الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأما ما يجري به الريق وهو ما لا يتميّز عن الريق، فإنه لا يُفطِر به؛ لأنه لا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقّة، وهو التبزّق.
وإذا تنجّس فمه بالقيء أو الدم ونحوهما، أو بشيء من خارج، وابتلع ريقَه، لم يفطر بابتلاع الريق وإن كان نجسًا، إلا أن يكون معه جزء من النجاسة يمكن لفظُه؛ لأن ما يجري به الريقُ لا يُفْطِر به، كأثر المضمضة وأثر الطعام، إلا أن يكون قد وضَعَ النجاسةَ في فمه عمدًا.
فصل
(1)
وما يوضع في الفم من طعام أو غيره لا يفطّر
؛ لأن المضمضة جائزة بالسنة المستفيضة، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه كانوا يتمضمضون في وضوئهم وهم صيام.
وقد قال للقيط بن صَبِرة: «وبالِغْ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا»
(2)
فأمره بالاستنشاق مع الصوم دون المبالغة فيه
(3)
.
وقد ضَرَب لعمر المثلَ بالمضمضة في أنها لا تفطِّر الصائم
(4)
.
ولما روى
…
(5)
: أن أسامة دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وقد شُجّ، ودمُه يسيل، فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يمصّ الدَّمَ عن شَجّته
(6)
.
(1)
ينظر «المغني» : (4/ 356 - 359)، و «الفروع»:(5/ 20 - 21).
(2)
. تقدم تخريجه.
(3)
. «فيه» ليست في س.
(4)
. س: «الصيام» ، والحديث تقدم تخريجه.
(5)
. بياض في النسختين. ولعله: «أحمد وابن ماجه» كما سيأتي في التخريج.
(6)
. أخرجه أحمد (25082)، وابن ماجه (1976)، وابن حبان (7056). من طرق عن العباس بن ذُريح، عن البَهيّ، عن عائشة به. وقال البوصيري في «مصباح الزجاجة»:(2/ 117): «إسناد صحيح إن كان البهيّ سمع من عائشة» . وقد اختلف في سماعه منها فأثبته البخاري ومسلم وغيرهما، ونفاه أحمد وابن مهدي وغيرهما، ينظر «جامع التحصيل» (ص 218)، و «تهذيب التهذيب»:(6/ 90)، والحديث صححه الألباني في «الصحيحة»:(3/ 16) بشواهده.
والدمُ محرّم أكله، ولم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإدخاله
(1)
الدمَ إلى فمه بآكِل ولا منهيّ عنه في هذه
(2)
الحال.
فكذلك الأشياء إذا دخلت فم الصائم لا تضرّه، لكن يُكره ذلك إذا لم تَدْعُ إليه حاجةٌ؛ لأن فيه
(3)
حومًا حول الحمى.
فأما إن كان لحاجة، مثل أن يذوق طَعْم القِدْر أو خَلًّا ونحوه مما يريد شراءه، أو يمضغ الخبزَ للصبي ونحو ذلك، ففيه روايتان:
إحداهما
(4)
: يكره.
قال في رواية حنبل: عن عكرمة، عن ابن عباس: لا بأس أن يذوق الصائمُ الخلَّ والشيءَ الذي يريد شراءَه ما لم يدخل حلقَه
(5)
.
(1)
. ق: «باحاله» خطأ.
(2)
. المطبوع: «هذا» .
(3)
. ق: «فمه» خطأ.
(4)
. س: «أحدهما» .
(5)
. أخرجه ابن أبي شيبة (9370)، والبيهقي:(4/ 261) بنحوه. وأخرجه ابن أبي شيبة (9369) من طريق آخر أيضًا عن ابن عباس، وفيه ضعف. وعلّقه البخاري في «صحيحه»:(3/ 30) بصيغة الجزم، ولفظه:«وقال ابن عباس: لا بأس أن يتطعّمَ القدرَ أو الشيء» .
ومنصور، عن الحسن: أنه كان يمضغ الجوزَ والشيءَ لابنه
(1)
وهو صائم
(2)
.
قال أبو عبد الله: أَحَبُّ إليَّ أن يجتنب الصائمُ ذوقَ الشيء، فإن فَعَل لم يضرّه ولا بأس به. وهو
(3)
اختيار أبي الخطّاب
(4)
.
والثانية: لا يكره.
قال في رواية أبي الحارث
(5)
: يُمضَغ للصبيّ الخبزُ في شهر رمضان ضرورةً.
وهذا قول أبي بكر وابن عقيل.
وقال القاضي: إذا
(6)
كان الشيءُ الذي يذوقُه مما يتحلَّل إلى حلقه مثل الخلّ وغيره من الأشياء، مُنِع من ذلك. وإن كان مما لا
(7)
يتحلَّل غالبًا كالخبز والقثّاء ونحو ذلك، جاز له ذلك.
(1)
. س: «لابن ابنه» .
(2)
. لم أقف عليه، وقد ذكره ابنُ قدامة في «المغني»:(4/ 359). وأخرج ابن أبي شيبة (9371) عن هشام بن حسّان، عن الحسن أنه كان لا يرى بأسًا أن يتطاعم الصائم العسل والسمن ونحوه ثم يمجّه.
(3)
. س: «وهذا» .
(4)
. في «الهداية» (ص 161). ثم قال: «فإن فعل فوجد طعمَه في حلقه أفطرَ» .
(5)
. هو: أحمد بن محمد أبو الحارث الصائغ، له عن الإمام مسائل كثيرة. ينظر «طبقات الحنابلة»:(1/ 177).
(6)
. س: «إن» .
