الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد قيل: إنه عُنِيَ بقوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45]؛ لأن الصائم يصبرُ نفسَه عن شهواتها
(1)
.
وسُمّي أيضًا: السياحة
(2)
.
والصوم خمسة أنواع: الصوم المفروض بالشرع، وهو صوم شهر رمضان أداءً وقضاءً، والصوم الواجب في الكفارات، والواجب بالنذر، وصوم التطوع.
مسألة
(3)
: (ويجبُ صيامُ رمضانَ على كلِّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ قادرٍ على الصومِ، ويؤمَرُ به الصبيُّ إذا أطاقَه)
.
في هذا [ق 2] الكلام فصول:
أحدها: أن صيام رمضان فرضٌ في الجملة
وهذا من العلم العام الذي توارثَتْه الأمةُ خلَفًا عن سَلَف، وقد دلَّ عليه الكتابُ والسنةُ والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} إلى قوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ
(1)
جاء في ذلك أثر عن مجاهد وغيره، ينظر «تفسير ابن أبي حاتم»:(1/ 102).
(2)
جاء في ذلك أحاديث وآثار، ينظر «تفسير الطبري»:(14/ 502 - 503) في تفسير قوله تعالى: {السَّائِحُونَ} [التوبة: 112].
(3)
ينظر «المستوعب» : (1/ 400)، و «المغني»:(4/ 323)، و «الفروع»:(4/ 428)، و «الإنصاف»:(7/ 354).
الْقُرْآنُ
…
} الآيات [183 - 185].
وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: «بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أنْ لا إله إلا الله، وأنّ محمدًا رسولُ الله، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وصومِ رمضانَ، وحجِّ البيتِ»
(1)
.
وقوله في حديث جبريل: «الإسلامُ: أنْ تشهدَ أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسولُ الله، وتقيمَ الصلاةِ، وتؤتيَ الزكاةَ، وتصومَ رمضانَ، وتحجَّ البيتَ إن استطعتَ إليه سبيلًا»
(2)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بارزًا للناس، فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال:«أن تؤمنَ بالله وملائكتِهِ وكتابِه ولقائه ورُسُلِه وتؤمنَ بالبعثِ الآخر» . قال: يا رسول الله، ما الإسلامُ؟ قال:«الإسلامُ: أن تعبد اللهَ لا تشركَ به شيئًا، وتقيمَ الصلاةَ المكتوبةَ، وتؤدِّي الزكاةَ المفروضةَ، وتصومَ رمضانَ» . قال: يا رسول الله، ما الإحسان؟ قال:«أن تعبدَ اللهَ كأنّك تراه، فإنك إنْ لا تراه فإنه يراك» وذَكَر الحديث. متفق عليه
(3)
.
وعن أبي هريرة: أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، دُلّني على عمل إذا عملتُه دخلتُ الجنةَ. قال:«تعبد الله لا تُشْرِكَ به شيئًا، وتقيمَ الصلاةَ المكتوبةَ، وتؤدِّي الزكاةَ المفروضةَ، وتصومَ رمضانَ» . قال: والذي
(1)
أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16).
(2)
أخرجه مسلم (8) من حديث ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
(3)
أخرجه البخاري (50)، ومسلم (9).
نفسي بيده لا أزيدُ على هذا شيئًا ولا أنقصُ منه. فلمّا ولَّى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سرَّهُ أن ينظرَ إلى رجلٍ منْ أهلِ الجنةِ، فلينظر إلى هذا» متفق عليه
(1)
.
وعن طلحة بن عُبيد الله قال: جاء رجل إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم من أهل نجدٍ ثائرُ الرأس، نسمَع دَوِيَّ صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خمسُ صلواتٍ في اليومِ والليلةِ» فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تتطوَّع» . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وصيامُ رمضانَ» . قال: هل عليَّ غيره؟ قال: «لا، إلا أن تتطوّع» . قال: وذَكَر له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الزكاةَ، فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تتطوّع» . قال: فأدبرَ الرجلُ، فقال: والله لا أزيدُ على هذا ولا أنقصُ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلحَ إنْ صَدَق»
(2)
.
