الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك [لو]
(1)
انقطع دمُها في أثناء يومٍ، وجب عليها قضاؤه، وفي وجوب الإمساك روايتان.
وإن انقطع دمُها قبل الفجر وبيَّتت النيةَ صحّ صومُها وإن لم تَغتسل. نصّ عليه، وأنكر على مَن قال بخلافه، وقاسَه على الرجل إذا أصبح جُنبًا.
مسألة
(2)
: (والثالث: الحاملُ والمرضعُ إذا خافتا على ولديهما، أفطَرَتا وقَضَتا وأطعَمَتا عن كُلّ يوم مسكينًا، وإن صامتا أجزأهما)
.
في هذا الكلام فصلان:
أحدهما: أن المرأة الحامل إذا خافت من الصوم على ولدها، إمّا لأنّ الجوعَ يضرُّ به، أو لاحتياجه إلى دواء تشربه هي
(3)
، فإنه يجوز لها أن تفطر؛ لأنها أحوج إلى الفطر من المسافر وبعض المرضى، فإنه يُخاف هلاكُ الولد بصومها.
وقد تقدم
(4)
حديث أنس بن مالك الكعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «إن الله وضعَ الصومَ عن المسافر وعن الحبلى أو المرضع» . لقد قالهما رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا أو أحدهما». [وفي رواية]
(5)
(1)
سقطت من النسختين، وزيدت لصحة السياق.
(2)
ينظر «المستوعب» : (1/ 401)، و «المغني»:(4/ 393 - 395)، و «الفروع»:(4/ 446 - 448)، و «الإنصاف»:(7/ 381 - 386).
(3)
من س.
(4)
(ص 174).
(5)
مكانها في النسختين بعد قوله: «عن المسافر» ، وهو سهو أو انتقال نظر، ومكانها المناسب هنا، وقد تقدم الحديث كما سلف.
وعليهما مع الفطر القضاء؛ لأنها ترجو القدرةَ عليه، فإذا قدرت صامت كالمريض والمسافر، وعليها أيضًا الفدية، وهو أن تطعم عن كلِّ يوم مسكينًا.
وعن نافع: أن ابن عمر سُئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها، فقال:«تُفطِر وتُطعِم مكان كلّ يوم مسكينًا مُدًّا مِن حنطة» رواه الشافعي
(1)
.
وعن عكرمة: أن ابن عباس قال: «أثبتت للحبلى والمرضع» ؛ يعني قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة: 184]. رواه أبو داود
(2)
.
وروى
(3)
عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال:«كانت رخصةً للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يُطيقان الصومَ أن يفطرا ويُطعما مكان كلِّ يوم مسكينًا، والحُبْلى والمرضع إذا خافتا» . قال أبو داود: يعني على أولادهما.
رواه أحمد في «الناسخ والمنسوخ»
(4)
مستوفى عن سعيد بن جبير، [ق 38] عن ابن عباس في قوله:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} قال: «رُخّص للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في ذلك وهما يُطيقان الصوم،
(1)
في «الأم» : (8/ 713) عن مالك عن نافع به. وهو في «الموطأ» (1/ 308) بلاغًا. ورواه الدارقطني: (2/ 207) بنحوه من طريق أيوب وعبيد الله، عن نافع به.
(2)
(2317) وإسناده صحيح.
(3)
يعني أبا داود في «سننه» (2318) بإسناد جيد، ولكن في لفظه اختصار يخلّ بالمعنى، وهو في الرواية التالية مستوفى.
(4)
ورواه أيضًا البزار (4996) والطبري في «التفسير» : (3/ 167) وابن أبي حاتم: (1/ 307) والبيهقي: (4/ 230) مستوفًى بنحوه.
ورُخّص لهما أن يفطرا إن شاءا، ويُطعما مكان كلّ يوم مسكينًا، ثم نُسخ ذلك في هذه الآية {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ، وثبتت الرخصةُ للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصومَ، والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا مكان كلّ يوم مسكينًا ولا قضاء عليهما».
وعن عطاء عن ابن عباس: أنه كان يرخّص في الإفطار في رمضان للشيخ الكبير والحامل المُتِمّ والمرضع، ولصاحب العُطاش أن يفطروا ويطعموا لكلِّ يوم مسكينًا. رواه سعيد
(1)
.
قال أحمد في رواية صالح
(2)
: المرضع والحامل تخاف على نفسها تُفطر وتقضي وتُطعِم، أذهبُ إلى حديث أبي هريرة، وأما ابن عباس وابن عمر يقولان: تُطعِم ولا تصوم. وكان ابنُ عباس يقرؤها: (يُطَوَّقونه) قال: يُكَلّفون
(3)
، ومن قرأ {يُطِيقُونَهُ} ، فإنها منسوخة، نَسَخَها:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ، فقد ثبت وجوبُ الفدية عن ثلاثة من الصحابة، ولا يُعرَف
(1)
لم أقف عليه بهذا اللفظ في سياق واحد. وقد أخرجه البخاري (4505) من رواية عطاء بذكر الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة فقط. والحامل والمرضع ورد ذكرهما مع الشيخ الكبير في رواية سعيد بن جبير، وقد سبقت آنفًا. وأما صاحب العطاش فجاء من رواية سعيد بن جبير أيضًا، أخرجه الطحاوي في «أحكام القرآن» (911) والطبراني في «الكبير» (12405) من طريقين عنه، عن ابن عباس.
