الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من غير قضاء تجب عليه هذه الكفّارة، كالشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، ولكان الناسُ مخيّرين في أول الإسلام بينها وبين الصوم، وذلك لأن ما وجب الكفّارة في محظورِه ومباحِه لم يختلف جنسُها، وإنما يختلف الإثم وعدمه. دليلُه
(1)
: كفّارة الإحرام؛ فإن الكفّارة التي تجب في اللباس والطيب والحلق والتقليم للعذر وغيره من جنس واحد، فعُلِم أنها إنما وجبت لخصوص وصف الجماع المحرّم.
ولهذا قلنا فيمن عجَزَ عن الصوم لشَبَقِه: إنه يطعم يومًا، لأن الجماع لم يبق في هذه الصورة محرَّمًا ليوجب كفّارة، وإنما تجبُ كفّارة الإفطار، والإفطار كفّارته إطعام المساكين.
الفصل الثالث
أن الجماع في الفرج يوجب الكفّارة، وهذا كالمُجمَع عليه
، ليس فيه إلا خلاف شاذ. والأصل فيه ما روى الزهري، عن حُميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوسٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله، هلكتُ. قال: «ما
(2)
أهْلَكَك؟» قال: وقعتُ على امرأتي وأنا صائم (وفي رواية: في نهار رمضان). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجدُ رقبةً تُعتِقُها؟» قال: لا. قال: «اجلس» . فمكثَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أُتي النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر ــ والعَرَق المكتل الضخم ــ، فقال:«أين السائل؟» قال: أنا. قال: «خذ هذا فتصَدَّق به» فقال الرجل: أعَلى أفْقَر منّي يا
(1)
المطبوع: «ودليله» .
(2)
كذا في النسختين بدون واو وهو كذلك في بعض مصادر الحديث، وفي غالبها «وما» .
رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهلُ بيتٍ أفقرُ مِن أهل بيتي. فضحك النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابُه، ثم قال:«أطعِمْه أهلَ بيتِك» رواه الجماعة
(1)
.
وفي رواية لأحمد ومسلم وأبي داود
(2)
ورواه أبو داود
(3)
من طريق هشام بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال فيه: فأُتي بعَرَق فيه تَمْر قَدْر خمسة عشر صاعًا، وقال فيه:«كله أنت وأهل بيتك، وصم يومًا، واستغفر الله» .
وفي رواية ابن ماجه
(4)
: فقال رسول الله
(5)
صلى الله عليه وسلم: «أعتِقْ رقبة» . قال: لا أجد. قال: «صُمْ شهرين متتابعَين» قال: لا أطيق. قال: «أطْعِم ستين مسكينًا» . وفي رواية له
(6)
وعن عائشة أن رجلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنه احترق. قال: «ما لَكَ؟» . قال: أصبتُ أهلي في رمضان. فأُتيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بمِكْتَل يدعى العَرَق، فقال:
(1)
أخرجه أحمد (10687)، والبخاري (6709، 6711)، ومسلم (1111)، وأبو داود (2392)، والترمذي (724)، والنسائي في «الكبرى» (3104)، وابن ماجه (1671).
(2)
أخرجه أحمد (7692)، ومسلم (1111)، وأبو داود (2392).
(3)
(2393). وقد تقدم الكلام على ما في هذه الرواية من العلل.
(4)
(1671).
(5)
س: «النبي» .
(6)
بعد رقم (1671).
«أين المحترق؟» . قال: أنا. قال: «تصدّق بهذا» . رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه
(1)
.
وفي رواية لمسلم
(2)
: أصبتُ امرأتي في رمضان نهارًا. قال: «تصدّق، تصدّق» . قال: ما عندي شيء. فأمرَه أن يجلس، فجاءه عَرَقان فيهمان طعام، فأمره أن يتصدّق به.
وفي رواية لأحمد ومسلم وأبي داود
(3)
: فبينا هو على ذلك أقبل رجلٌ يسوق حمارًا عليه طعام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أين المحترقُ آنفًا؟» فقام الرجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدّق بهذا» . فقال: يا رسول الله! أعلى غيرنا؟ فوالله إنّا لَجِياعٌ ما لنا شيء. قال: «فكُلُوه» .