وعن أبي جمرة
(3)
، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ وفدَ عبد القيس لمّا أتوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن القومُ (أو: مَن الوفد)؟» قالوا: ربيعة. قال: «مرحبًا بالقوم (أو بالوفد) غير خَزايا ولا نَدامى» . فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحيّ من كُفّار مُضَر، فمُرْنا بأمرٍ فصلٍ نُخْبِرْ به مَن وراءَنا وندْخُلْ به الجنةَ. قال: فأمرهم بأربعٍ ونهاهم عن أربع، أمرهم بالإيمان بالله وحده، وقال:«أتدرونَ ما الإيمانُ بالله وحْدَه؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «شهادةُ أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسولُ الله، وإقامُ الصلاةِ، وإيتاءُ الزكاةِ، وصومُ رمضانَ، وأن تُعْطوا من المَغْنَمِ الخُمُسَ» . ونهاهم عن أربع، عن
(1)
أخرجه البخاري (1397)، ومسلم (14).
(2)
أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11).
(3)
وقع في النسختين: «أبي حمزة» تحريف. وأبو جمرة هو نصر بن عمران البصري، ترجمته في «تهذيب التهذيب»:(10/ 432).
الحَنْتَم والدُّبّاء والنَّقير والمُزَفَّت، وربما قال: المُقيَّر. قال: «احفظوهنّ، وأخْبِروا بهنَّ مَن وراءكم» . رواه الجماعة إلا ابن ماجه
(1)
.
وقد أجمعت الأمةُ إجماعًا ظاهرًا على وجوب صيام شهر رمضان، وأنه الشهر التاسع من شهور العام بين شعبان وشوّال
(2)
.
والأفضل أن يقال: جاء «شهر رمضان» ، وصمنا «شهرَ رمضان» ؛ موافقةً للفظ القرآن وأكثر الأحاديث.
فأما إطلاق «رمضان» عليه، فقال القاضي وغيره
(3)
: يُكره إطلاق هذا الاسم عليه من غير قرينةٍ تدلّ على أن المراد به الشهر؛ لأن الله سبحانه قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 285].
ولِمَا رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا جاء رمضانُ، فإنّ رمضانَ اسمُ الله، ولكن قولوا: جاء شهرُ رمضان» رواه [أبو]
(4)
أحمد بن عدي
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (53)، ومسلم (17)، وأبو داود (4677)، والترمذي (2611)، والنسائي (5692).
(2)
ينظر «مراتب الإجماع» (ص 39) لابن حزم، و «التمهيد»:(2/ 148، 7/ 203) لابن عبد البر.
(3)
ينظر «المغني» : (4/ 324)، و «الفروع»:(3/ 4)، و «الإنصاف»:(7/ 323)، و «كشاف القناع»:(5/ 194).
(4)
زيادة لازمة سقطت من النسختين والمطبوع، وهو الحافظ أبو أحمد بن عدي الجرجاني (ت 365). صاحب كتاب «الكامل في الضعفاء» ، والحديث فيه كما سيأتي.
(5)
في «الكامل في الضعفاء» : (7/ 53). ومن طريقه أخرجه الجوزجاني في «الأباطيل والمناكير» (474)، والبيهقي:(4/ 201) من طريق أبي معشر، عن المقبري، عن أبي هريرة به. قال ابن عدي:«لا أعلم يُروى عن أبي معشر إلا بهذا الإسناد» . وقال الجوزجاني: باطل، وقال ابن الجوزي في «الموضوعات» (1118): موضوع لا أصل له. وتعقبه السيوطي في «اللآلئ» : (2/ 97) بأن البيهقي أخرجه واقتصر على تضعيفه. وسئل عنه أبو حاتم كما في «العلل» (734) لابنه فقال: «هذا خطأ إنما هو من قول أبي هريرة» . يعني موقوفًا، وقد أخرج الموقوفَ ابنُ أبي حاتم في «التفسير»:(1/ 310). وقد أخرجه البيهقي: (2/ 402) أيضًا من طريق أبي معشر، عن محمد بن كعب القرظي من قوله، قال: وهو أشبه. وينظر «تفسير ابن كثير» : (1/ 502)، و «بدائع الفوائد»:(2/ 553 - 556)، و «شأن الدعاء» (109) للخطابي.
