الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن عائشة أن رجلًا قال: يا رسول الله، تدركني الصلاة وأنا جُنُب فأصوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم» . فقال: لستَ مثلنا يا رسول الله، قد غَفر الله لكَ ما تقدّم مِن ذنبك وما تأخّر. فقال:«والله، إنّي لأرجو [ق 55] أن أكونَ أخشاكم لله وأعلَمَكم بما أتّقِي» رواه مسلم وغيرُه
(1)
.
مسألة
(2)
: (ومن أخَّرَ القضاءَ لعذرٍ حتى أدركَه رمضانُ آخرُ، فليس عليه غيرُه، وإن فرَّطَ أطعمَ مع القضاءِ لكلّ يومٍ مِسكينًا)
.
في هذا الكلام فصلان:
أحدهما
أنه يجوز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان، وهو مؤقَّت بما
(3)
بين الرمضانين، يقضي متى شاء إلى أن يدخل شهر رمضان، وسواء كان قد أفطر لعذرٍ أو لغير
(4)
عذر، فيما ذكره أصحابنا.
لما رُوي عن عائشة قالت: «كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم» . رواه الجماعة
(5)
.
(1)
. أخرجه مسلم (1110)، وأحمد (24385)، وأبو داود (2389). وقد تقدم.
(2)
. ينظر «المستوعب» : (1/ 420 - 421)، و «المغني»:(4/ 400 - 401)، و «الفروع»:(5/ 62 - 66)، و «الإنصاف»:(7/ 498 - 504).
(3)
. سقطت من المطبوع.
(4)
. س: «غير» .
(5)
. أخرجه البخاري (1950)، ومسلم (1146)، وأبو داود (2339)، والنسائي (2319)، وابن ماجه (1669) وأشار إليه الترمذي ولم يسق لفظه عقب حديث (783) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة. وأخرجه أحمد (24928)، والترمذي (783) وغيرهم من حديث عبد الله البهي عن عائشة بنحوه.
وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان، فكانت تقضيه في شعبان.
قال أبو عبد الله: يقضي رمضان كيف شاء، إن شاء متواليًا وإن شاء متفرّقًا، كيف تيسّر، ليس هو محدود، إنما هو دَين
(1)
.
ويستحبّ أن يقضي رمضان متتابعًا إن كان فاته متتابعًا، وإن فاته متفرّقًا
…
(2)
وإن قضاه مفرّقًا جاز ولم يُكره.
وعنه: هما سواء لقوله سبحانه: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، ولم يقيّدها بالتتابُع، فيجب أن تُحمل على الإطلاق كالمُطْلَقَةِ في قوله:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196].
قال أحمد: قال ابن عباس في قضاء شهر رمضان: صُمْ كيف شئت، قال الله:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
(3)
.
ولأنه يريد اليُسرَ بعباده، وقد يكون التفريق أيسر.
قال مجاهد في الرجل يكون عليه صيام من رمضان أيفرّق صيامه أو
(1)
. بنحوه في «مسائل صالح» (ص 263)، وابن هانئ:(1/ 134).
(2)
. س: «مفرّقًا» . وبعده بياض في النسختين.
(3)
. أخرجه عبد الرزاق (7665) واللفظ له، وابن أبي شيبة (9224)، وعنه أبو القاسم البغوي في «مسائل أحمد» (ص 97).
يَصِله؟ فقال: إن الله أراد بعباده اليُسر، فلينظر أيسرَ ذلك عليه، إن شاء وصلَه، وإن شاء فرّقه
(1)
.
ولأنه اعتبر إكمال العدّة فقط، وإكمال العدّة يحصل بالتقطيع والصِّلَة.
فإن قيل: فقد روى مالك
(2)
، عن حُميد بن قيس قال: كنتُ أطوف مع مجاهد، فجاءه إنسان يسأله عن صيام مَن أفطر في رمضان، أيتابَع؟ قلت: لا. فضرب مجاهدٌ في صدري، ثم قال: إنها في قراءة أُبيِّ بن كعب: (متتابعات).
والقراءة الشاذّة تجري مجرَى خبر الواحد، كقراءة عبد الله:(فصيام ثلاثة أيام متتابعات)
(3)
.
قيل: هذا الحرف منسوخ تلاوتُه وحكمُه، بدليل ما رُوي عن عائشة قالت: نزلت {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ متتابعاتٍ} فسقطت «متتابعات» . رواه عبد الرزاق والدارقطني، وقال: إسناد صحيح
(4)
.