وفي رواية لأبي داود
(4)
: «فأُتيَ بعَرَق فيه عشرون صاعًا» . وفي رواية
(1)
أخرجه أحمد (25092، 26359)، والبخاري (1935، 6822)، ومسلم (1112)، وأبو داود (2394)، والنسائي في «الكبرى» (3097 - 3100).
(2)
(1112/ 85).
(3)
أخرجه أحمد (26359)، ومسلم (1112/ 87)، وأبو داود (2394).
(4)
(2395). وأخرجها ابن خزيمة (1947)، والبيهقي:(4/ 223) من طرق عن عبد الرحمن بن الحارث، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عباد بن عبد الله، عن عائشة به، وخالفه عبد الرحمن بن القاسم، عن محمد بن جعفر به، ولم يقل «عشرون صاعًا». وعبد الرحمن بن القاسم ثقة ثبت بخلاف عبد الرحمن بن الحارث فإنه متكلَّم فيه. وقد أعلّ ابنُ خزيمة هذه اللفظة بقوله:«إن ثبتت هذه اللفظة «بعرق فيه عشرون صاعًا» فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا المجامع أن يطعم كل مسكين ثلث صاع من تمر؛ لأن عشرين صاعًا إذا قسم بين ستين مسكينًا كان لكل مسكين ثلث صاع، ولستُ أحسب هذه اللفظة ثابتة، فإن في خبر الزهري: أتي بمكتل فيه خمسة عشر صاعًا ، أو عشرون صاعًا، هذا في خبر منصور بن المعتمر، عن الزهري. فأما هقل بن زياد فإنه روى عن الأوزاعي، عن الزهري قال: خمسة عشر صاعًا .. ».
لبعضهم: «من تمر» .
وهذه الكفّارة على الترتيب في الرواية المنصورة. وفي الأخرى هي على التخيير بين الخصال الثلاثة؛ لما تقدم من رواية مسلم، وقد رواه كذلك مالكٌ وابنُ جُريج، وهما من أجلِّ مَن رواه عن الزهريّ.
وكذلك في حديث عائشة أمرَه بالصدقة، ولم يذكر العتق والصيام، فعُلِم أنها مجزِئة عنه ابتداءً، ولأنها كفّارة وجبت.
ووجه الأول: ما تقدّم من الرواية المشهورة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«هل تجدُ رقبةً تُعتقها؟» قال: لا. قال: «هل تستطيعُ أن تصومَ شهرين متتابِعَين؟» [ق 45] قال: لا. قال: «هل تجدُ إطعامَ ستّين مسكينًا؟» . قال: لا.
وعامّة أصحاب الزهريّ يروونه هكذا.
وأما الرواية الأخرى، فلم يذكر فيها لفظ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكر أنه أمَرَه بهذا أو بهذا، وهذا مُجمل يحتمل أنه أمره به على وجه الترتيب، ويحتمل أنه أمره به على وجه التخيير، والرواية الأخرى ذكر فيها لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وهو دليل ظاهر في الترتيب.
ولهذا أنكر أحمدُ على مَن فهم التخيير، فقال في رواية ابن القاسم
(1)
: فقال:
(2)
مالك يقول في حديثه: إنه خيَّره في الكفّارة، وليس أحدٌ يقول في
(1)
ذكرها أبو يعلى في «الروايتين والوجهين» : (1/ 260).
(2)
كذا في النسختين، والكلام مستقيم بدونها.
الحديث: إنه خيَّره، إنما قال له شيئًا بعد شيء، وإنما يُقال له عندنا شيئًا بعد شيء
(1)
، ومَن روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: أعتِقْ أو صم أو تصدّق، فرواه بالمعنى من حيث الجملة؛ فإن الرجل قد يقول: افعل كذا أو كذا أو كذا
(2)
، ومعناه الترتيب.
وأما حديث عائشة: فإنها حَكَت ما استقرّ عليه الحالُ، وهو أمره بالصدقة، فإنه كان عند العجز عن العتق والصيام، ولهذا لم يذكر العتق والإطعام.
ثم هي قضيَّةٌ في عين، فذلك المأمور بالصدقة إن كان هو غير الذي في حديث أبي هريرة؛ فربما علم النبي صلى الله عليه وسلم مِنْ حاله العجزَ عن العتق والإطعام، ولهذا لم يذكرهما له، ولا ريب في أنهما يُذكران للمستفتي كما في حديث أبي هريرة.
