الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وإذا
ارتد أحد الزوجين عن الإسلام
وقعت الفرقة بغير طلاق، وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد رحمه الله: إن كانت الردة من الزوج فهي فرقة بطلاق هو يعتبره بالإباء، والجامع بينهما ما بيناه. وأبو يوسف رحمه الله مر على ما أصلنا له في الإباء. وأبو حنيفة رحمه الله فرق بينهما. ووجهه أن الردة منافية للنكاح؛ لكونها منافية للعصمة، والطلاق رافع، فتعذر أن تجعل طلاقا، بخلاف الإباء، لأنه يفوت الإمساك بالمعروف، فيجب التسريح بالإحسان على ما مر.
ــ
[البناية]
[ارتد أحد الزوجين عن الإسلام]
م: (قال: وإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام) ش: - والعياذ بالله تعالى - م: (وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق) ش: سواء دخل بها، أو لم يدخل، وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، وقال محمد: إن كانت الردة من الزوج فهي فرقة بطلاق وإن كانت منها فهو كما قالا.
وفي " مغني" الحنابلة " إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم، وحكي عن داود الأصفهاني: أنه لا ينفسخ بالردة، وإن كانت الردة بعد الدخول فكذلك في أحد الروايتين عن أحمد بن حنبل، وهو قول الحسن، وعمر بن عبد العزيز، وأبي حنيفة، ومالك، والثوري، وزفر، وأبي ثور، وابن المنذر.
وفي الرواية الثانية: يقف على انقضاء العدة، وهو قول الشافعي، وإسحاق، ثم من المالكية من جعل الردة فسخاً، ومنهم من جعلها طلقة بائنة. ومنهم من جعلها طلقة رجعية. ومنهم من قال: لو أسلم يعود إلى زوجته كانت بغير طلاق ولا بفسخ، كما يعود المرتد إلى ماله، على المعروف من كل مذهب، وعند ابن أبي ليلى لا تقع الفرقة بالردة قبل الدخول وبعده، لكن يستتاب المرتد، فإن تاب فهي امرأته، وإن مات على الردة، أو قتل ورثته امرأته.
م: (هو) ش: أي محمد م: (يعتبره بالإباء) ش: أي يعتبر الردة بالإباء م: (والجامع بينهما ما بيناه) ش: وما ذكره قبل هذا قريباً من الورقة بقوله لها، أي بالإباء امتنع عن الإمساك بالمعروف مع قدرته عليه، فينوب القاضي منابه في التسريح، فكذلك بالردة امتنع عن الإمساك، فناب القاضي منابه م:(وأبو يوسف مر على ما أصلنا له في الإباء) ش: وهو أن الفرقة سبب يشترك فيه الزوجان، فلا يكون طلاقاً كالفرقة بسبب الملك، وهذا ينتقض بالخلع.
م: (وأبو حنيفة فرق) ش: أي بين الإباء والردة م: (ووجهه) ش: أي وجه الفرق م: (أن الردة منافية للنكاح لكونها) ش: أي لكون الردة م: (منافية للعصمة) ش: لبطلان العصمة عن نفسه، وإملاكه بها فيترك ملك النكاح بها، ولأنها موت حكماً م:(والطلاق رافع) ش: للنكاح، وليس بمناف له م:(فتعذر أن تجعل طلاقاً بخلاف الإباء، لأنه يفوت به الإمساك بالمعروف فيجب التسريح بالإحسان على ما مر) ش: لأن الإباء امتناع عن الإمساك بالمعروف مع قدرته على الإسلام، فينوب القاضي منابه في التسريح.
