الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدهما: يصح اعتكافه في كلِّ مسجد؛ لأن الجماعة لا تجب عليه.
والثاني: لا يصح إلا في مسجد الجماعة؛ لأنه من أهل الوجوب، فإذا تكلَّف الاعتكافَ في مسجد، وجب أن يكون في
(1)
مسجد الجماعة.
وإذا تكلَّف حضورَ محلِّها وجبت عليه كما تجب عليه الجمعة إذا حضر المسجد، لأن المُسْقِط للحضور قد التزمه، كما يجب عليه إذا حضرها. ولأن مَن التزم التطوُّعات لا يصح أن يفعلها إلا بشروطها، كالصوم والصلاة.
فعلى هذا: إن أقيمت فيه بعض الصلوات، فاعتكف في وقت تلك الصلاة
…
(2)
الفصل الرابع
(3)
أن المرأة لا يصحّ اعتكافها إلا في المسجد المتخذ للصلوات الخمس
(4)
الذي يحرُم مُقام الجنب فيه وتناله أحكامُ المساجد.
فأما مسجد بيتها ــ وهو مكانٌ من البيت [ق 111] يتخذه الرجل أو المرأة للصلاة فيه مع بقاء حكم المِلْك عليه ــ فلا يصح الاعتكاف فيه عند أصحابنا.
(1)
«في» من س.
(2)
بياض في الأصلين.
(3)
ينظر «المغني» : (4/ 464 - 465)، و «الفروع»:(5/ 141)، و «الإنصاف»:(7/ 579).
(4)
سقطت من المطبوع.
قال أحمد في رواية أبي داود
(1)
وقد سُئل عن المرأة تعتكف في بيتها: فذكر النساءَ يعتكفن في المساجد، ويُضرب لهنّ فيه الخِيَم، وقد ذهبَ هذا من الناس.
لأن هذا ليس مسجدًا، ولا يسمَّى في الشرع مسجدًا، بدليل جواز مُكث الحائض فيه، والاعتكافُ إنما يكون في المساجد، ولأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفن في المسجد بعده كما تقدم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجرَ ثم دخل معتكَفَه، وأنه أمر بخبائه فضُرِب، ثم أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فأمرَتْ زينبُ بخبائها فضُرب
(2)
، وأمَرَت غيرُها من أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم بخباءٍ فضُرب، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجرَ، نظر فإذا الأخبية، فقال:«آلبِرَّ تُرِدْن؟» فأمر بخبائه فقُوِّض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في
(3)
العشر الأُوَل من شوّال. رواه الجماعة
(4)
.
وفي رواية للبخاري وغيره
(5)
عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَكَر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذَنَتْه عائشةُ فأذن لها، وسألت حفصةُ عائشةَ أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينبُ، أمرت ببناءٍ فبُنِي
(1)
«المسائل» (ص 138).
(2)
ليست في ق.
(3)
ليست في س.
(4)
أخرجه البخاري (2033، 2034)، ومسلم (1172)، وأحمد (24544، 25897)، وابن ماجه (1771)، وأبو داود (2464)، والترمذي (790)، والنسائي (709).
(5)
أخرجه البخاري (2045)، وأحمد (24544)، والنسائي في «الكبرى» (3331).
لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال:«ما هذا؟» قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آلبِرَّ أرَدْنَ بهذا؟! ما أنا بمعتكف» فرجع، فلما أفطر اعتكف عشرًا من شوَّال.
فهذا نصٌّ مفسَّر في أنه أذن لعائشة وحفصة أن يعتكفا في المسجد، وذلك دليلٌ على أنه مشروع حَسَن، ولو كان اعتكافهنّ في غير المسجد العام ممكنًا لاستغنينَ بذلك عن ضرب الأخبية في المسجد كما استغنين بالصلاة في بيوتهن عن الجماعة في المساجد، ولأمرهنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك، كما قال في الصلاة:«وبيوتهنّ خيرٌ لهنّ»
(1)
.