ثم هي أكثر رواةً وأشد استقصاءً وأحوط وأشبه بالقياس.
فإن هذه الكفّارة لم تجب في الشرع إلا على وجه الترتيب، ولأنها إذا وجبت على المظاهر على وجه الترتيب؛ فعلى المجامع في رمضان أولى؛ فإن ذنب هذا أعظم؛ لأن التحريم في الظهار ثبت بقول المكلَّف، وهنا ثبت بتحريم الله ابتداءً، ولأنه إمساكٌ عن محظورات تجب بالوطء فيه الكفّارةُ، فكانت على الترتيب، ككفّارة المجامع في إحرامه.
(1)
كذا، وفي الكلام تكرار أوهم الاشتباه والنقص. ونصه في كتاب «الروايتين»:«قال في رواية ابن القاسم: مالك يقول: هو بالخيار، وهو إنما يقال له: عندنا شيء بعد شيء» .
(2)
في ق: «أو كذا» مرتين.
فصل
فإن عَجَز عن الكفارات الثلاثة
(1)
:
قال الأثرم
(2)
: قلت لأحمد: حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أطعمه عيالك» ، أتقول به؟ قال: نعم إذا كان محتاجًا، ولكن لا يكون في شيء من الكفارات إلا في الجماع في رمضان وحده، لا في كفّارة اليمين، ولا في كفّارة الظهار. قيل له: أليس في حديث سَلَمة بن صخر حين ظاهَرَ
(3)
من امرأته ووقع عليها
(4)
نحو هذا؟ قال: ومَن يقول هذا؟ إنما حديث سلمة «تصدّق بكذا
(5)
واستعِنْ
(6)
بسائره على أهلك»، وإنما أمر له بما تبقّى
(7)
. قلت له: فإن كان المجامع محتاجًا فأطعَمَه عياله؟ قال: يجزئ عنه. قلت: ولا يكفِّر إذا وجد؟ قال: لا، إلا أنه خاصّ في الجِماع وحدَه.
فذَكَر أصحابنا هل تسقط عنه أو تبقى في ذمته؟ على روايتين، أصحهما تسقط عن ذمته كما ذكره الشيخ، لحديث الأعرابي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يُطعِم العَرَقَ أهلَ بيته، ولم يأمره أن يقضي إذا أيْسَر، وكان عاجزًا؛ لأن
(1)
كذا في النسختين والوجه: «الثلاث» .
(2)
نقلها ابنُ عبد البر في «التمهيد» : (7/ 177)، و «الاستذكار»:(3/ 317).
(3)
س: «ظهر» خطأ.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
تحرفت في النسختين والمطبوع إلى: «تفرد بهذا» ، والتصحيح من الاستذكار والتمهيد.
(6)
س: «واستغني» .
(7)
المطبوع: «بقي» .
التكفير إنما يكون بما يفضُل عن حاجته، ولأنه حقّ ماليّ يجب لله على وجه الطُّهرة للصائم، فلم يجب على العاجز كصدقة الفطر، بخلاف بقيّة الكفارات، فإنها لا
(1)
تجب على وجه الطُّهْرة في الصيام.
والثانية: تبقى في ذمته كسائر الكفارات في الأصح من الروايتين.
قال الزهريّ لمّا روى الحديث: «وإنما كان هذا رخصة له خاصة، فلو أن رجلًا فعل ذلك اليومَ، لم يكن له بدٌّ من التكفير»
(2)
.
لأنها كفّارة وجبت بسببٍ من المكلَّف، فلم تسقط بالعجز، ككفّارة اليمين وغيرها، ولأن الأعرابي لو سقطت الكفّارة عنه لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالتكفير بعد أن أُتي بالعَرَق، فإنه حين وجوب الكفّارة كان عاجزًا، وعكسه صدقة [الفطر]
(3)
.
وأما الكفّارة الصّغرى في الصيام، وهي فدية المرضع والحامل والشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، فقال ابن عقيل في «التذكرة»
(4)
: جميعُها تسقط بالعجز ولا تثبت في الذمة ككفّارة الجماع وأولى؛ لأنها تجب بغير فِعل من المكلّف، فهي بصدقة الفطر أشبه.
(1)
سقطت من المطبوع.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (7457)، ومن طريقه أبو داود (2391). بإسناد صحيح.
