبًا عليه، ولأن إتمام العبادة التي شَرَع فيها أفضل من إنشاء عبادةٍ أخرى؛ لإن إتمامها واجب عند بعض العلماء، ومؤكَّد الاستحباب عند بعضهم.
وقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصائمَ إذا دُعِي وكان صائمًا أن يصلِّي، ولم يأمره بالأكل
(4)
…
(5)
فصل
(6)
ويُستحبّ لمن اعتكف العشرَ الأواخرَ من شهر
(7)
رمضان أن يبيت ليلةَ العيد في معتكَفِه ويخرج منه إلى المصلَّى في ثياب اعتكافه.
قال في رواية الأثرم: يخرج من معتكفه إلى المصلَّى.
(1)
بياض في النسختين.
(2)
ليست في س.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
أخرجه مسلم (1431) من حديث أبي هريرة.
(5)
بياض في النسختين.
(6)
ينظر «المغني» : (4/ 490)، و «الفروع»:(3/ 200 و 5/ 159).
(7)
ليست في س.
وقال في رواية المرُّوذي: لا يلبس ثيابَه يوم العيد، ويشهد العيدَ في ثيابه التي اعتكف فيها. وذكر ذلك عن أبي قِلابة.
وذلك لِما رُوي عن إبراهيم قال: «كانوا يحبون لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضان أن ينام ليلة الفطر في المسجد، ثم يغدو إلى المصلَّى من المسجد»
(1)
.
وعن أيوب: «أن أبا قلابة اعتكف في مسجد قومه، فغدوتُ عليه غداةَ الفطر وهو في المسجد، فأُتي بجُوَيريّة مُزَيّنة، فأقْعَدها في حِجْره
(2)
، ثم أعتقها، ثم خرج كما هو من المسجد إلى المصلَّى»
(3)
. رواهما سعيد.
وذكر القاضي
(4)
عن ابن عمر والمطَّلب بن عبد الله بن حَنْطَب وأبي قِلابة مثل ذلك.
وذلك لأن يوم العيد يوفَّى الناسُ أجرَ أعمالهم، وفي ليلة الفطر ينزل جوائز للصُّوَّام، والصُّوَّام
…
(5)
، فاستُحِبّ له أن يصل اعتكافَه بعيْدِه، كما اسْتُحِبّ للمحرم أن يصل إحرامه بِعِيْدِه.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (9771).
(2)
س: «حجرها» .
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (9770)، وعزاه في «المغني»:(4/ 490) إلى الأثرم.
(4)
ذكرها ابن قدامة في «المغني» : (4/ 490).
(5)
بياض في النسختين. والصُّوّام: جمع صائم. «المعجم الوسيط» (ص 529).