لاسيما وقد خاف أن يكون قد دخلهُنَّ في ذلك شيء من المنافسة والغيرة حين تَشَبَّه بعضُهنّ ببعض، واعتكفن معه، حتى ترك الاعتكاف من أجل ذلك، وقد كان يمكنه أن يقول: الاعتكافُ في البيت يغنيكنّ عن الاعتكاف في المسجد، كما قال لعائشة:«صلي في الحِجْر فإنه مِن [ق 112] البيت»
(2)
. وكان مما يحصل به مقصوده ومقصود من أرادت الاعتكاف منهن، وتقوم به الحجّةُ على مَنْ لم يرده.
(1)
أخرجه أحمد (5468، 5471)، وأبو داود (567)، وابن خزيمة (1684)، والحاكم:(1/ 327)، وصححه الحاكم والنووي في «خلاصة الأحكام»:(2/ 678)، والبوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة»:(2/ 64)، والألباني في «صحيح أبي داود - الأم»:(3/ 103). لكن قال ابن خزيمة: «ولا أقف على سماع حبيب بن أبي ثابت هذا الخبرَ من ابن عمر» . وللحديث شواهد يتقوى بها.
(2)
أخرجه أحمد (24616)، وأبو داود (2028)، والترمذي (876)، والنسائي (2912). وصححه الترمذي، وابن خزيمة (3018)، والألباني في «صحيح أبي داود - الأم»:(6/ 268).
وأيضًا فما روت عائشة قالت: «اعتكفَ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بعضُ أزواجه، وكانت ترى الدمَ والصُّفْرةَ، والطستُ تحتها وهي تصلي» رواه البخاري وغيره
(1)
.
وعن كثير مولى [ابن] سَمُرة: أن امرأة أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أريد أن أعتكف العشر الأواخر وأنا أُسْتحاض، فما ترى؟ قال:«ادْخُلي المسجدَ، واقْعُدي في طَسْت، فإذا امتلأ فلْيُهْراق عنك» رواه النجَّاد
(2)
.
فقد مكَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم امرأتَه أن تعتكف في المسجد وهي مُستحاضة، وهي لا تفعل ذلك إلا بأمره، وأمَر التي سألته أن تدخل المسجد، والأمرُ يقتضي الوجوبَ، ولو كان الاعتكاف في البيت جائزًا لما أمرها بالمسجد، ولأمرها بالبيت، فإنه أسهل وأيسر وأبعد عن تلويث المسجد بالنجاسة، وعن مشقَّة حَمْل الطست ونقله. وهو صلى الله عليه وسلم لم يُخَيَّر بين أمرين إلا اختارَ
(3)
أيسرَهما ما لم يكن إثمًا
(4)
، فعُلم أن الجلوس في غير المسجد ليس باعتكاف.
وأيضًا ما روى قتادةُ، عن أبي حسَّان وجابر بن زيد: «أن ابن عباس سُئل عن امرأة جَعَلَت عليها أن تعتكف في مسجد نفسها في بيتها؟ فقال: بدعة،
(1)
البخاري (309، 310، 2037)، وأحمد (24998)، وأبو داود (2476).
(2)
أخرجه النجاد بإسناده كما في «التعليقة» : (1/ 10) للقاضي أبي يعلى، وسنده ضعيف لإرساله، فإن راويه كثير بن أبي كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة تابعي. قال عنه ابن حجر في «التقريب» (5626): «مقبول
…
وهم من عدّه صحابيًّا».
(3)
س: «اختيار» .
(4)
أخرجه البخاري (6786)، ومسلم (2327).
وأبغضُ الأعمال إلى الله تعالى البِدَع، لا اعتكاف إلا في مسجدٍ تُقام فيه
(1)
الصلاة» رواه حرب
(2)
.