وكلمة الزهري كُتبت في متن س وكتب فوقها (لا إلى)، وسقطت من ق واستُدْرِكت في هامشها.
(3)
سقطت من النسختين، وفي هامش ق نبّه على سقوطها بقوله:«لعله: الفطر» .
(4)
(ص 95).
وقال القاضي في «خلافه» وغيرُه: تسقط كفّارة المرضع والحامل، ولا تسقط فدية العاجز عن الصيام
(1)
لكبر أو مرض؛ لأنها بدلٌ عن الصيام الواجب، فلما لم يسقط الصيام بالعجز عنه؛ فكذلك بدله لا يسقط بالعجز عنه إذا قدر عليه في الثاني، وعلى هذا فلو قَدَر بعد الصيام على الصيام والإطعام
…
(2)
وظاهر كلام أحمد أنه لا يسقط شيء من ذلك بالعجز إلا كفّارة الجماع. وكذلك ذَكَرا
(3)
في «المجرّد» و «الفصول» ؛ لأن كفّارة المرضع والحامل بدلٌ عن الصوم الواجب أيضًا.
فإن كان عاجزًا حين وجوب الكفّارة ثم قَدَر على ذلك فيما بعد بقريب كالأعرابيّ وسَلَمة بن صخر، وقلنا: تسقط
…
(4)
فإن قلنا: تسقط، فلا كلام.
وإن قلنا: لا تسقط، فكفَّر عن المظاهر رجلٌ بإذنه لفقره، أو كان عنده ما يكفِّر به أو دُفِع إليه وهو محتاج إليه، أو هو أحوج إليه من غيره، فهل يجوز صرفه إلى نفسه؟ على روايتين:
فقال القاضي: لا يجوز صرف الكفّارة عنه إلى نفسه حملًا لحديث الأعرابي على أنه لم يكن كفّارة، وإنما أكلها صدقةً محضة؛ لأنه ليس في
(1)
س: «المرض» تحريف.
(2)
كتب مقابله في هامش ق: «كذا» ، وبعده في س بياض.
(3)
ق، والمطبوع:«ذكر» . والمقصود القاضي وابن عقيل.
(4)
بياض في النسختين.
الأصول أن الواجبات تصرف إلى مَن [ق 46] وجبت عليه من غير خروج عن ملكه.
وهذا على قولنا: سقطت الكفّارة عنه.
فأما إن قلنا: تبقى في ذمّته، فقال بعضُ أصحابنا: يجوز صرفُها إليه لحديث الأعرابي، وقال بعضُهم: هل يجوز ذلك أم يكون خاصًّا بالأعرابي؟ فيه وجهان. [وهل يجوز ذلك في بقية الكفّارات؟ على روايتين]
(1)
.
والمنصوص عن أحمد في رواية الأثرم
(2)
وقد ذَكَر له حديث أبي هريرة وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أطعِمْه عيالَكَ» فقال: لا يكون هذا في شيء من الكفّارات إلا في الجماع خاصّة، فإنه يجزئه ولا يكفِّر مرّة أخرى.
وهذا بيانٌ من أحمد على أن الذي أطعمه الأعرابيّ لأهله كان كفّارة أجزأت عنه؛ لقوله: «يجزئه» ، والإجزاء لا يكون إلا لشيء قد فُعِل وامْتُثل فيه الأمر، ولقوله:«ولا يكفِّر مرة أخرى» فدلّ على أنه قد كفَّر أوّلَ مرّة.
وقال في رواية مهنّا: في رجل عليه عتق رقبة، وليس عنده ما يكفِّر، فقال له رجلٌ: أنا أعْتِق عنك هذه الجارية؟ قال: لا يجوز، إلا أن يُمَلِّكه إيّاها، فيعتقها هو، فإذا لم يُملّكها فلا تجزئه؛ لأن ولاءها للذي أعتقها، وفي الإطعام يجوز أن يُطعِم عنه غيرُه، فأما في الرقَبَة فلا.
(1)
ما بين المعكوفين من ق فقط، ومكانه فيها بعد قوله:«فهل يجوز صرفه على نفسه» على روايتين، والسياق يقتضي تحويلها إلى هذا المكان، فربما كانت لحقًا فأدرجه الناسخ في غير مكانه، والله أعلم.
(2)
ذكره في التمهيد والاستذكار كما سبق.
