الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ق 56]
الفصل الثاني
أنه ليس له أن يؤخِّره إلى رمضان آخر إلا لعذر
، مثل أن يمتدّ به المرضُ أو السفر إلى أن يدخل الرمضان الثاني.
فإن أخَّره إليه لعذر، صام الرمضان الذي أدركه، وقضى الرمضان الذي فاتَه بعدَه، ولا شيء عليه.
قال حرب: سألت أحمد: قلت: رجل أفطر في رمضان من مرض أو علة، ثم صحَّ ولم يقض حتى جاء رمضان آخر؟ قال: يصوم هذا اليوم
(1)
الذي جاء، ويقضي الذي ترك، ويطعم لكلّ يوم مسكينًا. قلت: مُدًّا؟ قال: نعم.
قال القاضي: نصّّ عليه في رواية الأثرم والمرُّوذي وحنبل
(2)
.
وإن امتدَّ العذر إلى آخر الرمضان الثاني صام
…
(3)
وإن أخَّره إلى الثاني لغير عذرٍ أثِمَ
(4)
، وعليه أن يصوم الذي أدركه، ثم يقضي الأول، ويطعم لكلّ يوم مسكينًا
.
وقيل: له أن يؤخره إلى الرمضان الثالث هنا
…
(5)
(1)
. سقطت من ق.
(2)
. وينظر «مسائل الكوسج» : (3/ 1251)، و «مسائل ابن هانئ»:(1/ 136).
(3)
. بياض في النسختين.
(4)
. في المطبوع: «أتمّ» .
(5)
. بياض في النسختين.
وذلك لما احتجّ به أحمد؛ قال في رواية المرُّوذي في الرجل يلحقه شهر رمضان وعليه شهر رمضان قبله: إن كان فرَّط أطعم عن كلّ يوم مسكينًا، وإن كان لم يفرِّط صام الذي أدركه وقضى بعدد ما عليه.
رواه عن الحكم، عن ميمون بن مِهْران، عن ابن عباس
(1)
.
وعن أبي الخليل، عن عطاء، عن أبي هريرة
(2)
.
وقيس بن سعد، عن عطاء، عن أبي هريرة
(3)
.
وقد روى الدارقطني
(4)
عن ابن عمر: أنه كان يقول: «مَن أدركه رمضانُ وعليه من رمضان شيء، فليُطعِم مكان كلّ يوم مسكينًا مدًّا من حنطة» .
(1)
. ورواه أيضًا علي بن الجعد في «مسنده» (235)، والطحاوي في «أحكام القرآن» (888)، والبيهقي:(4/ 253) كلهم من طريق شعبة عن الحكم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس في رجل أدركه رمضان وعليه رمضان آخر قال: «يصوم هذا ويطعم عن ذاك كل يوم مسكينًا ويقضيه» .
(2)
. لم أجده من هذا الوجه، ولكن قد أخرجه البيهقي:(4/ 253) بإسناد جيد عن أبي الخليل، عن مجاهد (بدل عطاء)، عن أبي هريرة بنحوه.
(3)
. أخرجه الطحاوي في «أحكام القرآن» (891)، والدارقطني:(2348) والبيهقي: (4/ 253). قال الدارقطني: «هذا إسناد صحيح» . وفي رواية الدارقطني تفصيل بين الذي لم يصح بين الرمضانين، والمفرّط الذي صحّ فلم يصم، وسيأتي لفظها عند إشارة المؤلف إليها.
ولأثر أبي هريرة طريقان آخران صحيحان عن عطاء، وسيأتي ذكرهما.
(4)
. في «السنن» : (2341، 2342) من طريقين صحيحين عن نافع عن ابن عمر، هذا لفظ إحداهما، وفي لفظ الأخرى زيادة:«ثم ليس عليه قضاء» في آخره. وأخرجه أيضًا عبد الرزاق (7623) بإسناد آخر صحيح عن نافع عن ابن عمر بنحوه، وفيه التصريح أنه يقضي أيام الرمضان الأول «بإطعام مدّ من حنطة ولم يصم» .
وعن مجاهد عن ابن عباس قال: «مَن فرَّط في صيام شهر رمضان حتى يدركه رمضانُ آخر، فليصم هذا الذي أدركه، ثم ليصم ما فاته، ويطعم مكان كلِّ يوم مسكينًا»
(1)
.