مع ما تقدم عن غيره من الصحابة، فإنهم لم يفرقوا بين الرجال والنساء، وعائشةُ منهم، ومعلوم أنها لا تهمل شأن اعتكافها، ولم يُعْرَف عن صحابي خلافُه، لاسيما والصحابي إذا قال: بدعة، عُلِم أنه غير مشروع. كما أنه إذا قال: سُنة، عُلِم أنه مشروع.
فعلى هذا يجوز اعتكافها في كلِّ مسجد، سواء أقيمت فيه الجماعةُ أو لم تُقَم.
هكذا ذكر كثير من أصحابنا، منهم القاضي في «المجرَّد» وأبو الخطاب
(3)
وابن عقيل وعامةُ المتأخرين؛ لأن الجماعة ليست واجبة عليها، فسيَّان في حقها مسجد الجماعة
(4)
وغيره.
وقد روى ابنُ أبي مُلَيكة قال: «اعتكفَتْ عائشةُ بين حراء وثبير، فكنَّا نأتيها هنالك
(5)
، وعبدًا
(6)
لها يؤمُّها» رواه حرب
(7)
.
(1)
ليست في س.
(2)
قال ابن مفلح في «الفروع» : (5/ 141) عن هذه الرواية «إسنادها جيد» ، ورواه البيهقي:(4/ 316) من رواية علي الأزدي، عن ابن عباس بنحوه، وفي إسناده لين.
(3)
ينظر «الهداية» (ص 166).
(4)
المطبوع: «جماعة» خلاف النسخ.
(5)
المطبوع: «هناك» خلاف النسخ.
(6)
س: «وعبد» .
(7)
ورواه أيضًا عبد الرزاق (8021) عن معمر، عن أيوب، عن ابن أبي مُليكة.
وليس هناك مسجد تُقام فيه الجماعة
(1)
.
وقال القاضي في «خلافه»
(2)
: كلُّ موضع لا يصحّ اعتكاف الرجل فيه لا يصح اعتكاف المرأة فيه.
وكذلك الخرقيُّ وابنُ أبي موسى
(3)
وغيرُهما اشترطوا للاعتكاف مسجدًا يُجْمِع فيه، ولم يفرِّقوا بين الرجل والمرأة.
وقال أحمد في رواية ابن منصور
(4)
: الاعتكافُ في كلّ مسجد تُقام فيه الصلاة. ولم يفرِّق.
وهذا ظاهرُ ما تقدم ذِكْرُه عن الصحابة، فإنهم لم يفرقوا، لاسيما حديث ابن عباس
(5)
؛ فإنه سُئل عن اعتكاف المرأة؟ فقال: «لا اعتكاف إلا في مسجد تُقام فيه الصلاة» ، وحديث عائشة
(6)
أيضًا، فإن اعتكاف النساء لابدَّ أن يدخل في عموم كلامها
(7)
.
وأما اعتكافها في مسجد حراء؛ فقد كان يؤمُّها فيه عبدُها، وهذا يؤيد أنه لابدّ في
(8)
الاعتكاف مِن مسجد جماعة.
(1)
بياض في س.
(2)
«التعليقة الكبيرة في مسائل الخلاف» : (1/ 11).
(3)
ينظر «مختصر الخرقي» (ص 52)، و «الإرشاد» (ص 154) لابن أبي موسى.
(4)
«مسائل الكوسج» : (3/ 1255).
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
تقدم أيضًا.
(7)
المطبوع: «كلامهما» ، خطأ.
(8)
ق: «من» .
وأيضًا فإن المقصود من المسجد إقامة الصلاة فيه، فاعتكافها في مسجد لا جماعةَ فيه كاعتكافها في بيتها، والجماعةُ وإن لم تكن واجبةً عليها في الأصل، لكن إذا أرادت
(1)
الاعتكاف، جاز
(2)
أن يجب عليها ما لم يكن واجبًا قبل ذلك؛ كما لو أرادت الجمعةَ والجماعةَ، وجب عليها ما يجب على المأموم، وإن لم يجب بدون ذلك.