ولهذا تتوقف الفرقة بالإباء على القضاء، ولا تتوقف بالردة، ثم إن كان الزوج هو المرتد فلها كل المهر إن دخل بها، ونصف المهر إن لم يدخل بها، وإن كانت هي المرتدة فلها كل المهر إن دخل بها، وإن لم يدخل بها لا مهر لها، ولا نفقة، لأن الفرقة من قبلها. قال: وإذا ارتدا معا، ثم أسلما معا فهما على نكاحهما استحسانا. وقال زفر رحمه الله: يبطل؛ لأن ردة أحدهما منافية، وفي ردتهما ردة أحدهما. ولنا ما روي أن بني حنيفة ارتدوا ثم أسلموا ولم يأمرهم الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - بتجديد الأنكحة، والارتداد منهم واقع
ــ
[البناية]
م: (ولهذا) ش: توضيح لكون الردة منافية للطلاق دون الإباء، أي لأجل ذلك م:(تتوقف الفرقة بالإباء على القضاء) ش: أي على حكم الحاكم؛ لأنها ليست للمنافاة، فتوقف حكمه على القضاء م:(ولا تتوقف) ش: على القضاء م: (بالردة) ش: لأن النافي لا يتوقف حكمه على القضاء كالمحرمية م: (ثم إن كان الزوج هو المرتد فلها كل المهر إن دخل بها، ونصف المهر إن لم يدخل بها) ش: بالنص م: (وإن كانت هي المرتدة فلها كل المهر إن دخل بها، وإن لم يدخل بها فلا مهر لها، ولا نفقة؛ لأن الفرقة من قبلها) ش: فلذلك يسقط المهر، والنفقة كالناشزة لا نفقة لها.
م: (قال ارتدا معاً) ش: أي ارتد الزوجان معاً م: (ثم أسلما معاً فلهما نكاحهما استحساناً) ش: أي من الاستحسان م: (وقال زفر: يبطل) ش: وهو القياس وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد م:(لأن ردة أحدهما منافية، وفي ردتها ردة أحدهما) ش: إذا كانت منافية للنكاح، فردتها بالطريق الأولى.
م: (ولنا ما روي) ش: وهو وجه الاستحسان م: (أن بني حنيفة) ش: وهم حي من العرب م: (ارتدوا، ثم أسلموا ولم يأمرهم الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بتجديد الأنكحة) ش: قال مخرج الأحاديث: هذا غريب. قال الأترازي: وجه الاستحسان ما روى أصحابنا في " المبسوط " وغيره أن بني حنيفة ارتدوا لمنع الزكاة، وبعث إليهم أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجيوش حتى أسلموا، ولم يأمرهم بتجديد الأنكحة، ولا أحد من الصحابة، وإجماعهم حجة يترك به القياس.
فإن قلت: من الجائز أنهم ارتدوا على التعاقب، فمن أين يعرف أنهم ارتدوا جميعاً، بل الغالب التعاقب في الردة، وهو الظاهر.
قلت: ترك الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عن تجديد الأنكحة دليل على عدم التعاقب؛ لأنه لو كان ارتدادهم على التعاقب لأمروا بتجديد الأنكحة، لأن السكوت عن الحق لا يليق بجنابهم.
م: (والارتداد منهم واقع معاً) ش: هذا جواب عما يقال: إن ارتداد بني حنيفة ما وقع جملة حتى يستقيم التعلق به، فأجاب بقوله: م: (والارتداد منهم) ش: أي من بني حنيفة م: (واقع) ش: منهم
معا لجهالة التاريخ. ولو أسلم أحدهما بعد الارتداد فسد النكاح بينهما، لإصرار الآخر على الردة؛ لأنه مناف كابتدائها.
ــ
[البناية]
جميعاً م: (لجهالة التاريخ) ش: لهيئة ارتدادهم، فيجعل كأنه وجد جملة كالغرقى، والحرقى، والهدمى م:(ولو أسلم أحدهما) ش: أي أحد الزوجين المرتدين م: (بعد الارتداد) ش: قبل الآخر م: (فسد النكاح بينهما) ش: يعني تقع الفرقة بينهما بإجماع علمائنا م: (لإصرار الآخر على الردة؛ لأنه) ش: أي لأن إصراره على الردة م: (مناف) ش: أي للنكاح م: (كابتدائها) ش: أي كإفسادها، حتى لا يجب لها شيء إن كان المسلم هو الزوج قبل الدخول.
وإن كانت هي التي أسلمت قبل الدخول فلها نصف الصداق، وإن وجد الدخول فلها المهر كاملاً في الوجهين؛ لأن المهر يستقر بالدخول، ويصير ديناً في ذمة الزوج، والديون لا تسقط بالردة، وعند زفر والشافعي ومالك وأحمد: إسلام أحدهما لا يؤثر في الفرقة الواقعة بارتدادهما، والله أعلم.