(7)
. سقطت «لا» من س، وفي ق:«كان ما لا» ثم سقط منها قوله: «يتحلل غالبا .. له ذلك» .
فإن فعَلَ فوجَدَ طعمَه في حلقه
(1)
أو نزل إلى جوفه بغير اختياره، فقال أبو بكر: لا يضرُّه
(2)
ما لم يبلَعْه أو يزْدَرِدْه متعمّدًا، وعلى الغلبة لا قضاء عليه.
وقال القاضي وأصحابه وغيرهم من أصحابنا: يفطر بنفس وجود الطعم، وإن ذاقه ثم لفَظَه
(3)
؛ لأنه يَعلم أنه قد تحلّل
(4)
إلى حلقه منه شيءٌ، بخلاف ما إذا لم يجد طعمَه في حلقه، وبخلاف العِلْك الذي يَصْلُب بالعَلْكِ، فإن الريق [ق 76] يتميّز عنه ويأخذ الطعمَ منه، وهذه المَذُوْقات لا يتميّز الريقُ منها. وأكثرُ كلام أحمد على هذا، ورواية ابن القاسم توافق قول أبي بكر.
فأما وضْعُ ما لا طعم له فلا يكره.
قال في رواية المرُّوذي: إذا وضع الصائم في فمه دينارًا أو درهمًا
(5)
وهو صائم، أرجو أن لا يكون به بأس ما لم يجد طعمَه، وما وجد طعمَه لا يعجبني.
قال ابن عقيل: وهذا عندي محمول على أجزاء ما يكون على الدينار من غبار وما شاكله، فأما الذهب، فلا طعم له في نفسه، ولو كان له طَعْم
(6)
، فإنه لا يتحلَّل منه شيء إلى الفم.
(1)
. «في حلقه» من س.
(2)
. ق: «يضر» .
(3)
. بعده في ق بياض بمقدار ثلاث كلمات. ولا نقص في سياق الكلام.
(4)
. س: «يتحلل» .
(5)
. س: «درهم» .
(6)
. سقطت من س.
وإذا وجَدَ طعمَ الدرهم والدينار، ففيه وجهان على ما ذكره القاضي
(1)
.
فأما ما يبقى في الفم مِن أجزاء الماء في المضمضة، فإنه لا يُفَطِّر بوصوله إلى جوفه وإن أمكن الاحتراز عنه بالبصق، ولا يستحبّ إخراجه.
فأما ما يبقى
(2)
من أثر المذوق
…
(3)
ويكره للصائم مضغ العلك، وهو الموميا
(4)
واللبان، الذي كلما علَكَه
(5)
قوِيَ وصَلُب ولم يتحلَّل
(6)
منه شيء؛ لما تقدم من أنه لا حاجة إليه، وهو يحلب الفمَ ويجمع الريقَ فيه ويورث العطشَ.
وجمعُ الريقِ وبلْعُه مكروه، ولا يفطّر باجتماع هذا
(7)
الريق وابتلاعه ما لم يجد طعم العلك. قاله القاضي وغيره من أصحابنا.
وذكر ابنُ عقيل فيه الروايتين التي تقدمت فيمن جمعَ الريقَ وبلَعَه. فإن ابتلع الريقَ فوجد طعم العلك في حلقه، فقد قال أحمد فيما إذا وَجَد طعمَ الدينار: لا يعجبني. وهذا مِثْله، وفيه وجهان:
(1)
. هذا السطر مكانه في س قبل الفقرة السابقة.
(2)
. س: «ما بقي» .
(3)
. بياض في النسختين.
(4)
قال في «المصباح» : (2/ 586): «المُوم بالضمّ: الشمعُ، معرّب، والموميا لفظة يونانية .. وهو دواء يستعمل شُربًا ومَروخًا وضمادًا» .
(5)
. ق: «علقه» .
(6)
. في س: غير محررة ورسمها: «ينحل» .
(7)
. ليست في س.
أحدهما: أنه يفطر.
قال القاضي: وهو ظاهر قوله: «لأنه وجد الطعمَ في حلقه» ، فأفطر كما لو وجد طعم الكُحْل
(1)
وأولى، ولأن الريق باختلاطه بالعلك وامتزاجه به صار بمنزلة شيء من خارج، فإذا بلَعَه فقد بلع
(2)
جسمًا له طَعْم فيفطر، كما لو مزج ريقه بخلٍّ ثم بلَعَه
(3)
.
والثاني: لا يفطر. لأن الطعم عَرَض، وهو لم ينزل في حلقه شيء من الأجسام، وهو لا يفطر بهذا؛ كما لو وضع رجلَه في الماء فوجدَ بردَها، وكما لو لطَخَ رجلَه بالحنظل فوجد طعمَه في فِيه، فإنه لا يفطر.
فأما الذي يتحلّل منه أجزاء وهو يتفشّى ويتهرَّأ
(4)
بالعَلْك، فقال أصحابنا: لا يجوز له مضغه، ومتى مضغَه فوجد طعمَه في حلْقِه أفطر. وقال ابن عقيل: يحرم مضغُه ويُفْسِد الصومَ؛ لأنه ابتلع في صومه ما يقدر على التحرُّز منه.
وقال غيره: هذا يحرم
(5)
إلا إذا لم يبتلع ريقَه.
وقال غيره: هذا إذا لم يكن إليه حاجة، فأما مع الحاجة فيجوز.
وذكر القاضي: أنه لا يعلكه، ولم يكره، كما نصّ عليه أحمد في مضغ الجوز وغيره.
(1)
. ق: «وجد الخل» .
(2)
. «فقد بلع» سقطت من ق.
(3)
. بعده بياض في س.
(4)
. غير واضحة في س.
(5)
. ق: «وقال غيرهما: يحرم» .