وفي رواية: «لا تقولوا: جاءَ رمضانُ
(1)
، فإنّ رمضانَ اسمٌ من أسماءِ الله، ولكن قولوا: جاء شهرُ رمضانَ».
وقد رُوي عن عائشة رضي الله عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئل عن شهر رمضان؟ فقال: «أرْمَضَ الله فيه ذنوبَ المؤمنين فغفَرَها لهم»
(2)
.
وقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسمّوا رمضانَ، فإنّ رمضانَ اسمٌ من أسماء الله عز وجل، فانْسبوه إليه كما نَسَبه لكم في القرآن»
(3)
رواه
(4)
ابن شاهين.
(1)
في النسختين: «شهر رمضان» والصواب ما أثبت كما في المصادر، وكما هو ظاهر من السياق.
(2)
أخرجه الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (1821)، وابن أبي الصقر في مشيخته (52)، وابن النجار في «ذيل تاريخ بغداد»:(5/ 76). قال المعلّمي في هامش «الفوائد المجموعة» (ص 87): «سنده مظلم، وهو موضوع بلا ريب» .
(3)
ذكره الديلمي في الفردوس: (5/ 25) وقد ضعفه المؤلف كما سيأتي.
(4)
بعده في النسختين بياض بمقدار كلمة.
وظاهر الأثر المذكور يقتضي كراهة إطلاق «رمضان» عليه بكل حال؛ لأنه نهى أن يقال: «جاء رمضان» ــ ومعلومٌ أنّ هذه قرينةٌ ــ، ونَهى عن تسمية رمضان
(1)
.
وقد روى أبو سعيد الأشجّ وغيره عن مجاهد
(2)
: أنه كره أن يقول: «رمضان» ، ويقول:«شهر رمضان» كما سمى الله شهر رمضان.
ولعل وجه هذا ــ إن كان له أصل ــ أن يكون الله سبحانه وتعالى لما كان يرمضُ الذنوبَ في هذا الشهر على الشهر
(3)
فيحرقها ويفنيها، كان هذا من أسمائه، لكن على هذا التقدير لا يُسمّى الشهر «رمضان» لا مطلقًا ولا مقيَّدًا؛ لأن الاسم لله سبحانه، اللهم إلا أن يُقال: الاسم مشترك يُسمَّى به الله سبحانه ويسمّى به الشهر، فيجوز مع القرينة أن يُعنَى به الشهر، كما قد قيل مثل هذا في الربّ والمَلِك والسيّد ونحو هذا.
وقال غيره من أصحابنا كابن الجوزي
(4)
: لا يُكره تسميته رمضان بحال. وهذا هو المعروف من كلام أحمد، فإنه دائمًا يطلق رمضان ولا يحترز عن ذلك؛ لما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه[ق 3] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان، فُتِحَتْ أبوابُ الجنة» متفق عليه
(5)
.
(1)
ينظر «الإنصاف» : (7/ 323).
(2)
أخرجه الطبري (3/ 187) من طريق سفيان عن مجاهد، قال البيهقي في «الكبرى» (4/ 202):«ورُوي ذلك عن مجاهد والحسن البصرى والطريق إليهما ضعيف» .
(3)
كذا في النسختين!
(4)
ق: «ابن الجوزي» .
(5)
أخرجه البخاري (1898)، ومسلم (1079).
