الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
(1)
: إذا فرّط في القضاء حتى مات قبل أن يدركه
(2)
الرمضانُ الثاني، فإنه يُطعَم عنه لكلّ يوم مسكين
.
وهل يأثم ويكون هذا الإطعام بمنزلة ما لو مات ولم يحجّ؛ لقوله سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، وهذا قد أطاقَ الصومَ ولم يصمه أداءً ولا قضاءً، فتجب عليه الفدية بظاهر الآية؟
يؤيّد ذلك قولُه تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} ، بعد قوله:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، فيفيد ذلك أنه يَعمُّ مَن أطاقَ الصومَ في رمضان وأفطر، ومَن أطاق الصوم في أيام أُخَر فلم يصم.
ثم نَسْخ الأول [لا]
(3)
يوجب نسخ الثاني؛ لأنه إنما نُسِخ التخييرُ، أما وجوب الفدية مع الفطر الذي لا قضاء فيه، فلم يُنسخ البتَّة؛ [ق 59] لِما روى أشعثُ، عن محمد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن مات وعليه صيامُ شهر رمضان، فليُطْعَم عنه مكانَ كلّ يومٍ مسكينًا» رواه ابن ماجه والترمذي
(4)
وقال: «لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، والصحيح
(1)
ينظر «المغني» : (4/ 401)، و «الفروع»:(5/ 65 - 66).
(2)
. ق: «يدرك» .
(3)
زيادة لاستقامة المعنى.
(4)
. أخرجه ابن ماجه (1757)، والترمذي (718)، وابن خزيمة (2056)، والدراقطني (2341) وغيرهم. قال في «البدر المنير»:(5/ 730 - 731): «والصحيح أنه موقوف على ابن عمر كما قاله الترمذي وغيره من الحفاظ؛ قال الدارقطني: المحفوظ وقفه عليه. وقال البيهقي [السنن 4/ 254]: إنه الصحيح. وقد رواه ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر رفعه، في الذي يموت وعليه رمضان لم يقضه قال: «يطعم عنه لكل يوم نصف صاع من بر» قال: وهذا خطأ من وجهين: أحدهما: رفعه فإنما هو موقوف. والثاني: قوله: «نصف صاع» وإنما قال ابن عمر: «مدًّا من حنطة» ».
عن ابن عمر
(1)
موقوف قولَه
(2)
». قال: «وأشعث هو ابن سوَّار، ومحمد هو ابن أبي ليلى» .
ورواه الأثرم وأبو بكر، كلاهما عن
(3)
قتيبة، عن عُمر بن القاسم، عن أشعث
(4)
.
وعن عبد العزيز بن رُفَيع، عن عَمْرةَ امرأةٍ منهم، قال: توفيت أمها وعليها أيام من رمضان، فسألَتْ عائشة أن تقضيه عنها؟ قالت:«لا، بل أطعمي مكان كلِّ يوم مسكينًا» رواه سعيد
(5)
.
وعن ميمون بن مِهْران أن ابن عباس سُئل عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر وعليه صوم رمضان؟ قال: «أما رمضان فيُطعَم عنه، وأما النذر فيُصام عنه» رواه أبو بكر
(6)
.
وعن ابن عباس وابن عمر مثله
(7)
. ولا يُعرف لهم في الصحابة مخالف.
(1)
. «عمر» سقطت من س.
(2)
. سقطت من المطبوع.
(3)
. ق زيادة: «ورواه عن» ولا وجه لها.
(4)
. من قوله: «كلاهما عن .. » إلى هنا ملحق في هامش النسختين.
(5)
. وأخرجه الطحاوي في «أحكام القرآن» (935) و «شرح مشكل الآثار» : (6/ 178 - 179) من طريقين عن عبد العزيز بن رفيع به.
(6)
. ورواه أيضًا البيهقي: (4/ 254) وابن حزم في «المحلّى» : (7/ 7) وصحّح إسناده.
(7)
. رواهما البيهقي: (4/ 254) ولفظ أثر ابن عمر عن القاسم ونافع: أن ابن عمر كان إذا سئل عن الرجل يموت وعليه صوم من رمضان أو نذر يقول: «لا يصوم أحد عن أحد ولكن تصدقوا عنه من ماله للصوم لكل يوم مسكينًا» . وهو في «الموطأ» : (1/ 303) بنحوه بلاغًا.
وعن ابن عباس قال: «إذا مرض الرجلُ في رمضان، ثم مات ولم يَصُم أُطعِم عنه ولم يكن عليه قضاء، وإن نذر قضى عنه وليّه» . رواه أبو داود
(1)
.
ولأنه قد وجب القضاء في ذمته، واشترطت له الفدية في المال، فإذا قدر عليه لم يكن بدٌّ من إيجاب الفدية، لأن الصوم الواجب لا يخلو من فعله أو فعل الفدية.