وقال في رواية الأثرم: فإذا لم يكن عنده وأطعَمَ عنه غيرُه، يكون له ولعياله؟ قال: نعم، على حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو بكر: قد رُوي عن أبي عبد الله أن ذلك خاصٌّ في الواطئ إذا كفَّر عنه غيرُه، رواه إبراهيم بن الحارث أنه يأكلها إذا أطعم عنه غيره، ويمتنع في غير كفّارة الوطء في الصيام أن يأكل منها شيئًا.
وروى عنه أبو الحارث: أن كل الكفارات لا بأس بأكلها إذا كفّرت عنه. وبما روى الأثرمُ وإبراهيمُ بن الحارث أقولُ
(1)
، وهذه طريقة ابن أبي موسى
(2)
فعلى هذا يجوز له أن يصرف هذه إلى نفسه، سواء كفَّر هو عن نفسه أو كفَّر عنه غيره بإذنه، وهذا ظاهر الحديث، فإن الأعرابيّ أخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه لا يجد ما يطعَمُه، ثم بعد هذا أمره النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يكفِّر بالعَرَق الذي جاءه، فعُلِم أن الكفّارة لم تسقط عنه، وإنما كفَّر بإطعام ذلك العَرَق لنفسه وعياله.
(1)
في المطبوع جعل نهاية الكلام عند قوله «ابن الحارث» ، وبداية الفقرة كلمة «أقول:» وهو وهم. والقول هنا لأبي بكر عبد العزيز، وانظر مثله في كتاب الحج من كتابنا هذا (5/ 753).
(2)
كما في «الإرشاد» (ص 150).
فصل
ويجب العتق إذا وجد الرقبة أو ثمنها فاضلًا عن حوائجه الأصلية، كما يُستوفى إن شاء الله تعالى في موضعه.
فإن كان عادمًا لها
(1)
وقتَ الوجوب، ثم وجدها قبل الصوم، فقال بعض أصحابنا: يلزمه العتق؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أمرَ الأعرابيّ بالعتق، ولم يسأله عن حاله حين الجماع
…
(2)
الفصل الرابع
أن الكفّارة تجب بالجماع في الفرج، سواء كان قُبُلًا أو دُبرًا، مِن ذَكَر أو أنثى، وسواء أنزل الماء أو لم ينزل. رواية واحدة.
وكذلك إذا أولجَ
(3)
في فَرْج بهيمة في المشهور عند أصحابنا، وحكاه أبو بكر عن أحمد في رواية ابن منصور
(4)
.
وخرَّج القاضي في «الخلاف» وأصحابُه كالشريف وأبي الخطاب
(5)
رواية أخرى: أنه لا كفّارة عليه، من إحدى الروايتين في الحدّ بوطء البهيمة، تخريجًا للكفّارة على الحدّ.
فإن قلنا: فيه الحدّ، ففيه الكفّارة، وإن قلنا: فيه التعزير، فلا كفّارة فيه.
(1)
المطبوع: «عادمها» .
(2)
بياض في النسختين.
(3)
المطبوع: «ولج» .
(4)
لم أجدها في المطبوع من مسائل الكوسج.
(5)
ينظر «الهداية» (ص 159) لأبي الخطاب، و «المغني»:(4/ 375).
ومنهم مَن أوجب الكفّارة قولًا واحدًا، وإن لم يوجب الحدَّ، وهو قول القاضي في «المجرَّد» ؛ لأن سبب وجوب الكفّارة أوسع من سبب وجوب الحدّ، بدليل أنها تجب في الإنزال عن الوطء دون الفرج، والحدّ ليس كذلك.
ويفطر بالجماع في هذه المواضع قولًا واحدًا، سواء أنزلَ أو لم ينزل؛ لأنه جماعٌ يوجب الغسلَ، فأفسدَ الصومَ، وأوجبَ الكفّارة، كجماع المرأة. وسواء كان الوطء بعقد نكاح أو شُبهة أو مِلك يمين أو زنى. ذَكَره أصحابنا
(1)
.
ويتوجَّه في الزنى
…
وجماع الميتة
…
(2)
فأما المباشرة فيما دون الفرج بقُبْلة أو جسّ أو وطء دون الفرج أو غير ذلك بحيث يمسّ بدنُه بدنَ امرأةٍ لشهوة، إذا لم يُنزل بها فلا قضاء عليه ولا كفّارة.
