الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس
(1)
أن من فعل هذه الأشياء ناسيًا لصومه لم يفطر
.
ولا يختلف المذهب في الأكل والشرب ونحوهما مما فيه القضاء فقط، وقد تقدم ذِكْر المباشرة، والله أعلم
(2)
.
وأما الحجامة إذا فعلها ناسيًا، فالمنصوص أنه لا يفطر.
قال حرب: قلت لأحمد: فاستحجم ناسيًا؟ قال: لا شيء.
وذكر ابنُ عقيل فيها وجهين:
أحدهما: كذلك، لأنها ليست بأكثر من الأكل والشرب
(3)
.
والثاني
(4)
: يفطر؛ لأن الفطر بها ثبَتَ على خلاف القياس، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفصّل في قوله:«أفطرَ الحاجمُ والمحجوم» ولم يستفصل عن حال اللذين مرَّ بهما، وفي الاستقاء
…
(5)
والأصل في ذلك: ما روى محمدُ بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن نَسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليُتمّ صومَه؛ فإنما
(1)
ينظر «المغني» : (4/ 364 - 365)، و «الفروع»:(5/ 12 - 13)، و «الإنصاف»:(7/ 423 - 424).
(2)
. «والله أعلم» ليست في س.
(3)
. «والشرب» من س.
(4)
. المطبوع: «الثاني» .
(5)
. الكلمة غير محررة، وبعدها بياض في س.
أطعمَه الله
(1)
وسقاه» رواه الجماعة
(2)
.
وفي رواية أبي داود
(3)
: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أكلت وشربت ناسيًا وأنا صائم؟ فقال: «اللهُ أطعمَك وسقاك» .
وفي هذا الحديث الدلالة من وجوه:
أحدها: أنه أمره بإتمام الصوم تخصيصًا له بهذا الحكم بقوله: «مَن أكَلَ أو شرب ناسيًا» ، فعُلِم أن هذا إتمامٌ لصوم صحيح، إذ لو كان المراد به وجوب الإمساك لم يكن بين العامد والناسي فرق.
الثاني: أنه قال: «فليتمّ صومَه» ، وصومه هو الصوم الصحيح المجزئ. وقد أُمِر بإتمامه، فعُلم أنَّ الصومَ الذي بعد الأكل تمام الصوم الذي قبله، ولو أراد وجوب الإمساك فقط
(4)
لقال: فليتم صيامًا
(5)
، أو: فليصم بقية يومه
…
ونحو ذلك، كما قال لأهل عاشوراء.
الثالث: أنه لم يأمره بالقضاء، وقد جاء مستفتيًا له عما يجب عليه، شاكًّا في الأكل مع النسيان، هل يفسد أو لا يفسد؟ ومعلوم أنه لو كان واجبًا لَذَكَره، ولم يَجُز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
(1)
. س: «الله أطعمه» .
(2)
. أخرجه أحمد (9136)، والبخاري (1933)، ومسلم (1155)، وأبو داود (2398)، والترمذي (721)، النسائي في «الكبرى» (3262، 3263)، وابن ماجه (1673).
(3)
. (2398).
(4)
. سقطت من ق.
(5)
. س: «صائمًا» .
الرابع: أنه علّل أمرَه بالإتمام بأنَّ الله أطعمَه وسقاه، ولو لم يكن مقصوده إتمام الصوم الصحيح، لم يصح التعليل بهذا؛ فإنه إذا أفسدَ
(1)
الصومَ في رمضان وجب الإمساك، وإن لم يكن الله أطعمه وسقاه بغير قصد من العبد
(2)
ولا إرادة، فلابدّ أن يكون لهذه العلة أثرٌ في هذا الحُكم، ولا يكون لها أثرٌ إلا أن يكون الصومُ صحيحًا.
الخامس: أنه قال: «الله أطعمك وسقاك» تعليلًا وجوابًا. ومعلوم أن إطعام الله وإسقاءه للعبد على وجهين:
أحدهما: أنه خَلَق له الطعامَ والشرابَ
(3)
والحركةَ التي بها يأكل ويشرب، وعلى هذا فالعامد والناسي وجميع الخلق، الله أطعمهم وسقاهم، كما قال إبراهيم:{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء: 79].
وهذا المعنى لم يقصده النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه قَدْرٌ مشترك بين المتعمد والناسي، وهو بمنزلة قوله: أنت أكلْتَ وشربْتَ، فهي حكاية حال محضة.