وإذا كان الاعتكاف يوجب الاحتباسَ في المسجد، مع أنه غير مقصود لنفسه بل لغيره، فلَأَن يوجِبَ الجماعةَ التي هي أفضل العبادات أولى، ولأن ذلك لو لم يكن واجبًا
…
(3)
ولا يُكره الاعتكاف للعجوز التي لا يُكره لها شهود الجمعة والجماعة
(4)
. وهل يكره للشابة؟ المنصوص عنه الرخصةُ مطلقًا.
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سُئل عن النساء: يعتكفن؟ قال: نعم، قد اعتكف النساء.
فعمَّ، ولم يخصّ الشابةَ من غيرها، وقد تقدم نحو ذلك في رواية أبي داود
(5)
.
وقال القاضي: قياس قوله أنه يُكره للشابة؛ لأنه قد نصَّ على ذلك في
(1)
س: «نذرت» .
(2)
ق: «فجاز» .
(3)
بياض في الأصلين.
(4)
سقطت من س.
(5)
المسائل (ص 137).
خروجها لصلاة العيدين، وأنه مكروه. وهذا اختيار القاضي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنقض قباب أزواجه لمَّا أرَدْن الاعتكافَ معه.
وقالت عائشة رضي الله عنها: لو رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما أحْدَث النساءُ لمنعهنَّ المسجد
(1)
كما مُنِعَت نساء بني إسرائيل
(2)
.
ولأنه خروجٌ من البيت لغير حاجة، فَكُرِه للشابة، كالخروج للجمعة والجماعة.
قال القاضي
(3)
: وكذلك يُكره لها الطواف
(4)
نهارًا.
والصحيح: المنصوصُ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذِنَ لعائشة وحفصة أن يعتكفا معه، وكانتا شابتين. وقد اعتكف معه امرأةٌ من أزواجه كانت ترى الدّمَ، وقد جاء مفسّرًا أنها أم سلمة رضي الله عنها
(5)
، ولم تكن عجوزًا.
وإنما أمرهنَّ بتقويض الأبنية لِما خافه عليهنّ من المنافسة والغِيرة، [ق 113] ولهذا قال:«آلبِرَّ يرِدْنَ؟» .
ولأن مريم عليها السلام قد أخبر الله سبحانه أنها جُعِلَت محرَّرَة له، وكانت مقيمة في المسجد الأقصى في المحراب، وأنها انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا، فاتخذت من دونهم حجابًا، وهذا اعتكافٌ في المسجد
(1)
«المسجد» من س. وهو لفظ مسلم.
(2)
أخرجه البخاري (869) ومسلم (445).
(3)
«التعليقة» : (1/ 12).
(4)
س: «الطواف لها» .
(5)
أخرجه سعيد بن منصور كما في «فتح الباري» : (1/ 490).
واحتجابٌ فيه، وشَرْعُ مَن
(1)
قَبْلنا شرعٌ لنا ما لم يَرِد شرعُنا بنسخه، ولأن هذه العبادة لا تُفْعَل إلا في المسجد، فلو كُرهت لها للزم تفويتها بالكلية، ونحن لا ننهى عن العبادة بالكلية لجواز أن يفتتن بها إنسان، مع أن الظاهر خلافه.
ولهذا لا يُكره لها الخروج لمصلحة متعيِّنة من عِيادةِ أهلها ونحو ذلك، بخلاف خروجها في الجنائز، فإنه لا فائدة فيه، وفيه مفاسد ظاهرة.
ولهذا لا يكره لها حجُّ النافلة، بل هو جهادها، مع أن خوف الفتنة به أشدّ، لمّا لم يكن
(2)
فعله إلا كذلك.
وأما خروجها للجمعة والجماعة إن سُلِّم، فلها مندوحة عن ذلك بأن تصلي في بيتها، وكذلك الطواف إن سُلِّم، فإن لها في الطواف بالليل مندوحة عن النهار.