وأن مجاهدًا قد صحّ عنه من غير وجه أنه كان
(5)
يجيز التفريقَ ويخبر
(1)
أخرجه عبد الرزاق (7670) مختصرًا، وابن أبي شيبة (9214) مستوفًى من طريق أبي إسحاق السبيعي عنه. وسيأتي نحوه من وجهٍ آخر عنه.
(2)
. في «الموطأ» (844).
(3)
. أخرجها عبد الرزاق في «المصنف» (16102) والطبري: (8/ 653) وغيرهما من عدّة طرق عنه.
(4)
. رواه عبد الرزاق (7657) ومن طريقه الدارقطني: (2315).
(5)
. سقطت من المطبوع.
بذلك عن جميع أهل مكة
(1)
، وهو راوي هذا الحرف، فعُلِم أنه منسوخ.
لما روى سفيان بن بشر، أخبرنا
(2)
عليّ بن مُسهِر، عن عبيد الله
(3)
، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في قضاء رمضان: «إن شاء فرَّق وإن شاء تابع» رواه الدارقطني
(4)
، وقال: لم يُسنده غيرُ سفيان بن بشر.
وروي عن عبد الله بن عمرو
(5)
، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثله
(6)
.
وعن
(7)
محمد بن المنكدر، قال: بلَغَني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن تقطيع قضاء رمضان؟ فقال: «ذاك إليك، أرأيتَ لو كان على أحدِكم دَين فقضى الدرهمَ والدرهمين ألم يكن قضاء؟ فالله أحقّ أن يعفو ويغفر» . رواه الدارقطني
(8)
، وقال: إسناد حسن، إلا أنه مرسل.
وعن جابر قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقطيع صيام شهر رمضان؟ فقال: «أرأيتَ لو كان على أحدكم دَين فقضى الدرهمَ والدرهمين حتى
(1)
. سيأتي لفظه و تخريجه.
(2)
. المطبوع: «ثنا» .
(3)
. في النسختين: «عبد الله» ، تصحيف.
(4)
. (2329). قال البيهقي في «السنن» : (4/ 259): «ضعيف» . قلت: سفيان بن بشر مجهول، وحديثه منكر؛ لأنه خالف الثابت عن ابن عمر من أمره بالتتابع. أخرجه ابن أبي شيبة (9227)، والبيهقي:(4/ 260) وغيرهما عنه موقوفًا.
(5)
. ق: «بن عمر» ، وس:«عبيد الله بن عمير» . والصواب ما أثبت.
(6)
. أخرجه الدارقطني (2317). وفي إسناده محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك.
(7)
. قبله في النسختين: «عبد الله بن عمرو عن» !
(8)
. (2334).
يقضي، هل كان ذلك قضاء دينه (أو: قاضيه)»؟ قالوا: نعم. رواهنّ الدارقطني
(1)
.
ولأنه إجماع الصحابة.
فروى الدارقطني
(2)
عن أبي عُبيدة بن الجرّاح أنه سُئل عن قضاء رمضان متفرّقًا؟ فقال: «أَحْصِ وصم كيف شئتَ» .
وعن معاذ بن جبل قال: «أحْصِ العدّة واصنع كيف شئت»
(3)
.
وعن عمرو بن العاص أنه قال: «فرِّق قضاء رمضان، إنما قال الله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}»
(4)
.
وعن رافع بن خَديج أنه كان يقول: «أحْصِ العدّة وصُم كيف شئتَ»
(5)
.
(1)
. (2333). قال الدارقطني: «ولا يثبت متصلًا» يعني أن الصواب أنه من مرسل ابن المنكدر.
(2)
. في «سننه» : (2319) عن أبي القاسم البغوي ــ وهو في «مسائله عن أحمد» (ص 96) ــ عن ابن أبي شيبة (9225) بإسناده.
(3)
. أخرجه ابن أبي شيبة (9211)، وعنه البغوي في «مسائل أحمد» (ص 92)، وعنه الدارقطني (2/ 193)، ثم من طريقه البيهقي في «الكبرى» (4/ 258).