وعن مجاهد، عن أبي هريرة فيمن فرّط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضانُ آخر، قال:«يصوم هذا مع الناس، ويصوم الذي فرّط فيه، ويطعم لكلّ يوم مسكينًا»
(2)
.
ورواه الدارقطني
(3)
عن عطاء، عن أبي هريرة وقال: إسناد صحيح موقوف.
(1)
. أخرجه الدارقطني (2347) من طريق ابن عيينة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن مجاهد به. وقد اختُلف فيه على أبي إسحاق، فرواه عبد الرزاق (7620) عن معمر عنه، عن مجاهد، عن أبي هريرة (بدل ابن عباس). وكذا رواه الدارقطني (2344) عن مطرّف عنه، عن مجاهد، عن أبي هريرة. ورواية هذين عن أبي إسحاق ــ أي بجعله من قول أبي هريرة ــ هي الصواب، فإن ابن عيينة إنما سمع من أبي إسحاق بعد ما كبر أبو إسحاق واختلط. ومما يدل على خطأ رواية ابن عيينة، أن أبا إسحاق سلك فيها الجادّة، فـ (مجاهد عن ابن عباس) هي الطريق المشهورة التي تتبادر إلى الذهن ويسبق إليها اللسان، بخلاف (مجاهد عن أبي هريرة) فهي مظنّة الضبط. والله أعلم.
(2)
. رواه عبد الرزاق (7620)، والدارقطني:(2344) واللفظ له، والبيهقي:(4/ 253). قال الدارقطني: «إسناد صحيح موقوف» .
(3)
. في «السنن» : (2343، 2346) من طريق ابن جريج، ورقبة بن مَصْقَلة، كلاهما عن عطاء به. قال في الأول:«إسناد صحيح موقوف» ، وفي الثاني:«إسناد صحيح» .
ومن طريق ابن جريج أيضًا أخرجه عبد الرزاق (7621) والطحاوي في «أحكام القرآن» (889). ومن طريق رقبة أخرجه الطحاوي (890) والبيهقي (4/ 253).
ورواه
(1)
مرفوعًا من وجهٍ غير مرضي.
وقد ذكر يحيى بن أكثم أنه وجد في هذه المسألة الإطعام عن ستة من الصحابة لم يَعْلَم لهم منهم مخالفًا
(2)
. ولأن قضاء الرمضان مؤقَّت بما بين الرمضانين لوجوه:
أحدها: ما رواه
(3)
أحمد عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من أدرَكَ رمضانَ وعليه مِن رمضان شيء لم يقضه، لم يتقبَّل منه»
(4)
.
لأن العبادات إما أن تجب مؤقتة أو على الفور؛ فإنها لا تكون على التراخي عندنا، كما نذكر إن شاء الله في الحج
(5)
، فلما لم يجب قضاء رمضان على الفور علم أنه مؤقت.
(1)
. أي الدارقطني (2345) من طريق إبراهيم بن نافع الجلّاب، عن عمر بن موسى بن وجيه، عن الحكم، عن مجاهد، عن أبى هريرة مرفوعًا. قال الدارقطني:«إبراهيم بن نافع، وابن وجيه ضعيفان» . وقال البيهقي: (4/ 253): «وليس بشئ. إبراهيم وعمر متروكان» .
(2)
. حكاه الطحاوي في «مختصر اختلاف العلماء» : (2/ 22 - 23) عن شيخه أحمد بن أبي عمران، أنه سمع يحيى بن أكثم يقول ذلك.
(3)
. ق: «روى» .
(4)
. أخرجه أحمد (8621) وفي إسناده عبد الله بن لهيعة، وهو ضعيف. لكن قال الهيثمي في «المجمع»:(3/ 179): «حديث حسن» . وسيذكر المصنف بعد صفحات فتيا أبي هريرة الموافقة للحديث، وأن احتجاج الإمام أحمد بالحديث يدلّ على أنه من جيّد حديث ابن لهيعة. وانظر «فتح الباري»:(3/ 365) لابن رجب.
(5)
. (4/ 97 - 123).