فعلى هذا يُستحبّ الاعتكاف للنساء، ولا يكون الأولى تركه، بل الأولى فعله إذا لم يكن فيه مفسدة.
كما قال في رواية أبي داود
(3)
، وذَكَر النساءَ يعتكفنَ في المسجد ويُضرب لهنّ فيه الخِيَم: وقد ذهب هذا من الناس.
ويُستحبّ لها أن تستتر من الرجال بخباء ونحوه. نصَّ عليه، اقتداء بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونساء السلف كما ذكره أحمد، ولأن المسجد يحضره الرجال.
(1)
ق: «ما» .
(2)
كذا في النسختين، ولعله:«يمكن» .
(3)
«المسائل» (ص 137).
والأفضل للنساء أن لا يرينَ الرجالَ ولا يراهم الرجالُ. ويُضْرَب الخباء في موضع لا يصلي فيه الرجال؛ لئلا تقطعَ صفوفَهم وتضيّق عليهم.
ولا بأس أن يستتر الرجلُ أيضًا، بل هو أفضل. فإن عائشة قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الصبحَ، ثم دخل معتكَفَه، وإنه أمر بخباء فضُرِب»
(1)
.
وفي لفظ للبخاري
(2)
وعن أبي سعيد: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأُوَل من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قُبّة تركيّة على سُدَّتها حصير» . قال: «فأخذ الحصير بيده، فنحاها في ناحية القبة، ثم أطْلَع رأسَه فكلّم الناسَ، فدنوا منه» رواه مسلم
(3)
بهذا اللفظ، وهو في «الصحيحين»
(4)
.
وقد تقدم في الصلاة
(5)
: أنه اتخذ حُجْرة من حصير في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناسٌ.
وينبغي أن يكون استتار المعتكف مستحبًّا، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وليجتمع
(6)
له فضلُ الصلاة في المسجد، وفضلُ إخفاء العمل، وليجتمع
(1)
أخرجه مسلم (1172).
(2)
رقم (2033).
(3)
(1167).
(4)
البخاري (813)، ومسلم (1167).
(5)
ليس في القدر الموجود من كتاب الصلاة.
(6)
ق: «وليجمع» وكذا ما بعدها.
عليه قلبُه بذلك، فلا يشتغل برؤية الناس وسماع كلامهم، ولينقطع الناسُ عنه فلا يجالسونه ويخاطبونه.
الفصل الخامس
(1)
أن الاعتكاف في المسجد الجامع الذي تُقام فيه الجمعة والجماعة أفضل؛ لأنه إذا اعتكف في غيره لم يَجُز له ترك الجمعة، فيجب عليه الخروج من معتكفه، وقد كان يمكنه الاحتراز عن هذا الخروج بالاعتكاف في المسجد الأعظم، وهذا إنما يكون في اعتكاف تتخلّله جمعة.
فأما إن لم تتخلله جمعة
…
(2)
فإن
(3)
اعتكفَ في غير مسجد الجمعة، وخرج للجمعة، جاز؛ لما تقدم من الحديث المرفوع وأقاويل الصحابة: أن الاعتكاف في كلِّ مسجد تُقام فيه الجماعة، لاسيما والاعتكاف الغالب إنما يكون في العشر الأواخر من رمضان، ولابدَّ أن يكون فيها جمعة.
وقد رُوي ذلك صريحًا عن عليٍّ رضي الله عنه قال: «إذا اعتكفَ الرجلُ فليشهد الجمعةَ، وليحضر الجنازةَ، ولْيَعُدِ المريض، وليأتي أهلَه يأمرهم بحاجته وهو قائم» رواه سعيد
(4)
.
(1)
ينظر «المغني» : (4/ 466 - 467)، و «الفروع»:(5/ 140 - 141)، و «الإنصاف»:(7/ 583 - 584).
(2)
بعده في س بياض يدل أن هناك نقصًا في الكلام.