وفي «زاد المسافر»
(3)
رواية حنبل: إذا غشي دون الفرج، فعليه القضاء والكفّارة. وفي «التعليق»
(4)
: فأنزل.
وإن أنزل الماءَ الأعظم فسد صومُه. روايةً واحدة.
(1)
ينظر «المغني» : (4/ 375)، و «الفروع»:(5/ 44).
(2)
بياض في النسختين في الموضعين.
(3)
لغلام الخلال (ت 363). ينظر عنه «المدخل المفصل» : (2/ 669، 672) لبكر أبو زيد.
(4)
للقاضي أبي يعلى، ونص عليه أيضًا في «الجامع الصغير» (ص 87).
وفي الكفّارة فيه ثلاث روايات:
إحداهن: لا كفّارة عليه كما ذكره الشيخ: إذا لامس امرأتَه، فأنزل وأنزلت، يقضي يومًا مكانه. هذا لم يُجامع، إنما لمس فأنزل.
وحَمَله القاضي على الجماع دون الفرج أيضًا. وظاهره أنه لم يجامع الجماعَ المعروف؛ لأن الوطء في الفرج يُفارق غيره في ثبوت الإحصان والإحلال ووجوب
(1)
الغسل بمجرّده، والحدّ والمهر والعِدّة والصهر اتفاقًا، وهو الاستمتاع التامّ، فلا يلزم من وجوب الكفّارة فيه وجوبها فيما دونه.
والثانية: عليه
(2)
الكفّارة، نقلها حنبل وأحمد بن إبراهيم الكوفي.
وهي اختيار القاضي وأصحابه؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أفتى الأعرابيّ بوجوب الكفّارة لمَّا أخبره أنه أصاب امرأتَه، ولم يستفصله كما استفصل الذي أقرّ بما [ق 47] يوجب الحدَّ، والاستمتاعُ أفسدَ الصومَ فأوجب الكفّارة كالوطء.
فعلى هذا إذا لمس صبيًّا
…
(3)
والثالث
(4)
: إن جامع دون الفرج فأنزل، فعليه الكفّارة. فأما المعانقة والقُبْلة والمباشرة، فلا كفّارة فيه. نقلها الأثرم.
وقال في رواية حرب: الجماع في الفرج وغير الفرج سواء، إذا أنزل
(1)
س: «وجوب» .
(2)
س: «على» .
(3)
بياض في النسختين.
(4)
س: «الثالثة» .
فعليه الكفّارة. وهي اختيار قدماء الأصحاب كالخِرَقي وأبي بكر وابن أبي موسى
(1)
.
والجماع دون الفرج أن يباشرها بفرجه في موضعٍ مِن بدنها على أيّ وجهٍ كان، فيما ذكره ابن عقيل، سواء أولجَ بين فخذيها ونحوهما
(2)
من بدنها أو لم يولج.
وفرَّق أحمد بين المُجامَعَة دون الفرج وبين المعانقة، وقال: هو جماع؛ لأن استمتاعه فيما دون الفرج جماع، فأشبه الإيلاج في الفرج.
فأما إذا مسَّ امرأتَه فأنزل وأنزلت، يقضي يومًا مكانه. هذا لم يجامع، إنما لمس فأنزل. وحمله القاضي على الجماع دون الفرج أيضًا، وظاهره أنه لم يُجامع الجماعَ المعروف
(3)
.
وإن استمنى بيده فعليه القضاء دون الكفّارة فيما ذكره أصحابنا، وفرَّق القاضي بينه وبين الإنزال عن مباشرةٍ أو نظر.
وأما ابن عقيل فخرّجها على روايتين، وجعل النص على الرواية
(4)
التي تقول: لا يفطر بالإنزال عن مباشرة، لاسيما إذا قلنا: الإنزال عن دوام النظر يوجبُ الكفّارةَ، فالاستمتاع أبلغ في إنزال الماء وتسكين الشهوة.
والمنصوص عن أحمد في رواية أبي طالب في صائم وجد شهوةً
(1)
ينظر «المختصر» (ص 50)، و «الإرشاد» (ص 152).
(2)
في النسختين: «ونحوها» ولعله ما أثبت.
(3)
تقدمت هذه الفقرة برمتها في الصفحة السابقة.
(4)
في النسختين: «رواية» والصحيح ما أثبت.