(2)
(ص 274).
(3)
قراءة ابن عباس أخرجها عبد الرزاق: (4/ 221)، والطبري:(3/ 172، 174) وغيرهما من طرق عن عطاء وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير، عن ابن عباس.
أما تفسيره للآية بقوله: «يكلّفونه» أو «يتكلّفونه» فقد أخرجه النسائي (2317) والطبري: (3/ 174) والدارقطني: (2/ 205) وقال: هذا الإسناد صحيح.
لهم مخالف.
واختلفوا في القضاء، وأشبَهُ القولين وجوب القضاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَر:«أن الله وضعَ الصومَ عن المسافر والحامل والمرضع»
(1)
، ولم يُرِد إلا وضع الأداء دون القضاء؛ لأنه ذَكَر المسافر، وإنما وضعَ عنه الأداءَ فقط، ولأنها ترجو القُدْرة على القضاء، فهي كالمريض.
وأما إن
(2)
خافت على نفسها، فقال أصحابنا: تُفطر وتقضي ولا تكفّر.
قال بعضهم: هذا بغير خلاف، لأنها بمنزلة المريض أو بمنزلة مَن يخاف حدوث مرضٍ به، وإنما وجبت الفديةُ إذا خافت على جنينها؛ لأنها هناك أفطرت للخوف على غيرها، وهو أغلظُ من الفطر خوفًا على نفسها، فغُلِّظ بوجوب الفدية، ولأن الفطر يَرتَفِق به هنا شخصان الحاملُ وجنينُها، فكان القضاء عنها والفدية عن جنينها، بخلاف فطر المريض والمسافر، فإنه لا يرتفق به إلا شخصٌ واحد.
وقال أحمد في رواية الميموني: الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على ولدهما يُفطران ويُطعمان، ويصومان إذا أطاقا.
وقد تقدمت روايةُ صالح: الحامل والمرضع تخاف على نفسها: تُفطِر وتقضي وتُطعِم.
وقال في رواية حرب في الحامل والمرضع يشتدّ عليهما الصيام: يفطران ويقضيان ويكفِّران لكلّ يوم مُدًّا لمسكين، والشيخ الكبير الذي لا
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
المطبوع: «من» خلاف النسخ.
يُطيق الصومَ: يُفطر ويُطعم مدًّا أيضًا.
وتأوّل القاضي هذا على أنها تخاف على ولدها مع خوفها على نفسها، فإن خافت على نفسها فقط فلا فدية، ولذلك قيَّد الخِرَقيّ
(1)
وغيرُه أن تخاف على جنينها، فكأنها تارة تخاف على ولدها فقط، وتارة تخاف على نفسها وعلى ولدها.
وهذا الذي قاله ليس بجيد؛ لأن أحمدَ فرَّق بين خوفها على نفسها وخوفها على ولدها، ولأنها إذا خافت على نفسها وولدها لم يجب عليها الفدية في قياس قول مَنْ لا يوجبها بالخوف على النفس.
كما
(2)
لو أفطرَتْ وهي حامل مريضة أو وهي حامل مسافرة، فإنها تفطر للمرض والسفر ولا كفّارة عليها؛ لأنه قد وُجد سببٌ يُبيح الفطرَ من غير كفّارة.
وهذا الذي قاله أحمد يجمع قولَ ابن عمر وابن عباس؛ لأنه أطلق الخوفَ، وجعلها من الذين يُطيقونه، فكأنّ إيجاب الفدية لأجل طاقتها في الحال لا لأجل ولدها، وابن عمر ذكر خوفَها على ولدها، ولأن خوفها على نفسها بسبب الحمل؛ فإن المسألة إنما هي إذا كان
(3)
كذلك، أما لو خافت من الفطر لأمرٍ آخر غير الحمل، بأن تكون مريضة؛ فإنه لا كفّارة عليها البتة، وإذا كان بسبب الحمل لم تكن مثل المريض الذي خوفه من جهة نفسه، فإنه
(1)
«المختصر» (ص 50).
(2)
مطموسة في ق، وقرأها في المطبوع:«ولو» .
(3)
المطبوع: «كانت» .
إذا كان وجودُ الحمل يمنعُها الصومَ، والحملُ في الأصل باختيارها؛ صارت كأنها ممتنعةً عن الصوم باختيارها، فناسبَ ذلك وجوبَ الفدية، وصارت من وجهٍ [غير]
(1)
قادرةً على دفع الحمل فلا تصوم.
ويحتمل أن أحمد قال ذلك لأنها إذا خافت على نفسها فإنه تخاف على جنينها؛ لأن الحامل إذا مرضت خيف على الجنين، وقد تخاف على جنينها من غير خوف على نفسها
(2)
.