(3)
س: «وإن» .
(4)
ومن طريقه ابن حزم في «المحلّى» : (5/ 189). وأخرجه ابن أبي شيبة (9724): أنا أبو الأحوص، أنا أبو إسحاق هو السبيعي، عن عاصم بن ضمرة قال: قال علي
…
(فذكره). وسنده جيد، وسيأتي قول أحمد (ص 671):«عاصم بن ضمرة عندي حجة» .
ولم يستثنوا ذلك.
فأما قول الزهري المتقدِّم، فليس هو متصلًا، وهو من صغار التابعين، ويشبه أن يكون محمولًا على الاستحباب.
وأيضًا فإن الخروج للجمعة خروجٌ لحاجة لا تتكرَّر، فلم يقطع الاعتكافَ كالخروج للحيض.
وأيضًا فإن مِن أصْلِنا: أن قَطْع التتابع في الصيام والاعتكاف لعذر لا يمنع البناء، وإن أمكن الاحتراز منه، كما يُذكر
(1)
إن شاء الله تعالى.
وأيضًا فإن اعتكاف العشر الأواخر سُنة، وتكليف الناس أن يعتكفوا في المسجد الأعظم فيه مشقَّة عظيمة، وربما لم يتهيّأ ذلك لكثير من الناس، فعُفِي عن الخروج للجمعة كما عُفي عن الخروج لحاجة الإنسان.
وأيضًا فإنّ مِنْ أصْلِنا: أنه يجوز له اشتراط الخروج لما له منه بُدّ، فالخروجُ الذي يقع مستثنًى بالشرع أولى وأحرى، سواء كان الاعتكاف واجبًا أو
(2)
تطوُّعًا، وسواء كان نذرًا متتابعًا أو نذرًا مطلقًا، وسواء كان الاعتكاف قليلًا يمكن فعله في غير يوم
(3)
الجمعة أو لابد مِن تخلّل الجمعة له.
(1)
المطبوع: «سنذكر» خلاف النسخ.
(2)
كتب بعدها في ق: «مستحبا» ثم ضرب عليها. وأثبتها في المطبوع!
(3)
«نذرًا .. الاعتكاف .. يوم» سقطت هذه الكلمات من س.
وركن الاعتكاف شيئان:
أحدهما: لزوم المسجد، فلو خرج منه لغير حاجة، بطل اعتكافُه، كما نبين إن شاء الله تعالى.
الثاني: النية، فلا يصحّ الاعتكاف حتى يقصد [ق 114] لزومَ المسجد لعبادة الله، فلو لزم المسجدَ من غير قصدٍ، لم يكن معتكفًا، ولو قصدَ القعودَ فيه لعبادة يعملها
(1)
، كصلاة مكتوبة أو تعلُّم عِلْم أو تعليمه.
وإذا
(2)
قطع النية بأن نوى ترك الاعتكاف، بطل في قياس قول أصحابنا، كما قلنا في الصوم والصلاة والطواف ونحوها
(3)
.
ويتخرَّج على قول ابن حامد
…
(4)
فأما الصوم
(5)
، فإن السنة للمعتكف أن يكون صائمًا؛ لأن الله سبحانه ذكر آية الاعتكاف في ضمن آية الصوم، ولأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسَّرَ الاعتكافَ بفعله، وإنما كان
(6)
يعتكفُ في شهر رمضان وهو صائم.
وقد أجمعَ الناسُ على استحباب الصوم للمعتكف، ولأن الصومَ أعْوَنُ
(1)
س: «يعلمها» ، خطأ.
(2)
ق: «إذا» .
(3)
في هامش الأصلين حاشية نصها: «لو ترك الاعتكاف هل يحتاج أن
…
بزمان الاعتكاف وتقديره بالعمل أو بالزمان».
(4)
بياض في النسختين.
(5)
ينظر «المغني» : (4/ 459 - 460)، و «الفروع»:(5/ 142 - 143).
(6)
ليست في س.