فإن قيل: قضاء رمضان موسَّع، والعبادة الموسّعة إذا مات في أثناء وقتها لم يكن آثمًا بدليل الصلاة، ومَن لا إثم عليه فلا فدية عليه.
قلنا: نعم، إذا لم يغلب على ظنه الموتُ قبل القضاء لم يأثم، وإن غلب على ظنه الموتُ قبله أثِمَ، كما قلنا في الصلاة، لكن الفدية تجب بدون الإثم، كما تجب على الشيخ الكبير والمريض الميؤوس منه، لأنه بدَلٌ عن الصوم الواجب.
وإنما كان البدل هو الإطعام، لما ذكرنا من الآية والحديث وإجماع الصحابة.
فإن هؤلاء الذين قالوا: يُطعَم عنه، هم
(2)
الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الوليَّ يصومُ عنه وليُّه»
(3)
، وبيّنوا إنما هو النذر كما سيأتي.
(1)
. برقم (2401) من رواية سعيد بن جبير عنه.
(2)
. س: «عندهم» .
(3)
. أخرجه البخاري (1952)، ومسلم (1147) من حديث عائشة رضي الله عنها. وفي النسختين:«يصوم عنه موليه» ولم أجدها في شيء من ألفاظ الحديث.
ولأن الصومَ المفروضَ قد جعل الله له بدلًا في الحياة، وهو الإطعام فوجب أن يكون بدله
(1)
بعد الموت مثل بدله في الحياة، كسائر الفرائض.
فإنّ معنى البدل لا يختلف بالحياة والموت، ولهذا لمَّا كان البدل في الحجّ عن المعضوب أن يحجّ عنه غيرُه، كان البدل في الميّت أن يحجّ عنه غيرُه.
ولأن إيجاب الله إنما هو ابتلاءٌ وامتحانٌ للمكلَّف، وهو المخاطَب بهذا الفرض، وكلّ ما كان أقرب إليه، كان أحقّ بأداء الفرض منه مما هو أبعد منه.
فإذا كان قادرًا ببدنه لم يجُز أداؤه بماله، وإذا كان قادرًا بماله لم يجُز أداؤه ببدن غيره؛ لأن ماله أحقّ بأداء الفرض منه مِن بدن غيره.
فلو جاز أن يصوم عنه الولي، لكان قد أدى الفرضَ ببدن غيره دون ماله
…
(2)
ولأن الله قد أوجبَ عليه الصوم، والوليّ لا يوجب
(3)
عليه شيئًا يَكِلُه إلى غيره، وإذا أوجبنا مِن ماله كان دَينًا في التَّرِكة.
فعلى هذا إن كان له تَرِكَة أُطعِم عنه من تركته، فإن أَطعَمَ رجلٌ عنه من غير ماله بإذن الولي أو بغير إذنه، أو لم يكن له مال، فتبرّع رجل بالإطعام عنه
…
(4)
(1)
. المطبوع: «له بدلا» .
(2)
. بياض في النسختين.
(3)
كان في س: «يجب» ثم ضرب عليها، والعبارة غير محررة المعنى.
(4)
. بياض في النسختين.
فإن لم يكن له تَرِكة، فأحبَّ أحدٌ أن يصوم عنه، فقال القاضي: لا يجزئ الصوم عنه
(1)
، ويحتمل كلام أحمد أنه يجزئ لأنه سمَّاه دَينًا.
فصل
(2)
فإن فرَّط حتى أدركه رمضانُ
(3)
الثاني قبل أن يصوم، ومات في أثناء ذلك الرمضان أو بعده قبل أن يصوم؛ فقال القاضي في «المجرَّد» وأصحابُه كابن عقيل وأبي الخطاب
(4)
: يُطعَم عنه لكلّ يوم مسكينان
(5)
؛ لأنه قد وجب عليه القضاء والكفّارة لو عاش؛ فإذا مات قبل القضاء لزمه عنه كفارتان: كفّارة لتأخير القضاء، وكفّارة لتفويته.
ولا فرق على هذا بين أن يفوتَ وقتُ القضاء برمضان واحد أو رمضانات.
والمنصوص عن أحمد: أنه ليس عليه إلا كفّارة واحدة؛ لأنه لا يجب في اليوم الواحد بدلان من جنس واحد، كما لم يجب في شيء من الأيام صوم يومين، ولأنه إذا أدرك رمضان الثاني، فإنما وجبت عليه الكفّارة لترك القضاء في وقته، وهذا بعينه هو المقتضي لوجوب الكفّارة بالموت، وإذا كان السببان من جنس واحد تداخل موجَبُهما.
(1)
. بعده بياض في ق.
(2)
ينظر «المغني» : (4/ 401)، و «الفروع»:(5/ 70 - 71).
(3)
. س: «الرمضان»
(4)
. في «الهداية» (ص 162). ووقع في النسختين: «وأبو» خطأ.
(5)
. في المطبوع: «مسكينا» !