وبهذا يتبين أن قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} لولا حديث عائشة لحُمِل على الفور، وحديثُ عائشة إنما أفاد جواز التأخير إلى شعبان. وما زاد على ذلك لا يُعْلَم جواز التأخير فيه، ومطلق الأ [مرِ]
(1)
يقتضيه.
وقد احتجّ أصحابُنا بأنّ عائشة ذكرَتْ أنها كانت تقضيه في شعبان، لبيان تضييق وقته في شعبان، وأنها كانت تؤخّره إلى آخر وقته، فعُلِم أن وقت القضاء كان محصورًا، وأنها إنما أخّرت القضاء شُغلًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وشعبانُ وغيرُه في الشغل سواء، فلولا تضيُّق الوقت لأخّرَتْه.
لكن يقال: إنما أخّرَتْه إلى شعبان لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم في شعبان، فتتمكّن من الصوم معه. وكذلك سياق الحديث يدلّ على ذلك.
الثاني: أن الصوم قد وُسِّع وقتُه على المسافر والمريض، فهو بالخِيَرة بين أن يصوم فيه أو فيما بعده، وضُيّق على الصحيح المقيم.
والعبادة الموسّعة يخرج وقتها بدخول وقت مثلها، بدليل الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم:«ليس في النوم تفريط، إنما التفريطُ في اليقظة: أن يؤخِّر الصلاةَ حتى يدخلَ وقتُ الأخرى»
(2)
.
فإذا كان هذا في الصلاة فهو في الصوم أولى؛ لأن وقت الصلاة الثانية يتسع للصلاتين، ووقت الصوم الثاني لا يتسع لهما، ولأن الصوم قد استقرّ في ذمّته أعظم من استقرار الصلاة بأول الوقت.
(1)
. في النسختين: «الأ» وبعدها في ق مطموس. ولعله ما أثبت. واقترح قراءته: «ومطلق الأمر [لا] يقتضيه» .
(2)
. أخرجه مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، وتقدم في كتاب الصلاة.
الثالث: أنه إذا أخَّره إلى الرمضان الثاني عمدًا، فقد أخَّره إلى وقت لا يمكنه فعله فيه، ويجوز أن يدرك ما بعد رمضان، ويجوز أن لا يُدركه، فأشبه تأخير الحج من عام وجوبه إلى العام الذي يليه.
الرابع: أنه إذا أخّره إلى رمضان الثاني، فإنه يلزمه أن يبدأ بالحاضر قبل الفائت، والعباداتُ المؤقّتة من جنس واحد يجب أن يبدأ بأولها فأولها وجوبًا كالصلاتين
(1)
المجموعتين، والفائتتين، والجمرات إذا أخَّر رميَها [إلى]
(2)
اليوم الثالث.
الخامس: أن الصحابة رضي الله عنهم سمَّوه مفرّطًا كما تقدّم، والتفريط إنما يكون فيمن أخَّرها عن وقتها.
وإذا ثبت أنه مؤقّت، فقد ترك الصومَ الواجبَ في وقته على وجهٍ لا يوجب القضاءَ، فأوجب الفديةَ، كالشيخ الكبير والعجوز الكبيرة
(3)
إذا تركا الصوم.
ومعنى قولنا: «لا يوجب القضاء» : أنه لا يجب عليه صومُ يوم
(4)
بترك الصوم بين الرمضانين، والصوم الواجب في ذمّته قد استقرّ بنفس الفطر في رمضان
(5)
. وبهذا يظهر الفرقُ بينه وبين مَن أفطر في رمضان عمدًا
(6)
، فإن
(1)
. ق: «فالصلاتين» وعلق في الهامش: «لعلها: كالصلاتين» .
(2)
. زيادة لاستقامة السياق.
(3)
. «الكبيرة» سقطت من المطبوع.
(4)
. كذا في النسختين، وسقطت من المطبوع.
(5)
. قوله: «والصوم
…
رمضان» سقط من المطبوع.
(6)
. «في رمضان» سقطت من المطبوع. وفي هامش النسختين ما نصه: «يتوجّه إيجاب الفدية على من أفطر عمدًا» اهـ هامشه.
نفس ذلك الترك [ق 57] أوجبَ القضاءَ فلا يوجبُ غيرَه.