وعنه أيضًا: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتقدَّمنَّ أحدُكم رمضانَ بصومِ يومٍ أو يومين، إلا أن يكون رجلًا كانَ يصومُ صومًا فلْيَصُمْه» رواه الجماعة
(1)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحْتِسابًا، غُفِر له ما تقدّمَ مِن ذنبه» متفق عليه
(2)
.
وعمَّن سمع من فَلْق فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَن صامَ رمضانَ وشوَّالًا والأربعاءَ والخميس دخَلَ الجنةَ» رواه أحمد
(3)
.
وعن أبي أيوب وجابر وثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن صامَ رمضانَ، ثم أَتْبَعه بستٍّ مِن شوَّال
…
» وذكر الحديث. رواه مسلم وغيره
(4)
.
وعن سَلَمة بن المُحَبّق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كانتْ له حَمُولةٌ
(1)
أخرجه أحمد (7200)، والبخاري (1914)، ومسلم (1082)، وأبو داود (2335)، والترمذي (685)، والنسائي (2173)، وابن ماجه (1650).
(2)
أخرجه البخاري (38)، ومسلم (760).
(3)
(15434)، والبيهقي في «الشعب» (3870). قال الهيثمي في «المجمع»:(3/ 190): «رواه أحمد، وفيه من لم يسم، وبقية رجاله ثقات» .
ووقع في المطبوع: «من صام رمضان. متفق عليهما» وهو سقط وتغيير!
(4)
من حديث أبي أيوب أخرجه مسلم (1164)، والترمذي (759)، وأحمد (23533). ومن حديث جابر أخرجه أحمد (14302)، والبيهقي (4/ 292) وفي إسناده عمرو بن جابر وهو ضعيف. ومن حديث ثوبان أخرجه أحمد (22412)، وابن خزيمة (2115)، وابن حبان (3536). وصححه الألباني في «الإرواء»:(4/ 107).
تأوي إلى شَبَعٍ فليصُمْ رمضانَ حيثُ أدْرَكَه». وفي لفظ: «مَنْ أدركه رمضان في السفر» رواهما أبو داود
(1)
.
وعن أبي هريرة وعائشة: أن رجلًا قال: يا رسول الله، أصبتُ أهلي في رمضان. متفق عليهما
(2)
.
وهذا كثير في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما عن أصحابه فأكثر من أن يُحصى.
قالوا: ولأنه لم يذكر أحدٌ في أسماء الله «رمضانَ» ، ولا يجوز أن يُسمَّى به إجماعًا
(3)
.
والحديثان المتقدمان
(4)
لا أصل لهما؛ أما الأول فإنّ مداره على أبي مَعْشَر، والثاني مداره على إسماعيل بن أبي زياد الشامي، عن هشام بن عروة.
وأما قوله سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ} فكقولهم: شهر ربيع الأول وشهر
(1)
الأول برقم (2410)، وأخرجه أحمد (15912)، وأورده العقيلي في «الضعفاء»:(3/ 83) في ترجمة عبدالصمد بن حبيب وقال: «لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به» . اهـ. وعبد الصمد ضعّفه غيرُ واحد، ينظر ترجمته في «تهذيب التهذيب»:(6/ 326). وأخرجه أبو داود باللفظ الثاني برقم (2411)، وأحمد (20072).
(2)
من حديث عائشة أخرجه البخاري (1935)، ومسلم (1112). ومن حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (1936)، ومسلم (1111).
(3)
العبارة بنصها لابن الجوزي في «الموضوعات» : (2/ 545). وينظر «الأباطيل والمناكير» : (2/ 113 - 114) للجورقاني.
(4)
يعني حديث: «لا تقولوا: جاء رمضان
…
» وحديث: «لا تسمّوا رمضان
…
».
ربيع الآخر، وهو من باب إضافة الاسم العام إلى الخاص، كما يقال: يوم الأحد ويوم الخميس.