والثاني: أن يطعمه ويسقيه بغير قصد من العبد ولا عَمْد، كما في هذه الصورة، فإنه لو ذكر أنه صائم لم يأكل ولم يشرب، لكن أنساه الله تعالى صومَه، وقَيَّض له الطعام والشراب، فصار غير مكلَّف لأجل النسيان، فأضيف الفعل إلى الله تعالى قدرًا وشرعًا، فسقط قلم التكليف عن هذا الفعل.
(1)
. س: «فسد» .
(2)
. ق: «التعبد» والمثبت من س، وسيأتي في الصفحة التالية أيضًا بلفظ:«بغير قصدٍ من العبد ولا عمد» .
(3)
. «والشراب» سقطت من س.
وفِعْل الله تعالى لا يتوجّه إليه تكليف، فإن إطعامَه وإسقاءَه لا يكون منهيًّا عنه، والمكلّف لم يوجد منه ما نُهِي
(1)
عنه، فالصوم باقٍ بحاله.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أطعمَك وسقاك» معناه: لا صُنْع لك في هذا الفعل، وإنما هو فعل الله فقط، فلا حَرَج عليك فيه ولا إثم، فأتْمِم صومَك.
السادس: ما رُوي في لفظ: «إذا أكلَ الصائمُ أو شربَ ناسيًا، فإنما هو
(2)
رزقٌ ساقَه الله إليه، ولا قضاءَ عليه» رواه الدارقطني
(3)
، وقال: إسناد صحيح، كلهم ثقات.
وفي لفظ: «مَن أفطر يومًا من رمضان ناسيًا، فلا قضاءَ عليه ولا كفّارة» رواه الدارقطني
(4)
وقال: تفرّد به ابنُ مرزوق ــ وهو ثقة ــ عن الأنصاري.
وأيضًا: عن أمّ حكيم بنت دينار، عن مولاتها أم إسحاق: أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُتي بقصعةٍ من ثريد، فأكلَتْ معه ومعه ذو اليدين، فناولها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عرَقًا فقال:«يا أمّ إسحاق، أصيبي مِن هذا» قالت
(5)
: فذكرتُ
(1)
. المطبوع: «يخفى» ، تصحيف.
(2)
. سقطت من س.
(3)
. (2242) من طريق محمد الطباع، عن ابن عُلية، عن هشام، عن ابن سيرين عن أبي هريرة به. وصححه الدارقطني كما نقل المصنف. وأخرجه أحمد (9489)، ومسلم (1155) من طريقين عن ابن عُليّة، عن هشام به، ولم يذكروا لفظة «ولا قضاء عليه» ، وهي وإن لم تكن مؤثرة في المعنى إلا أنه تفرد بها من لا يحتمل تفرّده.
(4)
. (2243)، وأخرجه ابن خزيمة (1990)، وابن حبان (3521)، والبيهقي:(4/ 229) وقوّاه ..
(5)
. من س.
أني كنتُ صائمة، فبرَدَتْ
(1)
يَدِي لا أُقدِّمها ولا أؤخِّرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما لكِ؟» قلت: كنتُ صائمة فنسيتُ، فقال ذو اليدين: الآنَ بعدما شبعتِ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتمِّي صومَك؛ فإنما هو رِزقٌ ساقَه الله إليك» رواه الإمام
(2)
أحمد وأبو بكر عبد العزيز
(3)
.
ولأن الصوم من باب الترك؛ فإن الواجب
(4)
فيه الإمساك عن المفطِّرات، وليس فيه فعل ظاهر يفعله، [ق 72] وإذا كان الفطر من باب المنهيَّات، فإن الإنسان إذا فعل ما نُهِي عنه ناسيًا أو مخطئًا، كان وجود ذلك الفعِل كعدمه في حقّ الله تعالى
(5)
؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قال الله تعالى: قد فعلتُ
(6)
. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «عُفِي لأمّتي عن الخطأ والنسيان»
(7)
.
(1)
. ق: «فتركت» .
(2)
. من ق.
(3)
. أخرجه أحمد (27069). والطبراني في «الكبير» : (25/ 169). قال ابن عبد الهادي في «التنقيح» : (3/ 232): «هذا حديث غريب غير مخرَّج في السنن، وبعض رواته ليس بمشهور» . وقال الحسيني في «الإكمال» : (2/ 467): «غريب الإسناد» ، وقال الهيثمي في «المجمع»:(3/ 157): «أم حكيم لم أجد لها ترجمة» . وفي إسناده بشار بن عبدالملك قال ابن معين: ضعيف. وينظر «الإرواء» : (4/ 88).
(4)
. س: «فالواجب» .
(5)
. قوله: «الله تعالى» ، ليست في س.
(6)
. أخرجه مسلم، وقد تقدم.
(7)
. تقدم تخريجه في كتاب الطهارة.