وفواتُ العين لا سبيل إلى جبرها أصلًا، وهنا الفطر في رمضان أوجبَ القضاءَ، والصومُ الواجبُ بين الرمضانين لابدّ له من بَدَل.
فإن قيل: فهلَّا أوجب صومَ يوم آخر؟
قيل:
…
(1)
ولأنها عبادة لا تُفْعَل في العام إلا مرة.
(2)
وأما إذا أخَّر القضاءَ لعذرٍ، فإنه لم يجب عليه قضاؤه بين الرمضانين لوجود العذر، والصومُ باقٍ في ذمّته، فلا يجب عليه أكثر منه
(3)
.
فإن قيل: فقد روى سعيد، عن ميمون بن مِهْران، عن ابن عباس: أنه كان يقول فيمن مرض في رمضان فلم يزل مريضًا حتى جاء رمضانُ آخر، قال:«يطعم للأول ويصوم للثاني، فإن كان صحّ بينهما أو فرَّط في صيامه، صام هذا الذي أدرك، وأطعم للأول وصامه أيضًا» . رواه سعيد
(4)
.
(1)
. بياض في النسختين.
(2)
. في المطبوع هنا «مسألة» في صورة عنوان، وفي النسختين بياض، وليس النص من متن كتاب العمدة.
(3)
. ينظر «المستوعب» : (1/ 420)، و «المغني»:(4/ 400)، و «الفروع»:(5/ 62)، و «الإنصاف»:(7/ 498).
(4)
. «رواه سعيد» ساقط من (ق) والمطبوع. ولم أجد الأثر عن ابن عباس بهذا التفصيل، وقد سبق بلفظ آخر دون هذا التفصيل (ص 275).
وعن أبي هريرة
(1)
وابن عباس
(2)
نحوه.
ولأنه قد فُوّت للعجز عنه على وجهٍ لا يوجب عليه القضاء، فلم يكن عليه إلا الفدية، كالشيخ الكبير.
قيل: قد تقدم عن أحمد أنه ذكر عنهما خلاف ذلك، ولأن القضاء قد وجب في ذمته، وفوات وقته لا يقتضي سقوطه كفوات وقت الأداء.
فصل
(3)
فإن كان قد أمكنه قضاء بعض ما فاته دون بعض، لزمه الإطعام عن قدر
(4)
ما أمكنه قضاؤه؛ لأنه هو الذي فرّط فيه، فلم يلزمه إلا فديته، كما لو أفطر في رمضان أيامًا، لم يلزمه إلا قضاؤها، والإطعام قبل القضاء
…
(5)
فإن أخَّره إلى رمضان ثالث، لم يلزمه أكثر من كفّارة
(6)
مع الإثم
(7)
؛
(1)
. وذلك في رواية الدارقطني: (2348) بلفظ: «إذا لم يصح بين الرمضانين صام عن هذا وأطعم عن الماضي ولا قضاء عليه، وإذا صحّ ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر صام هذا وأطعم عن الماضي فإذا أفطر قضاه» . قال الدارقطني: هذا إسناد صحيح.
(2)
. كذا، ولعل الصواب:«وابن عمر» فإن أثر ابن عباس مرّ آنفًا. وسبق تخريج قول ابن عمر في الذي عليه أيام من رمضان وأدركه رمضان آخر، أنه يُطعم ولا قضاء عليه.
(3)
. ينظر «المستوعب» : (1/ 421)، و «المغني»:(4/ 401)، و «الفروع»:(5/ 65).
(4)
. س: «قد» خطأ.
(5)
. بياض في النسختين.
(6)
بعدها في النسختين: «أخرى» ، والظاهر أنها مقحمة ولا يستقيم السياق بوجودها.
(7)
. صدّر هذه الفقرة في المطبوع بـ «مسألة» ولا وجود لذلك في النسختين. وفي هامشهما تعليق نصه: «هل يجب كفارتان أو يفرق بين أن يكون كفّر عن الأول أو لم يكفّر؟ [و] هل يجب عليه المبادرة بالقضاء بعد الرمضان الثاني لأنه قد بقي واجبًا مطلقًا غير مؤقّت؟ هـ هامشه بخط الناسخ عُفي عنه» .