قال بعض أهل [اللغة]
(1)
: ما كان في أوله [راءٌ من]
(2)
الشهور، فإن الغالب أن يُذكَر بإضافة الشهر إليه دون ما لم يكن كذلك، فيقولون: المحرم، وصفر، وشهر ربيع الأول، شهر ربيع الآخر، [شهر]
(3)
رجب، شعبان، شهر رمضان.
* وأما اشتقاقه، فقال القاضي
(4)
: قيل: سُمي رمضان لأنه يَرْمُض الذنوب؛ أي: يُحْرِقها ويُهْلِكها. وقد تقدمت الروايةُ بذلك.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون لأيِّ شيء سُمّي شعبان؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «لأنه يتشعَّبُ فيه خيرٌ كثير، وإنما سُمِّي رمضان لأنه يرمض الذنوب» (يعني: يحرق الذنوب). رواه ابن شاهين وغيره
(5)
.
(1)
بياض في النسختين. ولعله ما أثبت، وينظر الحاشية التالية.
(2)
في النسختين والمطبوع تصحفت «راءٌ من» إلى: «رأس» . وما أثبته مستفاد من «تاج العروس» : (10/ 190) فقد ذكره عن بعض أهل اللغة.
(3)
زيادة لازمة.
(4)
لعله في «التعليقة الكبيرة» ، وليس كتاب الصيام في القطعة التي عُثر عليها من الكتاب وإن احتوت على باب الاعتكاف آخر كتاب الصيام، وقد طبعت مؤخرًا عن دار النوادر في ثلاثة مجلدات.
(5)
أخرجه ابن مردويه كما في «الدر المنثور» : (2/ 207)، ومن طريقه الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (1758)، وذكره الديلمي في «الفردوس»:(2/ 60). وفي إسناده زياد بن ميمون، وقد كذّبه جماعة، ترجمته في «لسان الميزان»:(3/ 537 - 540). وينظر «الفوائد المجموعة» (ص 91)، و «تنزيه الشريعة»:(2/ 160)، و «تذكرة الموضوعات» (ص 71).
وهذا المعنى لا يخالف ما يذكره أهلُ اللغة؛ فإنهم يزعمون أن أسماء الشهور لمَّا نقلوها عن اللغة القديمة، سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام رمض الحَرّ، فسُمّي بذلك، كما سمَّوا شوّالًا؛ لأن الإبل تشول بأذنابها، وسمّوا شعبان لانشعاب القبائل فيه، وغير ذلك.
وهذا لأن الرَّمَض شدّةُ وَقْعِ الشمس على الرمل وغيره، والأرضُ رَمْضاء، ورَمِضَ يومُنا يرمض رَمَضًا: اشتدّ حرُّه، ورَمِضتْ قدمي، ورَمِض الفصيلُ: أصابه حرُّ الرمضاء.
فاجتمع في رمضان أنّ وقت التسمية كان زَمَن حَرّ، ثم إن الله فرض صومَه، والصومُ فيه العطشُ والحرارة، ثم إنه يوجب التقوى فتحرق الذنوبَ وتهلكها. وقد يُلْهِم الله خلقَه أن يسمّوا الشيءَ باسمٍ لمعنًى يعلَمُه هو ويبيّنه فيما بعد
(1)
، وإن لم يعلموا ذلك حين الوَضْع والتسمية؛ كما سمّوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم محمدًا.
وغير مستنكَر أن يكون ما اشْتُق منه الاسم قد تضمَّن معاني كثيرة يفطَن بعضٌ لبعضها.
وأيضًا فإن هذه التسمية لغوية شرعية، فجاز أن يكون له باعتبار كلِّ واحدٍ من التسميتين معنًى غير الآخر. وقد قيل: هو اسم موضوع لغير معنى كسائر الشهور.
(1)
وقيل: شُرِع صومه دون غيره ليوافق اسمه معناه، وقد سمّي بذلك لأن الله حين فرضه كان وقت الحرّ. وهذا ضعيف؛ لأن تسميته رمضان متقدِّمة على فرضه، ولأنه لما فُرض كان في أوائل الربيع الذي تسميه العربُ الصيفَ؛ فإنَّ أولَ رمضانَ فُرِض كانت فيه وقعة بدر، وقد أنزل الله عليهم فيها ماءً من السماء، والقيظ العظيم لا ينزل فيه مطر.