فعلى هذا يكون قول مَن أطلق الحامل إذا خافت على جنينها صحيح، كالخِرَقي وابن أبي موسى
(3)
، وأحمد رضي الله عنه فصَّلَ الخوف؛ لأنها تارة تخاف على جنينها فقط، وتارة تخاف على نفسها فتخاف على جنينها.
وأما قول من قال: إذا خافت على نفسها فلا فديةَ عليها، فهو مخالف لنصّ أحمدَ ولأقوال السلف.
قال مسلم بن يسار: «أدركتُ أهلَ المدينة وهم يخيّرون المرضعَ والحامل في شهرها الذي تخاف على نفسها يفطران ويطعمان كلّ يوم مسكينًا»
(4)
.
وقال سعيد بن المسيّب في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} : «وهو الكبير الذي كان يصوم فيعجز، والمرأة الحُبْلى التي
(1)
زيادة لازمة يستقيم بها السياق.
(2)
هنا في س إشارة إلى وجود بياض.
(3)
ينظر «المختصر» (ص 50)، و «الإرشاد» (ص 148).
(4)
لم أقف عليه.
يعسُر عليها [ق 39] الصيامُ؛ فعليهما
(1)
إطعام مسكين كلّ يوم حتى ينقضي شهرُ رمضان»
(2)
رواهن سعيد.
الفصل الثاني: في المرضع
وهي كالحامل وأولى منها بوجوب الفدية؛ لأنها إنما
(3)
ترضعُ الطفلَ باختيارها في الجملة، بخلاف الحامل فإنها لا تستطيع مفارقةَ الجنين، وحكمها حكم الحامل في جميع أمورها كما تقدم، فإنها تخاف على ولدها إذا صامت بتغير اللبن أو نقصه، وقد تخاف على نفسها إذا صامت وأرضعَتْه بأن يُضْعِفها إرضاعُه.
ووجوبُ الفدية هنا إذا خافت على نفسها ظاهر؛ فإنها قادرةٌ على الصوم، وإنما إرضاعُها الذي يُضْعِفها، وهو فِعْلٌ لها.
ومَن استباح المحظورات بفعله وجبت عليه الكفّارة وإن كان جائزًا. ولهذا تجب الكفّارة بالحِنث في اليمين إذا فَعَله وإن كان واجبًا، ولو فُعِل به لم يكن عليه كفّارة
(4)
، وكذلك محظورات الإحرام، والفرق بينها وبين المسافر
(5)
.
(1)
في النسختين: «فعليها» والتصويب من المصادر.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (263 - تفسير) ــ ومن طريقه البيهقي: (4/ 271) ــ، والطبري:(3/ 171).
(3)
سقطت من المطبوع.
(4)
المطبوع: «الكفّارة» خلاف النسختين.
(5)
كذا في النسختين وفي الكلام نقص، وختمها في س بحرف هـ.
ثم لا يخلو إما أن تكون والدةً أو ظئرًا بأجرة أو غيرها.
فأما الأم فقال
…
(1)
إن قبل غيرها
(2)
، وقدرت أن تَسْتأجر له، أو كان له مال تَستأجر منه، فلتفعل ذلك ولتصم، وإلا جاز لها الفطر.
وهذا فيما إذا كان الخوف على نفسها، أما إذا خيف عليه
…
(3)
وأما الظئر التي ترضعُ ولدَ غيرِها بأْجْرة أو بدونها، فذكر ابن عقيل: أنها تستبيح الإفطارَ كاستباحته لولدها، لأنه أكثر ما فيه أنه نوعُ ضررٍ لأجل المشاقّ، فهو كالمسافر في المضاربة يستبيحُ بسفره ما يستبيح بالسّفَر لنفسه. وطردُه العملُ في الصنائع الشاقّة إذا بلغت منه الجهد.
والكفّارة في حال [المشقة]
(4)
التي تُبيح في حقّ نفسه أباحت في حقّ غيره، وإن لم تبلغ المشقّةُ إلى حدّ إباحة الإفطار، لم يُبَح في حقّه ولا في حقّ غيره.
ومَن لم يمكنه إنجاءُ شخصٍ من الهَلَكَة إلا بالفطر، مثل أن يكون غريقًا أو يريد أحدٌ أن يقاتله
…
(5)
(1)
بياض في النسختين. والظاهر أن الساقط هو «جدّي (أو: صاحب المحرّر)» ؛ لأن الكلام له كما ذكر ابن مفلح في «الفروع» : (4/ 474).
(2)
أي: إن قبل ولدُ المرضعة غيرَها، كما في الفروع الموضع السالف.
(3)
بياض في النسختين.
(4)
زيادة يستقيم بها السياق.
(5)
بياض في النسختين. وفي «الفروع» : (4/ 448): «ومَن وجد آدميًّا معصومًا في مَهلكة، كغريق ونحوه، ففي فتاوى ابن الزاغوني: يلزمه إنقاذه ولو أفطر، و [سيأتي] أن بعضَهم ذكر في وجوبه وجهين» ، وانظر:«القواعد» : (1/ 210) لابن رجب.