الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأنها عبادة يخرج منها بالإفساد، فلم يجب قضاؤها إذا أفسدها، كالوضوء وكما لو صام يعتقد أن عليه فرضًا، فبان
(1)
بخلافه، وعكسُه الإحرام فإنه لا يخرج منه بالفساد
…
(2)
ولأنه إذا كان له أن
(3)
لا يفعل، كان له أن يخرج منه قبل الإتمام.
وأما قوله سبحانه: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، فإنه ما لم يتم فليس بعمل.
وأما
الأحاديث التي فيها الأمر بالقضاء إن كانت صحيحة، فإنما هو أمر استحباب
، وبيان أن الصوم لم يَفُتْ، وأن المفطر إذا صام يومًا مكان هذا اليوم، فقد عمل بدل ما ترك.
وهذا كما قضت عائشةُ عُمرةً
(4)
بدلَ العمرةِ التي أَدْخَلَت عليها الحجَّ وصارت قارنة، وكما قضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم اعتكافَه حتى لا يعتقد المعتقد أن المتطوِّع إذا أفطر فقد بطلت حسنتُه على وجهٍ لا يمكن تلافيه
(5)
، كالمفطر في رمضان ونحوه.
ويدلُّ على ذلك أشياء:
أحدها: أن الرواية المسندة قال فيها: «لا عليكما، صوما مكانَه يومًا» مع
(1)
ق: «فإنه» .
(2)
هنا بياض في النسختين.
(3)
«أن» سقطت من س.
(4)
ليست في س.
(5)
س: «تلافيها» .
إخبارهما أنهما أكلتا بشهوة ولم تُفْطِرا لعذر.
وقوله
(1)
: «لا عليكما» أي: لا بأس عليكما، ولو كان الفطر حرامًا والقضاء واجبًا، لكان عليهما بأس.
ثانيها
(2)
: أن في رواية سفيان عن الزهري: أنهما
(3)
لما أخبرتاه تبسّم النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كانتا قد أذنبتا لغضب أو لبيَّن لهما أن هذا حرام
(4)
لئلا تعودا إليه.
وأما قوله: «ولا تعودا» فهي رواية مرسلة، ثم معناها ــ والله أعلم ــ: لا تعودا إلى فطر تريدان قضاءه؛ فإن إتمام الصيام أهون من التماس القضاء، وهذا لما رأى حزنَهما على ما فوَّتاه من الصوم، قال: فلا تفعلا
(5)
شيئًا تَحْزَنا عليه.
وثالثها: أن في حديث فِطْر
(6)
النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حديث الحَيْس: أنه قال: «إني آكل، وأصوم يومًا مكانه»
(7)
، ولولا أن الخروجَ جائزٌ والقضاءَ مستحبٌّ لما أفطر.
(1)
المطبوع: «وبقوله» .
(2)
ق: «ثانيهما» وكذا في الأعداد بعدها إلى رابعها. والمثبت من س.
(3)
س: «أنه» .
(4)
س: «حرامًا» خطأ.
(5)
س: «تفعليا» .
(6)
من س.
(7)
تقدم تخريجه.
ورابعها: أن في حديث المدعوِّ إلى طعام أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفْطِر وصم يومًا مكانه» . وفي رواية: «إن أحببت»
(1)
، ولو كان القضاء واجبًا لما قيل هذا.
وخامسها: أن ابن عمر وابن عباس قد أَمَرا بالقضاء، وصحَّ عنهما جواز الإفطار لغير عذر، فعُلِم أن ذلك أمرَ استحباب.
فروى يوسف بن ماهَك، قال: «وطئ ابنُ عباس جاريةً له وهو صائم، فقيل له: وطئتَها وأنتَ صائم؟ فقال: إنما هو تطوُّع وهي جاريتي أشتهيها
(2)
»
(3)
.
وفي رواية عن سعيد بن جُبير، قال:«دخلنا على ابن عباس صدر النهار فوجدناه صائمًا، ثم دخلنا فوجدناه مفطرًا، فقلنا: [ق 96] ألم تك صائمًا؟ قال: بلى، ولكن جاريةً لي أتت عليَّ فأعجبتني فأصبتها، وإنما هو تطوُّع، وسأقضي يومًا مكانه، وسأزيدكم: إنها كانت بغيًّا فحصَّنْتها، وإنه قد عزل عنها» . قال سعيد بن جبير: «فعلّمَنا أربعةَ أشياء في حديث واحد» . رواهما سعيد
(4)
.
(1)
تقدم تخريجهما.
(2)
«فقيل له: وطئتها وأنت صائم؟» من س والمصنف، وفي ق:«جارية» .
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (9193).
(4)
رواية سعيد بن جبير في المطبوع من «السنن» : (2/ 59). وروي نحوه أيضًا من رواية سعيد بن أبي الحسن البصري عن ابن عبّاس، أخرجها عبد الرزاق (7773) وسعيد بن منصور:(2/ 58).
وأما حديث شدَّاد بن أوس إن صح، فيُشْبه ــ والله أعلم
(1)
ــ أن يكون ذلك فيمن يعتاد أبدًا الصومَ ثم تركه لشهوته، فإن هذا مكروه
(2)
.
ويحتمل أن يكون تفسير الشهوة الخفية من جهة بعض الرواة
(3)
مُدْرَجًا في الحديث؛ يدلّ على ذلك ثلاثةُ أشياء:
أحدها: أن الشهوة الخفية قد فسَّرها أبو داود وغيرُه بأنها حبُّ الرئاسة
(4)
، ولو كان تفسيرها مرفوعًا لَمَا أقدموا على ذلك.
الثاني: أن تفسيرها بحبِّ الرئاسة أشبه، لأن حبَّ الرئاسة يكون في الإنسان، ويُظهر الأعمالَ الصالحةَ، ولا نعلم أن مقصوده دَرَك الرئاسة.
الثالث: أن الأكل شهوة ظاهرة، فإنه إن لم تكن هي الشهوة الظاهرة لم يكن لنا
(5)
شهوة ظاهرة.
الرابع: أن قرانه بالرياء دليل على أنه أراد ما هو من جنسه، والذي هو من جنسه هو حبُّ الشَّرَف لا أكل الطعام. والله تعالى أعلم
(6)
.
(1)
«أعلم» سقطت من س.
(2)
بعده بياض في س.
(3)
س: «الرواية» .
(4)
أخرجه الخطيب في «تاريخه» (10/ 75) من طريق أبي بكر بن أبي داود عن أبيه.
(5)
ق: «له» .
(6)
«والله تعالى أعلم» سقطت من س.