فصل
(1)
ويستحبّ لمن رأى الهلال ــ هلال رمضان أو غيره ــ أن يدعوَ بما رُوي عن طلحة بن عبيد الله: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلالَ قال: «اللهم أَهِلَّه علينا باليُمْن والإيمان، والسلامة والإسلام، رَبّي وربُّك الله» رواه أحمد والترمذي
(2)
، وقال: حسن غريب.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: «الله أكبر، اللهم أَهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق
(1)
ينظر «المغني» : (4/ 328).
(2)
أحمد (1357)، والترمذي (3451). وأخرجه الحاكم:(4/ 285)، والعقيلي في «الضعفاء»:(1/ 134 - 135) في ترجمة سليمان بن سفيان، وغيرهم. قال الترمذي:«هذا حديث حسن غريب» . وقال العقيلي بعد ذكره للحديث من طريق سليمان: «ولا يُتابَع عليه إلا مِن جهةٍ تقاربه في الضعف، وفي الدعاء لرؤية الهلال أحاديث كان هذا عندي مِن أصلحها إسنادًا، وكلها لينة الأسانيد» . وقال ابن طاهر في «ذخيرة الحفاظ» : (2/ 810): «لا يُتابع عليه، وهو غير ثقة» . وهذا الحديث من جملة منكرات سليمان بن سفيان، وتكاد تجمع كلمات النقاد أنه منكر الحديث أو يروي المناكير في حديثه، ينظر ترجمته في «تهذيب التهذيب»:(4/ 194).
لما تحبّ وترضى، ربِّي ورَبُّك الله» رواه الأثرم
(1)
.
وعن ابن
(2)
حرملة قال: خرجتُ مع سعيد بن المسيب، وهو آخذ بيدي، فرفعتُ رأسي؛ فإذا أنا بالهلال، فقلت: الهلال يا أبا محمد، فرفع رأسَه، فقال:«آمنتُ بالذي خَلقَك فسوَّاك فعَدَّلك» . ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا. رواه أبو داود في «المراسيل»
(3)
.
وعن قتادة أنه بلَغَه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: «هلالُ خيرٍ ورُشْد، آمنتُ بالذي خَلَقَك» ثلاث مرات. ثم يقول: «الحمدُ لله الذي ذهبَ بشهرِ كذا وجاءَ بشهرِ كذا» رواه أبو داود في «السنن» و «المراسيل»
(4)
، وقال: رُوي متصلًا ولا يصح.
(1)
في «الناسخ والمنسوخ» (ص 199). وأخرجه أيضًا الدارمي (1687)، وابن حبان (888)، والطبراني في «الكبير» (13330)، وفي إسناده ضعف. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»:(10/ 139): «رواه الطبراني وفيه عثمان بن إبراهيم الحاطبي، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات» .
(2)
ق والمطبوع: «أبي» خطأ.
(3)
(526). وأخرجه ابنُ أبي شيبة (9821). وفي إسناده نصر بن عاصم الأنطاكي ضعيف الحديث، ترجمته في «التهذيب»:(10/ 427).
فائدة: أخرج الحاكم (2/ 253) من طريق عبد الرحمن بن حرملة عن ابن المسيب عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ (فسوّاك فعدَّلك) مثقّلة. وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أبو عمرو الدوري في «قراءات النبي» (ص 180) مرةً من مرسل سعيد، ومرةً من مرسل ابن حرملة.
(4)
«السنن» (5092)، و «المراسيل» (527). وأخرجه ابن أبي شيبة (9830). قال الحافظ كما في «الفتوحات الربانية»:(4/ 330): «رجاله ثقات، فإن كان المبلغ صحابيًّا فهو صحيح. وقد سمي من وجه آخر ضعيف رواه الطبراني في الدعاء (906) من طريق محمد بن عبيد الله العرزمي، عن قتادة، عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى هلال رمضان .. بنحوه. وفي سنده ضعف» .