(4)
. أخرجه الطحاوي في «أحكام القرآن» (840)، والدارقطني (2332) واللفظ له. وفي سنده ابن لهيعة، إلا أن الراوي عنه عند ابن عبد الحكم: أبو الأسود النضر بن عبد الجبار، وعند الطحاوي: عبد الله بن وهب، ورواية هذين مِن أجود الروايات عن ابن لهيعة.
(5)
. أخرجه ابن أبي شيبة (9212)، وعنه البغوي في «مسائل أحمد» (ص 91)، وعنه الدارقطني:(2322).
وعن ابن عباس وأبي هريرة قالا: «لا بأس بقضاء رمضان متفرّقًا»
(1)
.
وروى سعيد
(2)
عن أنس بن مالك أنه سُئل عن قضاء رمضان؟ فقال: إنما قال الله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، فإذا أحصى العدّة فلا بأس بالتفريق.
وعن مجاهد قال: «أمّا نحن أهل مكة فلا نرى بالتفريق بأسًا»
(3)
.
وهذه الآثار تعضد الأحاديثَ المتقدّمة وتجعلها حجّة عند مَن لا يقول بالمرسل المجرّد.
وقد رُوي عن سالم
(4)
، عن ابن عمر أنه كان يقول:«صُمه كما أفطرتَه»
(5)
.
وعن ابن عباس: أنه كان لا يرى بالتفريق بأسًا، وكان ابن عمر يقول
(6)
:
(1)
. أخرجه عبد الرزاق (7664)، وابن أبي شيبة (9207)، والدارقطني (2321)، وغيرهم بإسناد صحيح عن عطاء عنهما.
وروي نحوه عن ابن عباس من وجه آخر سيأتي قريبًا، وعن أبي هريرة من أوجه أخرى عند عبد الرزاق (7672، 7673) والدارقطني (2323، 2324).
(2)
. ورواه أيضًا ابن أبي شيبة (9208) والطحاوي في «أحكام القرآن» (838) والبيهقي: (4/ 258) بنحوه.
(3)
. لم أقف عليه، وقد سبق عن مجاهد قوله من وجه آخر. وممن قال به مِن فقهاء التابعين مِن أهل مكة: عطاء بن أبي رباح. أخرجه ابن أبي شيبة عنه (9214، 9239).
(4)
. تحرّف في النسختين إلى: «سعيد» ، والتصويب من المصادر.
(5)
. أخرجه عبد الرزاق (7656، 7657) من طريق الزهري، عن سالم به.
(6)
. سقطت من المطبوع.
يقضيه متتابعًا
(1)
.
وعن الحارث، عن
(2)
عليّ قال: «مَن كان عليه صوم مِن رمضان فليقضه
(3)
متصلًا ولا يفرِّقه»
(4)
.
وهذا محمول على الاستحباب، لأنه قد تقدّم عن ابن عمر خلاف ذلك.
وأيضًا، فإن القضاء لا يزيد على الأداء، وفِعْل الصوم أداء لا تجبُ فيه الموالاة؛ فإنه لو أفطر أثناء الشهر لعُذْر أو غيره، بنى على صومه وقضى ما أفطره، فإذا لم تُشترط الموالاة في الأصل، ففي البدل أولى.
نعم، لَمَّا كان صومُ الشهر واجبًا وأيامُه متوالية، وجبت الموالاة في الفعل
(5)
تَبَعًا للموالاة في الوقت، فإذا فات الوقتُ سقطت الموالاةُ الواجبة فيه
…
(6)
ولأن الصوم وإن وجب جملةً، فهو دَين في الذمّة، وقضاء الدَّين يجزئ متتابعًا ومتفرّقًا
…
(7)
، ولأنه إذا جاز تأخيرُه كلّه إلى شعبان، فتأخير بعضه أولى.
(1)
. أخرجه ابن أبي شيبة (9224)، والدارقطني:(2320) من طريق الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس. ولم يتبيّن في قول ابن عمر هل هو من قول الزهري مُرسلًا، أو مما رواه عن عبيد الله أيضًا؟ والظاهر الأول.
(2)
. ق: «بن» وكتب فوقها: كذا.
(3)
. كذا، وفي مطبوعة «مصنف ابن أبي شيبة»:«فليصمه» .
(4)
. أخرجه عبد الرزاق (7660)، وابن أبي شيبة (9228) واللفظ له.
(5)
. ق: «للفعل» .
(6)
. بياض في النسختين.
(7)
. بياض في النسختين. «ومتفرقًا» سقطت من المطبوع.