ورواه عبد الرزاق في «الجامع»
(1)
: أنبانا مَعْمَر، عن قتادة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال كبَّر ثلاثًا، ثم هلَّل ثلاثًا، ثم قال:«هلالُ خيرٍ ورُشْد» ثلاثًا، ثم قال:«آمنتُ بالذي خَلَقك» ثلاثًا. ثم قال: «الحمدُ لله الذي ذهبَ بشهرِ كذا وكذا وجاءَ بشهرِ كذا وكذا» .
وعن قتادة: [ق 4] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال صَرَف وجْهَه عنه. رواه أبو داود
(2)
.
فإذا جَمَع بين هذا كلِّه: كبَّرَ ثلاثًا، ثم هلّل ثلاثًا، ثم قال: هلالُ خير ورشد ثلاثًا
(3)
، ثم قال: آمنتُ بالذي خلقك فسوَّاك فعدّلك ثلاثًا، ثم قال: الحمد لله الذي جاء بشهر كذا وذهب بشهر كذا، اللهم أهِلَّه علينا باليُمْن والإيمان والسلامة والإسلام.
وأما رمضان، فقد رُوي عن أبي جَناب
(4)
الكلبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا رمضانُ قد جاء فقولوا: اللهم سلِّمْه لنا وسلّمْنا له في يُسر وعافية
(1)
بذيل المصنف (20338).
(2)
(5093) وقال عقبه: «ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديث مسند صحيح» . وقال الحافظ ابن حجر كما في «الفتوحات الربانية» : (4/ 331 - 332): «وجدت لمرسل قتادة شاهدًا مرسلًا أيضًا، أخرجه مسدّد في مسنده الكبير، ورجاله ثقات» .
(3)
تكررت هذه الجملة في المطبوع.
(4)
تحرفت في ق إلى: «خباب» .
وتقبَّله مِنّا» رواه عبَّاد بن يعقوب الأسدي
(1)
.
وعن يحيى بن أبي كثير قال: كان من دعائهم: «اللهم سلِّمني لرمضان، وسلِّم لي رمضان، وسلِّمه منِّي متقبّلًا» رواه محمد بن كثير، عن الأوزاعي عنه
(2)
.
وعن أبي جعفر الباقر قال: «كان إذا أهلَّ رمضان قال: اللهم أهِلَّه علينا بالسلامة والإسلام، ودفع الأسقام، والعون على الصلاة والصيام، والرزق الواسع، والعفو والعافية، اللهم سلِّمْه لنا وسِلْمنا له» رواه عبَّاد بن يعقوب
(3)
.
(1)
لم أجده. وأخرجه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات (185) من مرسل الحسن: «اللهم سلمه لنا وسلمه منا» .
(2)
ورواه أبو نعيم في «الحلية» : (3/ 69) من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، قال: كان يحيى بن أبي كثير يدعو حضرةَ شهر رمضان
…
وذكر الأثر.
وروي أيضًا من دعاء مكحول عند الطبراني في «الدعاء» (913) بإسناد حسن.
وروي أيضًا مرفوعًا من حديث عبادة بن الصامت عند الهيثم بن كليب في «مسنده» (1271) والطبراني في «الدعاء» (912) وقال الذهبي في «السير» : (19/ 51): «غريب» .
(3)
ورواه ابن أبي الدنيا في «فضائل رمضان» (20)، وابن عساكر في «تاريخه»:(51/ 186) كلاهما من طريق جابر الجعفي ــ وهو رافضي ضعيف ــ عن أبي جعفر بنحوه، وفي آخره زيادة:«وتسلَّمه منا حتى يخرج رمضان وقد غفرتَ لنا ورحَمْتنا وعفوت عنا» .